يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
ذروة الانحطاط السياسي والأخلاقي
بمجرد أن أعلن كريم خان مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية أنه سيطلب إصدار مذكرات اعتقال لنتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني ووزير الدفاع وبعض قادة حماس، جن جنون الدول الغربية في مقدمتها أمريكا وألمانيا.
كل الدول الغربية هبت كمن لدغها عقرب دفاعا عن الكيان الصهيوني وعن أبشع جرائم إبادة شهدها العالم، باستثناء بعض الدول الأوروبية القليلة مثل فرنسا التي أكدت ضرورة احترام استقلالية المحكمة وقراراتها.
الدول الغربية في رد فعلها وصلت إلى ذروة من الانحطاط السياسي والأخلاقي.
لنتأمل الجوانب التالية التي انطوى عليها رد الفعل الغربي، وبالأخص الأمريكي.
أولا: رد الفعل الأساسي الفوري الذي عبر عنه القادة والمسؤولون الغربيون بمجرد إعلان قرار المدعي العام للمحكمة هو، وبنفس العبارات بالنص، هو القول إن هذا قرار «شائن» و«عار» وما شابه ذلك. لماذا لأنه في رأيهم لا يجوز المقارنة بين حركة حماس، وبين نتنياهو وحكومته «المنتخبة ديمقراطيا».
إذا كان هناك من موقف «مشين» و«عار» فهو هذا الذي يقولونه في الغرب بالذات. بهذا الكلام يدوسون القانون الدولي الإنساني وكل القيم الإنسانية بالأقدام.
حركة حماس حركة مقاومة فلسطينية، والقانون الدولي منح الشعوب وحركات المقاومة حق مقاومة الاحتلال بكل السبل بما في ذلك المقاومة المسلحة.
وحتى لو افترضنا أن حكومة العدو الصهيوني «ديمقراطية» كما يزعمون، فهل تعتبر الديمقراطية في حد ذاتها مبررا لارتكاب جرائم إبادة جماعية؟ هل هي مبرر لما يفعله الكيان الصهيوني من محاولة لمحو غزة من الوجود وكل هذه الجرائم التي يتابعها العالم يوما بيوم وعلى امتداد كل هذه الأشهر؟
هذا الموقف الغربي يمثل موقفا همجيا بكل معنى الكلمة.
ثانيا: وكي تبرر الدول الغربية موقفها الشائن، لم يترددوا في القول بكل بجاحة إن ما يفعله الكيان الصهيوني «ليس إبادة جماعية».
الرئيس الأمريكي بايدن خرج ببساطة يقول: «إن ما يحصل ليس إبادة جماعية، نحن نرفض ذلك».
إن لم تكن كل هذه الجرائم الوحشية إبادة، فماذا تكون؟
ومع هذا فات بايدن وهؤلاء المسؤولين الغربيين أن المحكمة الجنائية من حقها إصدار مذكرات اعتقال سواء كانت الجرائم المرتكبة يتم توصيفها جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية، أو جرائم إبادة جماعية.
ثالثا: وفي أمريكا في ظل حالة الجنون التي تنتابهم ينهمكون اليوم في التفكير في فرض عقوبات على المحكمة الجنائية ومسؤوليها. وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في شهادته أمام الكونجرس دعا الكونجرس إلى التعاون مع الحكومة في إقرار تشريع يعاقب المحكمة الجنائية.
بغض النظر عن شرعية مثل هذه الخطوة أو جدواها العملية، فإن مجرد التفكير في هذا يجسد إلى أي حد وصل احتقارهم للقانون الدولي ووصل حماسهم للدفاع عن مجرمي الحرب والإبادة.
هذا إرهاب أمريكي سافر.. إرهاب ليس للمحكمة الجنائية ومسؤوليها فقط. هو إرهاب للقانون الدولي وكل المنظمات والمؤسسات الدولية المسؤولة عن تطبيقه.. هو إرهاب للبشرية كلها وقيمها الإنسانية.
الموقف الغربي من قرار مدعي عام المحكمة الجنائية على هذا النحو إن كان له من معنى رئيسي فهو أن هذه الدول شريك كامل مع الكيان الصهيوني في كل جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها. شراكتها هذه عن وعي كامل واقتناع تام ليس فقط حماية للكيان الصهيوني، وإنما شراكة معه في الأهداف التي يريد تحقيقها.
والدول الغربية تعلم أن الإدانة الدولية الرسمية للكيان الصهيوني سواء في المحكمة الجنائية أو في محكمة العدل الدولية بارتكاب جرائم إبادة جماعية سيعني في نفس الوقت إدانة لها ولقادتها بنفس الجرائم رسميا وفي حكم القانون الدولي.
عموما -كما ذكرت- ما فعلته الدول الغربية هو ذروة الانحطاط السياسي والأخلاقي. والحقيقة أن الغرب يثبت كل يوم أنه انحدر إلى هوة سحيقة من الهمجية والانحطاط، وأنه ليس أهلا لقيادة العالم، وأن النظام العالمي الذي يهيمن عليه لا بد أن ينتهي. هذا من أجل البشرية كلها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك