يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
قبل العفو الملكي وبعده
المرسوم الذي أصدره جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بالعفو عن 1584 من المحكومين في قضايا الشغب والقضايا الجنائية يعد علامة فارقة في مسيرة العمل الوطني في البحرين.
كان من الطبيعي أن يستقبل شعب البحرين بكل فئاته وقواه الخطوة التي أقدم عليها جلالة الملك بالتقدير الكبير والامتنان والفرح.
رد الفعل الشعبي على هذا النحو هو تجسيد للثقة الشعبية في جلالة الملك وحكمته وتعبير عن التقدير الكبير لنهج القيادة والحكم في البحرين.
مرسوم العفو الملكي ينطوي على جوانب ومعان وطنية كبيرة ومهمة يجب أن نتوقف عندها ونتأملها.
أول هذه الجوانب إنه قبل العفو الملكي وبعده، هذا هو نهج الحكم والقيادة في البحرين. هو نهج ثابت ودائم. نعني أن ما أقدم عليه جلالة الملك ليس بالأمر الجديد. منذ أن تولى جلالته مقاليد الحكم ونهج العفو وفتح صفحة جديدة في العمل الوطني نهج أصيل دائم.
لا تغيب عن الذاكرة الوطنية أن جلالة الملك حين تولى الحكم أطلق أكبر مشروع إصلاحي في تاريخ البحرين والمنطقة. جوهر المشروع الإصلاحي كان العفو وإعطاء الذين أخطأوا في حق الوطن وأساءوا إليه الفرصة للعودة إلى الرشد والمشاركة في العمل الوطني. وفي إطار هذا النهج أقدم جلالة الملك على مبادرات كثيرة عبر السنوات الماضية.
بعبارة أخرى على امتداد الـ 25 عاما الماضية كان المواطن هو الهدف الأكبر والمحور الأساسي لكل برامج الإصلاح والتنمية. وهذا هو المعنى الذي يؤكده باستمرار سمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء.
ومن هذا المنطلق كانت توجيهات سمو ولي العهد رئيس الوزراء بتوفير برامج تدريبية وفرص عمل للذين شملهم العفو الملكي.
والعفو الملكي يأتي تذكيرا بالقيم الوطنية التي يجب أن تسود، وبالمبادئ الوطنية العامة التي يجب أن يعتصم بها كل فرد من أفراد المجتمع وكل جماعة، رسمية وشعبية.
كان لافتا أن المرسوم الملكي بالعفو حرص على تسجيل الأسباب والدوافع التي تقف وراء إقدام جلالة الملك على هذه الخطوة الوطنية. فقد نص على أن العفو يأتي انطلاقا من «حرص جلالته على تماسك وصلابة المجتمع البحريني والعمل على حماية نسيجه الاجتماعي في إطار إعلاء المصلحة العامة، والحفاظ على الحقوق الشخصية والمدنية، ومراعاة مبادئ العدالة وسيادة القانون واعتبارات صون الاستقلال القضائي والتوفيق بين العقوبة من جانب والظروف الإنسانية والاجتماعية للمحكوم عليهم من جانب آخر، وإتاحة فرصة الاندماج الإيجابي في المجتمع على نحو من شأنه إعلاء قيم ومعايير حقوق الإنسان، وبما يتفق ومنهج مملكة البحرين وثقلها الإقليمي في هذا الخصوص».
حين نتأمل هذا النص جيدا سنجد أنه يحدد بدقة ما هي القيم والمبادئ الوطنية التي يجب أن تكون حاكمة للعمل الوطني وينبغي أن تكون الشغل الشاغل للكل في المجتمع على المستويات الرسمية والشعبية، وفي مقدمتها ما يلي:
أولا: إن تماسك المجتمع وحماية نسيجه الاجتماعي أكبر الأولويات الوطنية.
بعبارة أخرى إن الوحدة الوطنية وترسيخها والحفاظ عليها يجب أن يكون هدفا على رأس أولويات أي جماعة أو مؤسسة وكل فرد في المجتمع.
ويعني هذا بداهة أنه ليس مقبولا على الإطلاق أي مواقف أو سلوكيات تهدد نسيج المجتمع ووحدته الوطنية. بعبارة أدق فإن أي نزاعات طائفية وأي مواقف أو سلوكيات لها طابع طائفي هي تهديد للوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي ويحب أن تكون مرفوضة تماما ولا مكان لها في العمل الوطني.
ثانيا: إن إعلاء المصلحة الوطنية العليا يجب أن يكون جوهر العمل الوطني ويجب أن تكون هي الاعتبار الحاكم لمواقف وتصرفات كل القوى في المجتمع والمواطنين جميعا.
المصلحة الوطنية العليا هي المصلحة التي تعلو أي مصلحة فردية أو فئوية أو طائفية أو أيا كان. هي المصلحة الجامعة التي يجب أن يلتف حولها الجميع.
ثالثا: ومفهوم أنه في القلب من المصلحة الوطنية يأتي الأمن والاستقرار بمعناه الشامل الأمني والاجتماعي.
مفهوم إن أي موقف أو سلوك يمكن أن يهدد أمن واستقرار المجتمع هو تهديد جسيم للمصلحة الوطنية العليا ولا يمكن التسامح معه.
لسنا بحاجة إلى القول إن هذه الجوانب والأبعاد الثلاثة التي أتى العفو الملكي ليؤكدها ويلفت الأنظار إليها هي اليوم أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.
اليوم والمنطقة كلها تمر بتطورات خطيرة عاصفة وتحولات ضخمة لا أحد يعلم إلى أين ستقودنا تجعل من التمسك بهذه الجوانب وإعلاء هذه القيم الوطنية مهمة وطنية مقدسة يجب أن تحكم مواقف وسلوكيات الكل بلا استثناء.
قبل العفو الملكي وبعده يقدم جلالة الملك دوما القدوة والمثال في حكمة القيادة وفي مبادئ وأسس وقيم العمل الوطني.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك