يؤكد علم الاجتماع أن الإرشاد الشخصي من الأساليب المهمة في التطوير والإدارة، وفي جوانب الحياة المختلفة العملية والإنسانية، وكما يقول جون ويتمور منافس ألعاب القوى الأمريكي الشهير: «التوجيه ليس عملية تعليم أو تدريب.. وإنما عملية تهيئة الظروف المناسبة للتعلم والتطور على المستوى الشخصي»، وبمعنى آخر هو عبارة عن عملية إطلاق القدرات في الآخرين حتى يتحسن أداؤهم، ويتعلموا بأنفسهم بدلا من أن تقوم أنت بتعليمهم!
مهنة الكوتشينج هي علم حديث نسبيا، يهتم بتدريب الإنسان على التعامل مع الضغوط الحياتية، وهي من المهن التي تقوم على مساعدة الآخرين بشكل ما، وتحفيز الأفكار وتنمية المهارات لديهم، ومن ثم اكتشاف ذواتهم، وإحداث التغيير الارتقائي، والوصول إلى الأهداف المرجوة.
الكوتش إسراء محمد حميد، مدرب المهارات الحياتية والقيادية والتمكين الشخصي والمؤسسي، أول بحرينية مدرب مدربين في برنامج الكورت للتفكير الإبداعي والناقد بمركز ديبونو العالمي، وجدت نفسها في مجال الكوتشينج، فاحترفته، وأصبحت مصدرا لإحداث التغيير في حياة الآخرين، وتمكينهم من العيش حياة أفضل من خلال مساعدتهم على الانتصار على التحديات التي تواجههم، وتحسين أدائهم، وبلوغ غاياتهم، ومن ثم تحقيق النجاح.
حول هذه التجربة كان الحوار التالي:
حدثينا عن نشأتك؟
- لقد عشت طفولتي بمعناها الحقيقي وبمراحلها الطبيعية الاعتيادية وكنت في الصغر طفلة مميزة لها شخصيتها الاستقلالية وأتجنب تماما المقارنة بالغير أو الانجرار وراء تقليد الآخرين في مثل عمري، وحين انتقلت إلى مرحلة المراهقة استمتعت بها أيضا وعشتها بحذافيرها، إلى أن تزوجت عند عمر 18 عاما، وأصبحت أم عند عمر عشرين عاما وكان ذلك خلال دراستي الجامعية.
هل أثَّر زواجك المبكر في مسيرتك؟
زواجي في سن صغيرة كان له إيجابياته وسلبياته، ومن أهم الإيجابيات من ورائه هو حدوث حالة من النضوج المبكر في شخصيتي، إلى جانب أن أبنائي حين كبروا كانوا قريبين من عمري، أما الميزة الثالثة فهي إمكانية تحقيق أي طموح مؤجل حين يصبح الأبناء في سن يمكنهم الاعتماد على أنفسهم فيه، وهذا ما حدث معي شخصيا، لذلك أوجه هنا رسالة إلى أي امرأة لم تستطع تحقيق أي هدف في سن مبكرة بأنها قادرة على ذلك لاحقا، فالطموح لا يرتبط بالعمر، وليس هناك مستحيل في الحياة طالما توفرت الإرادة، ولعل السلبية الوحيدة التي واجهتها من زواجي المبكر هو مجرد تأخر طموحي العلمي والعملي.
ماذا عن دراستك؟
- كم تمنيت أن أقوم بدراسة تخصص الإعلام والعلاقات العامة أو التربية الرياضية، ولكن الظروف قادتني إلى دراسة إدارة الأعمال وليس عن رغبة بل كان أمرا واقعا، ولم أجد نفسي في هذا المجال مطلقا، ثم تخرجت وعملت في وظيفة كانت بالنسبة إليَّ بداية النقلة في مشواري.
وما تلك الوظيفة؟
الوظيفة كانت في مجال خدمة العملاء بشركة اتصالات، وقد تعلمت منها الكثير من مهارات التواصل مع الآخرين، ثم عملت بعدها في مجال الموارد البشرية مدة ست سنوات في إحدى الشركات التي ساهمت في تأسيسها، وهنا أدركت شغفي الحقيقي والذي اكتشفته عند تعاملي مع الموظفين ومحاولة حل مشاكلهم، ومساعدتهم في التغلب على التحديات التي تواجههم، والعمل على تحسين أدائهم، وقد تفرغت مدة ست سنوات لأسرتي سعيت خلالها إلى تطوير مهاراتي في مجال الكوتشينج، بالبحث والدراسة بهدف الاحتراف، كما كثفت من عملي التطوعي الذي أنجزت فيه الكثير، ثم راودني حلمي المؤجل وقررت أن أحققه.
وماذا كان حلمك المؤجل؟
- طموحي الأساسي وحلمي الحقيقي الذي ظل يراودني كان دراسة الإعلام والعلاقات العامة، وبالفعل عدت إلى الدراسة من جديد والتحقت بالجامعة، وتخرجت عند عمر 37 عاما مع مرتبة الشرف وذلك بعد انقطاع حوالي 14 عاما، وكان هدفي أن أحقق ذاتي، وأواكب ما يحدث من حولي، وبالطبع كان تحديا كبيرا بالنسبة إليَّ، ولكني كنت بقدرة ولله الحمد، وبعدها عملت كمدربة تطوير للموظفين بالمستشفيات الحكومية، مهمتي رفع كفاءتهم، وتحسين أدائهم، وتمكينهم من تقديم خدماتهم على أكمل وجه.
إلى ماذا تحتاج مهنة الكوتشينج مع تحولها إلى ظاهرة؟
- لا شك أن مهنة الكوتشينج بحاحة اليوم إلى جهة متخصصة تقوم بعملية التدقيق في مزاولتها، والرقابة عليها، خاصة بعد أن اقتحمها أناس غير مؤهلين دخلاء عليها، ومع ذلك يمكن القول إن هناك درجة لا بأس بها من الوعي يتحلى بها البعض يكونون معها قادرين على اختيار الشخص المناسب والمدرسة التي تلائم احتياجاتهم، فأنا على سبيل المثال لدي مفرداتي وأدواتي الخاصة التي ابتكرتها بنفسي وتتناسب مع فكري وأسلوبي، وهذا ما يتمتع به كل مدرب، فلكل منا مهاراته وبصمته ولكننا جميعا نخضع لأساسيات علمية متعارف عليها دوليا.
أهم تحد واجهك؟
- لا شك أن قرار ترك الوظيفة من أجل العمل الحر كان من أصعب القرارات التي اتخذتها عبر مشواري، وكان تحديا كبيرا بالنسبة إليَّ، هذا فضلا عن أن أزمة جائحة كورونا كانت أيضا من أهم التحديات التي واجهتني، والتي اضطررت في ظلها إلى إلغاء وتأجيل بعض الورش والبرامج، وتنفيذها أون لاين، وسعيدة جدا بتجربتي مع معهد الإدارة العامة الحكومي الوحيد في مجال بناء القيادات الشابة، بهدف تنمية جيل قيادي شبابي، وهذا هو ما يحتاجه الجيل الجديد، الدعم المادي والمعنوي ليس إلا، وذلك من خلال منحه مزيدا من الثقة في قدراتهم وإمكانياتهم، وتحميلهم المسؤوليات المختلفة من دون أي تخوف أو تردد.
ما أفضل السبل للتعامل مع الجيل الحالي؟
- أنا أرى الجيل الحالي مسؤولا جدا، ولكنه بحاجة إلى تعامل من نوع خاص يتماشى مع العصر السريع والمتغير والمتجدد بشكل مخيف الذي نعيشه اليوم وبصفة عامة يمكن القول إن هناك تغييرا جذريا في التعامل مع الشباب في الفترة الأخيرة، وفي ذلك يرجع الفضل إلى قائد الشباب سمو الشيخ ناصر وإلى القائمين على وزارة الشباب والرياضة، الذين وفروا بيئة مشجعة ومحفزة للغاية لاستثمار طاقاتهم، وكان لي شرف العمل في مدينة الشباب كمدربة برنامج قيادي خاص بالناشئة، وساعدت الكثيرين من الصغار على اكتشاف ذواتهم وشغفهم.
خطأ شائع تتمني القضاء عليه؟
- من أكثر الأمور التي يحتاجها قطاع عريض من الناس اليوم هو التدريب على التخطيط السليم، وترتيب الأولويات، والتفكير المتأني، واكتساب مهارات إدارة الأزمات، وموازنة الحياة، ولعل أهم الأخطاء الشائعة المنتشرة والتي أتمنى التخلص منها هو المقارنة بالآخرين ووضع الخطط بناء على ذلك وليس انطلاقا من الحاجة الشخصية، فلا شك أن أنجح الناس هم هؤلاء المتوازنون، الذين يخططون لأنفسهم بناء على ظروفهم واحتياجاتهم هم وليس غيرهم من المحيطين بهم.
متى تفشل المرأة في رأيك؟
- تفشل المرأة غالبا إذا ربطت سعادتها ونجاحها بشيء أو شخص ما، ولله الحمد أنا أجد نفسي إنسانة محظوظة بشدة، لأنني وجدت كل الدعم والتشجيع من زوجي، والذي أشعر بالامتنان له بشكل كبير، ولذلك أهم قيمة حاولت تعليمها لأبنائي هي الامتنان، وبشكل عام يمكن القول إنني ممتنة لكل شيء في حياتي، حتى الإخفاقات التي تعرضت لها والتي تعلمت منها الكثير.
حلم تتمنين تحقيقه؟
- حلمي الإنساني أن يكون هناك جهة إغاثية توجه خدماتها خارج البحرين للمحتاجين، أما على صعيد العمل فأتمنى أن أصبح أول إمراه بحرينية متخصصة في تطوير الكوادر الشبابية الحكومية بشكل حديث، وقد قمت بإنجاز مشابه أفخر به كثيرا وهو إخضاع الشباب لمعسكرات تستفيد منها الأجيال القادمة، تحت مسمى معسكرات القادة، وكان المعسكر الأول بالبحرين ومعتمدا من قبل المركز الكندي العالمي لتدريب الشباب من عمر 18-34 عاما، بهدف تعزيز الروح القيادية لديهم، والمعسكر الثاني كان مع مدينة الشباب للناشئة لتعلم المسؤولية القيادية ومهارات الإقناع والتفاوض وإدارة الأزمات وغيرها، أما المعسكر الثالث فكان بالتعاون مع شركة سياحية محلية ومكانه ماليزيا، ولكنه توقف بسبب ظروف كورونا، وكان للشباب من الجنسين من عمر 12-18 عاما، وسوف نعاود استئنافه من جديد قريبا خلال هذا العام.
وعلى الصعيد الأكاديمي؟
- على الصعيد الأكاديمي أسعى حاليا إلى الحصول على رسالتي الماجستير والدكتوراه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك