يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
«تمرد» في أمريكا وأوروبا
تحدثت في المقالات السابقة عن الموقف الهمجي الذي يتخذه الغرب بقيادة أمريكا من جرائم الحرب والإبادة التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي في غزة والذي تجاوز كل الحدود في وحشيته.
شناعة الموقف الغربي وانتهاكه لكل القيم الإنسانية وفظاعة الجرائم التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي أيقظت ضمائر البعض في الدول الغربية على مستويات عدة وجعلتهم يرفعون أصواتهم احتجاجا ورفضا للمواقف الغربية.
هذه الأصوات ارتفعت في الدوائر السياسية الرسمية، وأيضا في بعض أجهزة الإعلام الغربية.
أهم تطور في هذا الإطار هو التمرد الذي يحدث داخل وزارة الخارجية الأمريكية، وأيضا داخل المفوضية الأوروبية.
التمرد داخل الخارجية الأمريكية بدأ بإعلان جوش بول المسؤول المخضرم في الوزارة استقالته وبررها بالقول: «بعد أكثر من عقد من العمل على صفقات الأسلحة لا أستطيع أن أدعم أخلاقيا تحركات الولايات المتحدة لدعم المجهود الحربي الإسرائيلي»، وقال: «إن العديد من الأشخاص داخل الوزارة يقولون إنهم يشعرون بنفس الطريقة، وإن الأمر صعب للغاية بالنسبة إليهم».
وبحسب المسؤولين في الخارجية فإن التمرد داخل الوزارة بدأ يتسع، وقال أحد المسؤولين: «هناك تمرد يختمر داخل وزارة الخارجية على جميع المستويات».
المسؤولون الأمريكيون قالوا إن الدبلوماسيين في الخارجية يعدون ما يسمى «برقية المعارضة» للإعراب عن رفض السياسة الأمريكية ودعمها اللا مشروط للعدوان إسرائيلي.
و«برقية المعارضة» هي وثيقة تنتقد السياسة الأمريكية يتم إعدادها حين يريد الدبلوماسيون التعبير عن رفض السياسة الأمريكية وعن خلاف جذري معها. وتم إنشاء قناة المعارضة أثناء حرب فيتنام، وأصبحت منذ ذلك الوقت أداة يستخدمها الدبلوماسيون للتحذير من أن الولايات المتحدة تتخذ خيارات خطرة ويعبرون عن رفضها.
بعض المسؤولين في الخارجية قدموا شهادات علنية عما يحدث في الوزارة. أحد المسؤولين قال: «هناك شعور داخل القوى العاملة بأن الوزير لا يرى أو لا يهتم». وأضاف أن «هذا الشعور يمتد إلى شخصيات رفيعة المستوى في الخارجية، ومن شبه المؤكد أنه لا يدرك مدى سوء ديناميكيات القوى العاملة. إنه أمر سيئ حقا».
مسؤول آخر قال إن زملاءه في الوزارة «مكتئبون وغاضبون بسبب كل ذلك»، وأضاف أن زميلا له كان يبكي أثناء اجتماع حول وجهة نظرهم «بأن بيانات السياسة الأمريكية تؤكد دعم إسرائيل على حساب حياة الفلسطينيين».
هذا التمرد الذي يتفاعل داخل الخارجية الأمريكية حدث تمرد شبيه له داخل المفوضة الأوروبية.
أكثر من 700 من كبار الموظفين والدبلوماسيين في المفوضية الأوروبية وقعوا رسالة ينتقدون فيها بشدة مواقف أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية بسبب مواقفها والانحياز الفاضح للكيان الإسرائيلي، واعتبروا أن هذه المواقف الأوروبية «تنتهك جوهر القيم التي بني على أساسها الاتحاد الأوروبي، بل إن مواقفها تضر بأمن ومصالح أوروبا».
الدبلوماسيون قالوا في رسالتهم: «فوجئنا بفوضى المواقف الأوروبية بالنظر إلى الفظائع المرتكبة»، وأضافوا أنهم «قلقون من دعم المفوضية الأوروبية غير المشروط لطرف واحد على حساب الطرف الآخر إلى درجة إضاءة مبنى المفوضية بألوان إسرائيل».
وقالوا أيضا: «يصعب علينا التعرف على القيم الأوروبية من خلال اللامبالاة التي أظهرتها المفوضية الأوروبية في الأيام الماضية إزاء مذابح المدنيين المتواصلة في قطاع غزة، ودوس حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي». وأضافوا: «نحن حزينون من ازدواجية المعايير، حيث اعتُبر الحصار وقطع المياه والكهرباء من قبل روسيا عملا إرهابيا بينما يتم تجاهل الأفعال نفسها بالكامل من قبل إسرائيل ضد سكان غزة.. لا يسعنا الوقوف صامتين أمام عجز المؤسسة التي تمثلنا عن وقف المأساة الفلسطينية المتواصلة على مدى عقود دون محاسبة، بل إن أفعالها ومواقفها المؤسفة تطلق العنان لإسراع وتيرة جريمة الحرب التي يجري ارتكابها في قطاع غزة».
واعتبر الدبلوماسيون أن المواقف الأوروبية «لا تمثل خطرا من الناحية الأمنية فحسب، من زاوية أمن مؤسسات الاتحاد وبعثاته في الخارج، بل تحفز ظهور آيديولوجيات كانت قد أثرت في الأجيال التي سبقتنا وكافح آباؤنا المؤسسون (مؤسسو الاتحاد) من أجل استئصالها، من خلال بناء أوروبا التي نظل نتمسك بها».
وطلبوا في نهاية الرسالة من رئيسة المفوضية الأوروبية استخدام موقعها «من أجل وقف الفظائع التي يجري ارتكابها أمام أعيننا، ونلح عليك العمل مع جميع قادة الاتحاد الأوروبي لتوصل الأطراف المعنية إلى وقف إطلاق النار من أجل حماية المدنيين وحماية حياة المدنيين».
هذه الأصوات التي بدأت ترتفع في الخارجية الأمريكية والمفوضية الأوروبية رفضا للمواقف الهمجية الغربية ارتفعت في دوائر أخرى سنتطرق إليها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك