العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

استدعاء التدخل الأجنبي!!

على‭ ‬امتداد‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ندين‭ ‬أي‭ ‬تدخلات‭ ‬أجنبية‭ ‬في‭ ‬شؤوننا‭ ‬الداخلية،‭ ‬ونطالب‭ ‬بوقف‭ ‬هذه‭ ‬التدخلات‭ ‬بكل‭ ‬أشكالها‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬المستويات،‭ ‬السياسية‭ ‬والإعلامية‭ ‬والعملية‭.‬

‭  ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ،‭ ‬نحن‭ ‬بالطبع‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذا‭. ‬نحن‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬وخصوصا‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬تجاربنا‭ ‬المريرة‭ ‬المأساوية‭ ‬مع‭ ‬التدخلات‭ ‬الأجنبية‭ ‬وما‭ ‬جرّته‭ ‬علينا‭ ‬من‭ ‬كوارث‭ ‬وويلات‭. ‬رأينا‭ ‬دولا‭ ‬عربية‭ ‬يتم‭ ‬تدميرها‭ ‬بالمعنى‭ ‬الحرفي‭ ‬للكلمة‭ ‬بسبب‭ ‬التدخل‭ ‬الأجنبي‭ ‬الذي‭ ‬اتخذ‭ ‬شكل‭ ‬الغزو‭ ‬والاحتلال‭ ‬مثل‭ ‬العراق،‭ ‬ورأينا‭ ‬دولا‭ ‬عربية‭ ‬تغرق‭ ‬في‭ ‬صراعات‭ ‬طائفية‭ ‬وأعمال‭ ‬إرهاب‭ ‬وتخريب‭ ‬وتدمير‭ ‬بسبب‭ ‬التدخلات‭ ‬الأجنبية‭ ‬وقيام‭ ‬دول‭ ‬وجهات‭ ‬أجنبية‭ ‬بدعم‭ ‬قوى‭ ‬وجماعات‭ ‬طائفية‭ ‬وتخريبية‭.. ‬وهكذا‭.‬

اليوم،‭ ‬ونحن‭ ‬نتابع‭ ‬بحسرة‭ ‬وألم‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬بكل‭ ‬مآسيه‭ ‬وويلاته،‭ ‬فإنني‭ ‬شخصيا‭ ‬أصبحت‭ ‬أتساءل‭: ‬إذا‭ ‬كنا‭ ‬نرفض‭ ‬التدخل‭ ‬الأجنبي‭ ‬في‭ ‬شؤوننا‭ ‬وندينه،‭ ‬فلماذا‭ ‬نستدعي‭ ‬نحن‭ ‬هذا‭ ‬التدخل؟‭.. ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬نترك‭ ‬أمام‭ ‬شعوبنا‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬دولنا‭ ‬العربية‭ ‬مثل‭ ‬السودان‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬خيار‭ ‬سوى‭ ‬استدعاء‭ ‬هذا‭ ‬التدخل‭ ‬واعتبار‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬أمل‭ ‬الإنقاذ؟

لسنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬أمر‭ ‬بشع‭. ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تحمي‭ ‬البلاد‭ ‬وتؤمّن‭ ‬الشعب،‭ ‬أي‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬وقوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع،‭ ‬هي‭ ‬بالذات‭ ‬التي‭ ‬تتقاتل،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تدمر‭ ‬وتخرب‭ ‬البلاد،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تروع‭ ‬الشعب‭ ‬وترعبه‭.‬

لا‭ ‬أحد‭ ‬اليوم‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يحصر‭ ‬بالضبط‭ ‬حجم‭ ‬الدمار‭ ‬الذي‭ ‬حلّ‭ ‬بالسودان‭.. ‬دمار‭ ‬المنشآت‭ ‬والممتلكات‭. ‬المأساة‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬دمار‭ ‬مادي‭ ‬هي‭ ‬مأساة‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬نفسه‭.. ‬آلاف‭ ‬الأبرياء‭ ‬يسقطون‭ ‬قتلى‭ ‬وجرحى‭.. ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يشعر‭ ‬بالأمان‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭.. ‬لا‭ ‬غذاء‭ ‬متوافر‭ ‬ولا‭ ‬رعاية‭ ‬صحية‭ ‬أصبحت‭ ‬لها‭ ‬وجود‭.. ‬عمليات‭ ‬نهب‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭ ‬للبيوت‭ ‬وحتى‭ ‬مقار‭ ‬البعثات‭ ‬الدبلوماسية‭.. ‬ملايين‭ ‬أصبحوا‭ ‬مضطرين‭ ‬لمغادرة‭ ‬بيوتهم‭ ‬والتحول‭ ‬إلى‭ ‬لاجئين‭ ‬داخل‭ ‬وطنهم‭.. ‬وهكذا‭.‬

منذ‭ ‬اندلاع‭ ‬هذه‭ ‬المأساة‭ ‬المروعة‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬ونحن‭ ‬نتابع‭ ‬بشكل‭ ‬يومي‭ ‬تقريبا‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬وهم‭ ‬يستنجدون‭ ‬بالعالم،‭ ‬ويطلبون‭ ‬منه‭ ‬التدخل‭ ‬لإنقاذهم‭.‬

عشرات‭ ‬المرات‭ ‬نقلت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المختلفة‭ ‬نداءات‭ ‬بل‭ ‬صرخات‭ ‬لسودانيين‭ ‬يطلبون‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬له‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الخارجية‭ ‬التدخل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وقف‭ ‬هذه‭ ‬المأساة‭ ‬وإنقاذهم‭ ‬من‭ ‬الأوضاع‭ ‬الكارثية‭ ‬التي‭  ‬يعيشونها‭.‬

الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬يستنجد‭ ‬بالخارج‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يرى‭ ‬أمامه‭ ‬خيارا‭ ‬غير‭ ‬هذا‭.‬

هل‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نلوم‭ ‬السودانيين‭ ‬لأنهم‭ ‬يستنجدون‭ ‬بالخارج؟

هل‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬نكتفي‭ ‬بالقول‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬مجرد‭ ‬شأن‭ ‬داخلي‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬لأحد‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬أن‭ ‬يتدخل‭ ‬فيه؟

هل‭ ‬من‭ ‬المقبول‭ ‬أن‭ ‬نعتبر‭ ‬قيام‭ ‬شخصين‭ ‬ولأسباب‭ ‬تتعلق‭ ‬بصراع‭ ‬سلطة‭ ‬شخصي‭ ‬بتدمير‭ ‬البلاد‭ ‬وإذلال‭ ‬الشعب‭ ‬مجرد‭ ‬شأن‭ ‬محلي؟

نعم‭.. ‬من‭ ‬حقنا‭ ‬أن‭ ‬نرفض‭ ‬أي‭ ‬تدخلات‭ ‬خارجية‭ ‬في‭ ‬شؤوننا‭ ‬الداخلية،‭ ‬لكن‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نلح‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬علينا‭ ‬أولا‭ ‬أن‭ ‬نقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التدخل‭. ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نرمّم‭ ‬بيوتنا‭ ‬العربية‭ ‬وأن‭ ‬ننزع‭ ‬أي‭ ‬مبررات‭ ‬أو‭ ‬ذرائع‭ ‬للتدخل‭ ‬الخارجي‭.‬

أما‭ ‬أن‭ ‬نترك‭ ‬بلدا‭ ‬عربيا‭ ‬مثل‭ ‬السودان‭ ‬يتم‭ ‬تدميره‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل،‭ ‬وشعبا‭ ‬مثل‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬يتعرض‭ ‬لكل‭ ‬هذه‭ ‬المآسي‭ ‬والكوارث‭ ‬ونكتفي‭ ‬باعتبار‭ ‬هذا‭ ‬مجرد‭ ‬أمر‭ ‬داخلي‭ ‬بحت،‭ ‬ونعجز‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬لهذه‭ ‬المأساة،‭ ‬فهذا‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭.  ‬

الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬المأساة‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬السودان‭ ‬أيقظتنا‭ ‬على‭ ‬أمور‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬العربية‭ ‬وفي‭ ‬إدارة‭ ‬شؤون‭ ‬دولنا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نناقشها‭ ‬ونعيد‭ ‬النظر‭ ‬فيها،‭ ‬وهذه‭ ‬القضية‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا