العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

إلى الشباب مع التحية

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٣٠ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،‭ ‬

من‭ ‬المواضيع‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬وددت‭ ‬تناولها‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬مقالاتي‭ ‬منذ‭ ‬زمن،‭ ‬والتي‭ ‬أخّرني‭ ‬عنها‭ ‬حرصي‭ ‬على‭ ‬مواكبة‭ ‬المستجدات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالشأن‭ ‬العام‭ ‬والتي‭ ‬تمس‭ ‬المواطن‭ ‬والانسان‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬والموضوع‭ ‬هو‭ ‬المخدرات‭ ‬وأثرها‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬وعلى‭ ‬فئة‭ ‬الشباب‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬والأمر‭ ‬الذي‭ ‬حرّضني‭ ‬على‭ ‬الكتابة‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬القصة‭ ‬التي‭ ‬سأرويها‭ ‬إليكم‭ ‬في‭ ‬الفقرة‭ ‬التالية‭.‬

سأروي‭ ‬لكم‭ ‬قصة‭ (‬فهد‭) ‬وهي‭ ‬قصة‭ ‬حقيقية‭ ‬وسأستخدم‭ ‬لسردها‭ ‬اسما‭ ‬مستعارا،‭ ‬وفهد‭ ‬هو‭ ‬شاب‭ ‬في‭ ‬العشرينات‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬وهو‭ ‬ابن‭ ‬لعائلة‭ ‬عربية‭ ‬كريمة‭ ‬محترمة،‭ ‬حظي‭ ‬بحب‭ ‬عائلته‭ ‬واهتمامها‭ ‬بحسن‭ ‬تربيته‭ ‬وغرس‭ ‬مكارم‭ ‬الاخلاق‭ ‬فيه،‭ ‬وحرصت‭ ‬على‭ ‬منحه‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يحلم‭ ‬به‭ ‬شاب‭ ‬في‭ ‬عمره،‭ ‬فنشأ‭ ‬خلوقاً،‭ ‬صالحاً،‭ ‬طيباً‭ ‬محترماً‭ ‬ومُحباً‭ ‬لعائلته،‭ ‬ولكن‭ ‬أصبح‭ ‬لفهد‭ ‬أصدقاء‭ ‬سوء‭ ‬جمعته‭ ‬بهم‭ ‬الصدفة،‭ ‬وسُرعان‭ ‬ما‭ ‬انجرف‭ ‬معهم‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬المخدرات،‭ ‬فأدمنها‭ ‬وبدأت‭ ‬الخسارات‭ ‬تنهال‭ ‬عليه،‭ ‬فخسر‭ ‬حُسن‭ ‬سيرته‭ ‬وسلوكه‭ ‬وخسر‭ ‬وظيفته‭ ‬وخسر‭ ‬معها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬النعم‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬منغمساً‭ ‬فيها،‭ ‬بل‭ ‬وقوّض‭ ‬بسلوكه‭ ‬هذا‭ ‬سكينة‭ ‬وسلام‭ ‬عائلته‭ ‬بأكملها‭.‬

وقبل‭ ‬يومين‭ ‬هاتفتني‭ ‬والدته‭ ‬باكية‭ ‬تشرح‭ ‬لي‭ ‬أحواله‭ ‬وتصرفاته‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬مصدر‭ ‬إزعاج‭ ‬وقلق‭ ‬لوالديه‭ ‬وبقية‭ ‬أفراد‭ ‬أسرته،‭ ‬وطلبت‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬أتصل‭ ‬به‭ ‬وأنصحه،‭ ‬فسألتها‭ ‬ارسال‭ ‬رقم‭ ‬هاتفه‭ ‬فأرسلته،‭ ‬وقد‭ ‬فوجئت‭ ‬بالاسم‭ ‬الذي‭ ‬حفظت‭ ‬الأم‭ ‬تحته‭ ‬رقم‭ ‬ابنها،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬اسمه‭ ‬في‭ ‬هاتفها‭ (‬فهد‭ ‬الله‭ ‬يهديك‭).‬

لقد‭ ‬أبكتني‭ ‬قراءة‭ ‬الاسم،‭ ‬حيث‭ ‬شعرت‭ ‬بحجم‭ ‬ألم‭ ‬ولوعة‭ ‬هذه‭ ‬الأم‭ ‬ومعاناتها‭ ‬مع‭ ‬حالة‭ ‬ابنها،‭ ‬وبأن‭ ‬السُبل‭ ‬قد‭ ‬تقطّعت‭ ‬بها‭ ‬وأُسقط‭ ‬في‭ ‬يدها،‭ ‬حتى‭ ‬باتت‭ ‬تلتمس‭ ‬نجاة‭ ‬ابنها‭ ‬والطمأنينة‭ ‬لنفسها‭ ‬معاً‭ ‬في‭ ‬دعاء‭ ‬مستمر‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكالمة‭ ‬هاتفية‭ ‬صادرة‭ ‬أو‭ ‬واردة‭ ‬معه‭ ‬لعله‭ ‬يصل‭ ‬إليه‭ ‬عبر‭ ‬أثير‭ ‬المكالمة،‭ ‬لعله‭ ‬يتضافر‭ ‬مع‭ ‬دعائها‭ ‬غير‭ ‬المنقطع‭ ‬ليلاً‭ ‬ونهاراً‭ ‬لخلاص‭ ‬ابنها‭. ‬فتخيّلوا‭ ‬معي‭ ‬أيها‭ ‬الأعزاء‭ ‬حجم‭ ‬ألم‭ ‬ومعاناة‭ ‬هذه‭ ‬الأم‭!! ‬ومثلها‭ ‬كثر‭ ‬حفظ‭ ‬الله‭ ‬أبناءهم‭ ‬وأبناءنا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الآفة‭.‬

وخطابي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬موجه‭ ‬إلى‭ ‬الشباب‭ ‬وأسرهم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كونه‭ ‬موجها‭ ‬إلى‭ ‬الجهة‭ ‬الرسمية‭ ‬المختصة،‭ ‬والمشهود‭ ‬لجهودها‭ ‬الدؤوبة‭ ‬والملموسة‭ ‬وطنياً‭ ‬ودولياً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن،‭ ‬ففيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالجانب‭ ‬الرسمي،‭ ‬تُعد‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬أشد‭ ‬الدول‭ ‬مكافحةً‭ ‬لجرائم‭ ‬المخدرات،‭ ‬حيث‭ ‬تحظى‭ ‬مكافحة‭ ‬المخدرات‭ ‬والاتجار‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬فيها‭ ‬باهتمام‭ ‬كبير‭ ‬ومراقبة‭ ‬دقيقة،‭ ‬بجانب‭ ‬برامج‭ ‬متعددة‭ ‬توعوية‭ ‬ووقائية‭ ‬تتعلق‭ ‬بتعاطيها‭ ‬وجهود‭ ‬علاجية‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬نسبة‭ ‬تعاطي‭ ‬المخدرات،‭ ‬حيث‭ ‬أظهرت‭ ‬إحصاءات‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬بأن‭ ‬نسبة‭ ‬ضبط‭ ‬قضايا‭ ‬المخدرات‭ ‬بلغت‭ ‬574‭ ‬قضية،‭ ‬كما‭ ‬تتكثف‭ ‬الجهود‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬السادس‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬عند‭ ‬احتفائها‭ ‬باليوم‭ ‬الدولي‭ ‬لمكافحة‭ ‬استخدام‭ ‬المخدرات،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬التشريعات‭ ‬الوطنية،‭ ‬حيث‭ ‬شدد‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬عقوبة‭ ‬الاتجار‭ ‬في‭ ‬المخدرات‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬عقوبة‭ ‬الإعدام‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬مسألة‭ ‬تعاطي‭ ‬الشباب‭ ‬المخدرات‭ ‬هي‭ ‬موضوع‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مواضيع‭ ‬الشراكة‭ ‬المجتمعية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتضافر‭ ‬في‭ ‬الخلاص‭ ‬منه‭ ‬جهود‭ ‬الجميع‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬النواة‭ ‬المجتمعية‭ ‬الأولى‭ ‬الأسرة‭- ‬إذ‭ ‬عليها‭ ‬فرض‭ ‬رقابة‭ ‬على‭ ‬أبنائها‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬رقابة‭ ‬غير‭ ‬مباشرة،‭ ‬وحسن‭ ‬متابعة‭ ‬سلوك‭ ‬أبنائهم‭ ‬ورفقتهم‭ ‬لرصد‭ ‬أوضاعهم‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتفاقم‭ ‬مسألة‭ ‬الإدمان‭.‬

ومن‭ ‬ثم‭ ‬يأتي‭ ‬دور‭ ‬المجتمع‭ ‬ومنظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬وجميع‭ ‬مؤسساته‭ ‬الأهلية‭ ‬لنشر‭ ‬الوعي‭ ‬حول‭ ‬مخاطر‭ ‬وتبعات‭ ‬تعاطي‭ ‬المخدرات‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬تفشي‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الآفة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬الجهة‭ ‬المختصة‭.‬

ومع‭ ‬تقديرنا‭ ‬للجهود‭ ‬الرسمية‭ ‬البارزة،‭ ‬نأمل‭ ‬من‭ ‬الإدارة‭ ‬المختصة‭ ‬بمكافحة‭ ‬المخدرات‭ ‬إعلان‭ ‬حربها‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الاتجاهات‭ ‬وبكل‭ ‬السبل،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مراقبة‭ ‬الوسائل‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬بها‭ ‬ترويج‭ ‬المخدرات‭ ‬وأشهرها‭ ‬دفنها‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬تسلّمها،‭ ‬التي‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬السكنية،‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬إفادات‭ ‬المتهمين‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬المخدرات‭ ‬والتي‭ ‬يشير‭ ‬فيها‭ ‬المتهم‭ ‬إلى‭ ‬مصدر‭ ‬تمويله‭ ‬بها‭ ‬وأكثرهم‭ ‬من‭ ‬الآسيويين‭ ‬المختصين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن،‭ ‬لمراقبتهم‭ ‬وقطع‭ ‬دابر‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬المفسدة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

وأخيراً،‭ ‬الرسالة‭ ‬إلى‭ ‬الشباب،‭ ‬أنتم‭ ‬أمل‭ ‬المستقبل‭ ‬وأعمدة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬وبناء‭ ‬المجتمعات،‭ ‬وربما‭ ‬لا‭ ‬تعلمون‭ ‬حجم‭ ‬تطلعات‭ ‬أسركم‭ ‬وآمالهم‭ ‬لكم‭ ‬ولمستقبلكم‭ ‬ولكنها‭ ‬كبيرة‭ ‬جداً‭ ‬ولا‭ ‬تحُدّها‭ ‬آفاق،‭ ‬كما‭ ‬أثق‭ ‬بأن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬منكم‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يتصور‭ ‬مقدار‭ ‬الألم‭ ‬والخيبة‭ ‬والمعاناة‭ ‬التي‭ ‬تصيب‭ ‬والديكم‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬إخفاقكم‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬شؤون‭ ‬حياتكم‭ ‬ومستقبلكم،‭ ‬وبأن‭ ‬مشاعر‭ ‬الألم‭ ‬هذه‭ ‬قد‭ ‬تتضاعف‭ ‬ملايين‭ ‬المرات‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬فلذة‭ ‬كبدهم‭ ‬في‭ ‬شرك‭ ‬المخدرات،‭ ‬ووضعهم‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬القلق‭ ‬والخوف‭ ‬على‭ ‬حياته،‭ ‬سلامة‭ ‬عقله،‭ ‬سلامة‭ ‬جسده،‭ ‬استقرار‭ ‬أوضاعه،‭ ‬وسلامة‭ ‬مستقبله،‭ ‬فرفقاً‭.. ‬رفقاً‭ ‬بقلوب‭ ‬ومشاعر‭ ‬آبائكم‭ ‬وأمهاتكم‭.‬

 

layalialshoug@hotmail‭.‬com‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا