العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

لماذا وافقت إسرائيل على الهدنة؟

بقلم: عبد المجيد سويلم

السبت ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

إذا‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نجيب‭ ‬بشكلٍ‭ ‬عام‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال،‭ ‬فإن‭ ‬إسرائيل‭ ‬قد‭ ‬تراجعت‭ ‬عن‭ ‬مواقفها‭ ‬السابقة،‭ ‬ورضخت‭ ‬للضغوط‭ ‬التي‭ ‬أحاطت‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جانب‭.‬

في‭ ‬مقدمة‭ ‬هذه‭ ‬الضغوط،‭ ‬وأهمها‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬الضغوط‭ ‬الداخلية،‭ ‬والتي‭ ‬باتت‭ ‬تنذر‭ ‬بالتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬حركة‭ ‬احتجاجٍ‭ ‬عارمة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فشلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬باستعادة‭ ‬أسراها،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬محاولاتها‭ ‬المحمومة،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬التدمير‭ ‬والقتل‭ ‬والإجرام‭ ‬الذي‭ ‬مارسته‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ستّة‭ ‬وأربعين‭ ‬يوماً‭ ‬من‭ ‬الهستيريا‭ ‬الجنونية،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬أسبوعين‭ ‬كاملين‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬البرّية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعوّل‭ ‬عليها‭ ‬تحديداً‭ ‬في‭ ‬استعادتهم،‭ ‬أو‭ ‬استعادة‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬الاعتداد‭ ‬به‭ ‬منهم‭.‬

وبهذا‭ ‬المعنى‭ ‬المحدّد‭ ‬فإن‭ ‬قبول‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالهدنة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬هو‭ ‬عنوان‭ ‬فشل،‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬أن‭ ‬تتجاهله‭ ‬أو‭ ‬تُخفيه،‭ ‬ناهيكم‭ ‬عن‭ ‬أنّ‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬قد‭ ‬‮«‬نكّل‮»‬‭ ‬بالحكومة‭ ‬ورئيسها،‭ ‬وبـ‮«‬المجلس‭ ‬الحربي‮»‬‭ ‬كلّه،‭ ‬وبشكل‭ ‬تجاوز‭ ‬‮«‬حُرمة‮»‬‭ ‬حالة‭ ‬الحرب‭ ‬الدائرة،‭ ‬وتعدّى‭ ‬مرحلة‭ ‬اللوم‭ ‬والعتاب‭ ‬والانتقاد،‭ ‬ووصل‭ ‬إلى‭ ‬التقريع‭ ‬والتهكُّم‭ ‬والاستهزاء‭.‬

وفي‭ ‬أغلب‭ ‬الظنّ،‭ ‬أيضاً،‭ ‬فإنّ‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ومن‭ ‬خلفها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬‮«‬الغرب‮»‬،‭ ‬وأمام‭ ‬موجات‭ ‬مناهضة‭ ‬للحرب‭ ‬الإبادية‭ ‬التي‭ ‬تشنّها‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬على‭ ‬القطاع،‭ ‬وحالة‭ ‬الجنون‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬على‭ ‬الضفة،‭ ‬وإعطاء‭ ‬المستوطنين‭ ‬سلطة‭ ‬أخذ‭ ‬‮«‬القانون‮»‬‭ ‬بأيديهم‭.. ‬أغلب‭ ‬الظنّ‭ ‬أنّ‭ ‬نتنياهو‭ ‬قد‭ ‬تجاوز‭ ‬كلّ‭ ‬الحدود‭ ‬الزمنية‭ ‬التي‭ ‬أُعطيت‭ ‬له‭ ‬لتحقيق‭ ‬أيّ‭ ‬‮«‬إنجازٍ‮»‬‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬استعادة‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬استعادته‭ ‬منهم،‭ ‬وأصبح‭ ‬هو‭ ‬وطاقمه‭ ‬الحكومي‭ ‬والعسكري‭ ‬مجبرين‭ ‬على‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الهدنة،‭ ‬وذلك‭ ‬لأنّ‭ ‬‮«‬وضع‮»‬‭ ‬الحلفاء‭ ‬بات‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الحرج،‭ ‬والمسألة‭ ‬الإنسانية‭ ‬باتت‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬درجات‭ ‬الحساسية،‭ ‬والشوارع‭ ‬‮«‬الغربية‮»‬‭ ‬يزداد‭ ‬ضغطها‭ ‬بشكلٍ‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬وأصبح‭ ‬‮«‬الجمهور‮»‬‭ ‬الغاضب‭ ‬والرافض‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭ ‬يعيد‭ ‬حساباته‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬وقف‭ ‬الحرب،‭ ‬ولما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬خلفية‭ ‬الإصرار‭ ‬عليها،‭ ‬والاستمرار‭ ‬في‭ ‬الذبح‭ ‬والتدمير،‭ ‬وبما‭ ‬يتجاوز‭ ‬كل‭ ‬حدود،‭ ‬وكل‭ ‬خطوط‭ ‬الإجرام‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬كل‭ ‬حروب‭ ‬‮«‬الغرب‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭.‬

وبات‭ ‬‮«‬الغرب‮»‬‭ ‬مُجبراً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يعمد‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الهدنة،‭ ‬وإلى‭ ‬هُدَنٍ‭ ‬أخرى‭ ‬قادمة‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬ثورة‭ ‬الشوارع‭ ‬‮«‬الغربية‮»‬،‭ ‬وبات‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬محاولة‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الوطأة،‭ ‬وامتصاص‭ ‬الدرجات‭ ‬المتصاعدة‭ ‬من‭ ‬الغضب،‭ ‬وتفادي‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أسوأ‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬مجرّد‭ ‬التعاطف‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

لقد‭ ‬اشتمّ‭ ‬‮«‬الغرب‮»‬‭ ‬أنّ‭ ‬ثمة‭ ‬حلفاً‭ ‬شعبياً‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬بات‭ ‬قيد‭ ‬البناء،‭ ‬أو‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬النشوء‭ ‬وبداية‭ ‬التكوين‭ ‬ما‭ ‬يهدّد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حاولت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬تبني‭ ‬لتحالفٍ‭ ‬جديد‭ ‬ضد‭ ‬‮«‬الإرهاب‮»‬‭ ‬حسب‭ ‬التعبيرات‭ ‬‮«‬الأطلسية‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬الحلف‭ ‬الذي‭ ‬صادق‭ ‬على‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬وجرائم‭ ‬الحرب‭ ‬المفضوحة‭ ‬والمفتوحة‭.‬

ويبدو‭ ‬أنّ‭ ‬الرئيس‭ ‬جو‭ ‬بايدن،‭ ‬وهو‭ ‬أكبر‭ ‬الخاسرين‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحلف‭ ‬الشعبي‭ ‬الرافض‭ ‬للإجرام‭ ‬والإبادة،‭ ‬والمطالب‭ ‬بوقف‭ ‬الحرب،‭ ‬والذي‭ ‬سيذهب‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وأهدافه‭ ‬الوطنية‭.. ‬يبدو‭ ‬أنّ‭ ‬بايدن‭ ‬قد‭ ‬فرض‭ ‬على‭ ‬حكومة‭ ‬الاحتلال‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تقول‭ ‬إنها‭ ‬لن‭ ‬تتراجع‭ ‬قيد‭ ‬أُنملة‭ ‬عن‭ ‬استعادة‭ ‬الأسرى‭ ‬بالوصول‭ ‬إليهم‭ ‬وإرجاعهم‭ ‬بالقوة،‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬تدمير‭ ‬البنى‭ ‬العسكرية‭ ‬للمقاومة‭ ‬التي‭ ‬تحتجزهم‭.‬

كما‭ ‬أنّ‭ ‬الخسائر‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬تتكبّدها‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المتوغّلة‭ ‬في‭ ‬محاور‭ ‬عدّة‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وفي‭ ‬مدينة‭ ‬غزة‭ ‬باتت‭ ‬تضغط‭ ‬هي‭ ‬بدورها‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬وعلى‭ ‬‮«‬مجلس‭ ‬الحرب‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬يتحوّل‭ ‬عامل‭ ‬الوقت،‭ ‬واستطالة‭ ‬الحرب،‭ ‬وتفاقم‭ ‬الأزمة‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬إلى‭ ‬ضغطٍ‭ ‬هائل‭ ‬متعدّد‭ ‬الزوايا‭ ‬والاعتبارات،‭ ‬وحيث‭ ‬تتحوّل‭ ‬هذه‭ ‬الخسائر‭ ‬إلى‭ ‬قوة‭ ‬دفع‭ ‬معاكسة‭ ‬ليس‭ ‬للرضوخ‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الهدنة،‭ ‬وإلى‭ ‬هُدَنٍ‭ ‬لاحقة،‭ ‬وإنّما‭ ‬بات‭ ‬الخوف‭ ‬مع‭ ‬تفاقم‭ ‬هذه‭ ‬الخسائر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ينتقل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬إنهاء‭ ‬الحرب،‭ ‬والذهاب‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬كامل‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتمكّن‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬أيّ‭ ‬من‭ ‬أهدافها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيعني‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حصوله‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬بهزيمةٍ‭ ‬مُدوّيةٍ‭ ‬مع‭ ‬مرتبة‭ ‬العار‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬آلاف‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء،‭ ‬وتدمير‭ ‬عشرات‭ ‬آلاف‭ ‬الوحدات‭ ‬السكنية‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬أصحابها،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬بطولات‮»‬‭ ‬خارقة‭ ‬لجيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬المدارس‭ ‬وأماكن‭ ‬الإيواء،‭ ‬والمساجد‭ ‬والكنائس‭ ‬والمستشفيات،‭ ‬وقتل‭ ‬المرضى‭ ‬وإعدامهم‭ ‬على‭ ‬أسرّة‭ ‬الاستشفاء‭.‬

ومن‭ ‬المؤكّد،‭ ‬أيضاً،‭ ‬أنّ‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬يفكّر‭ ‬ولو‭ ‬قليلاً‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬وما‭ ‬تتعرّض‭ ‬له‭ ‬الحالة‭ ‬الرسمية‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬من‭ ‬ضغوط‭ ‬كبيرة‭ ‬جرّاء‭ ‬غضب‭ ‬الشوارع‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬و«الحرج‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬يسبّبه‭ ‬الاحتلال‭ ‬لهذه‭ ‬الحالة‭ ‬الرسمية،‭ ‬والإمكانيات‭ ‬المفتوحة‭ ‬على‭ ‬تطور‭ ‬هذا‭ ‬الغضب‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أكبر‭ ‬وأخطر‭.‬

كلّ‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬خلفية‭ ‬الموافقة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الهدنة،‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬قادم‭ ‬من‭ ‬هُدَنٍ‭ ‬أخرى،‭ ‬حتى‭ ‬إنهاء‭ ‬ملفّ‭ ‬الأسرى‭ ‬المدنيين‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬لأنّ‭ ‬الشارع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬فتح‭ ‬ملف‭ ‬الأسرى‭ ‬العسكريين‭ ‬طالما‭ ‬أنّ‭ ‬الحرب‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تدور،‭ ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬مقبولاً‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬السياسية‭ ‬والمعنوية‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬وفي‭ ‬ظروف‭ ‬أي‭ ‬حربٍ‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭.‬

ثمة‭ ‬فرق‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬أن‭ ‬يُقتل‭ ‬الأسرى‭ ‬المدنيون‭ ‬جرّاء‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يُقتل‭ ‬الأسرى‭ ‬العسكريون‭ ‬جرّاء‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬العمليات‭.‬

والمسألة‭ ‬ليست‭ ‬مقبولة‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬الأولى،‭ ‬خصوصاً‭ ‬أنّ‭ ‬المقاومة‭ ‬أبدت‭ ‬رغبتها‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬بـ«التساهل‮»‬‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬سراحهم،‭ ‬لكنّها‭ ‬أكثر‭ ‬تقبُّلاً‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬الثانية،‭ ‬لأنّ‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬حسب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الاعتبارات‭ ‬المعمول‭ ‬بها‭ ‬عالمياً‭ ‬تحتمل‭ ‬‮«‬التضحية‮»‬‭ ‬بالأسرى‭ ‬العسكريين‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭.‬

كما‭ ‬أنّ‭ ‬شروط‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬الأسرى‭ ‬العسكريين‭ ‬لن‭ ‬تتم‭ ‬حسب‭ ‬موقف‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬بأقلّ‭ ‬من‭ ‬تصفير‭ ‬وتبييض‭ ‬السجون‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬من‭ ‬أسرى‭ ‬الحرّية‭.‬

ومع‭ ‬كلّ‭ ‬ذلك‭ ‬فإنني‭ ‬أرى‭ ‬أسباباً‭ ‬أخرى‭ ‬لقبول‭ ‬الهدنة‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬خدعة‭ ‬ومكيدة،‭ ‬أكاد‭ ‬أجزم‭ ‬بأنها‭ ‬باتت‭ ‬الهدف‭ ‬الأهمّ‭ ‬لإسرائيل‭ ‬بعد‭ ‬‮«‬إنجاز‮»‬‭ ‬صفقات‭ ‬التبادل،‭ ‬سواء‭ ‬شملت‭ ‬الأسرى‭ ‬العسكريين،‭ ‬أم‭ ‬لم‭ ‬تشملهم،‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬أُعطي‭ ‬لإسرائيل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭.‬

دعونا‭ ‬هنا‭ ‬نفرّق‭ ‬بين‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬أُعطي‭ ‬لإسرائيل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استعادة‭ ‬الأسرى،‭ ‬وبين‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬أُعطي‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تدمير‭ ‬البنى‭ ‬العسكرية‭ ‬لحركة‭ ‬حماس‭ ‬وبقية‭ ‬الفصائل،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬‮«‬فرض‮»‬‭ ‬واقع‭ ‬سياسي‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬حسب‭ ‬الأهداف‭ ‬المعلنة‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وللولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الصعيد‭.‬

تتصوّر‭ ‬إسرائيل‭ ‬‭ ‬كما‭ ‬أرى‭ ‬‭ ‬أنّ‭ ‬المعارك‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الهُدَن‭ ‬ستؤدّي‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬ستؤدّي‭ ‬إليه‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬عزل‭ ‬نسبي‮»‬‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬أكثرية‭ ‬نسبية‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬المدنيين‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬نعتقد‭ ‬بإمكانية‭ ‬ضربها‭ ‬بقنابل‭ ‬لم‭ ‬تستخدمها‭ ‬بعد،‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬الأنفاق،‭ ‬أو‭ ‬تدميرها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المذابح‭ ‬الإبادية‭ ‬هي‭ ‬المظهر‭ ‬الرئيس‭ ‬للقصف‭.‬

ولن‭ ‬يكون‭ ‬مستبعداً‭ ‬والحالة‭ ‬هذه‭ ‬أن‭ ‬يتمّ‭ ‬‮«‬اختصار‮»‬‭ ‬الزمن‭ ‬المطلوب‭ ‬لإنجاز‭ ‬هذا‭ ‬الهدف،‭ ‬أو‭ ‬المحاولة‭ ‬باتجاهه‭.‬

لم‭ ‬يعد‭ ‬الهدف‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬الآن،‭ ‬إطالة‭ ‬أمد‭ ‬الحرب،‭ ‬وأصبح‭ ‬الوقت‭ ‬جزءاً‭ ‬حيوياً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬وأظنّ‭ ‬أنّها‭ ‬تسارع‭ ‬الخُطى‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬المرحلة‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬التدمير‭ ‬بأسرع‭ ‬وقت‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يظلّ‭ ‬الاستنزاف‭ ‬للقوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬قائماً‭ ‬ومستمرّاً‭.‬

ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الأهداف‭ ‬الأخرى‭ ‬للبدء‭ ‬بهذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬القصف‭ ‬والتوغل‭ ‬الشامل‭ ‬هو‭ ‬قتل‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬كلما‭ ‬تعثّرت‭ ‬الخطة،‭ ‬باتجاه‭ ‬الحسم‭ ‬كعامل‭ ‬إضافي‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬إذا‭ ‬لزم‭ ‬الأمر‭.‬

لن‭ ‬توافق‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬تتالي‭ ‬الهُدَن‭ ‬إلّا‭ ‬لهذه‭ ‬الأسباب،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬تحوّلت‭ ‬الهُدَن‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الممرّ‭ ‬الإجباري‮»‬‭ ‬للوقف‭ ‬الشامل‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار‭ ‬فإنّ‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬حسمت‭ ‬أمرها‭ ‬بالتراجع،‭ ‬والتوقُّف‭ ‬عند‭ ‬نقطة‭ ‬معينة،‭ ‬تعتقد‭ ‬أنّها‭ ‬ستكون‭ ‬كافية‭ ‬لاستعادة‭ ‬الردع‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬ولو‭ ‬جزئياً،‭ ‬لكي‭ ‬تحاول‭ ‬ترميم‭ ‬وضع‭ ‬الإقليم‭ ‬بما‭ ‬ملكت‭ ‬أيديها‭ ‬وبالقدر‭ ‬الذي‭ ‬استطاعت‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬تقدّمه‭ ‬لها،‭ ‬وهو‭ ‬قليل‭ ‬على‭ ‬كلّ‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬هذا‭ ‬الترميم‭.‬

 

{‭ ‬كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا