العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الضفة الغربية: ساحة مقاومة جديدة؟

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

الجمعة ٢٨ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

نعم،‭ ‬نعم،‭ ‬هي‭ ‬ساحة‭ ‬مقاومة‭ ‬جديدة،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬ظروف‭ ‬وحيثيات‭ ‬ووقائع‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة؟‭ ‬نبدأ‭ ‬بالقول‭: ‬إن‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬العامين‭ ‬الماضيين‭ ‬كون‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬المحتلة‭ ‬قد‭ ‬أصبحت‭ (‬رغم‭ ‬كل‭ ‬القيود‭ ‬وأدوات‭ ‬القتل‭ ‬وأبرزها‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬والأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬والمستعمرات‭/ ‬‮«‬المستوطنات‮»‬،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬السياسات‭ ‬الحصارية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والغربية‭ ‬أحيانا‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬استيعاب‭ ‬وتدجين‭ ‬الجماهير‭) ‬أصبحت‭ ‬اليوم‭ ‬ساحة‭ ‬قتال‭ ‬بحد‭ ‬ذاتها،‭ ‬بدليل‭ ‬إشغالها‭ ‬للمؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬والأمنية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وبشهادة‭ ‬تكرار‭ ‬الاقتحامات‭ ‬العسكرية‭ ‬لجيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬وعدد‭ ‬الحملات‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها،‭ ‬ومنها‭ ‬الحملة‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬مخيم‭ ‬جنين،‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬أفقر‭ ‬المخيمات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وأعلاها‭ ‬في‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة‭ ‬وأكثرها‭ ‬كثافة‭ ‬سكانية‭. ‬

فاليوم،‭ ‬العمليات‭ ‬الفدائية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المقاومة‭ ‬ضد‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬قرى‭ ‬ومدن‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وتنفذ‭ ‬على‭ ‬أرضها‭ ‬حيث‭ ‬‮«‬المستوطنات‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تواصل‭ ‬مهاجمة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬لإرعابهم‭ (‬و«تشجيعهم‮»‬‭ ‬على‭ ‬الرحيل‭!) ‬وابتلاع‭ ‬وتهويد‭ ‬الأرض،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬العمليات‭ ‬التي‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬الضفة‭ ‬إلى‭ ‬الداخل‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المحتل‭ ‬عام‭ ‬1948‭.‬

لقد‭ ‬جسّدت‭ ‬الضفة‭ ‬و«زهرة‭ ‬المدائن‮»‬‭ ‬برميل‭ ‬البارود‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يهدأ‭. ‬ومن‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬انتفاضة‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬دون‭ ‬تجاهل‭ ‬دور‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الأولى‭ ‬1987‭ ‬والانتفاضة‭ ‬الثانية‭ (‬الأقصى‭ ‬2000‭). ‬فانتفاصة‭ ‬2015‭ ‬غيرت‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬تلاها‭ ‬الانتصار‭ ‬لبوابات‭ ‬الأقصى‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2017،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬انتفاضات‭ ‬ومختلف‭ ‬نضالات‭ ‬الأسرى‭ ‬في‭ ‬سجون‭ ‬الاحتلال،‭ ‬ما‭ ‬أشر‭ ‬بقوة‭ ‬إلى‭ ‬استحالة‭ ‬توقف‭ ‬الفعل‭ ‬المقاوم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الساحة‭ ‬الجديدة‭. ‬

بل‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬المقاومة‭ ‬أخذت‭ ‬منحى‭ ‬أكثر‭ ‬تأثيرا‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال،‭ ‬تجسد‭ ‬بتأسيس‭ ‬كتائب‭ ‬عسكرية‭ (‬من‭ ‬رحم‭ ‬الفصائل‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المتراجع‭ ‬دورها‭ ‬المقاوم‭) ‬وهي‭ ‬كتائب‭ ‬‮«‬تمردت‮»‬‭ ‬على‭ ‬سياسة‭ ‬الانقسام‭ ‬وتبعاته‭.‬

ولقد‭ ‬انبعثت‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬الكتائب‮»‬‭ ‬أساسا‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬الضفة‭ (‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬جنين‭ ‬ونابلس‭ ‬وغيرهما‭) ‬للوقوف‭ ‬بوجه‭ ‬الاقتحامات‭ ‬الليلية‭ ‬شبه‭ ‬اليومية‭ ‬لجيش‭ ‬الاحتلال‭. ‬واللافت‭ ‬في‭ ‬الظاهرة‭ ‬المقاومة‭ ‬هذه‭ ‬ما‭ ‬بات‭ ‬ملاحظا‭ ‬في‭ ‬‮«‬سجل‮»‬‭ ‬المجموعات‭ ‬الكفاحية‭ ‬الذي‭ ‬أكد‭ (‬ويؤكد‭ ‬يوميا‭) ‬تعدد‭ ‬الخلفيات‭ ‬الفصائلية‭ ‬للشهداء‭ ‬والمقاتلين،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعضهم‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬قوات‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أو‭ ‬أبنائهم‭.‬

لقد‭ ‬غدت‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬اليوم‭ ‬ساحة‭ ‬مقاومة‭ ‬يشارك‭ ‬فيها‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬تقف‭ ‬وراءه‭ ‬جماهير‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬الإدراك‭ ‬العميق‭ ‬أن‭ ‬الحل‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬تبني‭ ‬نهج‭ ‬المقاومة‭ ‬بعد‭ ‬إفشال‭ ‬إسرائيل‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نهج‭ ‬التفاوض‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭. ‬وهذا‭ ‬الواقع‭ ‬الجديد‭ ‬رسخ‭ ‬حالة‭ ‬الإرباك‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬الصعد‭ ‬الأمنية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬نتيجة‭ ‬تصاعد‭ ‬عمليات‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬فشل‭ ‬الحكومات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بامتلاك‭ ‬مشروع‭ ‬سياسي‭ ‬واضح‭ ‬سوى‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬الاستيطان‮»‬‭ ‬الاستعماري‭ ‬والتهويد،‭ ‬واعتمادها‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬مفهوم‭ ‬قوة‭ ‬الردع‭ ‬الإسرائيلي‭!‬

‭ ‬وفي‭ ‬هذا،‭ ‬يقول‭ ‬المحلل‭ ‬السياسي‭ ‬الإسرائيلي‭ (‬إيلي‭ ‬نيسان‭): ‬‮«‬هناك‭ ‬توافق‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬العسكري‭ ‬والسياسي‭ ‬لمواصلة‭ ‬التصعيد‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬

بالمقابل،‭ ‬هناك‭ ‬نمطان‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬المسلحة‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬الفلسطينيون،‭ ‬نمط‭ ‬منظم‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬جنين،‭ ‬ونمط‭ ‬فردي‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬مستوطنة‭ ‬كدوميم‮»‬‭. ‬

ومن‭ ‬جهته،‭ ‬اعتبر‭ ‬المحلل‭ ‬السياسي‭ (‬آفي‭ ‬يسخروف‭) ‬أن‭ ‬‮«‬العملية‭ ‬في‭ ‬جنين‭ ‬هي‭ ‬بمثابة‭ ‬إعطاء‭ ‬مريض‭ ‬ميؤوس‭ ‬من‭ ‬شفائه‭ ‬حبة‭ ‬أسبيرين،‭ ‬ولن‭ ‬تخفض‭ ‬عدد‭ ‬الهجمات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‮»‬‭! ‬

أما‭ ‬المحلل‭ ‬السياسي‭ (‬تسفي‭ ‬برئيل‭) ‬فأوضح‭ ‬مستخلصا‭: ‬‮«‬ما‭ ‬من‭ ‬إنسان‭ ‬عاقل‭ ‬في‭ ‬الجيش،‭ ‬وفي‭ ‬الشاباك،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬دوائر‭ ‬اليمين،‭ ‬يصدق‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬قضت‭ ‬على‭ (‬الإرهاب‭) ‬في‭ ‬مخيم‭ ‬اللاجئين‭ ‬في‭ ‬جنين،‭ ‬ناهيك‭ ‬بمدينة‭ ‬جنين‭ ‬ونابلس‭ ‬والقدس،‭ ‬وكل‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‮»‬،‭ ‬مقدّراً‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نتنياهو‭ ‬نفسه‭ ‬لا‭ ‬يصدق‭ ‬الكلام‭ ‬الذي‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬فمه‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬‮«‬نسعى‭ ‬لتغيير‭ ‬المعادلة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ (‬الإرهاب‭)‬‮»‬‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا