العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ماذا يخفي الحديث عن «اليوم التالي» في غزة؟

بقلم: د. جيمس زغبي {

الثلاثاء ٢٠ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

بعد‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر‭ ‬على‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬المرء‭ ‬يتصور‭ ‬أن‭ ‬صناع‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكيين‭ ‬والمعلقين‭ ‬السياسيين‭ ‬الرئيسيين‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬قد‭ ‬تعلموا‭ ‬بعض‭ ‬الدروس‭ ‬المستفادة‭.‬

وبدلا‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬مناقشاتهم‭ ‬حول‭ ‬الصراع‭ ‬تظل‭ ‬حبيسة‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الإطار‭ ‬المتعب،‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬الوهمي،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬موجودا‭ ‬قبل‭ ‬بدء‭ ‬القتال‭ ‬الحالي‭.‬

ونتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬فإنهم‭ ‬يربطون‭ ‬أنفسهم‭ ‬بهذه‭ ‬التعقيدات‭ ‬ويكابدون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬شرح‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬وما‭ ‬يجب‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬كما‭ ‬يرفض‭ ‬عدد‭ ‬منهم‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬القيود‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬الحكمة‭ ‬التقليدية‭ ‬ولا‭ ‬يجرؤون‭ ‬على‭ ‬المغامرة‭ ‬بما‭ ‬يتجاوز‭ ‬الشروط‭ ‬المقبولة‭ ‬لما‭ ‬يُعرف‭ ‬بالخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬الصحيح‭. ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬القيود،‭ ‬هناك‭ ‬أشياء‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تقال‭ ‬ولن‭ ‬يقولوها‭.‬

على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬بأن‭ ‬ممارسات‭ ‬وسياسات‭ ‬إسرائيل‭ ‬تؤسس‭ ‬لقضية‭ ‬‮«‬معقولة‮»‬‭ ‬للإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬مفقودة‭ ‬من‭ ‬الخطاب‭.‬

عندما‭ ‬يُعرض‭ ‬عليهم‭ ‬أعداد‭ ‬القتلى،‭ ‬وأولئك‭ ‬الذين‭ ‬يواجهون‭ ‬المجاعة،‭ ‬والأدلة‭ ‬الواضحة‭ ‬والدامغة‭ ‬على‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬للبنية‭ ‬التحتية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬فإن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬صناع‭ ‬السياسات‭ ‬والمعلقين‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬يحولون‭ ‬المناقشة‭ ‬إلى‭ ‬الجرائم‭ ‬المروعة‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬أو‭ ‬يلقون‭ ‬اللوم‭ ‬في‭ ‬مقتل‭ ‬المدنيين‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬حماس‭ ‬سلاح‭ ‬‮«‬الدروع‭ ‬البشرية‮»‬‭.‬

كما‭ ‬أنهم‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬إعفاء‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مسؤولية‭ ‬عن‭ ‬الوفيات،‭ ‬ويصرون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬وأعضاء‭ ‬إدارته‭ ‬يواصلون‭ ‬حث‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬تدابير‭ ‬لتجنب‭ ‬سقوط‭ ‬ضحايا‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭.‬

ثم‭ ‬تراهم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬يتجاهلون‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬لا‭ ‬تولي‭ ‬سوى‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬‮«‬لحث‮»‬‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بينما‭ ‬تستمر‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬تزويدها‭ ‬الذخائر‭ ‬الفتاكة‭ ‬وعرقلة‭ ‬الجهود‭ ‬الدولية‭ ‬لوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭.‬

ومما‭ ‬يثير‭ ‬الإحباط‭ ‬بنفس‭ ‬القدر‭ ‬إصرار‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬وقوفها‭ ‬وراء‭ ‬الجهود‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬توفير‭ ‬المساعدة‭ ‬الإنسانية‭ ‬للسكان‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬اليائسين‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬بينما‭ ‬ترفض‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تحميل‭ ‬إسرائيل‭ ‬المسؤولية‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬نظام‭ ‬التفتيش‭ ‬المرهق‭ ‬والقصف‭ ‬المستمر‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬غزة‭ ‬يعرقل‭ ‬عملية‭ ‬السلام‭ ‬ويحول‭ ‬دون‭ ‬إيصال‭ ‬الإمدادات‭ ‬إلى‭ ‬المحتاجين‭.‬

وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬القرار‭ ‬الذي‭ ‬اتخذته‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مؤخراً‭ ‬بحجب‭ ‬الأموال‭ ‬عن‭ ‬الأونروا‭ ‬‭ ‬الوكالة‭ ‬الوحيدة‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدات‭ ‬‭ ‬يشكل‭ ‬استهزاءً‭ ‬بالتزام‭ ‬أمريكا‭ ‬بتقديم‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭. ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الروابط‭ ‬واضحة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬ذكرها‭.‬

وفي‭ ‬الخطاب‭ ‬الأمريكي‭ ‬المقبول،‭ ‬نادراً‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬إلقاء‭ ‬اللوم‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭. ‬ويكاد‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬خطأ‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان،‭ ‬وأن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تبذل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬وسعها‭ ‬لتخفيف‭ ‬المعاناة‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬قرار‭ ‬قطع‭ ‬المساعدات‭ ‬عن‭ ‬الأونروا‭ ‬‭ ‬وبالتالي‭ ‬معاقبة‭ ‬جميع‭ ‬السكان‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬الجرائم‭ ‬المزعومة‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬نحو‭ ‬12‭ ‬من‭ ‬آلاف‭ ‬موظفي‭ ‬الوكالة‭ ‬فلا‭ ‬يجوز‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يمثل‭ ‬عقابا‭ ‬جماعيا‭.‬

بعد‭ ‬تجاهل‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬الغارات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬المدن‭ ‬والبلدات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬مقتل‭ ‬مئات‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬منذ‭ ‬هجمات‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬وأن‭ ‬هجمات‭ ‬500‭ ‬مستوطن‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬منازلهم‭ ‬أو‭ ‬سياراتهم‭ ‬أو‭ ‬حقولهم‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬مقتل‭ ‬ثمانية‭ ‬وتدمير‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬أشجار‭ ‬الزيتون،‭ ‬قررت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬أربعة‭ ‬مستوطنين‭.‬

وقد‭ ‬رحب‭ ‬بعض‭ ‬النقاد‭ ‬السياسيين‭ ‬المدافعين‭ ‬عن‭ ‬مثل‭ ‬القرارات‭ ‬واعتبروا‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬غير‭ ‬مسبوقة‮»‬‭ ‬و‮«‬دراماتيكية‮»‬،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬إجراء‭ ‬لا‭ ‬طائل‭ ‬من‭ ‬ورائه‭. ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقال‭.‬

ما‭ ‬لم‭ ‬تتم‭ ‬مناقشته‭ ‬هو‭ ‬المشاكل‭ ‬الجذرية‭ ‬مع‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ (‬وهو‭ ‬مصطلح‭ ‬لم‭ ‬يسمح‭ ‬به‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬مطلقًا‭ ‬في‭ ‬برنامجه‭)‬،‭ ‬والمشروع‭ ‬الاستيطاني‭ ‬الآخذ‭ ‬في‭ ‬التوسع،‭ ‬والنظام‭ ‬الشبيه‭ ‬بالفصل‭ ‬العنصري‭ ‬الذي‭ ‬يخلق‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬المستوطنين‭ ‬والجيش‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

ومن‭ ‬المثير‭ ‬للانزعاج‭ ‬بنفس‭ ‬القدر‭ ‬المناقشات‭ ‬الدائرة‭ ‬حول‭ ‬‮«‬اليوم‭ ‬التالي‮»‬‭ ‬والتي‭ ‬تكتسب‭ ‬زخماً‭ ‬متزايداً‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الأيام‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والدوائر‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬

هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير،‭ ‬غير‭ ‬حساس‭. ‬ما‭ ‬هو‭ ‬‮«‬اليوم‭ ‬التالي‮»‬‭ ‬بالنسبة‭ ‬لـ‭ ‬2.2‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬غزة؟‭ ‬هل‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬ينسوا‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬الذين‭ ‬ماتوا،‭ ‬وتحولت‭ ‬منازلهم‭ ‬وأحياؤهم‭ ‬بأكملها‭ ‬إلى‭ ‬ركام‭ ‬وأنقاض؟

أين‭ ‬سيعيشون؟‭ ‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬الصدمة‭ ‬التي‭ ‬لحقت‭ ‬بمئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬تعرضوا‭ ‬للتشويه‭ ‬الجسدي‭ ‬والنفسي‭ ‬بسبب‭ ‬هذه‭ ‬الحرب؟‭ ‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬الذين‭ ‬قد‭ ‬يفقدون‭ ‬حياتهم‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬المقبلة‭ ‬بسبب‭ ‬المرض‭ ‬أو‭ ‬الجوع؟

نادرًا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الخطاب‭ ‬المقبول‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬لم‭ ‬تقدم‭ ‬خطتها‭ ‬الخاصة‭ ‬بعد،‭ ‬فقد‭ ‬قدم‭ ‬المسؤولون‭ ‬تلميحات‭ ‬حول‭ ‬تفكيرهم‭ ‬في‭ ‬الخطب‭ ‬وفي‭ ‬المناقشات‭ ‬مع‭ ‬الصحفيين‭. ‬وانطلاقا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الخطب‭ ‬والنقاشات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬الخطوط‭ ‬العريضة‭ ‬للأفكار‭ ‬التي‭ ‬ترقى‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الكثير‭ ‬من‭ ‬اللغط‭ ‬حول‭ ‬لا‭ ‬شيء‮»‬‭.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬‮«‬اليوم‭ ‬التالي‮»‬‭ ‬ليس‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬طريق‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‮»‬‭ ‬‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يذكرنا‭ ‬بالمناظرة‭ ‬الشهيرة‭ ‬بين‭ ‬الفيلسوفين‭ ‬اليونانيين‭ ‬القدامى‭ ‬هيراقليطس‭ ‬وبارمينيدس‭ ‬حول‭ ‬‮«‬نصف‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬نصف‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬نصف‭ ‬الطريق‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬له‭. ‬‮«‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬نصف‭ ‬الطريق‮»‬‭ ‬‭ ‬أي‭ ‬إلى‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الوصول‭ ‬إليه‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬المسار‮»‬‭ ‬الخيالي،‭ ‬يقع‭ ‬العبء‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬لإنشاء‭ ‬دولة‭ ‬ذات‭ ‬مصداقية،‭ ‬وقابلة‭ ‬للحياة،‭ ‬وديمقراطية،‭ ‬وفاعلة،‭ ‬ولن‭ ‬تشكل‭ ‬أي‭ ‬تهديد‭ ‬لإسرائيل‭. ‬المشكلة،‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يفعلوا‭ ‬ذلك‭ ‬بينما‭ ‬يستمر‭ ‬الاحتلال‭ ‬مع‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬القيود‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬والموارد‭ ‬والحدود‭ ‬والاقتصاد‭.‬

وهذا‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬الخطة‭ ‬التي‭ ‬اقترحها‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬آنذاك‭ ‬جورج‭ ‬دبليو‭ ‬بوش‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2002‭. ‬فالدرس‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ينبغي‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نتعلمه‭ ‬آنذاك،‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يتعلم،‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬لا‭ ‬يتمتعون‭ ‬بالحرية‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬اقتصادهم‭ ‬وحماية‭ ‬أراضيهم‭ ‬وأنفسهم‭ ‬من‭ ‬استحواذ‭ ‬إسرائيل‭ ‬وقمعها،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنشأ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬ذات‭ ‬المصداقية‭. ‬وهذا‭ ‬الاقتراح،‭ ‬إذا‭ ‬جاز‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نطلق‭ ‬عليه‭ ‬ذلك،‭ ‬ليس‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬سراب‭ ‬سوقت‭ ‬له‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لوضع‭ ‬العبء‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الأضعف‭.‬

وعندما‭ ‬يتم‭ ‬توجيه‭ ‬اللوم‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬فإنه‭ ‬يركز‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬وشركائه‭ ‬المتطرفين،‭ ‬الذين‭ ‬يقول‭ ‬النقاد‭ ‬السياسيون‭ ‬إنهم‭ ‬العقبة‭ ‬الرئيسية‭ ‬أمام‭ ‬المضي‭ ‬قدما‭.‬

وهذا‭ ‬لا‭ ‬يحظى‭ ‬بالقبول‭ ‬لأن‭ ‬أي‭ ‬دراسة‭ ‬دقيقة‭ ‬للناخبين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬ووجهات‭ ‬نظرهم‭ ‬سيشير‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نتنياهو‭ ‬ورفاقه‭ ‬متطرفون،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬تحالف‭ ‬يمكن‭ ‬تصوره‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحل‭ ‬محلهم‭ ‬ويكون‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لإنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬والانسحاب‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬والمستوطنات،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬السماح‭ ‬بإقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة‭ ‬وقابلة‭ ‬للحياة‭.‬

وأظهر‭ ‬استطلاع‭ ‬للرأي‭ ‬إسرائيلي‭ ‬أجري‭ ‬مؤخرا‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬سيرفضون‭ ‬إنشاء‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬مصحوبا‭ ‬بضمانات‭ ‬أمنية‭.‬

وعندما‭ ‬يواجه‭ ‬النقاد‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬حكومة‭ ‬إسرائيلية‭ ‬مقبلة‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬راغبة‭ ‬أو‭ ‬خائفة‭ ‬من‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭ ‬بسبب‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬الشعبي‭ ‬السلبي،‭ ‬فإن‭ ‬النقاد‭ ‬يصمتون‭ ‬بسبب‭ ‬قلقهم‭ ‬على‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

وهذا‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬وراء‭ ‬التحيز‭ ‬العنصري‭ ‬الذي‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬تبدد‭ ‬هذه‭ ‬الأوهام‭ ‬برمتها‭ ‬الخيال‭. ‬أتحدث‭ ‬هنا‭ ‬عما‭ ‬أسميه‭ ‬التحيز‭ ‬العنصري‭ ‬لأنه‭ ‬في‭ ‬العقل‭ ‬الأمريكي،‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬وضع‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬فوق‭ ‬رأي‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬بالطبع‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬قوله‭.‬

وهكذا،‭ ‬يستمر‭ ‬الهجوم‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬كما‭ ‬يستمر‭ ‬النقاش‭ ‬السياسي‭ ‬الأمريكي‭ ‬المنفصل‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭. ‬ولن‭ ‬يحدث‭ ‬التغيير‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬تمكن‭ ‬الأمريكيون‭ ‬من‭ ‬تحرير‭ ‬أنفسهم‭ ‬من‭ ‬أغلال‭ ‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬قادهم‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الطريق‭ ‬المسدود‭.‬

{‭ ‬رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا