بعقود شراء بلغت 6,9 مليارات دولار واستقبال 106 آلاف زائر، ومشاركة 773 جهة عارضة من 76 دولة وحضور 441 وفدا رسميا من 116 دولة اختتم معرض الدفاع العالمي الثاني الذي أقيم بالرياض خلال الفترة من 4-8 فبراير 2024 وتتمثل أهميته في ثلاثة أمور، أولها: اعتادت الدول أن تعلن خلال المعارض أبرز مستجدات قطاع الدفاع حيث أشارت المصادر الرسمية السعودية إلى زيادة نسبة توطين الصناعات الدفاعية من 4% إلى 13,6% نهاية عام 2022، فضلاً عن التوقعات بزيادة مساهمة قطاع الدفاع في الناتج المحلي الإجمالي بالمملكة بحوالي 25 مليار دولار بحلول عام 2030، وفرص وظيفية مباشرة تبلغ 40 ألف وظيفة وغير مباشرة بنحو 60 ألف وظيفة، وثانيها: الجدل الذي يثار مع احتدام الصراعات الإقليمية بشأن الأسلحة المستخدمة في تلك الصراعات، ففي الوقت الراهن نجد أن الطائرات بدون طيار «الدرونز» تتصدر المشهد سواء من خلال تهديد الملاحة البحرية أو استهداف القواعد الأمريكية في المنطقة، بما يعنيه ذلك من أن خطط توظيف التكنولوجيا الحديثة في مجال الدفاع قد أضحت متطلباً استراتيجياً، وثالثها: أن تلك المعارض تمثل فرصة جيدة لالتقاء أصحاب المصلحة والشركات المعنية ومن خلالها يتم تحديد الاحتياجات الأمنية ومن ثم يكون إنتاج وتطوير الأسلحة مرتبطاً على نحو وثيق بنوعية التهديدات ذاتها، فضلاً عن عقد الصفقات، ففي ثاني أيام المعرض أعلنت المملكة توقيع 11 اتفاقية شراكة مع القطاع الخاص عالمياً في مجال التصنيع العسكري.
وضعت المملكة العربية السعودية ضمن رؤيتها 2030 توطين ما يزيد على 50% من إجمالي النفقات العسكرية بحلول عام 2030 ويلاحظ أنه عند إعلان تلك الخطة في عام 2017 لم تكن نسبة التوطين تتجاوز 4%، إلا أن المملكة انتهجت خطة متكاملة تم إعلان ملامحها خلال مشاركة مسؤولي المملكة في حوار المنامة الأمني التاسع عشر وتتمثل في إطلاق وزارة الدفاع في المملكة حوالي 300 مبادرة لتحقيق خمسة أهداف استراتيجية وهي تحقيق التفوق العملياتي وتطوير الأداء التنظيمي للوزارة وتطوير الأداء الفردي وتحسين كفاءة الإنفاق ودعم التصنيع المحلي، فضلاً عن الحوكمة الفعالة بهدف تسريع وتيرة اتخاذ القرارات وكذلك تطوير عمل الوزارة وقطاعتها المختلفة بحيث أصبحت تضم قطاعات متخصصة، بالإضافة إلى تأسيس مؤسسات معنية بالتوطين العسكري وهي الهيئة العامة للصناعات العسكرية والشركة السعودية للصناعات العسكرية، والمؤسسة العامة للصناعات العسكرية.
ومع أهمية ما سبق فإن ثمة تساؤلين في هذا السياق، الأول: ما تأثير التطور التكنولوجي المتسارع على خطط واستراتيجيات الدفاع لدول الخليج العربي ومن بينها المملكة العربية السعودية؟ والثاني: ما متطلبات تحقيق مضامين تلك الاستراتيجيات في ظل التطورات الراهنة؟
لا شك أن التطور التكنولوجي يمثل فرصة وتحديا في آن واحد في المجالات كافة من بينها مجال الدفاع، فهناك أربعة مجالات في هذا السياق وهي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الذكاء الاصطناعي والأنظمة المستقلة أو شبه المستقلة، الأسلحة فوق الصوتية، التكنولوجيا الحيوية ذات التطبيقات العسكرية، ولا شك أن جميعها تتيح فرصاً لتطوير القدرات الدفاعية للدول بل وفي ساحات المعارك ذاتها من خلال نشر أعداد أقل من الجنود وبكلفة أقل وزيادة القدرة على المناورة وكذلك سهولة التواصل بين الجيوش بشكل سريع وآمن، وقد أولت الدول والمنظمات تلك المجالات أهمية بالغة ومن ذلك إعلان ينس ستولتنبرج الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «الناتو» أول استراتيجية لتوظيف الذكاء الاصطناعي في مجال الدفاع عام 2021 تتضمن إنشاء صندوق الناتو للابتكار، من أجل العمل والاستثمار على التقنيات الجديدة وما أسماه «الابتكار المزعزع» بقيمة مليار دولار، ولكن برغم أهمية ذلك لا بد من الأخذ بالاعتبار عدم تجاهل العناصر التقليدية للحروب ، ففي مداخلته أمام حوار المنامة الأمني التاسع عشر 2023 قال رئيس اللجنة العسكرية في حلف الناتو «إن اهتمام دول العالم بتوظيف التكنولوجيا في المجالات العسكرية لا يعني إغفال أهمية العنصر البشري والجغرافيا والحروب التقليدية» بما يعنيه ذلك من ضرورة تحقيق التوازن بين عوامل التكنولوجيا والعناصر التقليدية في الدفاع.
ولا شك أن لكل استراتيجية تحدياتها، ويأتي في مقدمتها احتكار الشركات الغربية الكبرى لسوق الدفاع العالمي وفرص وكلفة خيارات التصنيع، بالإضافة إلى تحفظ بعض الشركات الغربية على تصدير التكنولوجيا الأكثر تطوراً للدول الشريكة، صحيح أن استراتيجية الدفاع الأمريكية الصادرة عام 2022 قد تضمنت التزامات بشأن تطوير القدرات الدفاعية لدول الخليج العربي إلا أن تصدير التكنولوجيا عموماً يرتبط بتوجهات الإدارة الحاكمة، فضلاً عن اعتبارات توازن القوى الإقليمي.
وفي تقديري أن الحديث عن العنصر البشري لايزال هو جوهر استراتيجية توطين الصناعات العسكرية في الخليج العربي عموماً، حيث يلاحظ أن برامج الابتعاث الخارجي في المملكة ترتبط على نحو وثيق بالأهداف التي تضمنتها رؤية المملكة 2030 عموماً وقطاع الدفاع على نحو خاص بما يعنيه ذلك من تنمية قدرات الكوادر البشرية اللازمة للتعامل مع تلك الثورة المتسارعة في مجال التكنولوجيا العسكرية، وخاصة التخصصات النادرة في مجال الهندسة والرياضيات وتبقى مواصفات الأسلحة وطرق التخزين متطلبات أخرى لتعزيز منافستها في الأسواق العالمية بما يعطي توطين تصنيع الأسلحة زخماً هائلاً، بالإضافة إلى تخصيص الموازنات وإشراك القطاع الخاص والعمل على توفير متطلبات ذلك التصنيع، وكذلك تنويع الشراكات الدولية من أجل تنفيذ تلك الاستراتيجية.
وتجدر الإشارة إلى أنه تم خلال ذلك المعرض تم توقيع عقدين مع شركة لوكهيد مارتن يتم بموجبهما مشاركة المملكة في تصنيع منظومة ثاد الصاروخية الأمريكية، فضلاً عن أهمية توطيد التكامل الخليجي والعربي للاستفادة من المزايا النسبية.
ومجمل القول إنه مع تغير مفهوم الأمن وطبيعة التهديدات الأمنية التي غيرت جذرياً خطط واستراتيجيات الدول للأمن القومي عموماً والتسلح خاصة ومن ذلك دخول الجماعات دون الدول على خط التفاعلات في العديد من الصراعات وسعيها للحصول على التكنولوجيا المتطورة وتوظيفها على نحو سيئ بما يستهدف أمن الدول على نحو غير مسبوق، فإن الهدف لم يعد توطين الصناعات الدفاعية فحسب بل كيفية توظيف الثورة التكنولوجية ضمن تلك الخطط انطلاقاً من أهداف الاستراتيجيات التي تمت صياغتها والأخذ بالاعتبار مستجدات التكنولوجيا وكيفية الاستفادة منها على نحو أمثل.
وآخراً وليس أخيراً، إذا كان هدف توطين الصناعات العسكرية يعني تعزيز خيار الأمن الذاتي للدول، فإنه في حالة دول الخليج العربي يحقق هدفاً آخر ذا صبغة استراتيجية وهو تحقيق مفهوم توازن القوى الذي يتضمن القدرة على الردع ومن ثم تحقيق مفهوم توازن القوى جوهر الأمن الإقليمي ذاته.
{ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك