يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
مكانتنا في العالم الجديد
عرضت في المقالين السابقين آراء ساسة وخبراء أمريكيين وصينيين وعربا عن التغيرات في عالم اليوم ونشرتها مجلة «نيوزويك» الأمريكية في تحليل سياسي مطول.
وقد أجمعت آراء هؤلاء على الاتفاق على أمور محددة:
1 – ان النظام العالمي الحالي الذي ساد منذ نهاية الحرب الباردة والذي يقوم على هيمنة أمريكا والدول الغربية عموما ينهار ونهايته تقترب، وان نظاما عالميا جديدا متعدد الأقطاب يتشكل بالفعل.
2 – أن الأسباب الرئيسية لهذا التحول الضخم الذي يشهده العالم تتمثل أولا في ان أمريكا والدول الغربية استخدمت العنف والإكراه والقوة لفرض ارادتها، ولم تحترم سيادة واستقلال وخصوصية ومصالح مختلف دول العالم. بالإضافة الى هذا فإن قوى عالمية كبرى مثل الصين وروسيا عززت قوتها وفرضت نفسها على الساحة العالمية في العقود الماضية متحدية الهيمنة الغربية. كما ان عددا كبيرا من دول العالم اصبح لديها نزعة استقلالية واضحة وشرعت بالفعل في تنويع علاقاتها الدولية كما هو الحال بالنسبة لدول الخليج العربية.
3 – ان التطورات التي تشهدها المنطقة العربية، وخصوصا السعودية ودول الخليج العربية والسياسات المستقلة التي اصبحت تنتهجها تلعب دورا مهما في التغير الذي يشهده العالم نحو نظام عالمي جديد.
هذه كلها استنتاجات صحيحة الى حد كبير بالطبع. لكن هناك جانب بحاجة الى توضيح.
البعض قد يتصور ان التوجه نحو قيام نظام عالمي جديد محل النظام الحالي يعني انتهاء قوة ونفوذ أمريكا ودورها العالمي الكبير. وهذا اعتقاد خاطئ.
أمريكا أكبر قوة عالمية عسكريا واقتصاديا وعلى كل المستويات. لهذا لا يجوز أبدا التقليل من شأن أمريكا ومكانتها ودورها مهما حدثت تغيرات في النظام العالمي. بمعنى انه حتى لو قام فعلا نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، فستظل أمريكا احد أكبر هذه الأقطاب، وستظل قوة عظمى لها كلمتها وتأثيرها ونفوذها ودورها في العالم الذي لا يمكن ابدا تجاوزه.
يبقى السؤال المهم: اين موقعنا نحن في الوطن العربي في هذا العالم الجديد الذي يتشكل؟.. ما هي مكانتنا بالضبط او كيف يجب ان تكون؟.
نظريا من حيث المبدأ من المفروض ان يكون للدول العربية مكانة كبيرة في نظام دولي جديد متعدد الأقطاب. من المفروض ان نكون أحد الأقطاب الكبرى. هذا بحكم الموقع الاستراتيجي والامكانيات الهائلة التي تمتلكها الدول العربية وتشعب علاقاتها الدولية وتسابق القوى الكبرى لضمان مصالحها في المنطقة.
هذا من المفروض، لكن الحقيقة ان المكانة المفترضة لنا في العالم الجديد ليس امرا مؤكدا او مضمونا او مسلما به.
هناك شروط كثيرة يجب ان تتوفر كي تكون لنا هذه المكانة ويكون لنا دور مؤثر في العالم.
اول هذه الشروط ان تكون دولنا العربية دولا قوية متماسكة تنهض وتنمو.
وثاني هذه الشروط ان تكون دولنا العربية موحدة. بمعنى انه لا يمكن لنا ان نلعب دورا مؤثرا في العالم الجديد ونكون احد اقطابه إلا في ظل كتلة عربية موحدة بإمكانياتها مجتمعة وبسياسات ومواقف موحدة تجاه القضايا والتطورات العالمية.
هذان الشرطان الأساسيان غير متوفرين كما نعلم. عدد كبير من الدول العربية منهارة ومفككة وحالتها يرثى لها على كل المستويات. ويكفي ان نتابع ما يجري للسودان مثلا.
في نفس الوقت لا يوجد حتى اليوم كتلة عربية متماسكة موحدة بإمكانياتها وسياساتها. لدينا دول عربية متفرقة.
في ظل وضع كهذا، يمكن لبعض الدول العربية ان تلعب دورا مهما ومؤثرا في تطور عالمي معين او إزاء قضية عالمية معينة. لكن لا يمكن توقع ان تلعب الدول العربية عامة دورا كبيرا ويكون لها نفوذ مؤثر في أي نظام عالمي جديد.
اذن، لنرمم بيوتنا العربية الآيلة للسقوط أولا، ولنوحد صفوفنا ثانيا، ثم لنا بعد ذلك ان نتحدث عن مكانتنا في العالم الجديد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك