العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

المكارثية الجديدة في أمريكا

تحدثت‭ ‬أمس‭ ‬عن‭ ‬انتفاضة‭ ‬طلاب‭ ‬الجامعات‭ ‬الأمريكية‭ ‬وما‭ ‬تمثله‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬تتبنى‭ ‬قيما‭ ‬إنسانية‭ ‬نبيلة‭ ‬والدور‭ ‬المؤثر‭ ‬الذي‭ ‬تلعبه‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬والمواقف‭ ‬الرسمية‭ ‬نحو‭ ‬وقف‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬والجرائم‭ ‬الوحشية‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

هذه‭ ‬الحركة‭ ‬الطلابية‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تحتفي‭ ‬بها‭ ‬أمريكا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭ ‬طالما‭ ‬هي‭ ‬حركة‭ ‬احتجاج‭ ‬سلمية،‭ ‬ذلك‭ ‬أنها‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬الضمير‭ ‬الإنساني‭ ‬وعن‭ ‬القيم‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬يتفاخرون‭ ‬بها،‭ ‬قيم‭ ‬الحرية‭ ‬السياسية‭ ‬والأكاديمية‭ ‬والإعلامية‭ ‬وتعدد‭ ‬الآراء‭ ‬والمواقف‭ ‬التي‭ ‬يكفلها‭ ‬الدستور‭ ‬الأمريكي‭.‬

لكن‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬مذهل‭ ‬حقا‭. ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬النبيلة‭ ‬تم‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬بأبشع‭ ‬صور‭ ‬القمع‭ ‬والإرهاب‭ ‬السياسي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭.‬

لنتأمل‭ ‬ماذا‭ ‬فعلوا‭ ‬ويفعلون‭ ‬مع‭ ‬انتفاضة‭ ‬الطلاب‭.‬

قوات‭ ‬الشرطة‭ ‬الأمريكية‭ ‬اقتحمت‭ ‬الجامعات‭ ‬واعتقلت‭ ‬مئات‭ ‬الطلاب‭ ‬والأساتذة‭. ‬ووثقت‭ ‬الصور‭ ‬ومقاطع‭ ‬الفيديو‭ ‬مشاهد‭ ‬عنف‭ ‬بالغ‭ ‬للشرطة‭ ‬في‭ ‬تعاملها‭ ‬مع‭ ‬الطلاب‭. ‬واحد‭ ‬قادة‭ ‬الكونجرس‭ ‬هدد‭ ‬الطلاب‭ ‬علنا‭ ‬بالدفع‭ ‬بقوات‭ ‬الحرس‭ ‬الوطني‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬يفعلونه‭ ‬يدمر‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأمريكي‭.‬

جرى‭ ‬التشهير‭ ‬بالطلاب‭ ‬المحتجين‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬والتحريض‭ ‬عليهم‭. ‬على‭ ‬مستويات‭ ‬كثيرة‭ ‬اتهموا‭ ‬الطلاب‭ ‬بأنهم‭ ‬معادون‭ ‬للسامية،‭ ‬وهي‭ ‬تعتبر‭ ‬جريمة‭. ‬وقامت‭ ‬جهات‭ ‬ومنظمات‭ ‬صهيونية‭ ‬بنشر‭ ‬قوائم‭ ‬بأسماء‭ ‬قادة‭ ‬الطلاب‭ ‬المحتجين‭ ‬وتسيير‭ ‬شاحنات‭ ‬تحمل‭ ‬صورهم‭ ‬وأسماءهم‭.‬

تم‭ ‬إجبار‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬الجامعات‭ ‬على‭ ‬المثول‭ ‬أمام‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬واستجوابهم‭ ‬والتحقيق‭ ‬معهم‭ ‬فيما‭ ‬يشبه‭ ‬محاكم‭ ‬التفتيش‭ ‬بسبب‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬في‭ ‬جامعاتهم‭.‬

وعدد‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬الكونجرس‭ ‬وقعوا‭ ‬خطابا‭ ‬يطالبون‭ ‬فيه‭ ‬باستقالة‭ ‬رؤساء‭ ‬جامعات‭ ‬بسبب‭ ‬فشلهم‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬الاحتجاجات‭.‬

مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬الأمريكي‭ ‬أصدر‭ ‬بيانا‭ ‬وصف‭ ‬فيه‭ ‬مظاهرات‭ ‬الطلاب‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬معادية‭ ‬للسامية‭ ‬وبغيضة‭ ‬أخلاقيا‮»‬‭. ‬ومن‭ ‬المثير‭ ‬للسخرية‭ ‬أن‭ ‬المجلس‭ ‬اعتبر‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الطلاب‭ ‬‮«‬يتعاطفون‭ ‬مع‭ ‬العنف‭ ‬والإبادة‭ ‬ضد‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‮»‬‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬وليس‭ ‬غزة،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يتعرض‭ ‬لحرب‭ ‬إبادة‭.‬

بعض‭ ‬القادة‭ ‬الجمهوريين‭ ‬طالبوا‭ ‬بسحب‭ ‬تأشيرات‭ ‬الطلاب‭ ‬الدولية‭ ‬ووقف‭ ‬التمويل‭ ‬الحكومي‭ ‬للجامعات‭.‬

بعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬والشركات‭ ‬طلبت‭ ‬أسماء‭ ‬الطلاب‭ ‬المحتجين‭ ‬المؤيدين‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬بتوظيفهم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭.‬

على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬والوحشية‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭ ‬يتعاملون‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬مع‭ ‬انتفاضة‭ ‬طلاب‭ ‬الجامعات‭.‬

البعض‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬اعتبر‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬بمثابة‭ ‬‮«‬مذبحة‭ ‬للحريات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬والسياسية‮»‬‭. ‬كثيرون‭ ‬اعتبروا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬‮«‬مكارثية‭ ‬جديدة‮»‬‭. ‬يشيرون‭ ‬بهذا‭ ‬إلى‭ ‬المكارثية‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬حين‭ ‬سادت‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الإرهاب‭ ‬السياسي‭ ‬لكل‭ ‬قطاعات‭ ‬المجتمع‭ ‬وقواه‭ ‬وتم‭ ‬اعتقال‭ ‬الآلاف‭ ‬وطردهم‭ ‬من‭ ‬وظائفهم‭ ‬بحجة‭ ‬أنهم‭ ‬شيوعيون‭ ‬يهددون‭ ‬البلاد،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬بالمناسبة‭ ‬مارتن‭ ‬لوثر‭ ‬كينج‭ ‬وألبرت‭ ‬أينشتاين‭ ‬وآرثر‭ ‬ميللر‭ ‬وتشارلي‭ ‬تشابلن‭.‬

الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬المكارثية‭ ‬الجديدة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬أمريكا‭ ‬أسوأ‭ ‬بكثير‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬مكارثية‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الإرهاب‭ ‬الذي‭ ‬يمارس‭ ‬والملاحقات‭ ‬تتم‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬مصلحة‭ ‬أمريكية،‭ ‬لكن‭ ‬المكارثية‭ ‬الحالية‭ ‬تتم‭ ‬لحماية‭ ‬كيان‭ ‬صهيوني‭ ‬أجنبي‭ ‬إرهابي‭ ‬يمارس‭ ‬أشنع‭ ‬ما‭ ‬عرفه‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬والإبادة‭.‬

كما‭ ‬ذكرت‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬الطلبة،‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬العنف‭ ‬والإرهاب‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الطلاب،‭ ‬هو‭ ‬مبدئيا‭ ‬أمر‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الغرابة‭. ‬السبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬لنصرة‭ ‬غزة‭ ‬ولرفض‭ ‬جرائم‭ ‬الإبادة‭ ‬الصهيونية‭ ‬والمطالبة‭ ‬بوقف‭ ‬الحرب‭ ‬تقدم‭ ‬خدمات‭ ‬كبرى‭ ‬لأمريكا‭.. ‬لمصالحها‭ ‬ولصورتها‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬وهي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬لا‭ ‬تلحق‭ ‬أي‭ ‬ضرر‭ ‬بأمريكا‭ ‬أو‭ ‬بأي‭ ‬مصلحة‭ ‬أمريكية‭.‬

لهذا‭ ‬السبب‭ ‬كثيرون‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬محللين‭ ‬وساسة‭ ‬يثيرون‭ ‬تساؤلات‭ ‬كثيرة‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬المكارثية‭ ‬الجديدة‭ ‬وما‭ ‬وراءها‭. ‬هم‭ ‬يستاءلون‭: ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬جرى‭ ‬لأمريكا؟‭.. ‬كيف‭ ‬وصل‭ ‬بها‭ ‬الحال‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحد؟

للحديث‭ ‬بقية‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا