يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
استدعاء التدخل الأجنبي!!
على امتداد العقود الماضية ونحن في كل الدول العربية ندين أي تدخلات أجنبية في شؤوننا الداخلية، ونطالب بوقف هذه التدخلات بكل أشكالها وعلى كل المستويات، السياسية والإعلامية والعملية.
من حيث المبدأ، نحن بالطبع على حق في كل هذا. نحن على حق وخصوصا على ضوء تجاربنا المريرة المأساوية مع التدخلات الأجنبية وما جرّته علينا من كوارث وويلات. رأينا دولا عربية يتم تدميرها بالمعنى الحرفي للكلمة بسبب التدخل الأجنبي الذي اتخذ شكل الغزو والاحتلال مثل العراق، ورأينا دولا عربية تغرق في صراعات طائفية وأعمال إرهاب وتخريب وتدمير بسبب التدخلات الأجنبية وقيام دول وجهات أجنبية بدعم قوى وجماعات طائفية وتخريبية.. وهكذا.
اليوم، ونحن نتابع بحسرة وألم ما يجري في السودان بكل مآسيه وويلاته، فإنني شخصيا أصبحت أتساءل: إذا كنا نرفض التدخل الأجنبي في شؤوننا وندينه، فلماذا نستدعي نحن هذا التدخل؟.. لماذا لا نترك أمام شعوبنا في بعض دولنا العربية مثل السودان اليوم من خيار سوى استدعاء هذا التدخل واعتبار أن هذا هو أمل الإنقاذ؟
لسنا بحاجة إلى القول بأن ما يحدث في السودان أمر بشع. الذي يحدث هو أن القوى التي من المفروض أن تحمي البلاد وتؤمّن الشعب، أي القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، هي بالذات التي تتقاتل، وهي التي تدمر وتخرب البلاد، وهي التي تروع الشعب وترعبه.
لا أحد اليوم يستطيع أن يحصر بالضبط حجم الدمار الذي حلّ بالسودان.. دمار المنشآت والممتلكات. المأساة الأكبر من أي دمار مادي هي مأساة الشعب السوداني نفسه.. آلاف الأبرياء يسقطون قتلى وجرحى.. لا أحد يشعر بالأمان في أي مكان.. لا غذاء متوافر ولا رعاية صحية أصبحت لها وجود.. عمليات نهب واسعة النطاق للبيوت وحتى مقار البعثات الدبلوماسية.. ملايين أصبحوا مضطرين لمغادرة بيوتهم والتحول إلى لاجئين داخل وطنهم.. وهكذا.
منذ اندلاع هذه المأساة المروعة في السودان، ونحن نتابع بشكل يومي تقريبا أبناء الشعب السوداني وهم يستنجدون بالعالم، ويطلبون منه التدخل لإنقاذهم.
عشرات المرات نقلت وسائل الإعلام المختلفة نداءات بل صرخات لسودانيين يطلبون من كل من له القدرة على التأثير من القوى الخارجية التدخل من أجل وقف هذه المأساة وإنقاذهم من الأوضاع الكارثية التي يعيشونها.
الشعب السوداني يستنجد بالخارج ولم يعد يرى أمامه خيارا غير هذا.
هل نستطيع أن نلوم السودانيين لأنهم يستنجدون بالخارج؟
هل يجوز أن نكتفي بالقول بأن ما يجري في السودان مجرد شأن داخلي لا ينبغي لأحد من الخارج أن يتدخل فيه؟
هل من المقبول أن نعتبر قيام شخصين ولأسباب تتعلق بصراع سلطة شخصي بتدمير البلاد وإذلال الشعب مجرد شأن محلي؟
نعم.. من حقنا أن نرفض أي تدخلات خارجية في شؤوننا الداخلية، لكن قبل أن نلح على هذا علينا أولا أن نقطع الطريق على مثل هذا التدخل. علينا أن نرمّم بيوتنا العربية وأن ننزع أي مبررات أو ذرائع للتدخل الخارجي.
أما أن نترك بلدا عربيا مثل السودان يتم تدميره بهذا الشكل، وشعبا مثل الشعب السوداني يتعرض لكل هذه المآسي والكوارث ونكتفي باعتبار هذا مجرد أمر داخلي بحت، ونعجز في نفس الوقت عن وضع حد لهذه المأساة، فهذا لا يجوز.
الحقيقة أن المأساة التي يشهدها السودان أيقظتنا على أمور كثيرة في الحياة السياسية العربية وفي إدارة شؤون دولنا يجب أن نناقشها ونعيد النظر فيها، وهذه القضية واحدة منها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك