العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مليشيات «فاجنر» لا تليق بـ«روسيا»!

بقلم: عبد المجيد سويلم {

الخميس ٢٩ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

حَبَسَ‭ ‬العالم‭ ‬أنفاسه‭ ‬مدّة‭ ‬زادت‭ ‬على‭ ‬24‭ ‬ساعة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أعلن‭ ‬زعيم‭ ‬منظمة‭ ‬‮«‬فاجنر‮»‬‭ ‬الروسية‭ ‬تمرّده‭ ‬على‭ ‬القيادة‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الروسي‭ ‬سيرجي‭ ‬شويجو،‭ ‬ورئيس‭ ‬هيئة‭ ‬أركان‭ ‬الجيوش‭ ‬الروسية‭ ‬فاليري‭ ‬جراسيموف،‭ ‬متّهماً‭ ‬إيّاهما‭ ‬بمحاولات‭ ‬‮«‬الإطاحة‮»‬‭ ‬به،‭ ‬وإزاحته‭ ‬عن‭ ‬المسرح‭ ‬الميداني‭ ‬لعمليات‭ ‬القوات‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وأعلن‭ ‬أن‭ ‬شويغو‭ ‬وغراسيموف‭ ‬أمرا‭ ‬المروحيات‭ ‬الروسية‭ ‬بقصف‭ ‬قواته‭ ‬في‭ ‬الخطوط‭ ‬الخلفية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يثبت،‭ ‬أو‭ ‬تؤيّده‭ ‬مصادر‭ ‬مُحايدة‭.‬

ارتبك‭ ‬المشهد‭ ‬الروسي‭ ‬كلّه‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الإعلانات‭ ‬الصاخبة‭ ‬والمُدوّية‭ ‬التي‭ ‬أطلّ‭ ‬بها‭ ‬مؤسّس‭ ‬المنظمة‭ ‬وزعيمها‭ ‬يفغيني‭ ‬بريغوجين،‭ ‬والتي‭ ‬وصلت‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬التهديد‭ ‬‮«‬بالاستيلاء‮»‬‭ ‬على‭ ‬موسكو،‭ ‬ومحاكمة‭ ‬خصومه‭ ‬في‭ ‬القيادة‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية،‭ ‬ومُكيلاً‭ ‬لهما‭ ‬أخطر‭ ‬الاتهامات‭ ‬بأقذع‭ ‬الألفاظ،‭ ‬وأكثرها‭ ‬فظاظة‭ ‬وإساءةً‭ ‬مُتعمّدة‭.‬

إلى‭ ‬هنا‭ ‬فقد‭ ‬حبس‭ ‬العالم‭ ‬أنفاسه‭ ‬فعلاً،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬الإرباك‭ ‬قد‭ ‬عمّ‭ ‬وشمل‭ ‬عواصم‭ ‬‮«‬الغرب‮»‬‭ ‬كلّه،‭ ‬ولم‭ ‬تتجرّأ‭ ‬أيّ‭ ‬عاصمةٍ‭ ‬أن‭ ‬تُعلّق‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬بكلمة‭ ‬رسمية‭ ‬واحدة‭ ‬إزاء‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الساعات،‭ ‬فقد‭ ‬وصلت‭ ‬الحالة‭ ‬بدولة‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أن‭ ‬تطلب‭ ‬من‭ ‬سفاراتها‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭ ‬عدم‭ ‬التعليق‭ ‬قطعيا‭ ‬على‭ ‬الأحداث‭ ‬الروسية‭.‬

وباستثناء‭ (‬خليّة‭ ‬الذّكاء‭ ‬المُفرِط‭) ‬التي‭ ‬تقود‭ ‬أوكرانيا‭ ‬نحو‭ ‬الهاوية‭ ‬المُؤكّدة،‭ ‬والتي‭ ‬باتت‭ ‬في‭ ‬موضع‭ ‬التندُّر‭ ‬والسُّخرية‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬‮«‬الغربية‮»‬،‭ ‬فإنّ‭ ‬‮«‬الغرب‮»‬‭ ‬عُموماً‭ ‬‮«‬كبحَ‮»‬‭ ‬جِماح‭ ‬التهوّر‭ ‬لديه،‭ ‬وأظهرَ‭ ‬‮«‬رزانة‮»‬‭ ‬تُحسب‭ ‬له‭ ‬هذه‭ ‬المرّة،‭ ‬ويُحسد‭ ‬عليها‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬عهدناه‭ ‬من‭ ‬تهوُّر‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الحقائق‭ ‬وتزييفها‭.‬

صحيحٌ‭ ‬أنّ‭ ‬‮«‬الغرب‮»‬‭ ‬كان‭ ‬يشحذ‭ ‬أسلحته‭ ‬لاستثمار‭ ‬حالة‭ ‬الإرباك،‭ ‬أو‭ ‬لحظات‭ ‬الارتباك‭ ‬الروسي،‭ ‬وصحيحٌ‭ ‬أنّ‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬الغرب‮»‬‭ ‬دخل‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يُشبه‭ ‬‮«‬حُمّى‮»‬‭ ‬المشاورات،‭ ‬وتعطّلت‭ ‬لديه‭ ‬كلّ‭ ‬الأجندات‭ ‬والمواعيد‭ ‬والزيارات،‭ ‬وارتبك‭ ‬واهتزّ‭ ‬كلّ‭ ‬جدول‭ ‬أعماله،‭ ‬لكن‭ ‬تصريحاً‭ ‬واحداً‭ ‬لم‭ ‬يصدر‭ ‬عنه،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنّ‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬‮«‬الغربية‮»‬‭ ‬كلّها‭ ‬قد‭ ‬نقلت‭ ‬بالتفصيل‭ ‬وقائع‭ ‬هذه‭ ‬الحُمّى‭.‬

لا‭ ‬أظنّ‭ ‬أنّ‭ ‬‮«‬الغرب‮»‬‭ ‬قد‭ ‬أُصيب‭ ‬بخيبة‭ ‬أمل‭ ‬كالتي‭ ‬أُصيب‭ ‬بها،‭ ‬أوّل‭ ‬من‭ ‬أمس،‭ ‬عندما‭ ‬أعلن‭ ‬زعيم‭ ‬ومؤسس‭ ‬منظمة‭ ‬‮«‬فاجنر‮»‬‭ ‬نفسه،‭ ‬وبعظمة‭ ‬لسانه،‭ ‬تراجعه‭ ‬الكامل‭ ‬عن‭ ‬خططه‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬صرّح‭ ‬بها‭ ‬قبل‭ ‬أقلّ‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬ساعات‭ ‬فقط،‭ ‬وتحوّلت‭ ‬المسألة‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬عدّة‭ ‬سُويعات‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬قبوله‭ ‬باللجوء‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬مينسك‮»‬،‭ ‬ومطالبته‭ ‬بضمانات‭ ‬قانونية‭ ‬لعدم‭ ‬محاكمته؟‭!‬

لا‭ ‬يُستغرب‭ ‬أبداً‭ ‬من‭ ‬اليوم‭ ‬فصاعداً‭ ‬أن‭ ‬تتمّ‭ ‬تسمية‭ ‬الصدمة‭ ‬التي‭ ‬تعرّض‭ ‬لها‭ ‬‮«‬الغرب‮»‬‭ ‬بصدمةٍ‭ ‬‮«‬فاجنر‮»‬‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬صدمة‭ ‬بريغوجين،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ترك‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬كل‭ ‬‮«‬الغرب‮»‬‭ ‬‮«‬يصرك‭ ‬أسنانه‮»‬‭ ‬غيظاً‭ ‬على‭ ‬‮«‬الفرصة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يتحيّنونها‭ ‬جميعاً،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬ستُعتبر‭ ‬بكلّ‭ ‬المقاييس‭ ‬قارب‭ ‬النجاة‭ ‬الوحيد‭ ‬من‭ ‬المأزق‭ ‬الذي‭ ‬خلقوه‭ ‬لأنفسهم‭ ‬بأنفسهم،‭ ‬ووجدوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬سعيره،‭ ‬ولم‭ ‬يعودوا‭ ‬يعرفون‭ ‬كيفية‭ ‬الخروج‭ ‬منه‭.‬

بل‭ ‬لا‭ ‬يُستغرب‭ ‬أبداً‭ ‬أن‭ ‬يُطلق‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية،‭ ‬والحقل‭ ‬الإستراتيجي‭ ‬العام‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬مع‭ ‬‮«‬الغرب‮»‬‭ ‬من‭ ‬صدمةٍ‭ ‬صاعقة‭ ‬ما‭ ‬يُشبه‭ ‬بـ«متلازمة‭ ‬فاغنر‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬متلازمة‭ ‬بريغوجين‮»‬‭.‬

الآن‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أوضحنا‭ ‬ــ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أظنّ‭ ‬ــ‭ ‬حجم‭ ‬الصدمة‭ ‬الصاعقة‭ ‬التي‭ ‬ألمّت‭ ‬بـ«الغرب‮»‬،‭ ‬علينا‭ ‬ــ‭ ‬كما‭ ‬أرى‭ ‬ــ‭ ‬أن‭ ‬نتحدّث‭ ‬بكلّ‭ ‬صراحة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة،‭ ‬وما‭ ‬تمثّله‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬الروسي،‭ ‬وما‭ ‬تُلحقه‭ ‬بالدولة‭ ‬الروسية‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬السمعة‭ ‬والإساءة،‭ ‬وما‭ ‬تنطوي‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬أخطار‭ ‬‮«‬كامنة‮»‬‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الروسي‭ ‬نفسه‭.‬

عندما‭ ‬أقرت‭ ‬السلطات‭ ‬الرسمية‭ ‬الروسية‭ ‬‮«‬مبدأ‮»‬‭ ‬أن‭ ‬يُعهد‭ ‬إلى‭ ‬شركات‭ ‬أمنٍ‭ ‬خاصة،‭ ‬بمهمات‭ ‬عسكرية‭ ‬وأمنية،‭ ‬فيها‭ ‬درجات‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الخطورة‭ ‬والحساسية،‭ ‬لأسبابٍ‭ ‬معيّنة،‭ ‬واعتباراتٍ‭ ‬محدّدة،‭ ‬لم‭ ‬تتوقع‭ ‬هذه‭ ‬الأوساط‭ ‬أن‭ ‬تتضخّم‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬الظاهرة‮»‬‭ ‬وأن‭ ‬يصبح‭ ‬قوامها‭ ‬بالآلاف‭ ‬في‭ ‬البدايات،‭ ‬وبعشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬كما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬عشيّة‭ ‬إعلان‭ ‬‮«‬التمرّد‮»‬‭ ‬على‭ ‬القيادة‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭.‬

ومهما‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬الخدمات‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬‮«‬فاغنر‮»‬‭ ‬مهمّة‭ ‬وكبيرة‭ ‬لجهة‭ ‬بعض‭ ‬أنواع‭ ‬المهمّات‭ ‬العسكرية،‭ ‬وخاصة‭ ‬حرب‭ ‬المدن‭ ‬والشوارع،‭ ‬وحيث‭ ‬تتخصّص‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬بهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬القتال،‭ ‬ومهما‭ ‬كانت‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬تتطلّب‭ ‬وجود‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬القوّات‭ ‬الخاصة‮»‬‭ ‬في‭ ‬مساندة‭ ‬الجيش‭ ‬قبل‭ ‬اقتحام‭ ‬التحصينات‭ ‬المنيعة‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تتحصّن‭ ‬بها‭ ‬القوات‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬كما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬ماريوبول‭ ‬وباخموت‭ ‬فإنّ‭ ‬وجود‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القوات،‭ ‬وبهذه‭ ‬الأعداد،‭ ‬وفي‭ ‬ظلّ‭ ‬وجود‭ ‬قيادة‭ ‬نافذة‭ ‬ومتنفّذة،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬قيادة‭ ‬بريغوجين‭ ‬يظلّ‭ ‬خطراً‭ ‬على‭ ‬الداخل‭ ‬الروسي،‭ ‬خصوصاً‭ ‬وأنّ‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬نفسه،‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬وثيقة‭ ‬بزعيم‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬‮«‬يستظلّ‮»‬‭ ‬بالرئيس‭ ‬بوتين،‭ ‬ويرى‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬الدرجة‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬والمكانة‭ ‬لما‭ ‬يتمتّع‭ ‬به‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع،‭ ‬ورئيس‭ ‬الأركان،‭ ‬بل‭ ‬وكان‭ ‬يشعر‭ ‬بأن‭ ‬مكانته‭ ‬لا‭ ‬تقلّ‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬مكانة‭ ‬رمضان‭ ‬قديروف‭ ‬رئيس‭ ‬الشيشان،‭ ‬وأن‭ ‬قواته‭ ‬ليست‭ ‬أقل‭ ‬شأنا‭ ‬من‭ ‬قوات‭ ‬‮«‬أحمد‮»‬‭ ‬الشيشانية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يستقدمها‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬لمهمّات‭ ‬الاقتحام‭ ‬المعقّدة‭.‬

واضحٌ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تسلسل‭ ‬الأحداث‭ ‬أنّ‭ ‬القيادة‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬ضاقت‭ ‬ذرعاً‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتصرّف‭ ‬بها‭ ‬بريغوجين،‭ ‬و«بالاستظلال‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتمتّع‭ ‬به،‭ ‬وبعمليات‭ ‬جمع‭ ‬الأموال،‭ ‬وتكديس‭ ‬الثروة‭ ‬التي‭ ‬حصلها‭ ‬بوسائل‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الظنّ‭ ‬ليست‭ ‬شرعية،‭ ‬وعلى‭ ‬هامش‭ ‬عملياته‭ ‬العسكرية‭.‬

بل‭ ‬الأوضح‭ ‬هو‭ ‬أنّ‭ ‬القيادة‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬قد‭ ‬منعت‭ ‬عنه‭ ‬التزوّد‭ ‬ببعض‭ ‬أنواع‭ ‬الأسلحة،‭ ‬وهي‭ ‬أسلحة‭ ‬‮«‬حسّاسة‮»‬‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو،‭ ‬وبدأت‭ ‬بتضييق‭ ‬الخناق‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬الأخيرة‭.‬

ولا‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬أنّ‭ ‬القيادة‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬قد‭ ‬أطلعت‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬‮«‬الحقائق‮»‬‭ ‬الخاصة‭ ‬بهذه‭ ‬المنظمة،‭ ‬وخطر‭ ‬‮«‬التسلّل‮»‬‭ ‬‮«‬الغربي‮»‬‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬عباءة‭ ‬زعيمها‭ ‬لإحداث‭ ‬اختراقات‭ ‬أمنية‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬الروسي‭.‬

ما‭ ‬زالت‭ ‬المعلومات‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الصعيد‭ ‬شحيحة،‭ ‬وستظلّ‭ ‬شحيحة‭ ‬ــ‭ ‬كما‭ ‬أرى‭ ‬ــ‭ ‬وذلك‭ ‬نظراً‭ ‬إلى‭ ‬طابعها‭ ‬الاستخباري‭ ‬الخاص،‭ ‬ونظراً‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تمثّله‭ ‬من‭ ‬تصنيف‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬‮«‬السرّي‮»‬‭ ‬و«السرّي‭ ‬للغاية‮»‬‭.‬

لكن‭ ‬الأمر‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬المؤشّرات‭ ‬والدّلالات‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬شُحّة‭ ‬المعلومات‭.‬

تلكُّؤ‭ ‬بوتين‭ ‬ــ‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬ــ‭ ‬كان‭ ‬مقصوداً،‭ ‬فهو‭ ‬لم‭ ‬يرغب‭ ‬بأن‭ ‬يظهر‭ ‬بالصورة‭ ‬من‭ ‬بدايتها،‭ ‬وانتظر‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬استكمال‭ ‬المشاورات‭ ‬الاستخبارية‭ ‬بين‭ ‬موسكو‭ ‬ومينسك،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تحرّكت‮»‬‭ ‬قوات‭ ‬‮«‬فاغنر‮»‬‭ ‬باتجاه‭ ‬مدينة‭ ‬روستوف،‭ ‬واتّجهت‭ ‬بعض‭ ‬القوات‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬موسكو،‭ ‬خرج‭ ‬وأعلن‭ ‬أنّ‭ ‬الظاهرة‭ ‬خيانية،‭ ‬وطلب‭ ‬من‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬توجيه‭ ‬التهمة‭ ‬إلى‭ ‬زعيم‭ ‬المنظمة‭ ‬بالتمرّد،‭ ‬وتهديد‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬لم‭ ‬تستجب‭ ‬سوى‭ ‬فئة‭ ‬قليلة‭ ‬نسبياً‭ ‬من‭ ‬‮«‬فاغنر‮»‬‭ ‬للتمرّد،‭ ‬وفهم‭ ‬زعيمها‭ ‬أنّ‭ ‬الخطّة‭ ‬فشلت،‭ ‬وأنّ‭ ‬بقاءه‭ ‬حيّاً،‭ ‬هو‭ ‬ومن‭ ‬معه‭ ‬بات‭ ‬المسألة‭ ‬الأهمّ‭.‬

هنا‭ ‬أعلن‭ ‬رئيس‭ ‬روسيا‭ ‬البيضاء‭ ‬مبادرته،‭ ‬والتي‭ ‬قبل‭ ‬بها‭ ‬بريغوجين‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬تحت‭ ‬مسمّى‭ ‬‮«‬حقن‭ ‬الدماء‮»‬‭.‬

دليلي‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬صرّح‭ ‬به‭ ‬دميتري‭ ‬ميدفيديف،‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الروسي‭ ‬مباشرة،‭ ‬بأنّ‭ ‬الظاهرة‭ ‬خطيرة‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الروسي،‭ ‬وذهب‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬إنّ‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬لا‭ ‬تُسلّم‭ ‬‮«‬للسجناء‮»‬‭. ‬في‭ ‬محاولةٍ‭ ‬للإيحاء‭ ‬بأنّ‭ ‬مطالب‭ ‬بريغوجين‭ ‬بالتسلُّح‭ ‬بالأسلحة‭ ‬الحسّاسة‭ ‬كان‭ ‬أكيداً‭ ‬وثابتاً‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬قديروف‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ليحرّك‭ ‬قواته‭ ‬فوراً‭ ‬نحو‭ ‬مدينة‭ ‬روستوف‭ ‬لولا‭ ‬الضوء‭ ‬الأخضر‭ ‬من‭ ‬بوتين،‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬نفس‭ ‬هذا‭ ‬الضوء‭ ‬قد‭ ‬أُعطي‭ ‬لميدفيديف‭.‬

‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬الأحوال‭ ‬ومُطلقها‭ ‬فإنّ‭ ‬ظاهرة‭ ‬‮«‬فاغنر‮»‬‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تليق‭ ‬بدولةٍ‭ ‬بمكانة‭ ‬وقامة‭ ‬روسيا،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬قنبلة‭ ‬موقوتة‭ ‬شديدة‭ ‬الانفجار،‭ ‬لن‭ ‬تنتهي‭ ‬تبعاتها‭ ‬عند‭ ‬الحدود‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬وكأنّها‭ ‬انتهت‭ ‬إليها‭.‬

ولسان‭ ‬حال‭ ‬الواقع‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬ليس‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬مرّة‭ ‬تسلم‭ ‬الجرّة‮»‬‭.‬

 

{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا