العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مَن وراء استمرار جرائم القتل في غزة؟

بقلم: فاروق يوسف

السبت ١١ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

يمكن‭ ‬لإسرائيل‭ ‬أن‭ ‬تكذب‭ ‬ويصدقها‭ ‬العالم‭. ‬يمكن‭ ‬للعالم‭ ‬أن‭ ‬يصدق‭ ‬إسرائيل‭ ‬وهو‭ ‬يعرف‭ ‬أنها‭ ‬تكذب‭.‬

أكان‭ ‬الغرب‭ ‬ينتظر‭ ‬زلة‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬التي‭ ‬تعتبرها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تنظيما‭ ‬إرهابيا‭ ‬لكي‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬إبادة‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ .‬

لعبة‭ ‬مفخخة‭ ‬أو‭ ‬كذبة‭ ‬تنفجر‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬اللغم،‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬وليست‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التفريق‭ ‬بين‭ ‬مسلحيها‭ ‬والمدنيين‭. ‬ليسوا‭ ‬جنودا‭ ‬نظاميين‭ ‬وليست‭ ‬حماس‭ ‬جيشا‭. ‬يمكن‭ ‬للجميع‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬ضحايا‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يمكن‭ ‬لإسرائيل‭ ‬أن‭ ‬تعتبرهم‭ ‬حماسيين‭ ‬كانوا‭ ‬أم‭ ‬أفرادا‭ ‬عاديين‭ ‬قُدر‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭. ‬كل‭ ‬الاحتمالات‭ ‬واردة‭.‬

بعد‭ ‬أن‭ ‬مرت‭ ‬جريمة‭ ‬قصف‭ ‬مستشفى‭ ‬المعمداني‭ ‬بغزة‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تقع‭ ‬ولم‭ ‬تعتذر‭ ‬إسرائيل‭ ‬ولم‭ ‬يتردد‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬تأييد‭ ‬الرواية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يمنع‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬ارتكاب‭ ‬أية‭ ‬مجزرة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬المدنيين‭. ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬هم‭ ‬الهدف؛‭ ‬كلهم‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬استثناء،‭ ‬نساء‭ ‬وأطفالا‭ ‬وشيوخا‭ ‬ومرضى‭ ‬وأطباء‭ ‬ومعاقين‭. ‬كلهم‭ ‬صاروا‭ ‬أعداء‭. ‬ليس‭ ‬لإسرائيل‭ ‬وحدها،‭ ‬بل‭ ‬وللغرب‭ ‬أيضا‭.‬

كم‭ ‬مرة‭ ‬يجب‭ ‬تدمير‭ ‬غزة‭ ‬لكي‭ ‬تضمن‭ ‬إسرائيل‭ ‬أمنها؟‭ ‬كم‭ ‬ألفا‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يُقتلوا‭ ‬لكي‭ ‬يكون‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬في‭ ‬أمان؟‭ ‬كم‭ ‬مليارا‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬هدرها‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬إعمار،‭ ‬ستبدو‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬حرب‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تقع؟‭ ‬دورة‭ ‬حياة‭ ‬غزة‭ ‬تبدأ‭ ‬بالموت‭ ‬لتنتهي‭ ‬إليه‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬دمارها‭ ‬يمر‭ ‬بالإعمار‭ ‬لينتهي‭ ‬إلى‭ ‬دمار‭ ‬جديد‭.‬

لا‭ ‬يجد‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬متسعا‭ ‬للسؤال‭: ‬‮«‬متى‭ ‬وقعت‭ ‬الحرب‭ ‬الأخيرة؟‮»‬‭ ‬فهم‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬حرب‭ ‬لم‭ ‬تقع،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬ستقع‭. ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تقع‭. ‬من‭ ‬غير‭ ‬حرب‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬دورة‭ ‬الحياة‭ ‬ولا‭ ‬يبدأ‭ ‬الإعمار‭ ‬ولا‭ ‬تُفتح‭ ‬الأبواب‭ ‬للمساعدات‭ ‬الإنسانية‭.‬

أهناك‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬المسموم‭ ‬والملغوم‭ ‬بمزيج‭ ‬من‭ ‬الخبث‭ ‬والدناءة‭ ‬والوضاعة‭ ‬والفحشاء‭ ‬والجريمة؟‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬لأهل‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬كوارث‭ ‬متتالية‭ ‬يمكن‭ ‬تفسيره‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬تسطيح‭ ‬المشكلات‭ ‬العالقة‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وحركة‭ ‬حماس‭. ‬ولكن‭ ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬العمق‭. ‬هناك‭ ‬رغبة‭ ‬إسرائيلية‭ ‬في‭ ‬ألّا‭ ‬يعود‭ ‬القطاع‭ ‬إلى‭ ‬سابق‭ ‬عهده،‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬نثارا‭.‬

أما‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬في‭ ‬رام‭ ‬الله‭ ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬إمكانه‭ ‬أن‭ ‬يفسر‭ ‬وجودها،‭ ‬لا‭ ‬يفكر‭ ‬المنتفعون‭ ‬من‭ ‬وجودها‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الخلافة‭. ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬اختفى‭ ‬محمود‭ ‬عباس‭ ‬فجأة،‭ ‬فمَن‭ ‬الذي‭ ‬سيخلفه‭ ‬في‭ ‬منصب‭ ‬رمزي؟‭ ‬ولكن‭ ‬رئيس‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لا‭ ‬موقع‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬أهلها‭ ‬من‭ ‬مآس‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنهم‭ ‬ليسوا‭ ‬فلسطينيين‭.‬

ما‭ ‬فعلته‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬وأهلها‭ ‬إنما‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬الوضع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬عملت‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬ترسيخه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬للعرب‭ ‬بالتدخل‭ ‬لرأب‭ ‬الصدع‭. ‬لقد‭ ‬أدارت‭ ‬إسرائيل‭ ‬اللعبة‭ ‬عن‭ ‬بعد‭. ‬قبلها‭ ‬كان‭ ‬لحماس‭ ‬مكتبها‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬دمشق‭. ‬أما‭ ‬حين‭ ‬حدثت‭ ‬القطيعة‭ ‬بين‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬ودمشق‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬قطر‭ ‬مأوى‭ ‬جاهزا‭ ‬بديلا‭.‬

ليست‭ ‬حماس‭ ‬صناعة‭ ‬إيرانية‭ ‬ولكنها‭ ‬صارت‭ ‬تتعاون‭ ‬مع‭ ‬إيران‭. ‬هل‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬العرب‭ ‬أن‭ ‬يمنعوا‭ ‬وقوع‭ ‬ذلك‭ ‬التحول؟‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬عليهم‭ ‬ألّا‭ ‬يستمروا‭ ‬في‭ ‬تشجيع‭ ‬الانشقاقات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬شهدته‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬تغييرات‭ ‬جوهرية‭ ‬بعد‭ ‬هيمنة‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬أربع‭ ‬دول‭ ‬عربية‭. ‬لقد‭ ‬تركت‭ ‬غزة‭ ‬لتمدد‭ ‬نفوذ‭ ‬إيران‭ ‬مجانا‭.‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬إسرائيل‭ ‬منزعجة‭ ‬لما‭ ‬تشهده‭ ‬الساحة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬انهيارات‭. ‬كل‭ ‬أجهزة‭ ‬المخابرات‭ ‬الغربية‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬بما‭ ‬ينتظر‭ ‬إسرائيل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تحولت‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬للرهانات‭ ‬الإيرانية‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان‭. ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬الغرب،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمته‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬الموقف‭ ‬الذي‭ ‬يفتح‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬أبواب‭ ‬الجحيم‭. ‬هناك‭ ‬مَن‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬الغرب‭ ‬تعرى‭ ‬من‭ ‬أخلاقه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ينتبه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بالذات‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬أخلاقا،‭ ‬لا‭ ‬مع‭ ‬العرب‭ ‬ولا‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭.‬

حرب‭ ‬غزة‭ ‬ليست‭ ‬حفلة‭ ‬قتل‭ ‬ترعاها‭ ‬إسرائيل‭ ‬بمعداتها‭ ‬العسكرية‭ ‬الثقيلة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬حفلة‭ ‬الغرب‭ ‬كله‭. ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬مَن‭ ‬يُخفي‭ ‬رأسه‭ ‬ولكنّ‭ ‬أحدا‭ ‬لم‭ ‬يوجه‭ ‬اللوم‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬ان‭ ‬ما‭ ‬نشهده‭ ‬هو‭ ‬استمرار‭ ‬لمجزرة‭ ‬صهيونية‭ ‬غربية‭ ‬بشعة‭ ‬فيما‭ ‬ظلت‭ ‬إيران‭ ‬وصنيعتها‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬في‭ ‬منجى‭ ‬من‭ ‬الدمار‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا