العدد : ١٦٨٥٠ - السبت ١١ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٠ - السبت ١١ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

الأبعاد الاجتماعية والصحية والاقتصادية للصيام (4)

بقلم: د. أسعد حمود السعدون {

الاثنين ١٠ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

تناول‭ ‬الفصل‭ ‬العاشر‭ ‬المعنون‭ ‬بـ«الصيام‭ ‬والصحة‭ ‬العامة‮»‬‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬الموسوم‭ ‬‮«‬من‭ ‬أسرار‭ ‬الصيام‭ ‬وحكمه‮»‬‭ ‬لمؤلفه‭ ‬فضيلة‭ ‬الأستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالكريم‭ ‬العمري‭ ‬أهمية‭ ‬الصيام‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الصحة‭ ‬العامة،‭ ‬وقد‭ ‬أثبتت‭ ‬الدراسات‭ ‬العلمية‭ ‬المعاصرة‭ ‬دور‭ ‬الصيام‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ ‬الخطرة‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬مرض‭ ‬السرطان‭ ‬الذي‭ ‬عجزت‭ ‬أغلب‭ ‬العلاجات‭ ‬الطبية‭ ‬المعتمدة‭ ‬من‭ ‬القضاء‭ ‬عليه‭ ‬وإكساب‭ ‬المصابين‭ ‬الشفاء‭ ‬التام،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬علاجه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ ‬الأخرى‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬أمراضا‭ ‬معوية‭ ‬أو‭ ‬أمراض‭ ‬المفاصل،‭ ‬أو‭ ‬أمراض‭ ‬القلب‭ ‬والأوعية‭ ‬الدموية،‭ ‬وأمراض‭ ‬السمنة،‭ ‬والأمراض‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬ارتفاع‭ ‬الكوليسترول‭ ‬والدهون‭ ‬في‭ ‬الدم،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تقويته‭ ‬للجهاز‭ ‬المناعي‭ ‬في‭ ‬الجسم‭. ‬لا‭ ‬بل‭ ‬يعالج‭ ‬حتى‭ ‬الأمراض‭ ‬النفسية،‭ ‬حيث‭ ‬يحتسب‭ ‬الصائم‭ ‬صيامه‭ ‬لله‭ ‬تعالى‭ ‬وينشغل‭ ‬في‭ ‬الذكر‭ ‬والعبادة،‭ ‬ويبتعد‭ ‬عن‭ ‬هموم‭ ‬الدنيا‭ ‬ومنغصاتها‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الصيام‭ ‬يخفف‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬الغريزة‭ ‬الجنسية‭ ‬لدى‭ ‬الشباب،‭ ‬وبذلك‭ ‬يقيهم‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ ‬النفسية‭ ‬أو‭ ‬الانحرافات‭ ‬السلوكية‭.‬

لذا‭ ‬قال‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬يا‭ ‬معشر‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬استطاع‭ ‬منكم‭ ‬الباءة‭ ‬فليتزوج،‭ ‬فإنه‭ ‬أغض‭ ‬للبصر‭ ‬وأحصن‭ ‬للفرج،‭ ‬ومن‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬فعليه‭ ‬بالصوم‭ ‬فإنه‭ ‬له‭ ‬وجاء‮»‬‭.‬

وجاء‭ ‬الفصل‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬الموسوم‭ ‬بـ«الصيام‭ ‬والتكافل‭ ‬الاجتماعي‮»‬‭ ‬ليوضح‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬تتجلى‭ ‬أعمق‭ ‬صور‭ ‬التكافل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتتسع‭ ‬مجالات‭ ‬المسؤولية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للأفراد‭ ‬والمؤسسات‭ ‬والدولة،‭ ‬وما‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬إنفاذا‭ ‬لشرع‭ ‬الله‭ ‬واقتداء‭ ‬بنبينا‭ ‬الكريم‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬أجود‭ ‬الناس،‭ ‬وكان‭ ‬أجود‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬رمضان‭. ‬لذا‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬وقتنا‭ ‬الراهن‭ ‬موائد‭ ‬الإفطار‭ ‬في‭ ‬المساجد‭ ‬والساحات‭ ‬العامة‭ ‬وعلى‭ ‬الطرقات،‭ ‬كما‭ ‬تقوم‭ ‬الجمعيات‭ ‬الخيرية‭ ‬بتوزيع‭ ‬المؤن‭ ‬والمساعدات‭ ‬المالية‭ ‬والعينية‭ ‬على‭ ‬المحتاجين،‭ ‬وتسارع‭ ‬الحكومات‭ ‬الإسلامية‭ ‬إلى‭ ‬مضاعفة‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬لذوي‭ ‬الدخل‭ ‬المحدود‭ ‬وكبار‭ ‬السن‭ ‬وذوي‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الخاصة‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬الفئات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬بأمس‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬العون‭. ‬كما‭ ‬تطلق‭ ‬الحكومات‭ ‬قرارات‭ ‬العفو‭ ‬عن‭ ‬الموقوفين‭ ‬والمحكومين،‭ ‬وتفتح‭ ‬أبواب‭ ‬الدعم‭ ‬والمساعدة‭ ‬عن‭ ‬المدينين‭ ‬المعسرين‭. ‬وعموما‭ ‬فإن‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬فرصة‭ ‬سانحة‭ ‬لتخفيف‭ ‬آلام‭ ‬المحرومين‭ ‬وسد‭ ‬حاجات‭ ‬المعوزين،‭ ‬وتفقد‭ ‬الأقارب‭ ‬والأصدقاء‭ ‬وتقديم‭ ‬العون‭ ‬لمن‭ ‬هم‭ ‬بحاجة‭ ‬إليه‭.‬

وحمل‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬عشر‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬العشر‭ ‬الفاضلة‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬العشر‭ ‬الأواخر‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬إذا‭ ‬دخلها‭ ‬شد‭ ‬مئزره،‭ ‬وأحيا‭ ‬ليله،‭ ‬وأيقظ‭ ‬أهله،‭ ‬ويضاعف‭ ‬عبادته،‭ ‬وينوع‭ ‬طاعاته،‭ ‬ويعمل‭ ‬أعمالا‭ ‬يتقرب‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬ربه‭ ‬لم‭ ‬يعملها‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬الشهر‭ ‬الأخرى‭ ‬ومنها‭ ‬الاعتكاف‭ ‬فيها،‭ ‬حيث‭ ‬ينقطع‭ ‬عن‭ ‬الدنيا‭ ‬ومشاغلها‭ ‬ويتفرغ‭ ‬للعبادة‭. ‬وما‭ ‬ذاك‭ ‬إلا‭ ‬لفضل‭ ‬هذه‭ ‬العشر،‭ ‬اللهم‭ ‬اجعلنا‭ ‬ممن‭ ‬يغتنم‭ ‬هذه‭ ‬العشر‭ ‬ويحرص‭ ‬على‭ ‬الاجتهاد‭ ‬فيها‭ ‬والفوز‭ ‬بأجرها‭. ‬

وأوضح‭ ‬الفصل‭ ‬الثالث‭ ‬عشر‭ ‬الموسوم‭ ‬بـ«ليلة‭ ‬القدر‮»‬‭ ‬أهمية‭ ‬هذه‭ ‬الليلة‭ ‬المباركة‭ ‬فمن‭ ‬حظي‭ ‬بها‭ ‬نال‭ ‬سعادة‭ ‬الدنيا‭ ‬والآخرة،‭ ‬وقد‭ ‬أوضح‭ ‬الله‭ ‬جل‭ ‬في‭ ‬علاه‭ ‬أهميتها‭ ‬في‭ ‬محكم‭ ‬كتابه‭ ‬العظيم‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬الدخان‭ ‬بقوله‭ ‬تعالى‭: (‬إنا‭ ‬أنزلناه‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬مباركة‭ ‬إنا‭ ‬كنا‭ ‬منذرين‭ (‬3‭) ‬فيها‭ ‬يفرق‭ ‬كل‭ ‬أمر‭ ‬حكيم‭ (‬4‭) ‬أمرا‭ ‬من‭ ‬عندنا‭ ‬إنا‭ ‬كنا‭ ‬مرسلين‭ (‬5‭) ‬رحمة‭ ‬من‭ ‬ربك‭ ‬إنه‭ ‬هو‭ ‬السميع‭ ‬العليم‭(‬6‭)).‬

كما‭ ‬قال‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬السورة‭ ‬التي‭ ‬خصصها‭ ‬لها‭ ‬‭ ‬سورة‭  ‬القدر‭: (‬إِنَّا‭ ‬أَنْزَلْنَاهُ‭ ‬فِي‭ ‬لَيْلَةِ‭ ‬الْقَدْرِ‭ (‬1‭) ‬وَمَا‭ ‬أَدْرَاكَ‭ ‬مَا‭ ‬لَيْلَةُ‭ ‬الْقَدْرِ‭ (‬2‭) ‬لَيْلَةُ‭ ‬الْقَدْرِ‭ ‬خَيْرٌ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَلْفِ‭ ‬شَهْرٍ‭ (‬3‭) ‬تَنَزَّلُ‭ ‬الْمَلَائِكَةُ‭ ‬وَالرُّوحُ‭ ‬فِيهَا‭ ‬بِإِذْنِ‭ ‬رَبِّهِمْ‭ ‬مِنْ‭ ‬كُلِّ‭ ‬أَمْرٍ‭ (‬4‭) ‬سَلَامٌ‭ ‬هِيَ‭ ‬حَتَّى‭ ‬مَطْلَعِ‭ ‬الْفَجْرِ‭ (‬5‭)). ‬فبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬نزول‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الليلة،‭ ‬ينزل‭ ‬جبريل‭(‬الروح‭) ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬والملائكة،‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬شرف‭ ‬هذه‭ ‬الليلة‭ ‬المباركة‭ ‬وهي‭ ‬ليلة‭ ‬سلام‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬الشيطان‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬أو‭ ‬يدنس‭ ‬الإنسان‭ ‬أو‭ ‬الأرض‭ ‬فيها،‭ ‬وإن‭ ‬الملائكة‭ ‬تسلم‭ ‬وتحيي‭ ‬المسلمين‭ ‬فيها‭. ‬وإن‭ ‬السلام‭ ‬فيها‭ ‬يستمر‭ ‬حتى‭ ‬طلوع‭ ‬الشمس‭. ‬وقد‭ ‬حض‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أمته‭ ‬على‭ ‬اغتنام‭ ‬هذه‭ ‬الليلة‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬من‭ ‬قام‭ ‬ليلة‭ ‬القدر‭ ‬إيمانا‭ ‬واحتسابا‭ ‬غفر‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬من‭ ‬ذنبه‮»‬‭. ‬نسأل‭ ‬الله‭ ‬العظيم‭ ‬أن‭ ‬يجعلنا‭ ‬ممن‭ ‬يدرك‭ ‬هذه‭ ‬الليلة‭ ‬المباركة‭ ‬ويحظى‭ ‬بعفوه،‭ ‬اللهم‭ ‬إنك‭ ‬عفو‭ ‬تحب‭ ‬العفو‭ ‬فاعف‭ ‬عنا‭ ‬وارحمنا‭. ‬

واختتم‭ ‬الكتاب‭ ‬بالفصل‭ ‬الرابع‭ ‬عشر‭ ‬المعنون‭ ‬بـ‮«‬وداع‭ ‬شهر‭ ‬الصيام‮»‬‭ ‬ولسان‭ ‬حالنا‭ ‬يقول‭ ‬يا‭ ‬ليتنا‭ ‬لا‭ ‬نودعه‭ ‬لما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬بركة‭ ‬وخير‭ ‬وسرور‭ ‬وأمل،‭ ‬فأيامه‭ ‬الفاضلة‭ ‬ولياليه‭ ‬المباركة‭ ‬ستكون‭ ‬شاهدة‭ ‬لنا‭ ‬أو‭ ‬علينا‭ ‬بما‭ ‬استودعناه‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬الأعمال،‭ ‬حسنها،‭ ‬وسيئها،‭ ‬حلوها‭ ‬ومرها،‭ ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬آخر‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ . ‬في‭ ‬وداع‭ ‬رمضان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬التوبة‭ ‬والاستغفار،‭ ‬فإن‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬يبسط‭ ‬يده‭ ‬بالليل‭ ‬ليتوب‭ ‬مسيء‭ ‬النهار،‭ ‬ويبسط‭ ‬يده‭ ‬في‭ ‬النهار‭ ‬ليتوب‭ ‬مسيء‭ ‬الليل‭. ‬وفي‭ ‬ختام‭ ‬الشهر‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬صدقة‭ ‬الفطر،‭ ‬وإذا‭ ‬علمنا‭ ‬تمام‭ ‬الشهر‭ ‬نبدأ‭ ‬بالتكبير‭ ‬من‭ ‬غروب‭ ‬شمس‭ ‬ليلة‭ ‬العيد،‭ ‬ثم‭ ‬نؤدي‭ ‬صلاة‭ ‬العيد‭ ‬صبيحة‭ ‬أول‭ ‬يوم‭ ‬العيد‭.‬

اللهم‭ ‬اجعلنا‭ ‬ومؤلف‭ ‬الكتاب‭ ‬ممن‭ ‬غفرت‭ ‬لهم‭ ‬وعتقت‭ ‬رقابهم‭ ‬من‭ ‬النار،‭ ‬وفازوا‭ ‬بمرضاتك‭ ‬وجنتك‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم،‭ ‬اللهم‭ ‬إنا‭ ‬ظلمنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬فاغفر‭ ‬لنا‭ ‬وأنت‭ ‬الغفور‭ ‬الرحيم‭.‬

{‭ ‬أكاديمي‭ ‬وخبير‭ ‬اقتصادي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا