يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
المكارثية الجديدة في أمريكا
تحدثت أمس عن انتفاضة طلاب الجامعات الأمريكية وما تمثله من حركة تتبنى قيما إنسانية نبيلة والدور المؤثر الذي تلعبه في تغيير الرأي العام والمواقف الرسمية نحو وقف حرب الإبادة والجرائم الوحشية الصهيونية في غزة.
هذه الحركة الطلابية كان من المفروض أن تحتفي بها أمريكا على كل المستويات طالما هي حركة احتجاج سلمية، ذلك أنها كما ذكرت تعبر عن الضمير الإنساني وعن القيم الأمريكية التي يتفاخرون بها، قيم الحرية السياسية والأكاديمية والإعلامية وتعدد الآراء والمواقف التي يكفلها الدستور الأمريكي.
لكن الذي حدث مذهل حقا. الذي حدث أن هذه الحركة النبيلة تم التعامل معها بأبشع صور القمع والإرهاب السياسي على كل المستويات.
لنتأمل ماذا فعلوا ويفعلون مع انتفاضة الطلاب.
قوات الشرطة الأمريكية اقتحمت الجامعات واعتقلت مئات الطلاب والأساتذة. ووثقت الصور ومقاطع الفيديو مشاهد عنف بالغ للشرطة في تعاملها مع الطلاب. واحد قادة الكونجرس هدد الطلاب علنا بالدفع بقوات الحرس الوطني كما لو كان ما يفعلونه يدمر الأمن القومي الأمريكي.
جرى التشهير بالطلاب المحتجين على نطاق واسع والتحريض عليهم. على مستويات كثيرة اتهموا الطلاب بأنهم معادون للسامية، وهي تعتبر جريمة. وقامت جهات ومنظمات صهيونية بنشر قوائم بأسماء قادة الطلاب المحتجين وتسيير شاحنات تحمل صورهم وأسماءهم.
تم إجبار عدد من رؤساء الجامعات على المثول أمام مجلس النواب واستجوابهم والتحقيق معهم فيما يشبه محاكم التفتيش بسبب الاحتجاجات في جامعاتهم.
وعدد من أعضاء الكونجرس وقعوا خطابا يطالبون فيه باستقالة رؤساء جامعات بسبب فشلهم في وقف الاحتجاجات.
مجلس الشيوخ الأمريكي أصدر بيانا وصف فيه مظاهرات الطلاب بأنها «معادية للسامية وبغيضة أخلاقيا». ومن المثير للسخرية أن المجلس اعتبر أن هؤلاء الطلاب «يتعاطفون مع العنف والإبادة ضد دولة إسرائيل» كما لو كان الصهيوني، وليس غزة، هو الذي يتعرض لحرب إبادة.
بعض القادة الجمهوريين طالبوا بسحب تأشيرات الطلاب الدولية ووقف التمويل الحكومي للجامعات.
بعض المؤسسات والشركات طلبت أسماء الطلاب المحتجين المؤيدين للقضية الفلسطينية كي لا تقوم بتوظيفهم بعد ذلك.
على هذا النحو من العنف والوحشية على كل المستويات يتعاملون في أمريكا مع انتفاضة طلاب الجامعات.
البعض في أمريكا اعتبر أن ما يحدث بمثابة «مذبحة للحريات الأكاديمية والسياسية». كثيرون اعتبروا أن ما يجري في أمريكا اليوم هي «مكارثية جديدة». يشيرون بهذا إلى المكارثية التي شهدتها أمريكا في خمسينيات القرن الماضي حين سادت حالة من الإرهاب السياسي لكل قطاعات المجتمع وقواه وتم اعتقال الآلاف وطردهم من وظائفهم بحجة أنهم شيوعيون يهددون البلاد، وكان من بين هؤلاء بالمناسبة مارتن لوثر كينج وألبرت أينشتاين وآرثر ميللر وتشارلي تشابلن.
الحقيقة أن هذه «المكارثية الجديدة» التي تشهدها أمريكا أسوأ بكثير جدا من مكارثية خمسينيات القرن الماضي. على الأقل في ذلك الوقت كان هذا الإرهاب الذي يمارس والملاحقات تتم بحجة أن هذه مصلحة أمريكية، لكن المكارثية الحالية تتم لحماية كيان صهيوني أجنبي إرهابي يمارس أشنع ما عرفه العالم من جرائم الحرب والإبادة.
كما ذكرت في البداية هذا الذي يحدث مع حركة الطلبة، وكل هذا العنف والإرهاب السياسي في التعامل مع الطلاب، هو مبدئيا أمر في منتهى الغرابة. السبب في ذلك أن هذه الحركة لنصرة غزة ولرفض جرائم الإبادة الصهيونية والمطالبة بوقف الحرب تقدم خدمات كبرى لأمريكا.. لمصالحها ولصورتها في العالم. وهي في كل الأحوال لا تلحق أي ضرر بأمريكا أو بأي مصلحة أمريكية.
لهذا السبب كثيرون في أمريكا من محللين وساسة يثيرون تساؤلات كثيرة حول هذه المكارثية الجديدة وما وراءها. هم يستاءلون: ما الذي جرى لأمريكا؟.. كيف وصل بها الحال إلى هذا الحد؟
للحديث بقية بإذن الله.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك