زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
اسمعوها من مدخن متقاعد (2)
لا أمارس الوعظ بجميع أشكاله لأنني لست مؤهلا لذلك، بل علمتني التجارب عدم تقديم النصح لمن لم يطلبه، بل أمارس ضربا معينا من الكتابة متفاديا التقريرية والهتاف والمباشرة، وكتبت بالأمس عما تشهده العديد من الدول من حملات منهجية لتحذير الناس من أضرار التدخين، وبأنه بلغ الأمر بأعداء التبغ، أن أتوا بأدلة تثبت أن التدخين يجعل الرجل من مستحقي الفياغرا، وكنت قبلها ولسنوات بعيدة مدخنا محترفا، وأعترف بأن أحد أسباب اغترابي عن وطني، كان رغبتي في استخدام التبغ الفرجيني بعد أن أهلك التبغ السوداني رئتي وبعيري.
وساءت أوضاعي التدخينية، بعد أن تزوجت بامرأة تعاني من حساسية شديدة، ويسبب لها دخان التبغ نوبات ربو فظيعة، فاضطررت إلى العودة إلى عصر التدخين في دورات المياه، ثم بدأ إسهامي المتواضع في زيادة النسل البشري، ومنذ أن يتعلم أحد أطفالي الكلام، كانت زوجتي تبرمجه بحيث يبكي ويتشنج، كلما رآني ممسكا بسيجارة، ثم جاءت ابنتي مروة، التي سارت بذكرها الركبان، وتفاديا لنشر الغسيل العائلي على الملأ، أقول باختصار أنها أرغمتني على ترك التدخين، منذ أن أكملت عامها الأول ونطقت ببعض كلمات من بينها: سجائر.. عيب! وهكذا ومنذ سنوات طويلة لم أعد أدخن في البيت أو أمام عيالي، ولا أشتري السجائر، ولكن طالما أن هناك من يطعن في شرف المدخنين، وتفاديا للتجريح والتشهير فإنني أعلن عبر هذه الصفحة عن توقفي عن التدخين تمامًا ونهائيا وكومبليتلي، ومن أراد أن تثكله زوجة عمه الثالثة فليقدم لي سيجارة...... في مكان عام.
اعتبارًا من هذه اللحظة المباركة، سأصبح جنديا في صفوف أعداء التبغ، وسأعمل ما وسعني جهدي على التشهير بالمدخنين، وفضح ممارستهم الشائنة، كما سأعمل على إقناع الحكومات العربية على سن قوانين تجعل شرب السجائر جريمة تستوجب قطع الشفتين وإصبعين (السبابة والوسطى تحديدا) من خلاف. الله كم سيكون ممتعا قراءة أخبار من قبيل: السلطات الأمنية في القاهرة تكتشف شبكة أنابيب ومواسير المياه لتوزيع الشيشة في شبرا!! القبض على سوداني في مطار صنعاء وفي تلافيف عمامته سبع سيجارات. اعتقال مواطن من غرب إفريقيا يخفي علبة سجائر في مكان حساس.. سيدة آسيوية تخفي تبغ الغليون في بامبرز طفلها الرضيع (خلطة غير موفقة).. الشرطة السعودية تعتقل أفراد خلية تمارس التدخين في كورنيش جدة في الساعات الأولى من الفجر.. وزراء الداخلية العرب يضعون إستراتيجية لتبادل المعلومات عن المدخنين (وهم يحبون الاستراتيجيات التي تكتم النفس).. إلقاء القبض على مدير مؤسسة عامة تتلقى سيجارة رشوة.. شركة كبرى تنزع أبواب الحمامات بعد تفشي ظاهرة التدخين بداخلها!!
ولكن من مقتضيات العدل أن يتم تقديم العون المادي للدول العربية التي ستمنع التدخين، لأن عائدات جمارك التبغ تمثل ربع حصيلتها النقدية، وعلى عهد الديكتاتور نميري في السودان فرضت الحكومة ضرائب عالية على السكر، وارتفعت الاحتجاجات وعقب وزير المالية إبراهيم منعم منصور على تلك الاحتجاجات بقوله: البديل للضريبة الجديدة هو تعطيل منابر الفضيلة كي يكثر الناس من شرب الخمر والسجائر. ما قصد الرجل أن يقوله هو أن عائدات جمارك الخمور والسجائر ستدر أموالا كثيرة على الخزينة العامة، تغنيها عن رفع أسعار السكر، وإنصافًا لنميري فقد اكتشف لاحقًا أن بيع الخمر في نهار رمضان حرام، فأمر بإغلاق البارات خلال ساعات نهار الشهر الفضيل، ثم عرف أن بيعها في ليل رمضان فيه شبهة تحريم، فأصدر فرمانا بإغلاق البارات طوال رمضان، ثم توالت الاكتشافات فأمر بإغلاق البارات نهائيًا، وصادر الخمور التي كانت مخزونة فيها وسكبها في نهر النيل في احتفال ضخم، وهكذا عمت النشوة وادي النيل بعد أن أكل أهل شمال السودان وعموم مصر أسماكا سكرانة.
المهم إذا كنت مدخنا فاحترم نفسك وابتعد عن «الشبهات»، ومارس نشاطك الهدام في أماكن سرية: تحت الجسور مثلا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك