العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

روسيا وإفريقيا نحو عالم متعدد الأقطاب

بقلم: د. نبيل العسومي

الثلاثاء ٠١ أغسطس ٢٠٢٣ - 21:51

احتضنت‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬قمة‭ ‬روسيا‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬دورتها‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬سانت‭ ‬بطرسبورغ‭ ‬الروسية‭ ‬برعاية‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬وبمشاركة‭ ‬49‭ ‬دولة‭ ‬بينهم‭ ‬17‭ ‬رئيسا‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬54‭ ‬دولة‭ ‬إفريقية،‭ ‬حيث‭ ‬تشكل‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬نقطة‭ ‬مهمة‭ ‬وضربة‭ ‬موجعة‭ ‬للاستراتيجية‭ ‬الغربية‭ ‬والأمريكية‭ ‬بوجه‭ ‬خاص‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬الضغوطات‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬مارستها‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لمنع‭ ‬مشاركة‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القمة،‭ ‬فإن‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬حرصت‭ ‬على‭ ‬المشاركة‭ ‬والحضور‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المنتدى‭ ‬الكبير‭ ‬الثاني‭ ‬بعد‭ ‬المنتدى‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019‭.‬

الطريف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬قد‭ ‬حرصت‭ ‬على‭ ‬التشويش‭ ‬على‭ ‬قمة‭ ‬البريكس‭ ‬المنتظرة‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬أغسطس‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬عبر‭ ‬تخويف‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬لمنعها‭ ‬من‭ ‬مشاركة‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القمة،‭ ‬وإذا‭ ‬بروسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬تجلب‭ ‬إفريقيا‭ ‬بأكملها‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬سانت‭ ‬بطرسبورغ‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬السياسية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لتقول‭ ‬للعالم‭ ‬إن‭ ‬روسيا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬عزلها‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬خارج‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬والنفوذ‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬الذي‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬مكانة‭ ‬روسيا‭ ‬وقوتها‭ ‬كدولة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العظمى‭.‬

وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬تفاصيل‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬بشكل‭ ‬رئيسي‭ ‬حول‭ ‬التعاون‭ ‬الروسي‭ ‬الإفريقي‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتنموية‭ ‬والأمنية‭ ‬وبناء‭ ‬الشراكة‭ ‬التي‭ ‬تنقل‭ ‬الخبرة‭ ‬الروسية‭ ‬والتقنية‭ ‬الروسية‭ ‬والغذاء‭ ‬الروسي‭ ‬إلى‭ ‬البلدان‭ ‬الإفريقية،‭ ‬فإن‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬عنها‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬مع‭ ‬زعماء‭ ‬بريكس‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬ركنا‭ ‬أساسيا‭ ‬من‭ ‬أركان‭ ‬العالم‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬تطمح‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬إلى‭ ‬إانشائه‭ ‬على‭ ‬أنقاض‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬تهيمن‭ ‬عليه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬الآن،‭ ‬فإفريقيا‭ ‬كما‭ ‬آسيا‭ ‬كما‭ ‬بلدان‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬جميعها‭ ‬مكونات‭ ‬أساسية‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬المتعدد‭ ‬الأقطاب‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وأوروبا‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬نفهم‭ ‬أهمية‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المعنى‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬بالنسبة‭ ‬الى‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬وهو‭ ‬حرص‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬مشكلة‭ ‬الغذاء‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬بضمان‭ ‬توفير‭ ‬الإمدادات‭ ‬الضرورية‭ ‬من‭ ‬الحبوب‭ ‬والأسمدة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬تؤمن‭ ‬الاستقرار‭ ‬الغذائي‭ ‬للدول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬خروج‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬اتفاقية‭ ‬تصدير‭ ‬الغذاء‭ ‬مع‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وتركيا‭ ‬والأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تبين‭ ‬للعالم‭ ‬كافة‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬قد‭ ‬ظلمت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬وان‭ ‬الطرف‭ ‬الأوكراني‭ ‬والأوروبي‭ ‬لم‭ ‬ينفذ‭ ‬الجانب‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬الذي‭ ‬يتعلق‭ ‬بتصدير‭ ‬الحبوب‭ ‬والاسمدة‭ ‬الروسية‭ .‬

وقد‭ ‬تبين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القمة‭ ‬الروسية‭ ‬الإفريقية‭ ‬أن‭ ‬رهان‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬على‭ ‬إفريقيا‭ ‬هو‭ ‬رهان‭ ‬رابح‭ ‬وموفق‭ ‬تماما،‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ملت‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬من‭ ‬السياسات‭ ‬الغربية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬ومن‭ ‬الوعود‭ ‬الأمريكية‭ ‬بتعزيز‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬وتنمية‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬دون‭ ‬جدوى‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تبين‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وجمهورية‭ ‬الصين‭ ‬الشعبية‭ ‬تبحثان‭ ‬عن‭ ‬المصالح‭ ‬المشتركة‭ ‬وليس‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭ ‬والاستغلال‭ ‬مثلما‭ ‬يحدث‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭.‬

إن‭ ‬افريقيا‭ ‬في‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الموجهة‭ ‬إلى‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الروسية‭ ‬تعد‭ ‬ركنا‭ ‬أساسيا‭ ‬من‭ ‬أركان‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬الحاضر‭ ‬والمستقبل‭ ‬وإن‭ ‬أبرز‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬استنتاجه‭ ‬من‭ ‬التحركات‭ ‬الروسية‭ ‬المستمرة‭ ‬والمتكررة‭ ‬تجاه‭ ‬إفريقيا‭ ‬هو‭ ‬رؤية‭ ‬روسيا‭ ‬للسياسة‭ ‬الدولية‭ ‬الحالية‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬سياسات‭ ‬للقوة‭ ‬يحكمها‭ ‬منطق‭ ‬التنافس‭ ‬والصراع‭ ‬والهيمنة‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ترى‭ ‬روسيا‭ ‬أن‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبنى‭ ‬على‭ ‬التعاون‭ ‬والشراكة‭ ‬وتبادل‭ ‬المصالح‭ ‬وعدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول،‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاء‭ ‬تأكيد‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬جعل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬عضوا‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬العشرين‭ ‬بما‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬مكانتها‭ ‬وقوتها‭ ‬وما‭ ‬تمتلكه‭ ‬من‭ ‬موارد‭ ‬كبيرة‭ ‬بما‭ ‬يجعل‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬قوة‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬تطمح‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬إلى‭ ‬إنشائه‭ ‬ويطمح‭ ‬العالم‭ ‬غير‭ ‬الغربي‭ ‬كله‭ ‬إلى‭ ‬إقامته‭ ‬بعدما‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬كانت‭ ‬تخدم‭ ‬فقط‭ ‬المصلحة‭ ‬الغربية‭ ‬الأمنية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والسياسية‭.‬

إن‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬سوف‭ ‬تكون‭ ‬حلبة‭ ‬أولى‭ ‬من‭ ‬حلبات‭ ‬هذه‭ ‬المعركة‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬مع‭ ‬الحرب،‭ ‬وهي‭ ‬معركة‭ ‬بناء‭ ‬عالم‭ ‬متعدد‭ ‬الاقطاب‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬التعاون‭ ‬والشراكة‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬والاستعمار‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا