العدد : ١٦٨٢٨ - الجمعة ١٩ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٠ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٢٨ - الجمعة ١٩ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٠ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

الإصرار على الـنـصـر في خطاب بوتين

بقلم: د. نبيل العسومي

الأحد ١٤ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

شكل‭ ‬الاحتفال‭ ‬السنوي‭ ‬الذي‭ ‬نظمته‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬بمناسبة‭ ‬الذكرى‭ ‬الـ78‭ ‬للانتصار‭ ‬على‭ ‬النازية‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الوطنية‭ ‬العظمى‭ ‬وتحرير‭ ‬العالم‭ ‬منها‭ ‬ومن‭ ‬الدمار‭ ‬الذي‭ ‬تسببت‭ ‬فيه‭ ‬وخاصة‭ ‬عدد‭ ‬الضحايا‭ ‬الذي‭ ‬يربو‭ ‬على‭ ‬70‭ ‬مليون‭ ‬إنسان،‭ ‬مناسبة‭ ‬لاستعراض‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬توصلت‭ ‬إليه‭ ‬التقنية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬والتحديثات‭ ‬التي‭ ‬أدخلت‭ ‬على‭ ‬الأسلحة‭ ‬الروسية،‭ ‬حيث‭ ‬شهدت‭ ‬الساحة‭ ‬الحمراء‭ ‬المحاذية‭ ‬للكرملين‭ ‬دخول‭ ‬طابور‭ ‬مختلف‭ ‬الوحدات‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬تباعا‭ ‬بعتادها‭ ‬ومعداتها‭ ‬بحضور‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬وكبار‭ ‬المسؤولين‭.‬

وفي‭ ‬بداية‭ ‬الحفل‭ ‬ألقى‭ ‬الرئيس‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬خطابا‭ ‬مهما‭ ‬قيَّم‭ ‬فيه‭ ‬علاقة‭ ‬روسيا‭ ‬بالغرب‭ ‬ونظرته‭ ‬إلى‭ ‬الوضع‭ ‬العالمي‭ ‬الراهن‭ ‬المتسم‭ ‬بتغول‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وإصرارها‭ ‬على‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬وتغول‭ ‬الغرب‭ ‬عامة‭ ‬وإصراره‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬قواعده‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الاحتفال‭ ‬فرصة‭ ‬للإشارة‭ ‬وبوضوح‭ ‬إلى‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬العالم‭ ‬وروسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وقد‭ ‬عبر‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬كلمته‭ ‬التي‭ ‬ألقاها‭ ‬خلال‭ ‬العرض‭ ‬العسكري‭ ‬بتأكيد‭ ‬عدد‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬النقاط‭ ‬المرجعية‭ ‬التي‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬وتحليل‭ ‬الواقع‭ ‬والمستقبل‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭:‬

أولا‭: ‬أكد‭ ‬بوتين‭ ‬أن‭ ‬الحضارة‭ ‬الإنسانية‭ ‬عامة‭ ‬تواجه‭ ‬اليوم‭ ‬منعطفا‭ ‬خطيرا‭ ‬وأن‭ ‬الغرب‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬يشن‭ ‬حربا‭ ‬شاملة‭ ‬وحقيقية‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬الإرادة‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وإنما‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬قاطبة‭ ‬والإبقاء‭ ‬على‭ ‬ذات‭ ‬القواعد‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والأمنية‭ ‬التي‭ ‬فرضها‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬وأصبحت‭ ‬مصدر‭ ‬قوته‭ ‬وهيمنته‭ ‬على‭ ‬العالم‭.‬

ثانيا‭: ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬للأسف‭ ‬نفس‭ ‬أدوات‭ ‬النازية‭ ‬والفاشية‭ ‬التي‭ ‬شاركت‭ ‬روسيا‭ ‬والبلدان‭ ‬الغربية‭ ‬محاربتها‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬اليوم‭ ‬تدعم‭ ‬الجماعات‭ ‬النازية‭ ‬والفاشية‭ ‬التي‭ ‬تحارب‭ ‬روسيا‭ ‬بدعم‭ ‬وتشجيع‭ ‬وتخطيط‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬صامدة‭ ‬وواقفة‭ ‬بقوة‭ ‬وصلابة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬هذه‭ ‬الهجمة‭ ‬الهمجية‭ ‬وهذه‭ ‬المؤامرة‭ ‬على‭ ‬روسيا،‭ ‬ولذلك‭ ‬اعتبر‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬أن‭ ‬مستقبل‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وربما‭ ‬مستقبل‭ ‬العالم‭ ‬أيضا‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬تمكن‭ ‬ونجاح‭ ‬روسيا‭ ‬وقواتها‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬إحباط‭ ‬هذه‭ ‬المؤامرة‭ ‬وقمع‭ ‬القوى‭ ‬النازية‭ ‬والفاشية‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يأتي‭ ‬التقدير‭ ‬الكبير‭ ‬للمشاركين‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬بناء‭ ‬مستقبل‭ ‬ينعم‭ ‬فيه‭ ‬الجميع‭ ‬بالسلام‭ ‬والحرية‭ ‬والاستقرار‭.‬

ثالثا‭: ‬من‭ ‬النقاط‭ ‬البارزة‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬بوتين‭ ‬تأكيد‭ ‬أن‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬التي‭ ‬تقود‭ ‬الغرب‭ ‬عامة‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬خاصة‭ ‬هي‭ ‬أيديولوجية‭ ‬استعلائية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬التفوق‭ ‬المثيرة‭ ‬للاشمئزاز‭ ‬والمرفوضة‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬كما‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الإنسانية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬فالغرب‭ ‬لا‭ ‬يمانع‭ ‬أبدا‭ ‬في‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬نزاعات‭ ‬وحروب‭ ‬دامية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬مصالحه‭ ‬الضيقة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬ذلك‭ ‬يحشد‭ ‬قواته‭ ‬وإمكانياته‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والإعلامية‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لعزل‭ ‬روسيا‭ ‬وإلحاق‭ ‬هزيمة‭ ‬استراتيجية‭ ‬بها‭ ‬تمهيدا‭ ‬لإضعافها‭ ‬وتقسيمها‭ ‬وإلغاء‭ ‬نتائج‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬خلقت‭ ‬عالما‭ ‬متوازنا‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب‭ ‬وتدمير‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الذي‭ ‬ترتب‭ ‬على‭ ‬نتائج‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬اتحاد‭ ‬الجمهوريات‭ ‬الاشتراكية‭ ‬السوفيتية‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭.‬

رابعا‭: ‬في‭ ‬معرض‭ ‬كلمته‭ ‬ذكر‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬القائمة‭ ‬اليوم‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬في‭ ‬أساسها‭ ‬هي‭ ‬نتيجة‭ ‬الانقلاب‭ ‬النازي‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الشرعي‭ ‬المنتخب‭ ‬هذا‭ ‬الانقلاب‭ ‬الذي‭ ‬دعمه‭ ‬الغرب‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وكان‭ ‬مقدمة‭ ‬لحرب‭ ‬عامي‭ ‬2014‭ ‬و2017‭ ‬التي‭ ‬قادتها‭ ‬القيادة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬الجديدة‭ ‬ضد‭ ‬شعب‭ ‬الدونباس‭ ‬الذي‭ ‬يتألف‭ ‬بنسبة‭ ‬99%‭ ‬من‭ ‬الروس‭ ‬والناطقين‭ ‬بالروسية‭ ‬والذين‭ ‬تعرضوا‭ ‬للقتل‭ ‬والتنكيل‭ ‬وتدمير‭ ‬مقدراتهم‭ ‬وبيوتهم‭ ‬ومدنهم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الفاشية‭ ‬الجديدة‭.‬

من‭ ‬المهم‭ ‬أيضا‭ ‬الإشارة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬التاريخي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بوتين‭ ‬ذكر‭ ‬مجددا‭ ‬أن‭ ‬رابطة‭ ‬الدول‭ ‬المستقلة‭ ‬وهي‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تشكل‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬السابق‭ ‬كانت‭ ‬جزءا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الفاشية‭ ‬والنازية‭ ‬وما‭ ‬حضور‭ ‬قيادات‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الاحتفال‭ ‬إلا‭ ‬تأكيد‭ ‬لاعتبار‭ ‬أن‭ ‬النصر‭ ‬على‭ ‬النازية‭ ‬هو‭ ‬نصر‭ ‬جماعي‭ ‬وليس‭ ‬نصرا‭ ‬روسيا‭ ‬فقط‭ ‬ولذلك‭ ‬شكل‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬المنهجي‭ ‬صورة‭ ‬واضحة‭ ‬للفكر‭ ‬الذي‭ ‬يقود‭ ‬روسيا‭ ‬اليوم‭ ‬وللرؤية‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬الحرب‭ ‬الجارية‭ ‬حاليا‭ ‬هي‭ ‬حرب‭ ‬مماثلة‭ ‬تماما‭ ‬للحرب‭ ‬على‭ ‬النازية‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬الوطنية‭ ‬العظمى‭ ‬أيام‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬وبالتالي‭ ‬فهي‭ ‬حرب‭ ‬وجود‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الانتصار‭ ‬فيها‭ ‬ولا‭ ‬مجال‭ ‬لأي‭ ‬هزيمة‭ ‬لأن‭ ‬الهزيمة‭ ‬تعنى‭ ‬انتهاء‭ ‬روسيا‭ ‬كما‭ ‬يعرفها‭ ‬العالم‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا