العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هل بدأ العدّ التنازلي لانهيار الحلم الصهيوني؟

بقلم: د. حسن نافعة

الأربعاء ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

من‭ ‬المفارقات‭ ‬اللافتة‭ ‬للانتباه‭ ‬في‭ ‬تطوّر‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني،‭ ‬والذي‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬دولته‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬أنه‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يتمدّد‭ ‬وأن‭ ‬يراكم‭ ‬عناصر‭ ‬قوته‭ ‬المادّية‭ ‬والمعنوية‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬فيها‭ ‬الصدام‭ ‬العسكري‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬يتم‭ ‬بين‭ ‬جيوش‭ ‬نظامية‭. ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬دخلت‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬الشعبية‭ ‬المسلحة‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬المواجهة،‭ ‬وتراجع‭ ‬دور‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية‭ ‬النظامية،‭ ‬حتى‭ ‬بدأت‭ ‬معالم‭ ‬التراجع‭ ‬والأفول‭ ‬تظهر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭. ‬ففي‭ ‬حرب‭ ‬1948‭ ‬التي‭ ‬خاضتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬ضد‭ ‬جيوش‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬تمكّنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬هزيمة‭ ‬هذه‭ ‬الجيوش‭ ‬فحسب،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬احتلال‭ ‬أراض‭ ‬فلسطينية‭ ‬جديدة‭ ‬تزيد‭ ‬مساحتها‭ ‬بمقدار‭ ‬50%‭ ‬تقريبا‭ ‬على‭ ‬المساحة‭ ‬التي‭ ‬خصّصت‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬التقسيم‭ ‬الذي‭ ‬اعتمدته‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عام‭ ‬1947‭. ‬وفي‭ ‬حرب‭ ‬1956،‭ ‬تمكّنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬احتلال‭ ‬سيناء‭ ‬عسكريا،‭ ‬لكنها‭ ‬اضطرّت‭ ‬إلى‭ ‬الانسحاب‭ ‬منها،‭ ‬لأسبابٍ‭ ‬تتعلق‭ ‬بالإدارة‭ ‬السياسية‭ ‬للأزمة،‭ ‬لكنها‭ ‬خرجت‭ ‬منها‭ ‬بمكسب‭ ‬واحد‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬وهو‭ ‬السماح‭ ‬لسفنها‭ ‬بالمرور‭ ‬في‭ ‬خليج‭ ‬العقبة‭ ‬بعد‭ ‬قبول‭ ‬مصر‭ ‬بوجود‭ ‬قوات‭ ‬طوارئ‭ ‬دولية‭ ‬تابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬شرم‭ ‬الشيخ‭. ‬وفي‭ ‬حرب‭ ‬1967‭ ‬تمكّنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬احتلال‭ ‬سيناء‭ ‬المصرية‭ ‬وهضبة‭ ‬الجولان‭ ‬السورية‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية‭. ‬أما‭ ‬حرب‭ ‬1973‭ ‬التي‭ ‬حقّقت‭ ‬مصر‭ ‬وسوريا‭ ‬في‭ ‬بداياتها‭ ‬انتصارا‭ ‬عسكريا‭ ‬واضحا،‭ ‬فقد‭ ‬انتهت‭ ‬بوضع‭ ‬عسكري‭ ‬ملتبس‭ ‬مكّن‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬وقتها،‭ ‬هنري‭ ‬كيسنجر،‭ ‬من‭ ‬استغلاله‭ ‬لبدء‭ ‬عملية‭ ‬سياسية‭ ‬انتهت‭ ‬بخروج‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬المعادلة‭ ‬العسكرية‭ ‬للصراع‭ ‬عقب‭ ‬توقيعها‭ ‬عام‭ ‬1979‭ ‬على‭ ‬معاهدة‭ ‬سلام‭ ‬منفرّدة‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭. ‬ولأنها‭ ‬كانت‭ ‬آخر‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬تخوضها‭ ‬جيوش‭ ‬عربية‭ ‬نظامية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بعدها،‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬تسوية‭ ‬شاملة‭ ‬ومقبولة‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف،‭ ‬مسارا‭ ‬مختلفا‭ ‬اتسم‭ ‬بالمواجهة‭ ‬مع‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬المسلحة،‭ ‬وخصوصا‭ ‬اللبنانية‭ ‬والفلسطينية‭.‬

لم‭ ‬تكد‭ ‬تمر‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬على‭ ‬اغتيال‭ ‬الرئيس‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭ ‬عام‭ ‬1981،‭ ‬حتى‭ ‬قرّرت‭ ‬إسرائيل‭ ‬توجيه‭ ‬ضربة‭ ‬عسكرية‭ ‬كبيرة‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬1982،‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬اقتحام‭ ‬العاصمة‭ ‬بيروت‭ ‬ومحاصرتها،‭ ‬أملا‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬عدة‭ ‬أهداف‭ ‬متزامنة‭: ‬استئصال‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬واللبنانية‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان‭ ‬وفرض‭ ‬معاهدة‭ ‬سلام‭ ‬بالشروط‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬اللبنانية،‭ ‬واختبار‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬واستجلاء‭ ‬حقيقة‭ ‬موقفه‭ ‬من‭ ‬معاهدة‭ ‬السلام‭. ‬وبينما‭ ‬نجحت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬فعلا،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬بعضها‭ ‬الآخر؛‭ ‬فقد‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬إخراج‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬لبنان،‭ ‬وفي‭ ‬حمل‭ ‬أمين‭ ‬الجميل‭ ‬على‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬17‭ ‬مايو‭ ‬1983‭. ‬واطمأنت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬سوف‭ ‬يسير‭ ‬على‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬اختاره‭ ‬السادات،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬الحيلولة‭ ‬دون‭ ‬اغتيال‭ ‬الرئيس‭ ‬بشير‭ ‬الجميل،‭ ‬ثم‭ ‬سقوط‭ ‬تلك‭ ‬الاتفاقية‭ ‬مع‭ ‬لبنان،‭ ‬وكلها‭ ‬عوامل‭ ‬هيأت‭ ‬المناخ‭ ‬لولادة‭ (‬ونمو‭) ‬مقاومة‭ ‬لبنانية‭ ‬جديدة‭ ‬أكثر‭ ‬صلابة‭ ‬وأقوى‭ ‬تنظيما،‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬إجبار‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والفرنسية‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭ ‬لتكريس‭ ‬المكاسب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬الرحيل‭ ‬فورا،‭ ‬ثم‭ ‬عبّدت‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬ظهور‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تولى‭ ‬بنفسه‭ ‬قيادة‭ ‬المقاومة‭ ‬اللبنانية‭ ‬التي‭ ‬حملت‭ ‬على‭ ‬عاتقها‭ ‬مهمّة‭ ‬تحرير‭ ‬الجنوب‭ ‬اللبناني،‭ ‬وتخليصه‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المحتلة‭.‬

وفي‭ ‬سياقٍ‭ ‬كهذا،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مبالغة‭ ‬إن‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بدأ‭ ‬يأخذ،‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬مسارا‭ ‬جديدا،‭ ‬اتسم‭ ‬بانسحاب‭ ‬الدول‭ ‬والجيوش‭ ‬النظامية‭ ‬من‭ ‬حلبة‭ ‬الصراع‭ ‬العسكري،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬وقّعت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بسنوات‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو،‭ ‬وتولي‭ ‬منظمات‭ ‬المقاومة‭ ‬وفصائلها‭ ‬وأحزابها‭ ‬هذه‭ ‬المهمة،‭ ‬نيابة‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬بالرغم‭ ‬منها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬أصبحت‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬اللبنانية‭ ‬والفلسطينية‭ ‬الساحات‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬يدور‭ ‬عليها‭ ‬صراع‭ ‬مسلح‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭.‬

كان‭ ‬في‭ ‬وسع‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬حدّا‭ ‬نهائيا‭ ‬لهذا‭ ‬الصراع،‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬قبلت‭ ‬مبدأ‭ ‬‮«‬الأرض‭ ‬مقابل‭ ‬السلام‮»‬،‭ ‬ووافقت،‭ ‬بالتالي،‭ ‬على‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأراضي‭ ‬العربية‭ ‬المحتلة‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ ‬وعلى‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة‭ ‬عاصمتها‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية،‭ ‬وعلى‭ ‬حل‭ ‬مشكلة‭ ‬اللاجئين‭ ‬وفقا‭ ‬لقرار‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬رقم‭ ‬149‭. ‬ولأنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬يوم‭ ‬راغبة‭ ‬في‭ ‬تسوية‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وفق‭ ‬هذه‭ ‬الأسس،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أمامها‭ ‬من‭ ‬خيار‭ ‬آخر‭ ‬سوى‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تصفية‭ ‬كل‭ ‬المنظمات‭ ‬والفصائل‭ ‬والأحزاب‭ ‬التي‭ ‬ترفع‭ ‬شعار‭ ‬المقاومة‭ ‬المسلحة،‭ ‬أيا‭ ‬كان‭ ‬توجهها‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬الفكري،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬فشلت‭ ‬فيه‭ ‬فشلا‭ ‬ذريعا،‭ ‬فعلى‭ ‬الساحة‭ ‬اللبنانية،‭ ‬ظل‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬يخوض‭ ‬حرب‭ ‬عصابات‭ ‬ضد‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وحاولت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تصفيته‭ ‬نهائيا،‭ ‬بشن‭ ‬حرب‭ ‬عليه‭ ‬وعلى‭ ‬لبنان‭ ‬كله‭ ‬عام‭ ‬2006،‭ ‬لكنها‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬أقوى‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬عام‭ ‬2006‭. ‬وعلى‭ ‬الساحة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬حدث‭ ‬شيء‭ ‬مماثل‭ ‬تقريبا،‭ ‬وإن‭ ‬اختلف‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬التفاصيل،‭ ‬فرغم‭ ‬توقيع‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬على‭ ‬اتفاقية‭ ‬أوسلو‭ ‬عام‭ ‬1993،‭ ‬فإن‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المسلحة‭ ‬رفضتها،‭ ‬وقرّرت‭ ‬مواصلة‭ ‬النضال‭ ‬ضدها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تعترف‭ ‬بحقّ‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيره‭. ‬وتحت‭ ‬وقع‭ ‬ضرباتها،‭ ‬اضطرّت‭ ‬إسرائيل‭ ‬للانسحاب‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭ ‬عام‭ ‬2005‭.‬

في‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي‭.. ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬يتمكّن‭ ‬فصيل‭ ‬فلسطيني‭ ‬مسلح‭ ‬من‭ ‬أخذ‭ ‬زمام‭ ‬المبادأة‭ ‬ويشن‭ ‬هجوما‭ ‬مفاجئا‭ ‬على‭ ‬معسكرات‭ ‬ومستوطنات‭ ‬داخل‭ ‬عمق‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭ ‬عام‭ ‬48،‭ ‬ويكبد‭ ‬إسرائيل‭ ‬كمّا‭ ‬هائلا‭ ‬وغير‭ ‬مسبوق‭ ‬من‭ ‬الخسائر‭ ‬البشرية‭. ‬وحين‭ ‬ردّت‭ ‬إسرائيل‭ ‬بهجوم‭ ‬كاسح‭ ‬مضاد،‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬إلحاق‭ ‬أي‭ ‬أذى‭ ‬بالبنية‭ ‬العسكرية‭ ‬لأيّ‭ ‬من‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬والتي‭ ‬تشارك‭ ‬معا‭ ‬في‭ ‬صد‭ ‬الهجوم،‭ ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬يوما‭.‬

أخلص‭ ‬مما‭ ‬تقدم‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬يمكن‭ ‬إيجازها،‭ ‬أولا‭: ‬ثبت‭ ‬أن‭ ‬المقاومة‭ ‬باستخدام‭ ‬أسلوب‭ ‬حرب‭ ‬العصابات‭ ‬أكثر‭ ‬فعالية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬مقارنة‭ ‬بأسلوب‭ ‬الحروب‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬تتصادم‭ ‬فيها‭ ‬جيوش‭ ‬نظامية،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬بمقدور‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الحروب‭ ‬التقليدية‭ ‬حشد‭ ‬جيشٍ‭ ‬أكثر‭ ‬عددا‭ ‬وأفضل‭ ‬عتادا‭ ‬واستعدادا‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬الجيوش‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬بمقدور‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬تحشدها‭ ‬في‭ ‬مواجهتها‭. ‬وبينما‭ ‬استطاعت‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬تتمدّد‭ ‬وأن‭ ‬تتوسّع،‭ ‬وأن‭ ‬تحقق‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬المكاسب‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬كل‭ ‬مواجهة‭ ‬تقليدية‭ ‬خاضتها،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬تُذكر‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬المواجهات‭ ‬والحروب‭ ‬غير‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬خاضتها‭.‬

ثانيا‭: ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الإنجازات‭ ‬التي‭ ‬تتمكّن‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬تحقيقها‭ ‬عبر‭ ‬الحروب‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬تخوضها‭ ‬تغري‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بتبنّي‭ ‬مواقف‭ ‬أكثر‭ ‬تشدّدا،‭ ‬وتدفعه‭ ‬تدريجيا‭ ‬نحو‭ ‬الارتماء‭ ‬في‭ ‬أحضان‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرّف‭ ‬والعنصري،‭ ‬بينما‭ ‬يؤدي‭ ‬عجز‭ ‬إسرائيل‭ ‬عن‭ ‬التصدّي‭ ‬لفصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬والفشل‭ ‬في‭ ‬تصفيتها‭ ‬إلى‭ ‬إثارة‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التناقضات‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬التآكل‭ ‬التدريجي‭ ‬لمناعته‭ ‬وتحجيم‭ ‬مشاعر‭ ‬التفوّق‭ ‬والعلو‭ ‬لديه‭.‬

ثالثا‭: ‬تختلف‭ ‬عملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬كليا‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبقها‭ ‬من‭ ‬عمليات،‭ ‬ليس‭ ‬لأنها‭ ‬كبّدت‭ ‬العدو‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬خسائر‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬تاريخه‭ ‬فحسب،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬لأن‭ ‬الجنون‭ ‬الذي‭ ‬اتسم‭ ‬به‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬العملية،‭ ‬والذي‭ ‬تسبّب‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬وجرح‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬خمسين‭ ‬ألف‭ ‬شخص،‭ ‬ومحاولة‭ ‬تجويع‭ ‬وإبادة‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬مليوني‭ ‬شخص،‭ ‬وتدمير‭ ‬المدارس‭ ‬والمستشفيات‭ ‬والمساجد‭ ‬والكنائس،‭ ‬ساعد‭ ‬على‭ ‬تعرية‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني،‭ ‬وكشف‭ ‬عن‭ ‬حقيقته‭ ‬العدوانية‭ ‬والعنصرية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬ففي‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬أعقبت‭ ‬قيامها،‭ ‬نجحت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬نفسها‭ ‬للعالم‭ ‬دولة‭ ‬صغيرة‭ ‬مسالمة‭ ‬يحيط‭ ‬بها‭ ‬الأعداء‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جانب،‭ ‬وواحة‭ ‬للديمقراطية‭ ‬والتقدّم‭ ‬وسط‭ ‬محيط‭ ‬من‭ ‬الاستبداد‭. ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬تمكّنت‭ ‬فيها‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬إلحاق‭ ‬هزيمة‭ ‬بالدول‭ ‬العربية،‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬تسويق‭ ‬نفسها‭ ‬دولة‭ ‬عصامية‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تسحق‭ ‬أعداءها‭ ‬المتربصين‭ ‬بها،‭ ‬ولديها‭ ‬كثير‭ ‬مما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقدّمه‭ ‬للعالم‭ ‬المتحضر‭.‬

اليوم‭ ‬وبعد‭ ‬عملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى،‭ ‬وردّها‭ ‬الجنوني‭ ‬عليها،‭ ‬تبدو‭ ‬إسرائيل‭ ‬دولة‭ ‬هشّة،‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬إلا‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬والأهم‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬أصبح‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬بأنها‭ ‬دولة‭ ‬لا‭ ‬تحترم‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬أو‭ ‬القانون‭ ‬الإنساني،‭ ‬ومستعدة‭ ‬لانتهاك‭ ‬أقدس‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬لإشباع‭ ‬غرائزها‭ ‬العدوانية‭ ‬والعنصرية‭... ‬لذا‭ ‬لا‭ ‬يخالجني‭ ‬أي‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬العد‭ ‬التنازلي‭ ‬لانهيار‭ ‬الحلم‭ ‬الصهيوني‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬بالفعل‭.‬

{‭ ‬أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا