العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

صور الخزي والعار في غزة

بقلم: سهيل كيوان {

الجمعة ١٥ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

لقد‭ ‬أنجز‭ ‬أصحاب‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬صورًا‭ ‬كثيرة‭ ‬للنصر،‭ ‬فقد‭ ‬قتل‭ ‬عشرات‭ ‬آلاف‭ ‬الفلسطينيّين‭ ‬وجرحوا،‭ ‬وسيعيش‭ ‬آلاف‭ ‬منهم‭ ‬مع‭ ‬عاهات‭ ‬مستديمة،‭ ‬ومئات‭ ‬الآلاف‭ ‬قد‭ ‬هجروا‭ ‬من‭ ‬بيوتهم،‭ ‬ونزحوا‭ ‬إلى‭ ‬خيام‭ ‬جديدة،‭ ‬ها‭ ‬هي‭ ‬مئات‭ ‬آلاف‭ ‬المباني‭ ‬السكنيّة‭ ‬والمؤسّسات‭ ‬قد‭ ‬تحوّلت‭ ‬إلى‭ ‬أنقاض،‭ ‬وقد‭ ‬هدمت‭ ‬عشرات‭ ‬المساجد‭ ‬والمدارس‭ ‬والكلّيّات‭ ‬والكنوز‭ ‬الحضاريّة،‭ ‬ها‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬الجنود‭ ‬يهدي‭ ‬ابنته‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬ميلادها‭ ‬الثاني‭ ‬قصف‭ ‬عمارة‭ ‬مأهولة،‭ ‬وآخر‭ ‬يهدي‭ ‬صديقه‭ ‬تدمير‭ ‬مدرسة‭ ‬ممتلئة‭ ‬بالنازحين‭ ‬أطلق‭ ‬عليها‭ ‬قذيفة‭ ‬قتلت‭ ‬وجرحت‭ ‬العشرات،‭ ‬وها‭ ‬هم‭ ‬الجنود‭ ‬يتلهّون‭ ‬بهدم‭ ‬مؤسّسات‭ ‬تعليميّة‭ ‬وقضائيّة‭ ‬وغيرها،‭ ‬وآخرون‭ ‬يتلهون‭ ‬بتحطيم‭ ‬السيّارات‭ ‬الخاصّة‭ ‬والمتاجر‭ ‬بجرّافات‭ ‬أمريكا‭ ‬وألمانيا‭ ‬العملاقة،‭ ‬وها‭ ‬هم‭ ‬الغزيّون‭ ‬يدفنون‭ ‬قتلاهم‭ ‬في‭ ‬مقابر‭ ‬جماعيّة‭.‬

وها‭ ‬هو‭ ‬‮«‬الجيش‭ ‬العظيم‮»‬‭ ‬يستعمل‭ ‬الطائرات‭ ‬المقاتلة‭ ‬أيضًا‭ ‬ضدّ‭ ‬أهداف‭ ‬في‭ ‬مخيّمات‭ ‬الضفّة‭ ‬الغربيّة‭!‬

إنّها‭ ‬صورة،‭ ‬بل‭ ‬ألبوم‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬النصر‭ ‬الكبير،‭ ‬كلّ‭ ‬هذا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يمسّ‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬جوهريا‭ ‬العلاقات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الخارجية‭ ‬مع‭ ‬حلفائها،‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬ثابتة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه،‭ ‬رغم‭ ‬تهويش‭ ‬وتحذير‭ ‬بعضهم،‭ ‬فما‭ ‬هي‭ ‬سوى‭ ‬بضعة‭ ‬أشهر‭ ‬بعد‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬حتّى‭ ‬تعود‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬الحرب‭ ‬وأفضل‭.‬

العالم‭ ‬يصدر‭ ‬قرارات‭ ‬بوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬وتتصدّى‭ ‬أمّهم‭ ‬الرؤوم‭ ‬أمريكا‭ ‬بالفيتو‭.‬

إنّه‭ ‬انتقام‭ ‬رهيب،‭ ‬لقد‭ ‬أبدنا‭ ‬آلافًا‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬والشبّان،‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يصبحوا‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬لو‭ ‬تركناهم‭ ‬يكبرون‭ ‬ويتكاثرون‭ ‬بصورة‭ ‬طبيعيّة‭ ‬بين‭ ‬البحر‭ ‬والنهر‭!‬

لقد‭ ‬وضع‭ ‬نتنياهو‭ ‬وحكومته‭ ‬هدفين‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب،‭ ‬إعادة‭ ‬المخطوفين‭ ‬والأسرى‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أيّ‭ ‬صفقة‭ ‬ورغم‭ ‬أنف‭ ‬المقاومة،‭ ‬إنّه‭ ‬يتخيّل‭ ‬الصورة‭ ‬الرائعة‭ ‬للجنود،‭ ‬وهو‭ ‬يسحبون‭ ‬الأسرى‭ ‬في‭ ‬سيّارات‭ ‬الصليب‭ ‬الأحمر،‭ ‬ثمّ‭ ‬الوصول‭ ‬بهم‭ ‬إلى‭ ‬داخل‭ ‬إسرائيل‭ ‬حيث‭ ‬يكون‭ ‬نتنياهو‭ ‬وجالانت‭ ‬رئيس‭ ‬الأركان‭ ‬ووسائل‭ ‬إعلام‭ ‬عبريّة‭ ‬وعربيّة‭ ‬وعالميّة‭ ‬لنقل‭ ‬خطاب‭ ‬النصر‭.‬

هذه‭ ‬الصورة‭ ‬لم‭ ‬تحدث‭ ‬بعد،‭ ‬ولكن‭ ‬ممّا‭ ‬لا‭ ‬شكّ‭ ‬فيه،‭ ‬أنّ‭ ‬نتنياهو‭ ‬وجالانت‭ ‬يتخيّلانها‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬ساعات‭ ‬النهار‭ ‬والليل،‭ ‬ونتنياهو‭ ‬ينتظر‭ ‬الهاتف‭ ‬الخاصّ‭ ‬من‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬ليبشّره‭ ‬بالصورة‭ ‬المشتهاة،‭ ‬يحيى‭ ‬السنوار‭ ‬ومحمّد‭ ‬ضيف‭ ‬والملثّم‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬غرف‭ ‬الأنفاق‭ ‬وهم‭ ‬يستسلمون‭ ‬وفوقهم‭ ‬رؤوسهم‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬المهمّات‭ ‬الخاصّة‭ ‬بأسلحتهم،‭ ‬ثمّ‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الأنفاق‭ ‬مع‭ ‬الصيد‭ ‬الثمين‭ ‬ليكون‭ ‬تتويجًا‭ ‬لحرب‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬إسرائيل‭ ‬مثيلة‭ ‬لها‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسها‭.‬

طبعًا‭ ‬كلّ‭ ‬هذه‭ ‬أحلام،‭ ‬فالأسرى‭ ‬لن‭ ‬يحرّروا‭ ‬إلّا‭ ‬بصفقة‭ ‬وكما‭ ‬تقضي‭ ‬سنّة‭ ‬الحروب،‭ ‬الجميع‭ ‬مقابل‭ ‬الجميع،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬أحد،‭ ‬أمّا‭ ‬السنوار‭ ‬أو‭ ‬الملثّم‭ ‬والضيف،‭ ‬فإنّهم‭ ‬بلا‭ ‬شكّ‭ ‬سيختارون‭ ‬الشهادة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يستسلموا‭.‬

‭ ‬وما‭ ‬يجري‭ ‬هو‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الوقت،‭ ‬والمزيد‭ ‬من‭ ‬الدماء‭ ‬وإزهاق‭ ‬الأرواح‭ ‬والمزيد‭ ‬من‭ ‬الخراب‭ ‬فوق‭ ‬الخراب‭ ‬ومزيد‭ ‬من‭ ‬المعاناة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجحيم،‭ ‬والأهمّ‭ ‬هو‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬وزير‭ ‬الخارجيّة‭ ‬الأردنيّ‭ ‬إنّ‭ ‬ما‭ ‬تصنعه‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬سيخلف‭ ‬حقدًا‭ ‬وكراهية‭ ‬لعدّة‭ ‬أجيال،‭ ‬وهذا‭ ‬صحيح،‭ ‬ومهما‭ ‬بدا‭ ‬أنّ‭ ‬العرب‭ ‬مسالمون‭ ‬ومستعدّون‭ ‬للتسامح‭ ‬والنسيان،‭ ‬إلّا‭ ‬أنّ‭ ‬حجم‭ ‬المجازر‭ ‬الّتي‭ ‬ارتكبت‭ ‬وترتكب‭ ‬ضدّ‭ ‬المدنيّين‭ ‬مع‭ ‬سبق‭ ‬الإصرار‭ ‬والترصّد‭ ‬وبأبشع‭ ‬صورها،‭ ‬من‭ ‬تخريب‭ ‬للمؤسّسات‭ ‬الصحّيّة‭ ‬وغارات‭ ‬على‭ ‬سيّارات‭ ‬الإسعاف‭ ‬وقنص‭ ‬للصحفيّين‭ ‬والمؤسّسات‭ ‬العامّة‭ ‬وقتل‭ ‬للنازحين‭ ‬والتخريب‭ ‬المنهجيّ‭ ‬للأملاك‭ ‬الخاصّة‭ ‬وتجويع‭  ‬الناس‭ ‬،‭ ‬إنّها‭ ‬صور‭ ‬خزي‭ ‬وعار،‭ ‬أيّ‭ ‬مقاتل‭ ‬نخبويّ‭ ‬هذا‭ ‬الستّينيّ‭ ‬المترهّل‭ ‬الجسد‭!‬

يجب‭ ‬وقف‭ ‬هذه‭ ‬المحرقة‭ ‬الآن‭ ‬وقبل‭ ‬الآن،‭ ‬فما‭ ‬ألقته‭ ‬هذه‭ ‬العصابة‭ ‬الحاكمة‭ ‬من‭ ‬قنابل‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭ ‬يكفي‭ ‬لتدمير‭ ‬قارّة‭. ‬وعلى‭ ‬هذه‭ ‬العصابة‭ ‬أن‭ ‬تستيقظ‭ ‬من‭ ‬أوهام‭ ‬إنهاء‭ ‬القضيّة‭ ‬الفلسطينيّة،‭ ‬فقد‭ ‬عادت‭ ‬وبقوّة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬منذ‭ ‬بدأ‭ ‬الصراع،‭ ‬ورغم‭ ‬هذا‭ ‬البلاء‭ ‬وهذا‭ ‬الألم،‭ ‬لن‭ ‬يرحل‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين،‭ ‬ومن‭ ‬يرفع‭ ‬شعارات‭ ‬‮«‬إمّا‭ ‬نحن‭ ‬أو‭ ‬هم‮»‬،‭ ‬فهو‭ ‬يعني‭ ‬تأبيد‭ ‬الصراع‭ ‬والقتل،‭ ‬أمّا‭ ‬من‭ ‬يرفعون‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬نحن‭ ‬وهم‮»‬‭ ‬فيعملون‭ ‬لأجل‭ ‬هذا،‭ ‬وإن‭ ‬كانوا‭ ‬قلّة،‭ ‬فقد‭ ‬اختاروا‭ ‬الطريق‭ ‬القويم‭ ‬الّذي‭ ‬لا‭ ‬طريق‭ ‬للشعبين‭ ‬سواه،‭ ‬ومن‭ ‬يحاول‭ ‬تجاهل‭ ‬الآخرين‭ ‬أو‭ ‬التخلّص‭ ‬منهم،‭ ‬فإنّما‭ ‬يكون‭ ‬مجرمًا‭ ‬سفّاحًا‭ ‬ومصيره‭ ‬مثل‭ ‬أمثاله‭ ‬ممّن‭ ‬سبقوه‭ ‬إلى‭ ‬القائمة‭ ‬السوداء‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬البشريّة‭.‬

{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا