العدد : ١٦٨٥٦ - الجمعة ١٧ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٩ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٦ - الجمعة ١٧ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٩ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

زيارة بوتين ومغزى الجولة الخليجية

بقلم: د. نبيل العسومي

الثلاثاء ١٢ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

تشكل‭ ‬الزيارة‭ ‬التاريخية‭ ‬للرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬والمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬الشقيقتين‭ ‬فرصة‭ ‬نادرة‭ ‬وغير‭ ‬مسبوقة‭ ‬بكل‭ ‬المعايير‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬وضعناها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الأوضاع‭ ‬العالمية‭ ‬الحالية‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬ما‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬من‭ ‬ضغوطات‭ ‬وحصار‭ ‬ومقاطعة‭ ‬غربية‭ ‬وأمريكية‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬التوقيت‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تطورات‭ ‬الأوضاع‭ ‬العالمية‭ ‬عامة‭ ‬ومنطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬خاصة‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬ذات‭ ‬أهمية‭ ‬كبيرة‭ ‬سواء‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬أو‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬والمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭.‬

ويمكننا‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬من‭ ‬زاويتين‭:‬

الأولى‭: ‬الفوائد‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬ستجنيها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬والإمارات‭ ‬والسعودية،‭ ‬حيث‭ ‬تبين‭ ‬نتائج‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬حجم‭ ‬الفوائد‭ ‬للأطراف‭ ‬الثلاثة‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والمالي‭ ‬والنفطي‭ ‬والتعاون‭ ‬في‭ ‬تثبيت‭ ‬واستقرار‭ ‬أسواق‭ ‬النفط‭ ‬العالمية‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬النفط‭ ‬هو‭ ‬السلعة‭ ‬الأساسية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للدول‭ ‬الثلاث‭ ‬واستقراره‭ ‬وعدم‭ ‬انخفاض‭ ‬أسعاره‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬المتوسط‭ ‬والطويل‭ ‬يشكل‭ ‬ضمانة‭ ‬رئيسية‭ ‬للاستقرار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للجميع،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬نتائج‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬حجم‭ ‬العقود‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬توقيعها‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬والبلدين‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬ثانية،‭ ‬والتي‭ ‬شملت‭ ‬الجوانب‭ ‬المالية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والأمنية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والطاقة‭ ‬والزراعة‭ ‬وكل‭ ‬الجوانب‭ ‬ذات‭ ‬الأهمية‭ ‬للأطراف‭ ‬الثلاثة‭:‬

كما‭ ‬تدل‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬على‭ ‬الثقة‭ ‬المتزايدة‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الأطراف‭ ‬والثقة‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬تحظى‭ ‬بها‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الخليجية‭ ‬خاصة‭ ‬والمنطقة‭ ‬العربية‭ ‬عامة،‭ ‬وذلك‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬مواقف‭ ‬روسيا‭ ‬الثابتة‭ ‬في‭ ‬تحالفاتها‭ ‬مع‭ ‬أصدقائها‭ ‬وشركائها،‭ ‬فلا‭ ‬تنقلب‭ ‬عليهم‭ ‬ولا‭ ‬تخذلهم‭ ‬عند‭ ‬الأزمات‭ ‬مثلما‭ ‬تفعل‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬ولسنا‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬استعراض‭ ‬كل‭ ‬النتائج‭ ‬الفعلية‭ ‬لهذه‭ ‬الزيارة‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والمالي‭ ‬فهي‭ ‬منشورة‭ ‬في‭ ‬وكالات‭ ‬الانباء‭ ‬والصحف،‭ ‬ولكن‭ ‬الأبرز‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬قد‭ ‬حققت‭ ‬وحدة‭ ‬الموقف‭ ‬فيما‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬عدوان‭ ‬وحشي‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المظلوم‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬العربية‭ ‬المحتلة‭ ‬عامة‭ ‬وفي‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬خاصة،‭ ‬فروسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬تتفق‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬هو‭ ‬جريمة‭ ‬إبادة‭ ‬منهجية‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تهجير‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬آمالهم‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المستقلة‭ ‬التي‭ ‬تنص‭ ‬عليها‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭ ‬ويتفق‭ ‬على‭ ‬أهميتها‭ ‬وضرورتها‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬العالم‭. ‬وقد‭ ‬أكدت‭ ‬الأطراف‭ ‬الثلاثة‭ ‬في‭ ‬بياناتها‭ ‬الرسمية‭ ‬وفي‭ ‬المؤتمرات‭ ‬الصحفية‭ ‬التي‭ ‬أعقبت‭ ‬هاتين‭ ‬الزيارتين‭ ‬اتفاق‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬على‭ ‬إيجاد‭ ‬أفق‭ ‬واضح‭ ‬للسلام‭ ‬الدائم‭ ‬والشامل‭ ‬والعادل‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬والذي‭ ‬يقوم‭ ‬بالضرورة‭ ‬وبالأساس‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭.‬

ثانيا‭: ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬السياسي،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬تعتبر‭ ‬نصرا‭ ‬مؤكدا‭ ‬لروسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬فهي‭ ‬مثلما‭ ‬وصفها‭ ‬مساعد‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬طلقة‭ ‬مركزة‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬موسكو‭ ‬الخارجية‭ ‬واشارة‭ ‬قوية‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‮»‬‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬هاتين‭ ‬الزيارتين‭ ‬كسرتا‭ ‬العزلة‭ ‬التي‭ ‬فرضها‭ ‬الغرب‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬كما‭ ‬كسرتا‭ ‬الحصار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والمالي‭ ‬الذي‭ ‬فرض‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬الروسية،‭ ‬وكذلك‭ ‬كسر‭ ‬قرار‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬القاضي‭ ‬باعتقال‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬ها‭ ‬هو‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬ينتقل‭ ‬بحرية‭ ‬وينتقل‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬بكل‭ ‬أريحية‭ ‬ويلقى‭ ‬ترحابا‭ ‬كبيرا‭ ‬ومنقطع‭ ‬النظير‭ ‬ويوقع‭ ‬العقود‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬ويحظى‭ ‬باستقبالات‭ ‬حافلة‭.‬

وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬ودولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬فإن‭ ‬استقبال‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الظرف‭ ‬المتوتر‭ ‬هو‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭ ‬عامة‭ ‬وإلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬خاصة،‭ ‬بأن‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬يفقد‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬الغربي‭ ‬والموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬بوجه‭ ‬خاص‭ ‬سواء‭ ‬إزاء‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أو‭ ‬إزاء‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المتواصل‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬بدأت‭ ‬تتجه‭ ‬نحو‭ ‬علاقات‭ ‬متوازنة‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬الكبرى‭ ‬ومنها‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وهذا‭ ‬طبعا‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬مصلحتنا‭ ‬لأن‭ ‬التعويل‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬اللازم‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬الفشل‭ ‬نتيجة‭ ‬انعدام‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬والتطورات‭ ‬وبهذا‭ ‬المعنى‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬تاريخية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وسياسية‭ ‬فهي‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬الجميع‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬تبادل‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬بشأن‭ ‬القضايا‭ ‬المشتركة‭ ‬والتطورات‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭ ‬وفي‭ ‬العالم‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬مستجدات‭ ‬الأزمة‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬أو‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتحاق‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬ودولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬بمنظمة‭ ‬بريكس‭ ‬ومستقبل‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ودورها‭ ‬المستقبلي‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا