العدد : ١٦٨٥٢ - الاثنين ١٣ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٢ - الاثنين ١٣ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

«اَلْهَنْدَرَة» كمدخل مبتكر لزيادة الكفاءة والفاعلـية فـي مؤسـسـات التعليم العالي

بقلم: د. ياسر أحمد جمعة {

الجمعة ١٤ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

يقوم‭ ‬العديد‭ ‬منا‭ ‬بالذهاب‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬يوميًا‭ ‬لأداء‭ ‬المهام‭ ‬والمسؤوليات‭ ‬المناطة‭ ‬به،‭ ‬وقد‭ ‬يتعلق‭ ‬ذلك‭ ‬بالقيام‭ ‬بخدمات‭ ‬أو‭ ‬أعمال‭ ‬تدريسية‭ ‬أو‭ ‬إدارية‭ ‬وغيرها،‭ ‬هل‭ ‬تساءلنا‭ ‬يومًا‭ ‬عن‭ ‬السبب‭ ‬وراء‭ ‬قيامنا‭ ‬بهذا‭ ‬العمل؟‭ ‬هل‭ ‬تساءلنا‭ ‬يومًا‭ ‬عن‭ ‬الفوائد‭ ‬التي‭ ‬يحققها‭ ‬هذا‭ ‬العمل؟‭ ‬هل‭ ‬يتميز‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬نقوم‭ ‬به‭ ‬بقيمة‭ ‬مضافة‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬رسالة‭ ‬وأهداف‭ ‬المؤسسة‭ ‬التي‭ ‬ننتمي‭ ‬إليها؟‭ ‬هل‭ ‬توجد‭ ‬طرق‭ ‬أفضل‭ ‬لتقديم‭ ‬هذه‭ ‬الخدمة‭ ‬أو‭ ‬القيام‭ ‬بالعمل‭ ‬‏بشكل‭ ‬أفضل؟

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬بساطة‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية،‭ ‬فهي‭ ‬القاعدة‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬ينطلق‭ ‬منها‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬اَلْهَنْدَرَة‮»‬‭ ‬والتي‭ ‬تسعى‭ ‬الى‭ ‬إحداث‭ ‬تغييرات‭ ‬جذرية‭ ‬في‭ ‬أساليب‭ ‬وطرق‭ ‬العمل‭ ‬بالمؤسسات‭ ‬لتتناسب‭ ‬مع‭ ‬إيقاع‭ ‬ومتطلبات‭ ‬السرعة‭ ‬ومواكبة‭ ‬الثورة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬التي‭ ‬يفرضها‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬وتقديم‭ ‬الأفضل‭ ‬دائما‭.‬

والجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬ان‭ ‬‮«‬اَلْهَنْدَرَة‮»‬‭ ‬كلمة‭ ‬عربية‭ ‬جديدة‭ ‬مركبة‭ ‬من‭ ‬كلمتي‭ ‬‮«‬هندسة‮»‬‭ ‬و«إدارة‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬ترجمة‭ ‬للمصطلح‭ ‬الإنجليزي‭ ‬‮«‬Reengineering‭ ‬Business‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬يعني‭ ‬إعادة‭ ‬هندسة‭ ‬الأعمال،‭ ‬وقدم‭ ‬تم‭ ‬تركيب‭ ‬‏‮«‬هَنْدَرَة‮»‬‭ ‬‏على‭ ‬غرار‭ ‬‮«‬هندسة‮»‬‭ ‬لتواكب‭ ‬المفاهيم‭ ‬والتطبيقات‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تسود‭ ‬لغة‭ ‬الإدارة‭ ‬العالمية،‭ ‬وهي‭ ‬بهذه‭ ‬الصيغة‭ ‬تصلح‭ ‬للتصريف‭ ‬اللغوي‭ ‬فنقول‭: ‬‏‮«‬هَنْدَرَة‮»‬‭ ‬لوصف‭ ‬العملية‭ ‬والنظرية،‭ ‬و«مِهِنْدَرْ‮»‬‭ ‬لوصف‭ ‬الشخص‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬‮«‬اَلْهَنْدَرَة‮»‬،‭ ‬و«هَنْدَرَ‮»‬،‭ ‬‮«‬يُهَنْدِرْ‮»‬‭ ‬كأفعال‭. ‬ويقصد‭ ‬بـ«الهندسة‮»‬‭ ‬تطبيق‭ ‬القواعد‭ ‬الرياضية‭ ‬والعلمية‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬نتائج‭ ‬عملية‭ ‬مثل‭ ‬التصميم‭ ‬والبناء‭ ‬والترتيب،‭ ‬ويقصد‭ ‬بإعادة‭ ‬الهندسة‭ ‬‮«‬الهندرة‮»‬‭ ‬الإعادة‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

ولقد‭ ‬اتفق‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬‮«‬اَلْهَنْدَرَة‮»‬‭ ‬هي‭: ‬إعادة‭ ‬التنظيم‭ ‬الجذري‭ ‬للنظم‭ ‬والعمليات‭ ‬الإدارية‭ ‬وإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬المؤسسة‭ ‬وفي‭ ‬طرق‭ ‬العمل‭ ‬التي‭ ‬تتبعها،‭ ‬بهدف‭ ‬تحقيق‭ ‬قفزة‭ ‬نوعية‭ ‬خارقة‭ ‬للعادة‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬الأداء‭ ‬وخدمات‭ ‬العملاء،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬زيادة‭ ‬الإنتاج‭ ‬وتقليل‭ ‬الهدر‭ ‬والاستجابة‭ ‬الفورية‭ ‬للمتغيرات‭ ‬واستخدام‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬واعتبار‭ ‬العنصر‭ ‬البشرى‭ ‬أهم‭ ‬الموارد،‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬أداة‭ ‬لخفض‭ ‬التكاليف‭ ‬وتحقيق‭ ‬تحسينات‭ ‬جوهرية‭ ‬في‭ ‬الجودة‭ ‬والأداء‭ ‬والإنتاجية‭ ‬والمنافسة‭ ‬وتعميق‭ ‬مفاهيم‭ ‬الجودة‭ ‬الشاملة‭ ‬المستدامة‭ ‬وتفعيلها‭.‬

وتأسيسا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬ذكره‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬إعادة‭ ‬هندسة‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ (‬اَلْهَنْدَرَة‭) ‬هي‭ ‬إعادة‭ ‬تصميم‭ ‬وإحداث‭ ‬تغييرات‭ ‬جوهرية‭ ‬والقيام‭ ‬بمهام‭ ‬متجددة‭ ‬وتبني‭ ‬استراتيجيات‭ ‬تنافسية‭ ‬وتغيير‭ ‬أنماط‭ ‬العمل‭ ‬لمواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بالبيئة‭ ‬الداخلية‭ ‬او‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تواجه‭ ‬مؤسسات‭ ‬التعليم‭ ‬العالي،‭ ‬فاذا‭ ‬كانت‭ ‬هندسة‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬تعني‭ ‬خلق‭ ‬القيمة،‭ ‬فإعادة‭ ‬الهندسة‭ (‬اَلْهَنْدَرَة‭) ‬هي‭ ‬تعظيم‭ ‬القيمة،‭ ‬فهي‭ ‬محاولة‭ ‬مخططة‭ ‬ومبرمجة‭ ‬لتعظيم‭ ‬قدرات‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية،‭ ‬لتحقيق‭ ‬فاعلية‭ ‬للمؤسسة‭ ‬التعليمية‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وللأفراد‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬

ويتفق‭ ‬الباحثون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ثلاثة‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬الهندسة‭ (‬اَلْهَنْدَرَة‭). ‬النوع‭ ‬الأول‭ ‬يشمل‭ ‬المؤسسات‭ ‬ذات‭ ‬الوضع‭ ‬السيئ‭ ‬والأداء‭ ‬المتدني،‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬مشاكل‭ ‬كبيرة‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬انخفاض‭ ‬وارتفاع‭ ‬تكاليف‭ ‬التشغيل‭ ‬وانخفاض‭ ‬جودة‭ ‬الخدمات‭ ‬أو‭ ‬المنتجات‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬وعدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬المنافسة‭. ‬النوع‭ ‬الثاني‭ ‬يشمل‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬للتعرض‭ ‬للمشاكل‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬فيها‭ ‬مؤشرات‭ ‬لتدهور‭ ‬الوضع‭ ‬مستقبلا،‭ ‬كالارتفاع‭ ‬التدريجي‭ ‬في‭ ‬تكاليف‭ ‬التشغيل‭ ‬والإنتاج،‭ ‬وعدم‭ ‬امتلاك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬مسايرة‭ ‬التطور‭ ‬والمنافسة‭. ‬

أما‭ ‬النوع‭ ‬الثالث‭ ‬فيشمل‭ ‬المؤسسات‭ ‬المتميزة،‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬أوج‭ ‬التفوق‭ ‬والنجاح‭ ‬ولا‭ ‬تعاني‭ ‬إطلاقا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مشاكل،‭ ‬وتوجد‭ ‬دلائل‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬قوية‭ ‬وتمتلك‭ ‬حصة‭ ‬عالية‭ ‬جدا‭ ‬بالمقارنة‭ ‬بالمنافسين،‭ ‬ولا‭ ‬تعاني‭ ‬إطلاقا‭ ‬من‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬تكاليف‭ ‬تشغيلها،‭ ‬أو‭ ‬تدنى‭ ‬جودة‭ ‬المنتجات‭ ‬أو‭ ‬الخدمات‭ ‬التي‭ ‬تقدمها،‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬تحتاج‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬هندسة‭ ‬عملياتها‭ ‬الإدارية‭ (‬هَنْدَرَة‭) ‬للمحافظة‭ ‬على‭ ‬الفجوة‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬المنافسين‭. ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬يتضح‭ ‬جليا‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬‏‭(‬اَلْهَنْدَرَة‭)‬‏‭ ‬تعد‭ ‬ضرورة‭ ‬ملحة‭ ‬لكل‭ ‬مؤسسات‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬وفى‭ ‬كل‭ ‬الأوقات‭ ‬لتقييم‭ ‬الوضع‭ ‬للبقاء‭ ‬في‭ ‬الريادة‭.‬

إن‭ ‬نجاح‭ ‬تطبيق‭ ‬ا‏‭(‬اَلْهَنْدَرَة‭)‬‏‭ ‬في‭ ‬مؤسسات‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬تقييم‭ ‬الوضع‭ ‬الحالي‭ ‬واحترام‭ ‬مبادئها‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تجسيدها‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬المخرجات‭ ‬والنتائج،‭ ‬والتحفيز‭ ‬على‭ ‬الابتكار‭ ‬والإبداع،‭ ‬وتوفير‭ ‬الموارد،‭ ‬والعناية‭ ‬بالتطور‭ ‬الوظيفي‭ ‬الطويل‭ ‬الأجل،‭ ‬واعتماد‭ ‬مبدأ‭ ‬المقارنة‭ ‬المرجعية‭ ‬ومحاولة‭ ‬التمثل‭ ‬والاقتداء‭ ‬بنماذج‭ ‬ناجحة،‭ ‬والجمع‭ ‬بين‭ ‬المركزية‭ ‬واللامركزية،‭ ‬ووضع‭ ‬معايير‭ ‬جديدة‭ ‬للتحفيز‭ ‬والترقية،‭ ‬وتبني‭ ‬التفكير‭ ‬الاستباقي‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الاستنتاجي‭ ‬لاكتشاف‭ ‬المشاكل‭ ‬الخفية‭ ‬الكامنة،‭ ‬والحث‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬قاعدة‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الصندوق‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬الإبداع‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬قيود‭ ‬التكرارية‭ ‬والرتابة‭ ‬وتفجير‭ ‬الطاقات‭ ‬الإبداعية‭.‬

أخيراً‭ ‬وليس‭ ‬آخراً،‭ ‬أود‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المتفائلين‭ ‬يرون‭ ‬الكأس‭ ‬نصف‭ ‬الممتلئ‭ ‬بالماء،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يرونه‭ ‬المتشائمون‭ ‬نصف‭ ‬فارغ،‭ ‬واَلْمهَنْدَرُونْ‭ ‬يرون‭ ‬فيه‭ ‬زجاجة‭ ‬فائضة‭ ‬عن‭ ‬الحاجة‭. ‬اَلْمُهَنْدِرْ‭ ‬يتجاهل‭ ‬الجانبين‭ ‬الإيجابي‭ ‬والسلبي‭ ‬وينظر‭ ‬إلى‭ ‬الجانب‭ ‬العملي،‭ ‬حيث‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الزجاجة‭ ‬الفائضة‭ ‬تمثل‭ ‬فائضا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستفادة‭ ‬منه‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭.‬

 

{ زميل‭ ‬أكاديمية‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬البريطانية

عضو‭ ‬جمعية‭ ‬البحرين‭ ‬للإنماء‭ ‬والتطوير

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا