العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

اسمعوها من مدخن متقاعد (2)

لا‭ ‬أمارس‭ ‬الوعظ‭ ‬بجميع‭ ‬أشكاله‭ ‬لأنني‭ ‬لست‭ ‬مؤهلا‭ ‬لذلك،‭ ‬بل‭ ‬علمتني‭ ‬التجارب‭ ‬عدم‭ ‬تقديم‭ ‬النصح‭ ‬لمن‭ ‬لم‭ ‬يطلبه،‭ ‬بل‭ ‬أمارس‭ ‬ضربا‭ ‬معينا‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬متفاديا‭ ‬التقريرية‭ ‬والهتاف‭ ‬والمباشرة،‭ ‬وكتبت‭ ‬بالأمس‭ ‬عما‭ ‬تشهده‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬حملات‭ ‬منهجية‭ ‬لتحذير‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬أضرار‭ ‬التدخين،‭ ‬وبأنه‭ ‬بلغ‭ ‬الأمر‭ ‬بأعداء‭ ‬التبغ،‭ ‬أن‭ ‬أتوا‭ ‬بأدلة‭ ‬تثبت‭ ‬أن‭ ‬التدخين‭ ‬يجعل‭ ‬الرجل‭ ‬من‭ ‬مستحقي‭ ‬الفياغرا،‭ ‬وكنت‭ ‬قبلها‭ ‬ولسنوات‭ ‬بعيدة‭ ‬مدخنا‭ ‬محترفا،‭ ‬وأعترف‭ ‬بأن‭ ‬أحد‭ ‬أسباب‭ ‬اغترابي‭ ‬عن‭ ‬وطني،‭ ‬كان‭ ‬رغبتي‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬التبغ‭ ‬الفرجيني‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أهلك‭ ‬التبغ‭ ‬السوداني‭ ‬رئتي‭ ‬وبعيري‭.‬

وساءت‭ ‬أوضاعي‭ ‬التدخينية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تزوجت‭ ‬بامرأة‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬حساسية‭ ‬شديدة،‭ ‬ويسبب‭ ‬لها‭ ‬دخان‭ ‬التبغ‭ ‬نوبات‭ ‬ربو‭ ‬فظيعة،‭ ‬فاضطررت‭ ‬إلى‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬عصر‭ ‬التدخين‭ ‬في‭ ‬دورات‭ ‬المياه،‭ ‬ثم‭ ‬بدأ‭ ‬إسهامي‭ ‬المتواضع‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬النسل‭ ‬البشري،‭ ‬ومنذ‭ ‬أن‭ ‬يتعلم‭ ‬أحد‭ ‬أطفالي‭ ‬الكلام،‭ ‬كانت‭ ‬زوجتي‭ ‬تبرمجه‭ ‬بحيث‭ ‬يبكي‭ ‬ويتشنج،‭ ‬كلما‭ ‬رآني‭ ‬ممسكا‭ ‬بسيجارة،‭ ‬ثم‭ ‬جاءت‭ ‬ابنتي‭ ‬مروة،‭ ‬التي‭ ‬سارت‭ ‬بذكرها‭ ‬الركبان،‭ ‬وتفاديا‭ ‬لنشر‭ ‬الغسيل‭ ‬العائلي‭ ‬على‭ ‬الملأ،‭ ‬أقول‭ ‬باختصار‭ ‬أنها‭ ‬أرغمتني‭ ‬على‭ ‬ترك‭ ‬التدخين،‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬أكملت‭ ‬عامها‭ ‬الأول‭ ‬ونطقت‭ ‬ببعض‭ ‬كلمات‭ ‬من‭ ‬بينها‭: ‬سجائر‭.. ‬عيب‭! ‬وهكذا‭ ‬ومنذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬أدخن‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬أو‭ ‬أمام‭ ‬عيالي،‭ ‬ولا‭ ‬أشتري‭ ‬السجائر،‭ ‬ولكن‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يطعن‭ ‬في‭ ‬شرف‭ ‬المدخنين،‭ ‬وتفاديا‭ ‬للتجريح‭ ‬والتشهير‭ ‬فإنني‭ ‬أعلن‭ ‬عبر‭ ‬هذه‭ ‬الصفحة‭ ‬عن‭ ‬توقفي‭ ‬عن‭ ‬التدخين‭ ‬تمامًا‭ ‬ونهائيا‭ ‬وكومبليتلي،‭ ‬ومن‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬تثكله‭ ‬زوجة‭ ‬عمه‭ ‬الثالثة‭ ‬فليقدم‭ ‬لي‭ ‬سيجارة‭...... ‬في‭ ‬مكان‭ ‬عام‭.‬

اعتبارًا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬المباركة،‭ ‬سأصبح‭ ‬جنديا‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬أعداء‭ ‬التبغ،‭ ‬وسأعمل‭ ‬ما‭ ‬وسعني‭ ‬جهدي‭ ‬على‭ ‬التشهير‭ ‬بالمدخنين،‭ ‬وفضح‭ ‬ممارستهم‭ ‬الشائنة،‭ ‬كما‭ ‬سأعمل‭ ‬على‭ ‬إقناع‭ ‬الحكومات‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬سن‭ ‬قوانين‭ ‬تجعل‭ ‬شرب‭ ‬السجائر‭ ‬جريمة‭ ‬تستوجب‭ ‬قطع‭ ‬الشفتين‭ ‬وإصبعين‭ (‬السبابة‭ ‬والوسطى‭ ‬تحديدا‭) ‬من‭ ‬خلاف‭. ‬الله‭ ‬كم‭ ‬سيكون‭ ‬ممتعا‭ ‬قراءة‭ ‬أخبار‭ ‬من‭ ‬قبيل‭: ‬السلطات‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬تكتشف‭ ‬شبكة‭ ‬أنابيب‭ ‬ومواسير‭ ‬المياه‭ ‬لتوزيع‭ ‬الشيشة‭ ‬في‭ ‬شبرا‭!! ‬القبض‭ ‬على‭ ‬سوداني‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬صنعاء‭ ‬وفي‭ ‬تلافيف‭ ‬عمامته‭ ‬سبع‭ ‬سيجارات‭. ‬اعتقال‭ ‬مواطن‭ ‬من‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬يخفي‭ ‬علبة‭ ‬سجائر‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬حساس‭.. ‬سيدة‭ ‬آسيوية‭ ‬تخفي‭ ‬تبغ‭ ‬الغليون‭ ‬في‭ ‬بامبرز‭ ‬طفلها‭ ‬الرضيع‭ (‬خلطة‭ ‬غير‭ ‬موفقة‭).. ‬الشرطة‭ ‬السعودية‭ ‬تعتقل‭ ‬أفراد‭ ‬خلية‭ ‬تمارس‭ ‬التدخين‭ ‬في‭ ‬كورنيش‭ ‬جدة‭ ‬في‭ ‬الساعات‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الفجر‭.. ‬وزراء‭ ‬الداخلية‭ ‬العرب‭ ‬يضعون‭ ‬إستراتيجية‭ ‬لتبادل‭ ‬المعلومات‭ ‬عن‭ ‬المدخنين‭ (‬وهم‭ ‬يحبون‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬التي‭ ‬تكتم‭ ‬النفس‭).. ‬إلقاء‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬مدير‭ ‬مؤسسة‭ ‬عامة‭ ‬تتلقى‭ ‬سيجارة‭ ‬رشوة‭.. ‬شركة‭ ‬كبرى‭ ‬تنزع‭ ‬أبواب‭ ‬الحمامات‭ ‬بعد‭ ‬تفشي‭ ‬ظاهرة‭ ‬التدخين‭ ‬بداخلها‭!!‬

ولكن‭ ‬من‭ ‬مقتضيات‭ ‬العدل‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تقديم‭ ‬العون‭ ‬المادي‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬ستمنع‭ ‬التدخين،‭ ‬لأن‭ ‬عائدات‭ ‬جمارك‭ ‬التبغ‭ ‬تمثل‭ ‬ربع‭ ‬حصيلتها‭ ‬النقدية،‭ ‬وعلى‭ ‬عهد‭ ‬الديكتاتور‭ ‬نميري‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬فرضت‭ ‬الحكومة‭ ‬ضرائب‭ ‬عالية‭ ‬على‭ ‬السكر،‭ ‬وارتفعت‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬وعقب‭ ‬وزير‭ ‬المالية‭ ‬إبراهيم‭ ‬منعم‭ ‬منصور‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬بقوله‭: ‬البديل‭ ‬للضريبة‭ ‬الجديدة‭ ‬هو‭ ‬تعطيل‭ ‬منابر‭ ‬الفضيلة‭ ‬كي‭ ‬يكثر‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬شرب‭ ‬الخمر‭ ‬والسجائر‭. ‬ما‭ ‬قصد‭ ‬الرجل‭ ‬أن‭ ‬يقوله‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬عائدات‭ ‬جمارك‭ ‬الخمور‭ ‬والسجائر‭ ‬ستدر‭ ‬أموالا‭ ‬كثيرة‭ ‬على‭ ‬الخزينة‭ ‬العامة،‭ ‬تغنيها‭ ‬عن‭ ‬رفع‭ ‬أسعار‭ ‬السكر،‭ ‬وإنصافًا‭ ‬لنميري‭ ‬فقد‭ ‬اكتشف‭ ‬لاحقًا‭ ‬أن‭ ‬بيع‭ ‬الخمر‭ ‬في‭ ‬نهار‭ ‬رمضان‭ ‬حرام،‭ ‬فأمر‭ ‬بإغلاق‭ ‬البارات‭ ‬خلال‭ ‬ساعات‭ ‬نهار‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل،‭ ‬ثم‭ ‬عرف‭ ‬أن‭ ‬بيعها‭ ‬في‭ ‬ليل‭ ‬رمضان‭ ‬فيه‭ ‬شبهة‭ ‬تحريم،‭ ‬فأصدر‭ ‬فرمانا‭ ‬بإغلاق‭ ‬البارات‭ ‬طوال‭ ‬رمضان،‭ ‬ثم‭ ‬توالت‭ ‬الاكتشافات‭ ‬فأمر‭ ‬بإغلاق‭ ‬البارات‭ ‬نهائيًا،‭ ‬وصادر‭ ‬الخمور‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مخزونة‭ ‬فيها‭ ‬وسكبها‭ ‬في‭ ‬نهر‭ ‬النيل‭ ‬في‭ ‬احتفال‭ ‬ضخم،‭ ‬وهكذا‭ ‬عمت‭ ‬النشوة‭ ‬وادي‭ ‬النيل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أكل‭ ‬أهل‭ ‬شمال‭ ‬السودان‭ ‬وعموم‭ ‬مصر‭ ‬أسماكا‭ ‬سكرانة‭. ‬

المهم‭ ‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬مدخنا‭ ‬فاحترم‭ ‬نفسك‭ ‬وابتعد‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الشبهات‮»‬،‭ ‬ومارس‭ ‬نشاطك‭ ‬الهدام‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬سرية‭: ‬تحت‭ ‬الجسور‭ ‬مثلا‭. ‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا