يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
.. خلفنا عارُ العرب
إنها الحربُ
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب
هذا ما قاله الشاعر الراحل الكبير أمل دنقل في قصيدته الشهيرة «لا تصالح».
حين كتب هذا كان في ذهنه بالتأكيد خصال وسجايا العرب التي عرفوا بها على امتداد تاريخهم الطويل والتي طالما تغنينا بها، وفي مقدمتها الإقدام والشجاعة، ورفض الظلم والذل، والثأر لأي حق يضيع أو أرض تغتصب، والدفاع عن الكرامة والشرف.. وهكذا.
حين يتخلى العرب عن هذه الخصال والسجايا، فإن عار العرب خلفهم.
اليوم.. خلفنا عار العرب.
أرضنا مستباحة.. نتعرض لأكبر هجمة إرهابية.. أهلنا تستباح دماؤهم في فلسطين وتباد بلادهم.
أكثر من 500 شهيد يحتمون في مستشفى سقطوا في دقائق في واحدة من افظع عمليات الإرهاب وجرائم الحرب والإبادة. وقبلهم آلاف استشهدوا في غضون أيام قليلة. العدو يخيرهم بين الرحيل عن أرضهم والذبح والابادة.
هذه ليست إبادة لشعب فلسطين وحده. هذا مخطط إبادة لكل العرب.. إذلال لكل العرب. مطلوب منا صراحة وعلنا أن نرضخ وأن نقبل الذل والهوان وأن نستسلم لهؤلاء الهمج.
ماذا فعلنا نحن العرب إزاء ما يجري لأهلنا ولنا وأراضينا ودمائنا وكرامتنا المستباحة؟
ماذا فعلنا بكل إمكانياتنا وقدراتنا وقوانا التي هي كبيرة جدا؟
ماذا فعلنا بكل علاقاتنا التي يحلو لنا دوما وصفها بـ«الاستراتيجية» مع أمريكا والدول الغربية الأخرى، ومئات المليارات التي نهبوها منا باسم هذه العلاقات؟
لم نفعل شيئا.. الذي فعلناه أننا «توخينا الهرب» كما قال أمل دنقل.
نقف اليوم عاجزين تماما.. عاجزين عن أن نحمي أهلنا.. عاجزين عن أن نوقف طوفانا من الإرهاب يجتاحنا.. عاجزين عن أن ندافع عن كرامتنا وشرفنا وحتى حقنا في الحياة.
نحن عاجزون حتى عن أن نؤمن إدخال مساعدات إنسانية إلى أطفال يستشهدون وشعب بأسره يباد أمام أعيننا.
يقول البعض إن العالم كله يقف عاجزا فلماذا نلوم أنفسنا نحن؟
نعم.. العالم يقف جبانا عاجزا. لكن هذه الأرض أرضنا نحن.. وهؤلاء الذين يبادون أهلنا نحن. دماء الأبرياء التي تسيل دماؤنا نحن.. الكرامة التي تهدر كرامتنا نحن.. والشرف الذي يضيع شرفنا نحن.. طوفان الهمجية والإرهاب يجتاحنا نحن.
أقصى ما أصبح بمقدورنا أن نفعله هو أن نناشد العالم التدخل وإنقاذنا.
وماذا سيفعل لنا العالم إذا كنا عاجزين إلى هذا الحد؟
ليس هذا فحسب، العالم الغربي كله يقف اليوم صفا واحدا مع الكيان الصهيوني يدعمه ويطالبه بمواصلة حرب الإبادة والتدمير.
هم يقفون مع الكيان الصهيوني بترسانتهم العسكرية.. وإمكانياتهم الاقتصادية والسياسية والإعلامية وضعوها كلها تحت تصرفهم.
ونحن العرب «ترسانتنا» التي نحارب بها بيانات وتصريحات إنشائية بالإدانة والشجب والاستنكار واستجداء الآخرين.
هذه لحظة مأساوية فارقة في تاريخنا.
التاريخ لا ينسى ولا يغفر. تاريخنا لن يغفر لنا، وسيظل عارُ العرب خلفنا يلاحقنا.
هذا عن اليوم، فماذا عن الغد؟
ماذا لو أردنا محو هذا العار؟
ماذا لو أردنا أن نحفظ لأبنائنا وأحفادنا والأجيال القادمة الكرامة والعزة؟
ماذا لو أردنا ألا يكبر هؤلاء بين أيدينا بـ«بقلوب منكسة» كما قال أمل دنقل؟
ماذا لو أردنا أن نردع هؤلاء الهمج الإرهابيين عن احتلال حاضرنا ومستقبلنا ومصادرته؟
إن أردنا هذا فلا بد أن تأتي ساعة الحساب سريعا.
لا بد أن نتحاسب، وأن نعرف كيف ولماذا وصلنا إلى هذا الحال من العجز والذل والهوان؟
لا بد أن نعرف أي خطايا ارتكبناها في حق أوطاننا وفي حق أنفسنا؟
لا بد أن نعرف أي سياسات رسمية عربية قادتنا إلى هذا المصير؟
لا بد أن نفعل هذا بصراحة ووضوح من دون تستر على شيء ومن دون تجميل لسياسات وأوضاع قبيحة قادتنا إلى ما نحن فيه.
وعلى أي حال، لنا أن ننظر إلى الشعوب العربية اليوم والغضب العارم الذي يجتاحها وسندرك أنه إن لم نحاسب أنفسنا سريعا فإن ساعة حساب الشعوب آتية لا محالة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك