العدد : ١٦٨٥٩ - الاثنين ٢٠ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٢ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٩ - الاثنين ٢٠ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٢ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

«طوفان الأقصى».. والصدمة الإسرائيلية

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

الأحد ١٥ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

استفاقت‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية‭ ‬يوم‭ ‬السبت‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬موجة‭ ‬صواريخ‭ ‬بتاريخها‭. ‬آلاف‭ ‬الصواريخ‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬معا‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬صوب‭ ‬مستعمرات‭/ ‬‮«‬مستوطنات‮»‬‭ ‬غلاف‭ ‬غزة،‭ ‬بل‭ ‬صوب‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬مدن‭ ‬‮«‬إسرائيلية‮»‬‭ ‬لتنشر‭ ‬الرعب‭ ‬والهلع‭ ‬وتحول‭ ‬‮«‬المستوطنين‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬نازحين‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬تاريخهم،‭ ‬مع‭ ‬دخول‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬مقاتلي‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬داخل‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬في‭ ‬حادثة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ليتوقعها‭ ‬أكثر‭ ‬المتفائلين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وأشد‭ ‬المتشائمين‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬جعلت‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأخيرين‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬صدمة‭ ‬أذهلتهم‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ .‬

عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬التي‭ ‬أظهرت‭ (‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬أظهرت‭) ‬كفاءة‭ ‬وبطولة‭ ‬المقاتلين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وبراعة‭ ‬التخطيط‭ ‬والتدريب‭ ‬والتمويه‭ ‬والتنفيذ،‭ ‬وكشفت‭ ‬أيضاً‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬والتحديث‭ ‬في‭ ‬الأسلحة‭ ‬ومليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬التي‭ ‬يقدمها‭ ‬الغرب‭ ‬‮«‬لإسرائيل‮»‬،‭ ‬والصناعات‭ ‬العسكرية‭ ‬الدقيقة‭ ‬وغيرها،‭ ‬ليست‭ ‬ضمانة‭ ‬لا‭ ‬للتفوق‭ ‬الميداني،‭ ‬ولا‭ ‬هي‭ ‬ضمانة‭ ‬للعيش‭ ‬بسلام‭!‬

فالفلسطينيون،‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬طوال‭ ‬الصراع‭ ‬هم‭ ‬المدافعين،‭ ‬قلبوا‭ ‬المعادلة‭ ‬ونقلوا‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬التي‭ ‬سقط‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬واحد‭ ‬عدد‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬من‭ ‬القتلى‭ (‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬الحكومة‭ ‬تلجأ‭ ‬لإعلانهم‭ ‬بالتقسيط،‭ ‬ووفقا‭ ‬لفئات،‭ ‬لتجريع‭ ‬الاسرائيليين‭ ‬الحقائق‭ ‬المُرة‭ ‬على‭ ‬دفعات‭) ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬أسر‭ ‬أعداد‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬و«المستوطنين‮»‬‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬قبل‭.‬

ومن‭ ‬‮«‬الطبيعي‭/ ‬الإسرائيلي‮»‬‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬إعلان‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬الحرب‮»‬‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية‭ (‬وهي‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعلن‭ ‬منذ‭ ‬1973‭) ‬وبروح‭ ‬انتقامية‭ ‬ثأرية‭ ‬لتعظيم‭ ‬حجم‭ ‬الرد‭ ‬ومضمون‭ ‬وحشيته‭. ‬ونحن‭ ‬نعي‭ ‬جيدا‭ ‬عدوانية‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية‭ ‬عند‭ ‬ردها‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬عملية‭ ‬مقاومة‭ ‬سابقا‭ ‬فما‭ ‬بالكم‭ ‬الآن‭ ‬وهي‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬الذئب‭ ‬المجروح‮»‬‭ ‬والمهان؟‭ ‬لكن‭ ‬يبقى‭ ‬السؤال‭ ‬الأهم‭: ‬هل‭ ‬يكون‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬مقدمة‭ ‬لحرب‭ ‬إقليمية‭ ‬أكبر‭ ‬وأوسع‭ ‬أم‭ ‬تظل‭ ‬محصورة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬محدودة‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية‭ ‬وفصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة؟‭!! ‬وهل‭ ‬من‭ ‬مجال‭ ‬لفتح‭ ‬التسوية‭ ‬من‭ ‬جديد؟‭!!‬

من‭ ‬المهم‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬المحللين‭ ‬السياسيين‭ ‬والعسكريين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬البارزين‭ ‬الذين‭ ‬أكدوا‭ ‬الفشل‭ ‬والإخفاق‭ ‬السياسي‭ ‬والعسكري‭ ‬والاستخباراتي‭ ‬الإسرائيلي‭: ‬‮«‬نحن‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬كارثة،‭ ‬وسيكون‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬كلها‮»‬‭.‬

وأضاف‭ ‬المحلل‭ ‬العسكري‭ ‬لصحيفة‭ ‬‮«‬هآرتس‮»‬‭ (‬عاموس‭ ‬هرئيل‭): ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬بحالة‭ ‬حرب‭. ‬لقد‭ ‬انهارت‭ ‬كليةً‭ ‬العقيدة‭ ‬الدفاعية‭ ‬العملياتية‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭.‬

المجهود‭ ‬العسكري‭ ‬الفلسطيني‭ ‬استهدف‭ ‬غلاف‭ ‬غزة،‭ ‬وبشكل‭ ‬تراجيدي،‭ ‬حقق‭ ‬نجاحًا‭ ‬كاملًا‮»‬‭. ‬وختم‭: ‬‮«‬النتيجة‭ ‬كارثية‭ ‬‭ ‬خمسون‭ ‬عامًا‭ ‬ويوم‭ ‬واحد‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬يوم‭ ‬الغفران‭. ‬هذا‭ ‬إخفاق‭ ‬هائل‭ ‬تتشارك‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية‭ ‬والأمنية،‭ ‬لكن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتضح‭ ‬بشكل‭ ‬معمق‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭. ‬هذه‭ ‬المصيبة‭ ‬تأتي‭ ‬وإسرائيل‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬أزمة‭ ‬داخلية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‮»‬‭.‬

أما‭ (‬غيورا‭ ‬آيلند‭) ‬الجنرال‭ ‬والخبير‭ ‬العسكري‭ ‬فيقول‭: ‬‮«‬3‭ ‬دوائر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬تبدو‭ ‬منذ‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬فشل‭ ‬كبير،‭ ‬أولاً‭ ‬الموضوع‭ ‬الاستخباراتي‭ ‬فالحدث‭ ‬يدور‭ ‬عن‭ ‬عملية‭ ‬حقيقية‭ ‬والاستخبارات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬عنها‭ ‬شيئا‭.‬

ثانيا‭ ‬منظومة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الجدار‭ ‬انهارت‭ ‬فقد‭ ‬دخل‭ ‬المقاتلون‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬لإيقافهم‭.‬

ثالثا‭ ‬إدارة‭ ‬الحدث،‭ ‬فبعد‭ ‬ساعات‭ ‬طويلة‭ ‬على‭ ‬وقوع‭ ‬الحدث‭ ‬لم‭ ‬ينجحوا‭ ‬في‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬المقاتلين‭. ‬الحدث‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬بلدة‭ ‬ومعسكر‭ ‬جيش‮»‬‭.‬

ونختم‭ ‬مع‭ ‬المحلل‭ ‬العسكري‭ (‬عمير‭ ‬رابوبورت‭): ‬‮«‬ترافق‭ ‬بدء‭ ‬العمليات‭ ‬الحربية‭ ‬بسلسلة‭ ‬من‭ ‬الإخفاقات‭ ‬المذهلة‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬تقصيرا‭ ‬استخباراتيا‭. ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬تنتظرنا‭ ‬أيام‭ ‬صعبة‭ ‬أخرى‭. ‬قوة‭ ‬الأعمال‭ ‬القتالية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يوجد‭ ‬هناك‭ ‬عشرات‭ (‬الأسرى‭) ‬الإسرائيليين‭ ‬ليست‭ ‬خطوة‭ ‬سهلة‮»‬‭.‬

والحال‭ ‬كذلك،‭ ‬ولأن‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬جاء‭ ‬بمفاعيل‭ ‬ومفاجآت‭ ‬كبرى‭ ‬لا‭ ‬سابق‭ ‬لها،‭ ‬لا‭ ‬غرابة‭ ‬في‭ ‬صدور‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬متفاوتة‭ ‬جداً‭: ‬فمنها‭ ‬‭ ‬مع‭ ‬حكومة‭ ‬إسرائيلية‭ ‬‮«‬مجنونة‮»‬‭ ‬في‭ ‬تطرفها‭ ‬‭ ‬ما‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬خيار‭ ‬تحدث‭ ‬عنه‭ ‬كتاب‭ ‬وعسكريون‭ ‬إسرائيليون‭ ‬عديدون‭ ‬بعبارات‭ ‬مختلفة‭ ‬وأسمية‭.‬

شخصياً‭: ‬خيار‭ ‬سيناريو‭ ‬‮«‬شمشون‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬هدم‭ ‬المعبد‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬الكثيرين‭ (‬دخول‭ ‬أراضي‭ ‬‮«‬القطاع‮»‬‭ ‬من‭ ‬‮«‬خلال‭ ‬هجوم‭ ‬عنيف‭ ‬متواصل‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬والسلطوية‭ ‬لحركتي‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬و«الجهاد‭ ‬الإسلامي‮»‬‭ ‬‭ ‬وفق‭ ‬بيان‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمنية‭ ‬الإسرائيلية‭).‬

أما‭ ‬السيناريو‭ ‬الثاني‭ ‬والنقيض‭ ‬فهو‭ ‬‮«‬المتفائل‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬اغتنامها‭ ‬فرصة‭ ‬لفتح‭ ‬‮«‬كوة‮»‬‭ ‬على‭ ‬درب‭ ‬‮«‬الحل‭ ‬السياسي‮»‬‭ ‬المهجور‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ (‬والمؤمل‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬شامل‭) ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬سيناريوهات‭ ‬‮«‬متشائمة‮»‬‭ ‬مختلفة‭ ‬ومتفاوتة‭ ‬تقع‭ ‬بين‭ ‬السيناريوهين‭ ‬الأولين‭: ‬المتشائم‭ (‬وربما‭ ‬جدا‭) ‬والمتفائل‭ (‬وربما‭ ‬جدا‭)!!.‬

فلمن‭ ‬ستكون‭ ‬الغلبة‭ ‬والترجيح‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬السيناريوهات؛‭ ‬سؤال‭ ‬كبير‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬‮«‬بطن‭ ‬المستقبل‮»‬‭... ‬وإن‭ ‬غدا‭ ‬لناظره‭ ‬لقريب‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا