يدهشك وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية أنتوني بلينكن وهو يربط الأحداث ببعضها ليخرج باستنتاج عجيب غريب، يدهشك هذا العقل الأمريكي المسطح والساذج، الراغب دوما بالاختزال والاختصار والقفز على التفاصيل والخلفيات والصورة المركبة، ليبرر مصالحه وسياساته وأهدافه، سهولة العرض هنا تخفي بشاعة المضمون، يدهشك هذا العقل العملي والقريب والقافز أبدا إلى مصالحه وأهدافه بغض النظر عن احترام الآخرين أو النظر إلى مصالحهم أو طموحاتهم أو ما قد يسبب ذلك من إشعال للحرائق.
فالدبلوماسية التي يقودها بلينكين تتميز بسطحيتها الشديدة واختزالاتها المضحكة واستنتاجاتها الغبية، معتمدا في ذلك طبعا على القوة والبلطجة والقدرة على فرض هذه السطحية على الجميع، تماما كالعملاق القوي القادر على تدمير كل شيء غافلا عن وجود نقطة ضعف فيه يمكن أن تقوده إلى الفناء، ويبدو أن القصص القديمة اكتشفت هذا التناقض المذهل أو السر الكامن في أن العمالقة الأقوياء هم من السطحية والسذاجة بمكان إلى درجة أنهم يتهالكون بسبب غفلتهم عن نقاط ضعفهم ونقصهم، العملاق الأمريكي وبسبب عنجهيته وغطرسته وعدم انتباهه يقود دبلوماسية في منطقتنا تخدم مصالحه الاستعمارية بالدرجة الأولى، وهي دبلوماسية أنانية غرائزية، وسهلة أيضا وتقوم على الاتي :
أولا: دعم إسرائيل والانحياز لها وتوفير كل ما يلزم من أجل ترسيخ احتلالها وعدوانها وتفوقها ودمجها في المنطقة دون تقديم استحقاقات لكل ذلك، وما تقوم به أمريكا لإدامة هذا الاحتلال يتمثل في إضعاف العالم العربي والإسلامي من جهة والتلويح كل مرة بتسوية سياسية لا تتحقق من جهة ثانية .
ثانيا: إعلان عدم رغبة الولايات المتحدة بتوسع الصراع ليس من خلال تقديم حلول سياسية حقيقية أو فتح مسارات قادرة على إقناع الأطراف جميعا، ولكن من خلال القوة وسياسة الاستعراض والاستقواء، أمريكا ليست صادقة عندما تعلن عدم رغبتها في توسيع الصراع لأنها لا تعمل من أجل ذلك فهي تكثف الحرب على الشعب الفلسطيني وترفض الاعتراف بدولتهم أو حقوقهم، وكل ما تفعله هو أن تسهل لإسرائيل أفعالها وتعطيها الوقت والتبرير لإنهاء أغراضها التي لا تخفى على أحد ضد الشعب الفلسطيني .
ثالثا: سياسة أمريكا المتمثلة في تخفيض حدة الحرب على غزة وزيادة المساعدات إليها هي سياسة بالغة النفاق وقمة الاستهتار بشعوب المنطقة والقانون الدولي والإنساني أيضا، وتعارض الصورة التي تحب أمريكا أن تبدو بها أمام العالم، أن هذه السياسة تقول عمليا إن من الممكن قتل الناس ومن ثم إطعامهم، والمشكلة العظمى هنا أن هذا المفهوم المغلوط والمناقض للقيم الإنسانية تم تبنيه من قبل كثير من الدول الغربية وغيرها من الدول الضعيفة التي لا تستطيع أن تعارض أمريكا .
رابعا: سياسة أمريكا القائلة بضرورة تحديد من يمثل الشعب الفلسطيني هو تدخل فظ وعلني في شؤون الشعب الفلسطيني، وهو تدخل لا يفيد على المديين القصير والطويل، بالعكس من ذلك، أن تحديد مصير الشعب الفلسطيني ودولته وممثليه والتدخل في وعيهم وتمويلهم واتجاهاتهم إنما هي وصفة حقيقية لاستمرار العنف والتطرف والكراهية، وبالمقارنة مع طريقة أمريكا في التعامل مع الجمهور الإسرائيلي واختياراته (الديمقراطية) سنرى الفرق الشاسع في كيفية تعامل الإدارة الأمريكية الناعم والرخو .
خامسا: سياسة أمريكا بمحاربة «الاونروا» إنما هو انحياز للموقف الإسرائيلي الذي يحتاج إلى كثير من الجهد لإثباته، أن هذا الموقف الأمريكي المتعجل إنما هو تجويع لستة ملايين فلسطيني وإنهاء لإحدى أهم مؤسسات الامم المتحدة التي أقيمت بقرار أممي، ما يعني أن أمريكا تعمل على انهيار النظام الدولي العالمي الحالي في مقدمة (ربما) لتوزيع جديد للقوة والنفوذ بالعالم .
سادسا: رؤية أمريكا أن الحرب في المنطقة مع إيران وأذرعها، وهي جملة صارت شائعة، إنما هي رؤية ساذجة جدا، فالأمر أعقد من ذلك بكثير، أن أهم صراع في المنطقة هو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وهو السبب الأهم في كل ما تشهده المنطقة من توتر، وبلغت السذاجة أو التغابي بالإدارة الأمريكية للقول، إن ما يجري في باب المندب لا علاقة له بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
سابعا: سياسة أمريكا التي تقوم على إدارة الاحتلال الاسرائيلي وإدامته من دون اعتبار لطموحات الشعب الفلسطيني ونضالاته لا يمكن لها أن تظل ناجحة على مدى عقود، وقد دفعت أمريكا بالذات ثمن تجاهل الشعوب وطموحاتها في فيتنام وأفغانستان وأمريكا اللاتينية .
لا يمكن لأمريكا أن تستغل إسرائيل أيضا وتجعلها في خندق متقدم في منطقة مشتعلة من أجل مصالحها الاستعمارية أو اللاهوتية، أن هذه السياسة تستنزف الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة وكذلك الإسرائيليين الذين سيدركون عاجلا أم آجلا أنهم مجرد (نجمة أخرى في علم الولايات المتحدة الأمريكية).
{ رئيس مركز القدس للدراسات
المستقبلية - جامعة القدس
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك