العدد : ١٦٩٨١ - الخميس ١٩ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨١ - الخميس ١٩ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

جريمة فاشية جديدة في سجل الانتهاكات الصهيونية

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

السبت ١٦ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

يستند‭ ‬نظام‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬في‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬على‭ ‬قوانين‭ ‬فاشية‭ ‬واستعمارية‭ ‬تمسكت‭ ‬بها‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ورثتها‭ ‬من‭ ‬الانتداب‭ ‬البريطاني،‭ ‬ومنها‭ ‬‮«‬احتجاز‭ ‬جثامين‭ ‬الشهداء‮»‬‭. ‬لكن‭ ‬الكنيست‭ (‬البرلمان‭ ‬الإسرائيلي‭) ‬صادق‭ ‬في‭ ‬شباط‭/ ‬فبراير‭ ‬2018،‭ ‬وبالأغلبية،‭ ‬على‭ ‬قانون‭ ‬احتجاز‭ ‬جثامين‭ ‬الشهداء‭. ‬وبموجب‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬هذا‭: ‬‮«‬لا‭ ‬تعيد‭ ‬الشرطة‭ ‬الجثث‭ ‬لذويهم،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬تأكدت‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬تحوّل‭ ‬الجنازة‭ ‬إلى‭ ‬مسرح‭ ‬لـ‮«‬التحريض‮»‬‭ ‬أو‭ ‬لدعم‭ ‬المقاومة‮»‬‭!!‬

وأصدرت‭ ‬المحكمة‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬قراراً‭ ‬يتيح‭ ‬للحاكم‭ ‬العسكري‭ ‬احتجاز‭ ‬جثامين‭ ‬الشهداء‭ ‬ودفنهم‭ ‬مؤقتا‭! ‬وفي‭ ‬أواخر‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬تبنى‭ ‬وزير‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬حينه‭ (‬بيني‭ ‬جانتس‭) ‬سياسة‭ ‬عدم‭ ‬تسليم‭ ‬جثامين‭ ‬الشهداء‭ ‬الفلسطينيين‭!‬

في‭ ‬البداية،‭ ‬احتجزت‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬جثامين‭ ‬ورفات‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬الشهداء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والعرب‭ ‬في‭ ‬‮«‬مقابر‭ ‬الأرقام‮»‬‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬تعرف‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬زنزانات‭ ‬الموت‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مدافن‭ ‬بسيطة‭ ‬متراصة‭ ‬بعمق‭ ‬50‭ ‬سم‭ ‬تحت‭ ‬الأرض،‭ ‬محاطة‭ ‬بالحجارة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬شواهد،‭ ‬ومثبت‭ ‬فوق‭ ‬القبر‭ ‬لوحة‭ ‬معدنية‭ ‬تحمل‭ ‬رقماً‭ ‬خاصاً‭ ‬لكل‭ ‬شهيد‭!‬

ومنذ‭ ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬قررت‭ ‬الدولة‭ ‬المحتلة‭ ‬احتجاز‭ ‬جثامين‭ ‬الشهداء‭ ‬في‭ ‬ثلاجات‭ ‬الموتى‭ ‬في‭ ‬المعهد‭ ‬الشرعي‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬تواصل‭ ‬تنكيلها‭ ‬بالأحياء‭ ‬والأموات‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬حيث‭ ‬تنزل‭ ‬بجثث‭ ‬الشهداء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬عقوبات‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬أكثر‭ ‬أنظمة‭ ‬الاستعمار‭ ‬عنصرية‭ ‬وهمجية‭. ‬فهي،‭ ‬تواصل‭ ‬احتجاز‭ ‬جثامين‭ ‬نحو‭ (‬400‭) ‬شهيد‭ ‬وشهيدة‭ ‬وعدم‭ ‬تسليمهم‭ ‬لذويهم،‭ ‬حيث‭ ‬أكدت‭ ‬‮«‬لجنة‭ ‬الطوارئ‭ ‬الوطنية‭ ‬العليا‭ ‬للحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬الأسيرة‮»‬‭ ‬أن‭ ‬‮«‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬تحتجز‭ ‬جثامين‭ ‬256‭ ‬شهيدا‭ ‬وشهيدة‭ ‬فيما‭ ‬تسمى‭ ‬‮«‬بمقابر‭ ‬الأرقام‮»‬،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬142‭ ‬شهيدا‭ ‬في‭ ‬الثلاجات،‭ ‬نازعة‭ ‬عن‭ ‬جثامينهم‭ ‬أسماءهم‭ ‬وهويتهم‭ ‬الوطنية‭ ‬والإنسانية‮»‬‭. ‬

وأضافت‭ ‬‮«‬اللجنة‮»‬‭ ‬أن‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬‮«‬مقابر‭ ‬الأرقام‮»‬،‭ ‬تحتجز‭ ‬في‭ ‬ثلاجات‭ ‬القتل‭ ‬جثامين‭ ‬142‭ ‬شهيدا‭ ‬وشهيدة‭ ‬تم‭ ‬احتجاز‭ ‬جثامينهم‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬11‭ ‬أسيرا‭ ‬من‭ ‬الأسرى‭ ‬استشهدوا‭ ‬في‭ ‬سجون‭ ‬الاحتلال،‭ ‬و14‭ ‬طفلا،‭ ‬و5‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيات‭ ‬اللواتي‭ ‬استشهدن‭ ‬بظروف‭ ‬مختلفة‮»‬‭.‬

إن‭ ‬احتجاز‭ ‬جثمان‭ ‬الشهيد‭ ‬هو‭ ‬عقوبة‭ ‬لأهله‭ ‬وإصرار‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬عقاب‭ ‬الشهيد‭ ‬نفسه‭ ‬بعد‭ ‬قتله‭! ‬وهي‭ ‬محاولة‭ ‬لسحب‭ ‬شرعية‭ ‬نضاله،‭ ‬حيث‭ ‬يمنع‭ ‬الاحتلال‭ ‬بذلك‭ ‬أن‭ ‬يحظى‭ ‬الشهيد‭ ‬بجنازة‭ ‬مهيبة‭ ‬عند‭ ‬شعبه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬مصدر‭ ‬فخر‭ ‬واعتزاز‭ ‬لهم‭ ‬لإعلائه‭ ‬قيم‭ ‬الحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬والتضحية‭.‬

كما‭ ‬يشترط‭ ‬الاحتلال‭ ‬عدم‭ ‬تشريح‭ ‬الجثامين‭ ‬عند‭ ‬تسليمها‭ ‬لذويها‭ ‬خشية‭ ‬اكتشاف‭ ‬عمليات‭ ‬سرقة‭ ‬أعضاء‭ ‬أبنائهم‭ ‬لإجراء‭ ‬اختبارات‭ ‬إسرائيلية‭ ‬طبية‭ ‬عليها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أقر‭ ‬به‭ (‬يهودا‭ ‬هس‭) ‬المدير‭ ‬السابق‭ ‬للمعهد‭ ‬الشرعي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بسرقة‭ ‬أعضاء‭ ‬الشهداء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بين‭ ‬الانتفاضتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭ ‬‮«‬بموافقة‭ ‬القانون‮»‬‭!‬

إن‭ ‬احتجاز‭ ‬جثامين‭ ‬الشهداء‭ ‬يعزز‭ ‬نوايا‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬المضي‭ ‬بمشروعه‭ ‬الإقصائي‭ ‬وصراعه‭ ‬المفتوح‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ملاحقة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬واستهدافهم‭ ‬واحتجاز‭ ‬جثامين‭ ‬الشهداء‭ ‬وانتهاك‭ ‬حرمتها‭ ‬وكرامتها‭ ‬الإنسانية‭. ‬

وفي‭ ‬الاستخلاص،‭ ‬ثمة‭ ‬ضرورة‭ ‬لجعل‭ ‬قضية‭ ‬‮«‬اختلاس‭ ‬واختطاف‭ ‬واحتجاز‭ ‬وسجن‮»‬‭ ‬جثامين‭ ‬الشهداء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬قضية‭ ‬سياسية‭ ‬وإعلامية‭ ‬كبرى‭. ‬ومما‭ ‬يعزز‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬كون‭ ‬‮«‬اتفاقية‭ ‬جنيف‮»‬‭ ‬تعتبر‭ ‬حجز‭ ‬الجثامين‭ ‬‮«‬جريمة‭ ‬إخفاء‭ ‬قسري‮»‬‭.‬

وحسب‭ ‬النظام‭ ‬الأساسي‭ ‬للمحكمة‭ ‬الجنائية‭ (‬البند‭ ‬السابع‭) ‬تصنف‭ ‬جريمة‭ ‬الحط‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬الجثمان‭ ‬‮«‬جريمة‭ ‬حرب‮»‬‭ ‬تحيل‭ ‬فاعلها‭ ‬إلى‭ ‬المحاكمة،‭ ‬بل‭ ‬ويمكن‭ ‬تصنيفها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬جريمة‭ ‬حرب‭ ‬لأن‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬قتلى‭ ‬الحروب‭. ‬فما‭ ‬بالنا‭ ‬نحن‭ ‬معشر‭ ‬الفلسطينيين‭ (‬ومعنا‭ ‬باقي‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬وشرفاء‭ ‬العالم‭) ‬نمارس‭ ‬التقصير‭ ‬بمعنى‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نضاعف‭ ‬جهود‭ ‬توظيف‭ ‬هذه‭ ‬الأسلحة‭ ‬القانونية‭ ‬بأقصى‭ ‬ما‭ ‬نستطيع؟‭!‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا