استفاقت الدولة الصهيونية يوم السبت السابع من أكتوبر على أكبر موجة صواريخ بتاريخها. آلاف الصواريخ التي انطلقت معا ليس فقط صوب مستعمرات/ «مستوطنات» غلاف غزة، بل صوب تل أبيب وغيرهما من مدن «إسرائيلية» لتنشر الرعب والهلع وتحول «المستوطنين» إلى نازحين لأول مرة في تاريخهم، مع دخول مئات من مقاتلي المقاومة الفلسطينية إلى داخل «إسرائيل»، في حادثة لم يكن ليتوقعها أكثر المتفائلين الفلسطينيين وأشد المتشائمين من الإسرائيليين، جعلت هؤلاء الأخيرين يعيشون في صدمة أذهلتهم ولا تزال .
عملية «طوفان الأقصى» التي أظهرت (ضمن ما أظهرت) كفاءة وبطولة المقاتلين الفلسطينيين وبراعة التخطيط والتدريب والتمويه والتنفيذ، وكشفت أيضاً عن أن القدرات العسكرية والتحديث في الأسلحة ومليارات الدولارات التي يقدمها الغرب «لإسرائيل»، والصناعات العسكرية الدقيقة وغيرها، ليست ضمانة لا للتفوق الميداني، ولا هي ضمانة للعيش بسلام!
فالفلسطينيون، الذين كانوا طوال الصراع هم المدافعين، قلبوا المعادلة ونقلوا الحرب إلى الدولة الصهيونية، التي سقط منها في يوم واحد عدد غير مسبوق من القتلى (الأمر الذي جعل الحكومة تلجأ لإعلانهم بالتقسيط، ووفقا لفئات، لتجريع الاسرائيليين الحقائق المُرة على دفعات) علاوة على أسر أعداد من الجنود و«المستوطنين» لا مثيل لها من قبل.
ومن «الطبيعي/ الإسرائيلي» اتخاذ قرار إعلان «حالة الحرب» في الدولة الصهيونية (وهي التي لم تعلن منذ 1973) وبروح انتقامية ثأرية لتعظيم حجم الرد ومضمون وحشيته. ونحن نعي جيدا عدوانية الدولة الصهيونية عند ردها على كل عملية مقاومة سابقا فما بالكم الآن وهي مثل «الذئب المجروح» والمهان؟ لكن يبقى السؤال الأهم: هل يكون «طوفان الأقصى» مقدمة لحرب إقليمية أكبر وأوسع أم تظل محصورة في مواجهة محدودة بين الدولة الصهيونية وفصائل المقاومة في قطاع غزة؟!! وهل من مجال لفتح التسوية من جديد؟!!
من المهم التركيز على ردود فعل المحللين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين البارزين الذين أكدوا الفشل والإخفاق السياسي والعسكري والاستخباراتي الإسرائيلي: «نحن في بداية كارثة، وسيكون لها تأثير في الشرق الأوسط كلها».
وأضاف المحلل العسكري لصحيفة «هآرتس» (عاموس هرئيل): «إسرائيل بحالة حرب. لقد انهارت كليةً العقيدة الدفاعية العملياتية عند حدود قطاع غزة.
المجهود العسكري الفلسطيني استهدف غلاف غزة، وبشكل تراجيدي، حقق نجاحًا كاملًا». وختم: «النتيجة كارثية – خمسون عامًا ويوم واحد بعد حرب يوم الغفران. هذا إخفاق هائل تتشارك فيه كل القيادة السياسية والأمنية، لكن مثل هذه الأمور يجب أن تتضح بشكل معمق بعد الحرب. هذه المصيبة تأتي وإسرائيل في حالة أزمة داخلية غير مسبوقة».
أما (غيورا آيلند) الجنرال والخبير العسكري فيقول: «3 دوائر في هذا الحدث تبدو منذ الآن في حالة فشل كبير، أولاً الموضوع الاستخباراتي فالحدث يدور عن عملية حقيقية والاستخبارات الإسرائيلية لم تعرف عنها شيئا.
ثانيا منظومة الدفاع عن الجدار انهارت فقد دخل المقاتلون إلى إسرائيل ولم يكن هناك أي شيء لإيقافهم.
ثالثا إدارة الحدث، فبعد ساعات طويلة على وقوع الحدث لم ينجحوا في التغلب على المقاتلين. الحدث كان في 22 بلدة ومعسكر جيش».
ونختم مع المحلل العسكري (عمير رابوبورت): «ترافق بدء العمليات الحربية بسلسلة من الإخفاقات المذهلة وليس فقط تقصيرا استخباراتيا. لكن بعد ما حدث تنتظرنا أيام صعبة أخرى. قوة الأعمال القتالية في قطاع غزة في الوقت الذي يوجد هناك عشرات (الأسرى) الإسرائيليين ليست خطوة سهلة».
والحال كذلك، ولأن «طوفان الأقصى» جاء بمفاعيل ومفاجآت كبرى لا سابق لها، لا غرابة في صدور ردود أفعال متفاوتة جداً: فمنها – مع حكومة إسرائيلية «مجنونة» في تطرفها – ما يرقى إلى خيار تحدث عنه كتاب وعسكريون إسرائيليون عديدون بعبارات مختلفة وأسمية.
شخصياً: خيار سيناريو «شمشون» حتى لو أدى إلى هدم المعبد على رؤوس الكثيرين (دخول أراضي «القطاع» من «خلال هجوم عنيف متواصل يهدف إلى تدمير القدرات العسكرية والسلطوية لحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» – وفق بيان الحكومة الأمنية الإسرائيلية).
أما السيناريو الثاني والنقيض فهو «المتفائل» الذي يتحدث عن ضرورة اغتنامها فرصة لفتح «كوة» على درب «الحل السياسي» المهجور منذ سنوات (والمؤمل أن ينتهي إلى حل شامل) علاوة على سيناريوهات «متشائمة» مختلفة ومتفاوتة تقع بين السيناريوهين الأولين: المتشائم (وربما جدا) والمتفائل (وربما جدا)!!.
فلمن ستكون الغلبة والترجيح بين هذه السيناريوهات؛ سؤال كبير يبقى في «بطن المستقبل»... وإن غدا لناظره لقريب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك