العدد : ١٦٨٥٢ - الاثنين ١٣ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٢ - الاثنين ١٣ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

تأملات ودروس في ذكرى الغزو الأمريكي للعراق

بقلم: سنية الحسيني {

الخميس ١٣ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

صادف‭ ‬في‭ ‬العشرين‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬عام‭ ‬2023‭. ‬مرور‭ ‬ذكرى‭ ‬غزو‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬للعراق،‭ ‬عقدان‭ ‬كاملان‭ ‬مرا،‭ ‬عاش‭ ‬العراق‭ ‬خلالهما،‭ ‬ولا‭ ‬يزال،‭ ‬حالة‭ ‬معاناة‭ ‬وألم‭ ‬تؤكدها‭ ‬أعداد‭ ‬القتلى‭ ‬والجرحى‭ ‬والمهاجرين‭ ‬الذين‭ ‬فروا‭ ‬من‭ ‬بلادهم‭ ‬طلباً‭ ‬للأمن‭ ‬وللحياة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الكريمة‭.‬

جاءت‭ ‬حجة‭ ‬إدارة‭ ‬جورج‭ ‬دبليو‭ ‬بوش‭ ‬لغزو‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬حينها،‭ ‬الإطاحة‭ ‬بنظام‭ ‬الرئيس‭ ‬العراقي‭ ‬صدام‭ ‬حسين،‭ ‬الذي‭ ‬اتهم‭ ‬بعلاقته‭ ‬بالقاعدة،‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬برنامج‭ ‬لأسلحة‭ ‬دمار‭ ‬شامل‭ ‬يفترض‭ ‬وجوده،‭ ‬ووعد‭ ‬بخلق‭ ‬بلد‭ ‬ديمقراطي‭.‬

هذه‭ ‬الحرب‭ ‬بكل‭ ‬مآسيها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عبرة‭ ‬للعرب‭ ‬عموماً‭ ‬والفلسطينيين‭ ‬خصوصاً،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬معرفة‭ ‬طريقة‭ ‬تفكير‭ ‬الغرب‭ ‬ببلادنا‭ ‬وأدواته‭ ‬لتحقيقها،‭ ‬ذلك‭ ‬بتحليل‭ ‬بعض‭ ‬تفاصيلها‭.‬

أزالت‭ ‬الحرب‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬عدو‭ ‬إسرائيل‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وهي‭ ‬الدولة‭ ‬العربية‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬تهديداً‭ ‬لإسرائيل‭ ‬في‭ ‬حينه،‭ ‬حيث‭ ‬ضرب‭ ‬العراق‭ ‬أهدافاً‭ ‬إسرائيلية‭ ‬بصواريخ‭ ‬سكود‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ ‬الثانية،‭ ‬كما‭ ‬أثارت‭ ‬برامج‭ ‬العراق‭ ‬للأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬والكيماوية‭ ‬قلق‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ما‭ ‬دفعها‭ ‬إلى‭ ‬قصف‭ ‬مفاعل‭ ‬أوزيراك‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1981‭. ‬وتبلورت‭ ‬نوايا‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬باتجاه‭ ‬الإطاحة‭ ‬بنظام‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬مباشرة،‭ ‬فرغم‭ ‬عدم‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالنظام‭ ‬العراقي‭ ‬بعد‭ ‬إخراج‭ ‬القوات‭ ‬العراقية‭ ‬من‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1991،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬توجه‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬إسقاطه،‭ ‬فشجعت‭ ‬الانتفاضات‭ ‬الشعبية‭ ‬ضده‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬وعندما‭ ‬قمع‭ ‬الرئيس‭ ‬صدام‭ ‬تلك‭ ‬الانتفاضات،‭ ‬توجهت‭ ‬السياسة‭ ‬الأميركية‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ومناطق‭ ‬حظر‭ ‬الطيران‭ ‬والتفتيش‭ ‬على‭ ‬الأسلحة،‭ ‬ونشرت‭ ‬قواتها‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬معتمدة‭ ‬سياسة‭ ‬الاحتواء‭ ‬المزدوج‭ ‬الموجهة‭ ‬ضد‭ ‬العراق‭ ‬وإيران‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬بيل‭ ‬كلينتون‭ ‬ركز‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬مراكز‭ ‬التفكير‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬عام‭ ‬1997‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬تغيير‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬التالي‭ ‬كتوجه‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬أروقة‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭.‬

بعد‭ ‬أحداث‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر،‭ ‬بدأت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المتنفذين‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬الأمريكي‭ ‬أمثال‭ ‬دونالد‭ ‬رامسفيلد‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬جورج‭ ‬دبليو‭ ‬بوش‭ ‬ونائبه‭ ‬بول‭ ‬وولفويتز‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬صقورها،‭ ‬بالدعوة‭ ‬إلى‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭.‬

‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تأكيد‭ ‬المخابرات‭ ‬الأمريكية‭ ‬أن‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬وراء‭ ‬الهجوم،‭ ‬ومعارضه‭ ‬حلفاء‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الرئيسة‭ ‬وتركيا‭ ‬الغزو،‭ ‬شجعت‭ ‬إسرائيل‭ ‬والجماعات‭ ‬الموالية‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬ذلك‭.‬

بعد‭ ‬الإطاحة‭ ‬بصدام‭ ‬حسين،‭ ‬وتفكيك‭ ‬البنية‭ ‬العسكرية‭ ‬والمدنية‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬حل‭ ‬الجيش‭ ‬وسرح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬ألف‭ ‬موظف‭ ‬عمومي‭ ‬من‭ ‬الخدمة‭ ‬المدنية،‭ ‬وتركز‭ ‬الوجود‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬العسكري،‭ ‬واعتمدت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬نخبة‭ ‬عراقية‭ ‬محددة،‭ ‬لإدارة‭ ‬شؤون‭ ‬البلاد‭.‬

قبل‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬بعقد،‭ ‬مولت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مجموعة‭ ‬عراقية‭ ‬معارضة‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬المهجر،‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬سيناريو‭ ‬‮«‬العراق‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬صدام‮»‬‭.‬

بعد‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعراق،‭ ‬أُنشئ‭ ‬مجلس‭ ‬مؤقت‭ ‬لحكم‭ ‬البلاد،‭ ‬لحين‭ ‬ترتيب‭ ‬أوضاعها،‭ ‬تشكل‭ ‬معظمه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قيادات‭ ‬عادت‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬البلاد،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬رؤساء‭ ‬الوزراء‭ ‬الذين‭ ‬تولوا‭ ‬مهام‭ ‬هذا‭ ‬المنصب‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2004،‭ ‬الأخير‭ ‬فقط‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬قبل‭ ‬الغزو‭. ‬

قام‭ ‬أعضاء‭ ‬الائتلاف‭ ‬الحاكم‭ ‬بصياغة‭ ‬دستور‭ ‬جديد‭ ‬للعراق،‭ ‬والإعداد‭ ‬لإجراء‭ ‬أول‭ ‬انتخابات‭ ‬بعد‭ ‬رحيل‭ ‬صدام،‭ ‬والذي‭ ‬ركز‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬نظام‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬والمحاصصة،‭ ‬بين‭ ‬الشيعة‭ ‬والسنة‭ ‬العرب‭ ‬والسنة‭ ‬الأكراد،‭ ‬لم‭ ‬يمنح‭ ‬السنة‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬إطاره‭ ‬النسبة‭ ‬التي‭ ‬تطلعوا‭ ‬إليها،‭ ‬فقاطع‭ ‬كثير‭ ‬منهم‭ ‬الانتخابات‭.‬

وركز‭ ‬السياسيون‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الانتخابات‭ ‬على‭ ‬شعارات‭ ‬تعبوية‭ ‬طائفية‭. ‬وزاد‭ ‬تأثير‭ ‬تلك‭ ‬السياسات‭ ‬سوءاً‭ ‬توجه‭ ‬النخبة‭ ‬الحاكمة‭ ‬الجديدة‭ ‬نحو‭ ‬العسكرة‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الإطار‭ ‬الرسمي‭. ‬فبعد‭ ‬حل‭ ‬الجيش،‭ ‬شجعت‭ ‬النخب‭ ‬العراقية‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬نزع‭ ‬سلاح‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬التابعة‭ ‬لها،‭ ‬واحتفظ‭ ‬كل‭ ‬حزب‭ ‬بمجموعة‭ ‬شبه‭ ‬عسكرية‭ ‬لحمايتها،‭ ‬ما‭ ‬رسخ‭ ‬من‭ ‬ظاهرة‭ ‬انتشار‭ ‬الأسلحة‭ ‬خارج‭ ‬النطاق‭ ‬الرسمي،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬توجه‭ ‬واضح‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬الجيش‭. ‬أنتج‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭ ‬والانتخابات‭ ‬التي‭ ‬تمخضت‭ ‬عنه‭ ‬انقساماً‭ ‬طائفياً‭ ‬اجتماعياً‭ ‬وسياسياً‭ ‬واضحاً،‭ ‬فباتت‭ ‬التعيينات‭ ‬الوظيفية‭ ‬محكومة‭ ‬بالهوية،‭ ‬وخلق‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬العزل‭ ‬بين‭ ‬الأحياء‭ ‬وطرقاتها،‭ ‬التي‭ ‬تلونت‭ ‬طائفياً،‭ ‬فظهرت‭ ‬الفتنة‭ ‬الطائفية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬خامدة‭ ‬قرونا،‭ ‬والتي‭ ‬بلغت‭ ‬ذروتها‭ ‬بحرب‭ ‬أهلية‭ ‬طائفية‭ ‬عام‭ ‬2006‭.‬

لم‭ ‬ينجح‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مؤسساته‭ ‬بسبب‭ ‬الطائفية‭ ‬التي‭ ‬زرعت‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬أرسته‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وأوصلها‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬أهلية،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬النظام‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الذي‭ ‬ادعت‭ ‬نيتها‭ ‬إرساءه،‭ ‬فتغلغل‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬مفاصل‭ ‬الدولة‭ ‬وركائزها،‭ ‬ومارست‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬العنف‭ ‬والقمع‭ ‬بحق‭ ‬المواطنين‭ ‬العراقيين‭.‬

واستشرى‭ ‬الفساد‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬السنوات‭ ‬العشرين‭ ‬الماضية‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬الحكم‭ ‬العراقية،‭ ‬ويدعي‭ ‬مسؤولون‭ ‬عراقيون‭ ‬كبار‭ ‬اختفاء‭ ‬مئات‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬بسبب‭ ‬الفساد‭.‬

ورغم‭ ‬ارتفاع‭ ‬الميزانية‭ ‬السنوية‭ ‬للعراق‭ ‬من‭ ‬عائدات‭ ‬النفط،‭ ‬لا‭ ‬توفر‭ ‬الحكومة‭ ‬أبسط‭ ‬الخدمات‭ ‬البديهية‭ ‬للمواطن‭ ‬مثل‭ ‬توفير‭ ‬الماء‭ ‬والكهرباء،‭ ‬أو‭ ‬تطور‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬الرئيسة‭ ‬والمرافق‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وبات‭ ‬العراق‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬حقبة‭ ‬العقوبات‭ ‬خلال‭ ‬التسعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

وبات‭ ‬المواطن‭ ‬العراقي‭ ‬لا‭ ‬يثق‭ ‬بمنظومة‭ ‬الحكم‭ ‬القائم،‭ ‬فانخفضت‭ ‬نسبة‭ ‬المشاركة‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬عن‭ ‬السابقة،‭ ‬حتى‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬أدنى‭ ‬معدلاتها‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأخيرة‭ ‬عام‭ ‬2021‭.‬

وقمعت‭ ‬الحكومة‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬الشباب‭ ‬العراقي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬والتي‭ ‬عرفت‭ ‬باسم‭ ‬حركة‭ ‬تشرين،‭ ‬ونددت‭ ‬بالوضع‭ ‬الحياتي‭ ‬القائم‭ ‬وبنظام‭ ‬المحاصصة‭ ‬الطائفي،‭ ‬فقتلت‭ ‬السلطات‭ ‬مئات‭ ‬وجرحت‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المتظاهرين‭. ‬

أشار‭ ‬بايدن‭ ‬الشهر‭ ‬الماضي‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬روسيا‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬باعتبارها‭ ‬الغزو‭ ‬الواسع‭ ‬النطاق‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬شهده‭ ‬العالم‭ ‬منذ‭ ‬ثمانية‭ ‬عقود،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬تصريحاته‭ ‬جاءت‭ ‬قبل‭ ‬شهر‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الذكرى‭ ‬العشرين‭ ‬للغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعراق،‭ ‬والتي‭ ‬صوت‭ ‬بايدن‭ ‬نفسه‭ ‬لشنها‭ ‬في‭ ‬حينه‭.‬

المشكلة‭ ‬أن‭ ‬قضية‭ ‬العدالة‭ ‬الدولية‭ ‬غير‭ ‬موجودة‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عالم‭ ‬يكيل‭ ‬بمكيالين‭.‬

ففي‭ ‬حين‭ ‬أصدرت‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬مذكرة‭ ‬توقيف‭ ‬بحق‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين،‭ ‬بدعوى‭ ‬مسؤوليته‭ ‬عن‭ ‬جرائم‭ ‬حرب،‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الهجوم‭ ‬الروسي‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬في‭ ‬مهزلة‭ ‬جديدة‭ ‬تلحق‭ ‬بمنظومة‭ ‬العدالة‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تقودها‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬لم‭ ‬تعامل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بالمثل‭ ‬عند‭ ‬غزوها‭ ‬لأفغانستان‭ ‬والعراق‭ ‬بعد‭ ‬أحداث‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭.‬

بعد‭ ‬موافقة‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬على‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬قد‭ ‬ارتكبت‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬والعراق‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬18‭ ‬عاماً‭ ‬على‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي،‭ ‬فرضت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬بينهم‭ ‬المدعية‭ ‬العامة‭ ‬للمحكمة‭ ‬في‭ ‬حينه‭ ‬فاتو‭ ‬بنسودة،‭ ‬فتم‭ ‬تعليق‭ ‬التحقيق‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭.‬

وعندما‭ ‬سعى‭ ‬مدعي‭ ‬المحكمة‭ ‬كريم‭ ‬خان‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬فتح‭ ‬التحقيق‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬المحكمة،‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬يعتزم‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬حركة‭ ‬‮«‬طالبان‮»‬‭ ‬وجماعة‭ ‬أفغانية‭ ‬تابعة‭ ‬لتنظيم‭ ‬‮«‬داعش‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬جرائم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬إحدى‭ ‬الدول‭ ‬الاثنتي‭ ‬عشرة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تنضم‭ ‬إلى‭ ‬المحكمة‭.‬

‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الدروس‭ ‬التي‭ ‬علينا‭ ‬تعلمها‭ ‬أن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬الوطني‭ ‬الداخلي‭ ‬للدول‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬السماح‭ ‬لأي‭ ‬تدخل‭ ‬أجنبي‭ ‬أولوية‭ ‬قصوى،‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬الوطن‭ ‬وسلامته،‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬أعلم‭ ‬بشعابها‭. ‬وأن‭ ‬وهم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬التي‭ ‬تروج‭ ‬لها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬مصالحها‭ ‬فقط،‭ ‬وليس‭ ‬لأنها‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬الإصلاح‭ ‬وخير‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬استغلال‭ ‬أو‭ ‬خلق‭ ‬الانقسام‭ ‬داخل‭ ‬المجتمعات،‭ ‬يعد‭ ‬أحد‭ ‬طرق‭ ‬الاختراق‭ ‬الأمريكي‭ ‬للدول،‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالحها‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬الاقتصادية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬مصلحة‭ ‬شعوبها‭ ‬وسلامتهم‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬مفهوم‭ ‬العدالة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المؤسسات‭ ‬القائمة‭ ‬اليوم‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬الطريق‭ ‬الأمثل‭ ‬أو‭ ‬الطريق‭ ‬الأساس‭ ‬لتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الحقيقية،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬منظومة‭ ‬دولية‭ ‬غربية‭.‬

 

{ كاتبة‭ ‬وباحثة‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا