العدد : ١٦٨٥٩ - الاثنين ٢٠ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٢ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٩ - الاثنين ٢٠ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٢ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

مقالات

إلزامية ومجانية التعليم الابتدائي

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ١٦ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

لا‭ ‬تغيب‭ ‬عن‭ ‬ذهني‭ ‬أبدا‭ ‬مقولة‭ ‬نبيلة‭ ‬للمغفور‭ ‬له‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬زايد‭ ‬الخير‭ ‬الشيخ‭ ‬زايد‭ ‬بن‭ ‬سلطان‭ ‬آل‭ ‬نهيان‭ ‬حاكم‭ ‬الشقيقة‭ ‬دولة‭ ‬الامارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬معرض‭  ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬الوافدين‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الجنسيات‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الامارات‭ ‬بأن‭: (‬الأرض‭ ‬أرض‭ ‬الله‭ ‬والخير‭ ‬خير‭ ‬الله‭) ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬أكرم‭ ‬المواطنين‭ ‬وتكفّل‭ ‬برفع‭ ‬مستواهم‭ ‬المعيشي،‭ ‬فكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬أن‭ ‬بارك‭ ‬الله‭ ‬الامارات،‭ ‬وعاش‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬رفاه،‭ ‬وقد‭  ‬اختصرت‭  ‬تلك‭  ‬المقولة‭ ‬جميع‭ ‬مبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الكرامة‭ ‬الانسانية‭ ‬باحترام‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬وتعزيزها‭ ‬وحمايتها‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬من‭ ‬مبدأ‭ ‬المساواة‭ ‬وعدم‭ ‬التمييز‭ ‬بسبب‭ ‬اللون‭ ‬أو‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬العرق‭ ‬أو‭ ‬اللغة‭ ‬أو‭ ‬الجنس‭ ‬أو‭ ‬الأصل‭ ‬القومي‭ ‬أو‭ ‬المستوى‭ ‬الاقتصادي‭.. ‬الخ‭.‬

وما‭ ‬ذكّرني‭ ‬بهذه‭ ‬المقولة‭ ‬مؤخراً‭ ‬هو‭ ‬شكوى‭ ‬بعض‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬المقيمين‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬والعاملين‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬من‭ ‬القرار‭ ‬الذي‭ ‬اتخذته‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭  ‬والمتعلق‭ ‬بعدم‭ ‬قبول‭ ‬تسجيل‭ ‬أبناء‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬من‭ ‬المقيمين‭ ‬والذين‭ ‬بلغوا‭ ‬السن‭ ‬القانوني‭ ‬للالتحاق‭ ‬بالتعليم‭ ‬الأساسي‭ ‬المجاني‭ (‬المرحلة‭ ‬الابتدائية‭) ‬في‭ ‬مدارس‭ ‬المملكة‭ ‬الحكومية‭.‬

ومن‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬متزامناً‭ ‬مع‭ ‬الاشادات‭  ‬والشهادات‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬متعددة‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬حققته‭ ‬رؤية‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬المعظم‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ملك‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬وآليات‭ ‬المملكة‭ ‬الوطنية‭ ‬المتعددة‭ ‬وتشريعاتها‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬كفالة‭ ‬واحترام‭ ‬وتعزيز‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان،‭ ‬وأقربها‭  ‬التقرير‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬البريطانية‭ ‬والكومنولث‭ ‬بإزالة‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬قائمة‭ ‬الدول‭ ‬المصنفة‭ ‬كدول‭ ‬ذات‭ ‬الأولوية‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬والذي‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬أصداء‭ ‬ايجابية‭  ‬كبيرة‭.‬

وحيث‭ ‬انه‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬بأن‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬وهي‭ ‬المسئولة‭ ‬عن‭ ‬اصدار‭ ‬اللوائح‭ ‬والقرارات‭ ‬اللازمة‭ ‬لتنفيذ‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ (‬27‭) ‬لسنة‭ ‬2005‭ ‬بشأن‭ ‬التعليم‭ ‬بجميع‭ ‬مراحله،‭ ‬وعن‭ ‬تطبيق‭ ‬قانون‭ ‬التعليم‭ ‬الذي‭ ‬حدد‭ ‬سنّ‭ ‬السادسة‭ ‬باعتبارها‭ ‬سن‭ ‬الإلزام‭ ‬لالتحاق‭ ‬الاطفال‭ ‬بالتعليم‭ ‬الابتدائي‭ ‬مجانا‭ ‬أي‭ ‬دون‭ ‬فرض‭ ‬رسوم‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشرة،‭  ‬والتي‭ ‬منحها‭  ‬القانون‭ ‬أيضاً‭ ‬سلطة‭ ‬تقديم‭  ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬والأوصياء‭ ‬على‭ ‬الاطفال‭ ‬الذين‭ ‬بلغوا‭ ‬سن‭ ‬الإلزام،‭ ‬للمحاكمة‭ ‬الجنائية‭  ‬في‭ ‬حال‭ ‬امتناعهم‭ ‬عن‭ ‬تسجيل‭ ‬أبنائهم‭ ‬دون‭ ‬سبب‭ ‬جدي‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬ذلك،‭ ‬كما‭ ‬وأنها‭ ‬على‭ ‬دراية‭ ‬تامة‭ ‬بأهمية‭ ‬التعليم‭ ‬الأساسي‭ ‬كحق‭ ‬جوهري‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬يُسهم‭ ‬في‭ ‬رفده‭ ‬بالمعرفة‭ ‬والعلم‭ ‬ويرتبط‭ ‬بكرامة‭ ‬الانسان‭ ‬وبحقوقه‭ ‬وحرياته‭ ‬الاساسية‭ ‬كالحق‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬وحرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬وغيرها‭.‬

ولا‭ ‬سيما‭ ‬بأن‭ ‬العهد‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬1966‭  ‬قد‭ ‬أكد‭ ‬على‭ (‬التزام‭  ‬الدول‭ ‬الأطراف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العهد‭ ‬بحق‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬في‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬وباتفاقها‭ ‬على‭ ‬وجوب‭ ‬توجيه‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬إلى‭ ‬الإنماء‭ ‬الكامل‭ ‬للشخصية‭ ‬الإنسانية‭ ‬والحس‭ ‬بكرامتها‭ ‬وإلى‭ ‬توطيد‭ ‬احترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والحريات‭ ‬الأساسية‭. ‬وهى‭ ‬متفقة‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬وجوب‭ ‬استهداف‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬تمكين‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬من‭ ‬الإسهام‭ ‬بدور‭ ‬نافع‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬حر،‭ ‬وتوثيق‭ ‬أواصر‭ ‬التفاهم‭ ‬والتسامح‭ ‬والصداقة‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬الأمم‭ ‬ومختلف‭ ‬الفئات‭ ‬السلالية‭ ‬أو‭ ‬الإثنية‭ ‬أو‭ ‬الدينية،‭ ‬ودعم‭ ‬الأنشطة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬صيانة‭ ‬السلم،‭ ‬كما‭ ‬أكد‭ ‬على‭ ‬التزام‭  ‬الدول‭ ‬الأطراف‭ ‬بأن‭ ‬ضمان‭ ‬الممارسة‭ ‬التامة‭ ‬لهذا‭ ‬الحق‭ ‬يتطلب‭ ‬جعل‭ ‬التعليم‭ ‬الابتدائي‭ ‬إلزاميا‭ ‬وإتاحته‭ ‬مجانا‭ ‬للجميع،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حرصت‭  ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬به‭ ‬منذ‭ ‬انضمامها‭ ‬الى‭ ‬العهد‭ ‬عام‭ ‬2007،‭ ‬بل‭ ‬وقبله‭ ‬أيضا،‭ ‬فقد‭ ‬قامت‭ ‬بكفالة‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬الأساسي‭ ‬للمواطنين‭ ‬والمقيمين‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة،‭ ‬فلم‭ ‬تضع‭ ‬قيوداً‭ ‬على‭ ‬التحاق‭ ‬أبناء‭ ‬غير‭ ‬البحرينيين‭ ‬بالتعليم‭ ‬الابتدائي‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الحكومية‭ ‬حتى‭ ‬بدء‭ ‬تسجيل‭ ‬الطلبة‭ ‬في‭ ‬عامنا‭ ‬الحالي،‭ ‬والذي‭ ‬تفاجأ‭ ‬فيه‭ ‬المقيمون‭ ‬بعدم‭ ‬قبول‭ ‬أبنائهم‭ ‬وتوجيههم‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬إلحاقهم‭ ‬بالمدارس‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تستوجب‭ ‬دفع‭ ‬رسوم‭ ‬قد‭ ‬يعجز‭ ‬بعضهم‭ ‬عن‭ ‬تحملها‭ ‬وستشكل‭ ‬بالضرورة‭ ‬عبئاً‭ ‬جديداً‭ ‬يثقل‭ ‬كاهل‭ ‬أصحاب‭ ‬الدخول‭ ‬الصغيرة‭ ‬من‭ ‬المقيمين‭ ‬وحتماً‭ ‬سيترتب‭ ‬عليه‭ ‬حرمان‭ ‬أطفالهم‭ ‬من‭ ‬الالتحاق‭ ‬بالتعليم‭ ‬الابتدائي‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬كلفة‭ ‬تعليم‭ ‬أبنائهم‭ ‬وسيُسقط‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬ولاسيما‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬تعاني‭ ‬دولهم‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬وعدم‭ ‬استقرار‭ ‬أوضاعها‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬الجيولوجية‭.‬

ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬بأن‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬الاساسية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬الانسان‭ ‬أينما‭ ‬كان،‭ ‬وهو‭ ‬لا‭  ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬المواطنة‭ ‬التي‭ ‬تلتزم‭ ‬الدولة‭ ‬بكفالتها‭ ‬للمواطنين‭ ‬فقط‭.  ‬

ولأننا‭ ‬لا‭ ‬نعلم‭ ‬خلفية‭ ‬أو‭ ‬أسباب‭ ‬صدور‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬القرار،‭ ‬الذي‭ ‬يتنافى‭ ‬مع‭ ‬سياسة‭ ‬المملكة‭ ‬الحريصة‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬وكفالة‭ ‬وحماية‭ ‬واحترام‭  ‬حقوق‭ ‬الانسان،‭ ‬فإنني‭ ‬اقترح،‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬موجب‭- ‬قد‭ ‬لا‭ ‬نعلمه‭- ‬لإنفاذ‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬ويقتضي‭ ‬العمل‭ ‬به،‭ ‬أن‭ ‬يقتصر‭ ‬تطبيقه‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬حقيقية‭ ‬ودقيقة‭ ‬للاوضاع‭ ‬المالية‭ ‬للأسر‭ ‬المقيمة‭ ‬ولاسيما‭ ‬الناطقين‭ ‬منهم‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وعدم‭ ‬انفاذ‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬المقتدرين‭ ‬منهم،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬قبول‭ ‬أبنائهم‭ ‬للالتحاق‭ ‬بالتعليم‭ ‬الابتدائي‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الحكومية‭  ‬مجاناً‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تُحرم‭ ‬فئة‭ ‬غير‭ ‬المقتدرين‭ ‬مادياً‭ ‬من‭ ‬المقيمين‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬من‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬التعليم،‭ ‬فليس‭  ‬أسهل‭ ‬على‭ ‬الإدارة‭ ‬من‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬الإدارية‭ ‬ولكن‭ ‬ضمان‭ ‬صحة‭ ‬وجدوى‭ ‬هذه‭ ‬القرارات‭ ‬يقتضي‭ ‬من‭ ‬متخذي‭ ‬القرار‭ ‬الموازنة‭ ‬بين‭ ‬المصلحة‭ ‬المراد‭ ‬حمايتها‭ ‬أو‭ ‬تحقيقها‭ ‬منه‭ ‬وبين‭ ‬الضرر‭ ‬الذي‭ ‬سيلحق‭ ‬بالمخاطبين‭ ‬به‭ ‬حتى‭ ‬يُحقق‭ ‬القرار‭ ‬مقاصده‭ ‬وأهدافه‭ ‬دون‭ ‬ضررّ‭ ‬ولا‭ ‬ضرار‭.‬

Hanadi‭_‬aljowder@‭ ‬hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا