زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن الشاي- هربا منه وإليه (2)
بعد مقاطعة الشاي سنين عددا، صرت محترفاً في شرب وصنع الشاي بعد قدومي إلى منطقة الخليج، فبعد أن كانت حصتي من الشاي لا تتجاوز الكوب الواحد في الأسبوع أحياناً، بلغ بي إدمان الشاي إلى أنني صرت أحرص على تناول الشاي الكرك أي شديد التركيز، ويكون عادة باللبن الطازج فجرا وعصرا.
نقطة نظام: للمرة الألف.. العرب تقول للسائل الذي ينزل من ضروع البهائم «لبن» وليس حليبا، ولا أذكر أنني طالعت في القرآن الكريم كلمة حليب بذلك المعنى، والأمر الثاني هو أنه لا اللبن ولا التفاح ولا البرتقال ولا العنب الذي نشتريه من محلات متخصصة طازج، بل بعضه استغرق أكثر من شهر ليصل الى المتاجر، وعندما نقول لبن طازج فإننا نعني أنه «سائل» ولا نعلم متى تم حلبه من ضرع بهيمة ما، وفي أجزاء من المنطقة العربية يصرّ البعض على أن اللبن هو ذلك «الحليب» بعد أن يصل إلى درجة معينة من التخمر أي بعد أن يفقد صفة طازج ويصبح رائباً، ولكن بما أن المسألة هاصت وجاطت فقد صار الروب عندهم هو الزبادي في حين أن اللبن الرائب هو ما يسمونه لبناً.
وعدتكم أمس بالتعرض أو عرض الفوائد الصحية العائدة من شرب الشاي وأقول إن دراسات علمية موثقة ومحققة أثبتت على نحو قاطع أن شرب الشاي بكميات تجارية (نحو 4 أكواب كبيرة يومياً) يساعد على تخفيف التوتر، لأن الشاي يخفض معدلات الكورتيسول، وهو الهرمون المسبب للشد العصبي والتوتر، (ولمن يريد التحقق من هذه المعلومة أن يدخل موقع المجلة العلمية سايكوفارماكولوجي - علم الصيدلة النفساني أو موقع ويب ميد) وكما يقول البروفسور أندرو ستبتو من كلية لندن الجامعية فإن الشاي يحتوي على عنصر غذائي شديد الفعالية يسمى «ثيانين» يقوم بدور فعال في تثبيط عمل مرسلات الهيجان العصبية، فتقل حدة التوتر عند شارب الشاي.
وأذكر أنني كنت في زيارة لتشيكوسلوفاكيا والنظام الاشتراكي فيها يلفظ أنفاسه الأخيرة (تفتت بحمد الله إلى دولتين ولم نعد مطالبين بكتابة اسمها الطويل السخيف هذا)، وأينما شربت شاياً هناك وجدت طعمه أقرب إلى طعم نشارة الخشب المغلية بزيت الخروع، وظللت عدة أيام أحس بأن روحي سـ(تطلع) إذا لم أشرب شاياً حقيقياً، ثم ألقت الصدف في طريقنا عائلة سودانية تقيم هناك ودعونا إلى تناول وجبة لديهم، فقلت بلا أدنى حياء: الله يخليكم خلوها كوب شاي.. وشربت شاياً عندهم وأحسست بالعرق يتصبب من جميع مسام جسمي، وشعرت براحة كتلك التي يحس بها المصاب بحمى فيتعرّق ويحس بالعافية (واكتملت سعادتي بطبق فول بزيت السمسم وبعده أيضاً كوب شاي بالنعناع- وبالمناسبة من فرط حبي للنعناع فإنني أزرعه في كل بيت أسكنه).
الدراسة التي أعدتها الجامعة اللندنية، تؤكد مجدداً دور الشاي كمضاد للأكسدة، فكلما تقدم الإنسان في العمر، أنتج جسمه ما يعرف بالجزيئات الحرة (فري راديكالز)، وهي حرة بمعنى أنها تفتك بخلايا جسمك بكيفها وعلى كيفها، فمضادات الأكسدة (الفلافنويدات) المتوافرة في الشاي (وبكميات أقل في البصل والتفاح) تؤدي إلى ارتخاء جدران الأوعية الدموية وتؤثر في تكوينها بحيث تصبح أكثر قدرة على منع التصاق الكولسترول والبلاك (مواد جيرية) ببطانة الأوعية، مما يقلل الإصابات بأمراض القلب كنتيجة لانسدادات الأوعية. وهناك مواد غذائية في الشاي لا يمتصها الجهاز الهضمي بالكامل فيصل بعضها إلى القولون ليقلل من البكتيريا الضارة ويشكل غذاء للبكتيريا الحميدة.
وهكذا عزيزي القارئ كلما رأيت شخصاً في فيلم يرفع كأساً ويقول لمن معه: في صحتك! ارفع كوب شاي إلى فمك وقل بكل ثقة: في صحتي و(ألف هنا وشفا). وشكرا للخليج الذي أرغمني فيه «الرفاق» في المكاتب على شرب الشاي ست مرات خلال الدوام الواحد ثم دلوني على الشاي الكرك الذي صار وجبة لي عصر كل يوم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك