العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

كابوس التفجيرات النووية يلاحق الشعب الأمريكي

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني {

الثلاثاء ٠١ أغسطس ٢٠٢٣ - 21:50

إذا‭ ‬كانت‭ ‬حكومات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لا‭ ‬ترقُب‭ ‬إلاَّ‭ ‬ولا‭ ‬ذمة‭ ‬في‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬نفسه،‭ ‬وفي‭ ‬صحة‭ ‬وأمن‭ ‬وسلامة‭ ‬المواطن‭ ‬الأمريكي،‭ ‬فماذا‭ ‬نتوقع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تعامل‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬الصناعية‭ ‬المتقدمة‭ ‬مع‭ ‬الشعوب‭ ‬الأخرى،‭ ‬وبخاصة‭ ‬الشعوب‭ ‬والدول‭ ‬الضعيفة‭ ‬والفقيرة،‭ ‬والأمم‭ ‬المتفرقة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تجمعها‭ ‬كتلة‭ ‬واحدة‭ ‬تحت‭ ‬سقف‭ ‬ومظلة‭ ‬واحدة‭ ‬قوية‭ ‬ومتنفذة‭ ‬وذات‭ ‬سلطة‭ ‬عميقة؟

فمن‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬السبق‭ ‬العسكري‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬موارد‭ ‬وثروات‭ ‬شعوب‭ ‬العالم،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تصنيع‭ ‬قنابل‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬النووية‭ ‬والبيولوجية،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬بلوغ‭ ‬التقدم‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات‭ ‬والقطاعات،‭ ‬فإن‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬الكبرى،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لا‭ ‬تتأخر‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬نفسه،‭ ‬أو‭ ‬الشعوب‭ ‬الأخرى‭ ‬كفئران‭ ‬تجارب‭ ‬تُجري‭ ‬عليها‭ ‬اختباراتها‭ ‬الأولية،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬الفوز‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬التقدم‭ ‬والتنمية‭ ‬عامة‭ ‬فإنها‭ ‬لا‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬تطويع‭ ‬البيئة‭ ‬الأمريكية‭ ‬برمتها،‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬بيئة‭ ‬أجنبية،‭ ‬من‭ ‬هواء،‭ ‬وماء،‭ ‬وتربة،‭ ‬كحقل‭ ‬تجارب‭ ‬كبيرة‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬لها،‭ ‬فتستبيح‭ ‬حرماتها،‭ ‬وتعكر‭ ‬نقاوتها‭ ‬وصفاءها،‭ ‬وتدمرها‭ ‬وتعتدي‭ ‬عليها‭ ‬نوعياً‭ ‬وكمياً‭. ‬فمن‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬خطوط‭ ‬حمراء‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاوزها،‭ ‬ولا‭ ‬مبادئ،‭ ‬ولا‭ ‬أخلاقيات،‭ ‬ولا‭ ‬قيم‭ ‬تقف‭ ‬أمامها‭ ‬وتتصدى‭ ‬لها،‭ ‬فكل‭ ‬ممارسة‭ ‬جائزة‭ ‬ومبررة،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬نفسها،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الشركات‭ ‬العملاقة‭ ‬المسيطرة‭ ‬على‭ ‬قرارات‭ ‬وتوجهات‭ ‬الحكومات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬والمهيمنة‭ ‬على‭ ‬سياساتها‭.‬

ولكن‭ ‬من‭ ‬محاسن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬نفسه،‭ ‬وعلماء‭ ‬أمريكا‭ ‬أنفسهم‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يفضحون‭ ‬ممارسات‭ ‬الحكومة‭ ‬والشركات‭ ‬فيُطلقونها‭ ‬إلى‭ ‬العلن‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬مباشرة،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأبحاث‭ ‬العلمية،‭ ‬والنشر‭ ‬في‭ ‬المجلات‭ ‬البحثية‭ ‬المتخصصة،‭ ‬سواء‭ ‬عند‭ ‬وقوعها،‭ ‬أو‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬وعقود‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بها‭. ‬فالأرشيف‭ ‬الأمريكي،‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬سرياً‭ ‬مدة‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬السرية‭ ‬تُرفع‭ ‬عنها‭ ‬ولو‭ ‬بعد‭ ‬حين،‭ ‬ولو‭ ‬طال‭ ‬عليها‭ ‬الزمن،‭ ‬فتتحول‭ ‬إلى‭ ‬وثائق‭ ‬عامة‭ ‬يطَّلعُ‭ ‬عليها‭ ‬العلماء‭ ‬والمختصون،‭ ‬كل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬علمه‭ ‬وتخصصه‭. ‬

فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬هناك‭ ‬التفجيرات‭ ‬النووية‭ ‬التي‭ ‬أجرتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬سراً‭ ‬وجهراً‭ ‬منذ‭ ‬التفجير‭ ‬التاريخي‭ ‬الأول‭ ‬المعروف‭ ‬بـ«ترنيتي‮»‬‭ (‬Trinity‭) ‬في‭ ‬16‭ ‬يوليو‭ ‬1945‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬نيو‭ ‬مكسيكو‭ ‬في‭ ‬مختبر‭ ‬لوْس‭ ‬ألامُوسْ‭ (‬Los‭ ‬Alamos‭ ‬National‭ ‬Laboratory‭) ‬حتى‭ ‬تفجيرات‭ ‬الانشطارات‭ ‬النووية‭ ‬الأخرى،‭ ‬ثم‭ ‬تفجيرات‭ ‬الاندماج‭ ‬النووي‭ ‬الهيدروجيني‭ ‬في‭ ‬جزر‭ ‬المارشال‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الهادئ‭. ‬فكل‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬الإرهابية‭ ‬الإشعاعية‭ ‬الكارثية‭ ‬على‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬وخارج‭ ‬أمريكا،‭ ‬وعلى‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة‭ ‬والحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬أخذت‭ ‬تنكشف‭ ‬أسرارها‭ ‬وخفاياها‭ ‬وتفاصيلها‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬وستنكشف‭ ‬معلومات‭ ‬جديدة‭ ‬أخرى‭ ‬حول‭ ‬تداعياتها‭ ‬على‭ ‬البشر‭ ‬والحجر‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب‭.‬

فهناك‭ ‬بحث‭ ‬سيُنشر‭ ‬قريباً‭ ‬يُقدم‭ ‬معلومات‭ ‬جديدة‭ ‬حول‭ ‬الانعكاسات‭ ‬المأساوية‭ ‬لتفجير‭ ‬ترنيتي‭ ‬الذي‭ ‬أُجري‭ ‬فوق‭ ‬برج‭ ‬حديدي‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬نحو‭ ‬30‭ ‬متراً‭ ‬فوق‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭. ‬وهذا‭ ‬التفجير‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬100‭ ‬تجربة‭ ‬نووية‭ ‬أخرى‭ ‬أُجريت‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ضمن‭ ‬‮«‬مشروع‭ ‬منهاتن‮»‬‭ ‬الشديد‭ ‬السرية‭ ‬قبيل‭ ‬وبعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬1945‭ ‬إلى‭ ‬1962‭ ‬في‭ ‬ولايتي‭ ‬نيو‭ ‬مكسيكو‭ ‬ونيفادا،‭ ‬والذي‭ ‬تمخض‭ ‬عنه‭ ‬إلقاء‭ ‬قنبلتين‭ ‬نوويتين،‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬هيروشيما‭ ‬في‭ ‬اليابان،‭ ‬والثانية‭ ‬بعدها‭ ‬بثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬في‭ ‬ناجازاكي‭ ‬في‭ ‬9‭ ‬أغسطس‭ ‬1945،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬الضربة‭ ‬القاضية‭ ‬التي‭ ‬أنهت‭ ‬الحرب‭. ‬وإذا‭ ‬أردتَ‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬أجواء‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬السري‭ ‬المشحونة‭ ‬والمعقدة‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعلم‭ ‬عنه‭ ‬أحد‭ ‬حتى‭ ‬معظم‭ ‬العاملين‭ ‬فيه،‭ ‬فيمكنك‭ ‬مشاهدة‭ ‬الفيلم‭ ‬الذي‭ ‬يُعرض‭ ‬حالياً‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬‮«‬أوبنهايمر‮»‬‭ (‬Oppenheimer‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬الأمريكي‭ ‬الألماني‭ ‬الأصل‭ ‬الأب‭ ‬الروحي‭ ‬لقنبلة‭ ‬ترنيتي‭ ‬النووية‭ ‬الأولى‭.   ‬

‭ ‬فهذا‭ ‬البحث‭ ‬الجديد‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬سيَصدر‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬ترسبات‭ ‬تجارب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬النووية‭ ‬في‭ ‬ولايتي‭ ‬نيو‭ ‬مكسيكو‭ ‬ونيفادا‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬1945‭ ‬إلى‭ ‬1962‮»‬،‭ ‬سيكشف‭ ‬النقاب‭ ‬عن‭ ‬معلومات‭ ‬وحقائق‭ ‬جديدة‭ ‬متعلقة‭ ‬بقضيتين‭ ‬رئيسيتين‭ ‬حول‭ ‬انفجار‭ ‬ترنيتي‭ ‬الأول‭. ‬الأولى‭ ‬قوة‭ ‬الانفجار‭ ‬النووي،‭ ‬والثانية‭ ‬دائرة‭ ‬وحجم‭ ‬الترسبات‭ ‬والاشعاعات‭ ‬النووية‭ ‬الجافة‭ ‬والرطبة‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬الانفجار‭ ‬ونطاقها‭ ‬الجغرافي‭. ‬وقد‭ ‬استندت‭ ‬الدراسة‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الاستنتاجات‭ ‬ورسم‭ ‬خارطة‭ ‬لمناطق‭ ‬الترسبات‭ ‬الاشعاعية‭ ‬على‭ ‬آخر‭ ‬برامج‭ ‬الحاسب‭ ‬الآلي‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تطويرها‭ ‬في‭ ‬‮«‬الإدارة‭ ‬القومية‭ ‬للمحيطات‭ ‬والغلاف‭ ‬الجوي‮»‬‭ (‬نووا‭)‬،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬النماذج‭ ‬الرياضية‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬استخدمتْ‭ ‬المعلومات‭ ‬التاريخية‭ ‬المتوافرة‭ ‬حول‭ ‬الطقس‭ ‬والعوامل‭ ‬المناخية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الانفجار‭.‬

أما‭ ‬الأولى‭ ‬فقد‭ ‬قدَّرت‭ ‬الدراسة‭ ‬بأن‭ ‬القوة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للانفجار‭ ‬كانت‭ ‬أكبر‭ ‬وأشد‭ ‬من‭ ‬المعروفة‭ ‬سابقاً‭ ‬وهي‭ ‬21‭ ‬كيلو‭ ‬طنا‭ ‬من‭ ‬المادة‭ ‬المتفجرة‭ ‬تي‭ ‬إن‭ ‬تي‭ (‬TNT‭) ‬مقارنة‭ ‬بقوة‭ ‬24‭.‬8‭ ‬كيلو‭ ‬طنا‭ ‬بحسب‭ ‬البحث‭ ‬الحالي،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬حجم‭ ‬الملوثات‭ ‬الاشعاعية‭ ‬المنبعثة‭ ‬بكل‭ ‬أنواعها،‭ ‬ودرجة‭ ‬سميتها‭ ‬أعلى‭ ‬بنسبٍ‭ ‬مرتفعة‭ ‬جداً‭ ‬مقارنة‭ ‬بالتقديرات‭ ‬السابقة،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬مردوداتها‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬أجمع‭ ‬كانت‭ ‬أشد‭ ‬وطأة‭ ‬وتنكيلاً‭ ‬بالإصابة‭ ‬بالأمراض‭ ‬المزمنة‭ ‬والمستعصية‭ ‬على‭ ‬العلاج‭.‬

والقضية‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬كشفت‭ ‬الدراسة‭ ‬النقاب‭ ‬عنها‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬هي‭ ‬دائرة‭ ‬انتشار‭ ‬الملوثات‭ ‬المشعة،‭ ‬والمساحة‭ ‬الجغرافية‭ ‬التي‭ ‬غطتها‭. ‬فانفجار‭ ‬‮«‬ترنيتي‮»‬‭ ‬ولَّد‭ ‬سُحباً‭ ‬إشعاعية‭ ‬ارتفعت‭ ‬إلى‭ ‬السماء،‭ ‬فبلغت‭ ‬علو‭ ‬قرابة‭ ‬22‭ ‬كيلومتراً‭ ‬في‭ ‬عمود‭ ‬السماء،‭ ‬ثم‭ ‬تحركت‭ ‬هذه‭ ‬السحب‭ ‬القاتلة‭ ‬حسب‭ ‬اتجاه‭ ‬وقوة‭ ‬الرياح‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬وانتقلت‭ ‬عبر‭ ‬مسافات‭ ‬جغرافية‭ ‬واسعة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬معروفة‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬فهذه‭ ‬الدراسة‭ ‬أفادت‭ ‬بأن‭ ‬التلوث‭ ‬الاشعاعي‭ ‬لم‭ ‬ينزل‭ ‬على‭ ‬المدن‭ ‬الواقعة‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬نيو‭ ‬مكسيكو‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬سقطت‭ ‬ترسباتها‭ ‬المسببة‭ ‬للأسقام‭ ‬المزمنة‭ ‬على‭ ‬46‭ ‬ولاية‭ ‬أمريكية،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الملوثات‭ ‬المشعة‭ ‬عبرت‭ ‬الحدود‭ ‬الجغرافية‭ ‬الشمالية‭ ‬والجنوبية‭ ‬لأمريكا،‭ ‬فوصلت‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬المكسيك‭ ‬جنوباً،‭ ‬وشمالاً‭ ‬إلى‭ ‬بحيرة‭ ‬كرافورد‭ (‬Crawford‭) ‬في‭ ‬أونتاريو‭ ‬في‭ ‬كندا‭ ‬في‭ ‬20‭ ‬يوليو‭ ‬1945،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬أربعة‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬وقوع‭ ‬الانفجار‭. ‬

فهذه‭ ‬العملية‭ ‬الإرهابية‭ ‬الداخلية‭ ‬التي‭ ‬أجرتها‭ ‬أيادي‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬طواعية‭ ‬وبشكلٍ‭ ‬متعمد‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مئات‭ ‬العمليات‭ ‬الأخرى،‭ ‬كانت‭ ‬أسوأ‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬الكارثية‭ ‬التي‭ ‬مات‭ ‬فيها‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة،‭ ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬تقديري‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬مقارنتها‭ ‬بتلك‭ ‬العملية‭. ‬فالإرهاب‭ ‬الإشعاعي‭ ‬المتعمد‭ ‬كان‭ ‬إرهاب‭ ‬دولة‭ ‬وألحق‭ ‬الضرر‭ ‬وبشكلٍ‭ ‬مستمر،‭ ‬ولسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬بمئات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬والحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬وعناصر‭ ‬البيئة‭ ‬داخل‭ ‬وخارج‭ ‬الولايات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فترسبت‭ ‬المواد‭ ‬المشعة‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬صدور‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬علمهم‭ ‬أو‭ ‬الإحساس‭ ‬بتعرضهم‭ ‬لها‭. ‬فكما‭ ‬أنها‭ ‬أفسدت‭ ‬صحة‭ ‬الناس‭ ‬بطريقة‭ ‬فورية‭ ‬ومباشرة،‭ ‬فهذه‭ ‬المواد‭ ‬المشعة‭ ‬دهورت‭ ‬صحتهم‭ ‬بطرق‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬وعبر‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬فنزلت‭ ‬الملوثات‭ ‬المشعة‭ ‬مع‭ ‬المطر،‭ ‬والثلج‭ ‬فلوثت‭ ‬التربة،‭ ‬والمياه‭ ‬السطحية‭ ‬والجوفية،‭ ‬والنباتات‭ ‬والحيوانات‭ ‬وتراكمت‭ ‬فيها،‭ ‬ومنها‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬الإنسان‭ ‬مع‭ ‬الوقت،‭ ‬وزاد‭ ‬تركيزها‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أعضاء‭ ‬جسده،‭ ‬فمنهم‭ ‬من‭ ‬قضى‭ ‬نحبه‭ ‬سريعاً،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬عانى‭ ‬سنوات‭ ‬عجاف‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬العلل‭ ‬والأمراض‭ ‬المزمنة،‭ ‬ومات‭ ‬موتة‭ ‬عصيبة‭ ‬بطيئة‭. ‬والجريمة‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬هي‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬منطقة‭ ‬التفجير،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬نيو‭ ‬مكسيكو،‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬السكان،‭ ‬فلا‭ ‬حياة‭ ‬بشرية‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬علماً‭ ‬بأنه‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬عوائل‭ ‬فقيرة،‭ ‬وغير‭ ‬متعلمة‭ ‬وبسيطة‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬لا‭ ‬تبعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬كيلومتراً‭ ‬عن‭ ‬أرض‭ ‬التفجير،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬الناس‭ ‬كأنهم‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬ولا‭ ‬وجود‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬قاموس‭ ‬الإنسانية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فقد‭ ‬تُركوا‭ ‬على‭ ‬ضلالهم‭ ‬المعلوماتي،‭ ‬فلم‭ ‬يعلمُوا‭ ‬كلياً‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬حولهم،‭ ‬ولم‭ ‬يُخبرهم‭ ‬أحد‭ ‬بإخلاء‭ ‬منازلهم،‭ ‬سواء‭ ‬أثناء‭ ‬العملية‭ ‬الإرهابية،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬العملية‭.  ‬

وجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أإن‭ ‬هذه‭ ‬العمليات‭ ‬الإشعاعية‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ستين‭ ‬عاماً‭ ‬ليست‭ ‬الآن‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬القديم،‭ ‬فذهبت‭ ‬آثارها،‭ ‬وانتهت‭ ‬تداعياتها،‭ ‬فهناك‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬الذين‭ ‬يُقدمون‭ ‬طلبات‭ ‬التعويض‭ ‬لتدهور‭ ‬صحتهم‭ ‬بسبب‭ ‬التعرض‭ ‬لهذه‭ ‬الملوثات‭ ‬المشعة‭ ‬التي‭ ‬انبعثت‭ ‬من‭ ‬التفجيرات‭ ‬النووية‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ستة‭ ‬عقود،‭ ‬استناداً‭ ‬إلى‭ ‬قانون‭ ‬تعويضات‭ ‬التعرض‭ ‬للإشعاع‭ ‬لعام‭ ‬1990‭ (‬Radiation‭ ‬Exposure‭ ‬Compensation‭ ‬Act‭). ‬وقد‭ ‬أكد‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬التحقيق‭ ‬المنشور‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬تايم‮»‬‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬21‭ ‬يوليو‭ ‬2023،‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬عانى‭ ‬سكان‭ ‬منطقة‭ ‬نافاجو‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬النووية‭. ‬لا‭ ‬يروي‭ ‬أوبنهايمر‭ ‬قصتنا‮»‬‭.‬

فهذه‭ ‬الحكومات‭ ‬الأمريكية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬لم‭ ‬ولن‭ ‬تغير‭ ‬سياساتها‭ ‬واستراتيجياتها‭ ‬العامة،‭ ‬فكل‭ ‬شيء‭ ‬عندهم‭ ‬حلال‭ ‬ومشروع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الفوز‭ ‬على‭ ‬باقي‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬تحقيق‭ ‬التقدم‭ ‬والتطور‭ ‬والهيمنة‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬الآن‭ ‬تبدأ‭ ‬تطوير‭ ‬أسلحة‭ ‬نووية‭ ‬من‭ ‬الجيل‭ ‬القادم‭ ‬مرة‭ ‬ثانية،‭ ‬وفي‭ ‬المكان‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬مختبر‭ ‬لوْس‭ ‬ألامُوسْ‭ ‬الذي‭ ‬يُطلق‭ ‬عليه‭ (‬4-PF‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬خصص‭ ‬بايدن‭ ‬4‭.‬6‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬ووظف‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬17273‭ ‬أمريكياً،‭ ‬بحسب‭ ‬التحقيق‭ ‬المنشور‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬تايم‮»‬‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬يوليو‭ ‬2023‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬في‭ ‬المختبر‭ ‬الذي‭ ‬بناه‭ ‬أوبنهايمر،‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تبني‭ ‬نواة‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭ ‬للقنبلة‭ ‬الذرية‮»‬‭. ‬

 

bncftpw@batelco‭.‬com‭.‬bh

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا