العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

نظرية الفوضى الخلاقة.. في العالم العربي والإسلامي

بقلم: د. زكريا خنجي

الأحد ٠٤ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

يقول‭ ‬رمزي‭ ‬المنياوي‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬كتابه‭ (‬الفوضى‭ ‬الخلاقة‭): ‬‮«‬قبل‭ ‬سنوات،‭ ‬وفجأة‭ ‬ودون‭ ‬سابق‭ ‬إنذار،‭ ‬خرجت‭ ‬أمريكا‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬وعلى‭ ‬لسان‭ ‬وزيرة‭ ‬خارجيتها‭ ‬آنذاك‭ ‬كونداليزا‭ ‬رايس‭ ‬بمصطلح‭ ‬غريب‭ ‬اسمه‭ (‬الفوضى‭ ‬الخلاقة‭) ‬يحمل‭ ‬رؤيتها‭ ‬للطريقة‭ ‬المثلى‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرها‭ ‬لتغيير‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬نحو‭ ‬الأفضل‭.‬

ولم‭ ‬تمض‭ ‬ثوان‭ ‬على‭ ‬نطق‭ ‬رايس‭ ‬بهذا‭ ‬المصطلح،‭ ‬حتى‭ ‬انقلب‭ ‬العالم‭ ‬رأسًا‭ ‬على‭ ‬عقب،‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬أمرين‭: ‬ما‭ ‬تقصده‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ (‬فوضتها‭ ‬الخلاقة‭)‬،‭ ‬و‭(‬ما‭ ‬الأفضل‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط‭) ‬بالنسبة‭ ‬إليها‭.‬

وبينما‭ ‬يطرح‭ ‬العالم،‭ ‬وخاصة‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ (‬الفوضى‭ ‬الخلاقة‭) ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬البحث،‭ ‬كانت‭ ‬الجيوش‭ ‬الأمريكية‭ ‬تواصل‭ ‬التدمير‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬والعراق،‭ ‬وتلعب‭ ‬بأصابعها‭ ‬المخضبة‭ ‬بآثار‭ ‬فطيرة‭ ‬الدم‭ ‬الصهيونية‭ ‬المصنوعة‭ ‬من‭ ‬أجساد‭ ‬ودماء‭ ‬ضحايا‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى‭ ‬كاليمن‭ ‬والسودان‭ ‬والصومال‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬بقاع‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‮»‬‭.‬

ولكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬التاريخية‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬نظرية‭ (‬الفوضى‭ ‬الخلاّقة‭) ‬ظهرت‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬عام‭ ‬1902م‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬المؤرخ‭ ‬الأمريكي‭ (‬ألفريد‭ ‬تاير‭ ‬ماهان‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬توسعت‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ (‬مايكل‭ ‬ليدين‭) ‬وتم‭ ‬تسميتها‭ (‬الفوضى‭ ‬البناءة‭) ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬2003م،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬إشاعة‭ ‬الفوضى،‭ ‬وتدمير‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬قائم،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬إعادة‭ ‬البناء‭ ‬حسب‭ ‬المخطط‭ ‬الذي‭ ‬يخدم‭ ‬مصالح‭ ‬القوى‭ ‬المتنفذة،‭ ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬أكثر‭ ‬المفكرين‭ ‬تحدثًا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬هو‭ ‬صاحب‭ ‬نظرية‭ ‬صراع‭ ‬الحضارات‭ ‬الأمريكي‭ ‬اليميني‭ (‬صامويل‭ ‬هنتنجتون‭). ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬تلقفتها‭ ‬مراكز‭ ‬البحوث‭ ‬والدراسات‭ ‬وأشبعتها‭ ‬بحثًا‭ ‬ودراسةً‭.‬

ماذا‭ ‬يعني‭ ‬مصطلح‭ (‬الفوضى‭ ‬الخلاقة‭)‬؟

تقول‭ ‬الباحثة‭ ‬دينا‭ ‬رحومة‭ ‬فارس‭ ‬فايد‭ ‬في‭ ‬دراستها‭ (‬الفوضى‭ ‬الخلاقة‭ ‬وتداعياتها‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬الإقليمي‭)‬،‭ ‬إن‭ ‬مصطلح‭ ‬الفوضى‭ ‬الخلاقة‭ ‬‮«‬يتميز‭ ‬بقدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الالتباس‭ ‬والتأويل‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬التحايل‭ ‬والتلاعب‭ ‬اللفظي‭ ‬لوصف‭ ‬حقبة‭ ‬سياسية‭ ‬تاريخية‭ ‬صاخبة،‭ ‬وبمسار‭ ‬خارج‭ ‬المألوف‭ ‬الطبيعي‭ ‬للخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬الفكري‭ ‬التقليدي،‭ ‬عبر‭ ‬بناء‭ ‬نسيج‭ ‬من‭ ‬المتقابلات‭ ‬المختلفة‭ ‬للمصطلحات‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬استراتيجية‭ ‬معينة‭ ‬ومنهج‭ ‬لإدارة‭ ‬المصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬والغربية‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬تتركز‭ ‬فيها‭ ‬تلك‭ ‬المصالح‭. ‬

الفوضى‭ ‬الخلاقة‭ ‬هي‭ ‬خلاقة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬مصالح‭ ‬أمريكا‭ ‬والغرب،‭ ‬وغير‭ ‬خلاقة،‭ ‬بل‭ ‬مدمرة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الأوطان‭ ‬والشعوب‭ ‬الأخرى،‭ ‬وهذا‭ ‬المصطلح‭ ‬ينشط‭ ‬في‭ ‬حيز‭ ‬العولمة‭ ‬الرأسمالية‭ ‬وصعود‭ ‬الليبرالية‭ ‬الجديدة‭ ‬وهو‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬متناقضين‭ ‬متقاطعين‭ ‬هما‭ (‬فوضى،‭ ‬وخلاقة‭)‬،‭ ‬ويفهم‭ ‬من‭ ‬المصطلح‭ ‬أن‭ ‬عنصر‭ ‬الأفكار‭ ‬الرصينة‭ ‬والمنظمة‭ ‬والأيديولوجيات‭ ‬الكبرى‭ ‬فات‭ ‬أوانها،‭ ‬وعلى‭ ‬المجتمعات‭ ‬أن‭ ‬تسلك‭ ‬ممرات‭ ‬كثيرة‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الجزيرة‭ ‬والاستقرار‭. ‬

كما‭ ‬يمثل‭ ‬مصطلح‭ ‬الفوضى‭ ‬الخلاقة‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬المفاتيح‭ ‬التي‭ ‬أنتجها‭ ‬العقل‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬القضايا‭ ‬الدولية،‭ ‬حيث‭ ‬تمت‭ ‬صياغة‭ ‬هذا‭ ‬المصطلح‭ ‬بعناية‭ ‬فائقة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬النخب‭ ‬الأكاديمية‭ ‬وصُناع‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وعلى‭ ‬خلاف‭ ‬مفهوم‭ ‬الفوضى‭ ‬المثقل‭ ‬بدلالات‭ ‬سلبية‭ ‬كعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬أضيف‭ ‬إليه‭ ‬مصطلح‭ ‬آخر‭ ‬يتمتع‭ ‬بالإيجابية،‭ ‬وهو‭ ‬الخلق‭ ‬أو‭ ‬البناء،‭ ‬ولا‭ ‬يخفى‭ ‬خبث‭ ‬المقاصد‭ ‬الكامنة‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬مصطلح‭ (‬الفوضى‭ ‬الخلاقة‭) ‬لأغراض‭ ‬التضليل‭ ‬والتمويه‭. ‬ولعل‭ ‬أبسط‭ ‬تعريف‭ ‬للفوضى‭ ‬الخلاقة‭ ‬هو‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬إنسانية‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مريحة‭ ‬بعد‭ ‬مرحلة‭ ‬فوضى‭ ‬متعمدة‭ ‬الأحداث‮»‬،‭ ‬فهي‭ ‬أحداث‭ ‬متعمدة‭ ‬لفوضى‭ ‬بقصد‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬موقف‭ ‬أو‭ ‬واقع‭ ‬سياسي‭ ‬يرنو‭ ‬إليه‭ ‬الطرف‭ ‬الذي‭ ‬أحدث‭ ‬الفوضى‭. ‬ويبدو‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬أن‭ (‬الفوضى‭ ‬الخلاقة‭) ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬مفهوم‭ (‬الإدارة‭ ‬بالأزمات‭) ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬مع‭ ‬اختلاف‭ ‬الآليات‭ ‬والوسائل‭. ‬

فالإدارة‭ ‬بالأزمات‭ ‬هي‭ ‬علم‭ ‬وفن‭ ‬صناعة‭ ‬الأزمة‭ ‬وافتعالها‭ ‬وإدارتها‭ ‬بنجاح‭ ‬لغرض‭ ‬مصالح‭ ‬محددة،‭ ‬ويترتب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الأزمات‭ ‬تفكيك‭ ‬للمنظومة‭ ‬المعنية‭ ‬أو‭ ‬المستهدفة،‭ ‬مما‭ ‬يسهل‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬مكوناته‭ ‬الأساسية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬كلى‭ ‬للنظام،‭ ‬وإعادة‭ ‬تشكله‭ ‬بطريقة‭ ‬تعكس‭ ‬تلك‭ ‬المصالح‭. ‬

وتشبه‭ ‬الفوضى‭ ‬الخلاقة‭ ‬حالة‭ ‬العلاج‭ ‬النفسي،‭ ‬إذ‭ ‬يذهب‭ (‬مارتن‭ ‬كروزرز‭) ‬‭ ‬وهو‭ ‬مؤسس‭ ‬مذهب‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬العلاج‭ ‬النفسي‭ ‬‭ ‬أن‭ ‬الفوضى‭ ‬إحدى‭ ‬العوامل‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬التدريب‭ ‬والعلاج‭ ‬النفسي،‭ ‬فعند‭ ‬الوصول‭ ‬بالنفس‭ ‬إلى‭ ‬حافة‭ ‬الفوضى‭ ‬يفقد‭ ‬الإنسان‭ ‬جميع‭ ‬ضوابطه‭ ‬وقوانينه،‭ ‬وعندها‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬المعجزات،‭ ‬فيصبح‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬هوية‭ ‬جديدة،‭ ‬بقيم‭ ‬مبتكرة‭ ‬ومفاهيم‭ ‬حديثة،‭ ‬تساعده‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬البيئة‭ ‬المحيطة‭ ‬به‮»‬‭.‬

ويمكن‭ ‬الاستنتاج‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬النظرية‭ ‬تعني‭ ‬باختصار‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬يصل‭ ‬المجتمع‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬درجات‭ ‬الفوضى‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬العنف‭ ‬الهائل‭ ‬وإراقة‭ ‬الدماء،‭ ‬وإشاعة‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬لدى‭ ‬الجماهير،‭ ‬فإنَّه‭ ‬يُصبح‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬بناؤه‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بهوية‭ ‬جديدة‭ ‬تخدم‭ ‬مصالح‭ ‬الجهة‭ ‬المنفذة‭.‬

ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تشبه‭ ‬أيضًا‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬البريطانية‭ (‬فرق‭ ‬تسد‭) ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الجوانب،‭ ‬وفَرِّق‭ ‬تَسُدْ‮ ‬هو‭ ‬مصطلح سياسي‮ ‬عسكري‭ ‬اقتصادي،‭ ‬ويعني‭ ‬تفريق‭ ‬قوة‭ ‬الخصم‭ ‬الكبيرة‭ ‬إلى‭ ‬أقسام‭ ‬متفرقة‭ ‬لتصبح‭ ‬أقل‭ ‬قوة‭ ‬وهي‭ ‬غير‭ ‬متحدة‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬مما‭ ‬يسهل‭ ‬التعامل‭ ‬معها،‭ ‬كذلك‭ ‬يتطرق‭ ‬المصطلح‭ ‬للقوى‭ ‬المتفرقة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬أن‭ ‬اتحدت‭ ‬والتي‭ ‬يراد‭ ‬منعها‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬وتشكيل‭ ‬قوة‭ ‬كبيرة‭ ‬يصعب‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭. ‬ومن‭ ‬أشهر‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬رسمت‭ ‬وفق‭ ‬سياسة‭ ‬فرّق‭ ‬تسد،‭ ‬كانت‭ ‬منطقة الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬التي‭ ‬قُسِّمت‭ ‬بحسب‭ ‬رؤية‭ ‬كل‭ ‬من سايكس‭ - ‬بيكو،‭ ‬للحيلولة‭ ‬دون‭ ‬قيام‭ ‬اتحاد‭ ‬عربي‭ ‬قوي‭.‬

وخلصت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬عدنا‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬كتابة‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬استنزاف‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الانقسامات‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬الواحدة‭ ‬وتنمية‭ ‬الفوضى‭ ‬لإيجاد‭ ‬كيانات‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬أن‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬حالة‭ ‬الانقسام‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬بهدف‭ ‬تمكين‭ ‬الكيان‭ ‬المحتل‭ ‬للهيمنة‭ ‬والتفرد‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬مستخدمة‭ ‬بذلك‭ ‬كل‭ ‬الأدوات‭ ‬والأسلحة‭ ‬غير‭ ‬الفتاكة؛‭ ‬مثل‭: ‬الإعلام،‭ ‬وتغير‭ ‬المناهج‭ ‬الدراسية‭ ‬والقوة‭ ‬الناعمة‭ ‬ومنظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬وإثارة‭ ‬الأقليات‭ ‬والطوائف،‭ ‬ومتذرعة‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والانفتاح‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬والثقافي‭ ‬والفكري‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭.‬

وترتكز‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬على‭ ‬الأسس‭ ‬التالية‭:‬

التغير‭ ‬الكامل‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،

إعادة‭ ‬بناء‭ ‬المنطقة‭ ‬بعد‭ ‬هدم‭ ‬الأسس‭ ‬الثقافية‭ ‬والفكرية‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬يراه‭ ‬المحتل‭.‬

وضع‭ ‬تغيرات‭ ‬شاملة‭ ‬لجميع‭ ‬الجوانب‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والفكرية‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬تراه‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬ودولة‭ ‬الاحتلال‭.‬

ويمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬لا‭ ‬تستهدف‭ ‬فقط‭ ‬حفظ‭ ‬المصالح‭ ‬الغربية‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬النفط‭ ‬والموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬والممرات‭ ‬البحرية،‭ ‬وإنما‭ ‬تستهدف‭ ‬في‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬إدخال‭ ‬تغيرات‭ ‬جوهرية‭ ‬في‭ ‬أنماط‭ ‬الحياة‭ ‬وتغير‭ ‬السلوك‭ ‬ومعتقدات‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬واستبدالها‭ ‬بمفهوم‭ ‬التعايش‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬أخلاقيات‭ ‬وقيم‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬المعتقدات‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭.‬

ماذا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نفعل؟

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحاول‭ ‬الغرب‭ ‬بكل‭ ‬أطيافه‭ ‬والشرق‭ ‬كذلك‭ ‬من‭ ‬تفتيت‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬وإعادة‭ ‬مشروع‭ (‬تركة‭ ‬الرجل‭ ‬المريض‭) ‬فإنه‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬المنظمات‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬المحورية‭ ‬والأساسية‭ ‬في‭ ‬الأوطان،‭ ‬ولقد‭ ‬تحدثنا‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬عدة‭ ‬مرات،‭ ‬فإنه‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬التفكير‭ ‬في‭:‬

التعليم‭ ‬ومناهجنا‭ ‬الدراسية‭: ‬تقوم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬بتغيير‭ ‬المناهج‭ ‬الدراسية‭ ‬وفقًا‭ ‬لما‭ ‬يريد‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الجزئيات‭ ‬التي‭ ‬تختص‭ ‬بالأخلاقيات‭ ‬والسلوك‭ ‬والقيم،‭ ‬إذ‭ ‬بات‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬تتساهل‭ ‬في‭ ‬الزج‭ ‬بموضوع‭ ‬الشواذ‭ ‬في‭ ‬المناهج،‭ ‬وإزالة‭ ‬الآيات‭ ‬الكريمة‭ ‬التي‭ ‬تبين‭ ‬تاريخ‭ ‬الاحتلال‭ ‬والاستعمار‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬منظومة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسطية‭ ‬والعولمة‭ ‬الجديدة،‭ ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نسأل‭ ‬هل‭ ‬قامت‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬أو‭ ‬الغرب‭ ‬بتغيير‭ ‬مناهجها‭ ‬الدراسية‭ ‬بما‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬المنظومة‭ ‬الجديدة،‭ ‬أم‭ ‬علينا‭ ‬حرام‭ ‬وعليهم‭ ‬حلال؟

الإعلام‭ ‬والمنظومة‭ ‬الإعلامية‭: ‬أصبحت‭ ‬الدراما‭ ‬العربية‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬الأفكار‭ ‬والأطروحات‭ ‬التي‭ ‬تطرحها‭ ‬الدراما‭ ‬الغربية،‭ ‬فأبطال‭ ‬وبطلات‭ ‬المسلسلات‭ ‬والأفلام‭ ‬العربية‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬يلبسون‭ ‬كما‭ ‬يلبس‭ ‬ممثلون‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق،‭ ‬ويتعاطون‭ ‬المخدرات‭ ‬والمسكرات،‭ ‬ويمارسون‭ ‬الرذيلة‭ ‬بكل‭ ‬وقاحة،‭ ‬ويخونون‭ ‬ويسرقون‭ ‬وكأن‭ ‬الأمور‭ ‬هكذا‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تكون،‭ ‬فهل‭ ‬الدراما‭ ‬العربية‭ ‬تعكس‭ ‬واقع‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬السامية،‭ ‬أم‭ ‬إننا‭ ‬لا‭ ‬نؤمن‭ ‬أننا‭ ‬أصحاب‭ ‬مبادئ‭ ‬وقيم‭ ‬راقية؟

الصناعة‭ ‬وبناء‭ ‬المنظومة‭ ‬الصناعية‭: ‬أشرنا‭ ‬عدة‭ ‬مرات،‭ ‬إننا‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬الكبير‭ ‬نعتمد‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬الصناعية‭ ‬والغذائية‭ ‬وكل‭ ‬شيء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬نستورده‭ ‬من‭ ‬الغرب،‭ ‬ربما‭ ‬ننتج‭ ‬بعض‭ ‬المنتجات‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬نأتي‭ ‬ونقارن‭ ‬ما‭ ‬ننتجه‭ ‬بما‭ ‬نستورده‭ ‬نجد‭ ‬إننا‭ ‬نستورد‭ ‬كما‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وحتى‭ ‬الإبر‭ ‬الطبية‭ ‬نستوردها‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬وإن‭ ‬قال‭ ‬أحدنا‭ ‬إننا‭ ‬اليوم‭ ‬نصنعها‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬أوطاننا،‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إنه‭ ‬للأسف‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المصانع‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬غربية‭ ‬أو‭ ‬شرقية،‭ ‬وقمنا‭ ‬نحن‭ ‬‭ ‬كدول‭ ‬عربية‭ ‬‭ ‬باستضافتها‭ ‬عندنا‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬أوطاننا‭ ‬وعلى‭ ‬أرضنا‭ ‬حتى‭ ‬تنتج‭ ‬لنا،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬المصانع‭ ‬مستوردة‭ ‬وليست‭ ‬عربية‭ ‬الأصل،‭ ‬ولهذا‭ ‬فنحن‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تصنيع‭ ‬وزراعة‭ ‬وإنتاج‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬المواطن‭ ‬والعقل‭ ‬واليد‭ ‬العربية،‭ ‬عندئذ‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نستقل‭ ‬عن‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق‭.‬

الاقتصاد‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي‭: ‬وعندما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬الصناعة‭ ‬والزراعة‭ ‬فإننا‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬اقتصاد‭ ‬لا‭ ‬يهيمن‭ ‬عليه‭ ‬الدولار‭ ‬أو‭ ‬اليورو‭ ‬أو‭ ‬أيا‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬العملات‭ ‬الآتية‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬وإنما‭ ‬ينبغي‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتحرر‭ ‬من‭ ‬البنوك‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الغربية‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬لنا‭ ‬اقتصاد‭ ‬قائم‭ ‬بذاته،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬ننزوي‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬الاقتصاديات‭ ‬وإنما‭ ‬الفكرة‭ ‬أن‭ ‬نتحرر‭ ‬عن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الرأسمالي‭.‬

هذه‭ ‬بعض‭ ‬الأفكار،‭ ‬وكما‭ ‬نقول‭ ‬دائمًا‭ ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬ننزوي‭ ‬في‭ ‬ركن‭ ‬مظلم‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬ولكن‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬وحدة‭ ‬واحدة‭ ‬يقدم‭ ‬للعالم‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الأفضل‭. ‬

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا