يقول المدرب الفرنسي الشهير روجيه لومير: «من أجل الدفاع عن اللقب.. يجب عليك أن تتعلم كيف تصل إليه مرة ثانية.. وهو ما نفعله في أي بطولة»!
نعم تبقى المتعة ويكمن النجاح في الحفاظ على ما يحققه المرء، وفي عدم الاكتفاء بما أنجزه، وهذا ما حدث فعليا مع البطلة الرياضية مريم عبدالحميد عيسى، أول بحرينية مدربة في منتخب البحرين للتجديف، التي تأهلت لبطولة العالم من خلال تحقيقها المركز الرابع عشر على مستوى العالم، والفتاة الوحيدة بفريق النخبة البحريني، حيث أثبتت تجربتها فعليا قدرة المرأة على منافسة الرجل في كافة المجالات الرياضية، حتى تلك التي كانت حكرا عليه في فترة من الفترات.
بعد مشوار طويل من العمل والعطاء قررت مؤخرا أن تتفرغ تماما لاحتراف رياضة التجديف، التي تحول عشقها لها إلى شغف لتمثيل وتشريف وطنها، ومعها اكتشفت قدرات لديها لم تكن تعلم عنها، وأدركت أن النجاح ما هو إلا نتيجة للفشل، وأن قوة الإرادة والتأهيل الذهني من أهم عوامل بلوغها أي هدف مهما كانت التحديات أو العثرات أو المحبطات.
حول هذه التجربة الملهمة كان الحوار التالي:
متى بدأت علاقتك بالرياضة؟
لقد نشأت في عائلة منفتحة على العالم، وداعمة بشدة لحرية الاختيارات ولأهمية المشاركة في الحياة الاجتماعية، فقد درس والداي خارج البحرين، واحتكا من قرب بالمجتمعات والثقافات الأخرى، الأمر الذي أسهم في أن ننشأ على مبدأ مفاده العيش بالشكل الذي يناسب ميولنا، وأهم ما كان يميزني وأنا طفلة هو النشاط بشكل لافت، لذلك وجدت في ممارسة الرياضة متنفسا كبيرا لي لإخراج ما بداخلي من طاقة.
كيف جاءت خطوة التفرغ بهدف الاحتراف؟
لقد مارست مختلف أنواع الرياضات، وكنت ضمن الفرق الأساسية بالمدرسة، ومع ذلك كنت دائما متفوقة في دراستي، وقد حصلت على بعثة للدراسة بجامعة بينتلي في امريكا لدراسة إدارة وتكنولوجيا المعلومات، وبعد التخرج التحقت بوظيفة في أحد البنوك، ثم درست الماجستير عن الإدارة العالمية في لندن، وتوظفت هناك لدى احدى الشركات المتخصصة في مجال الأسهم، ثم عدت إلى البحرين، وعملت لدى برنامج الأمم المتحدة الانمائي، ومع المجلس الثقافي البريطاني، ثم لدى شركة لريادة الأعمال، ثم قررت التفرغ تماما لشغفي وهو الرياضة.
لماذا التجديف؟
يبدو أنني لم اختر التجديف، بل هو الذي اختارني، فأنا أحب السباحة منذ صغري والرياضات البحرية بشكل عام، وقد حدث أنني تدربت على الكوستال ذات مرة، فجذبني بشدة، ووقعت في غرامه، ولم يكن هدفي حينئذ الاحتراف، ثم تحول الأمر إلى شغف أنافس من خلاله لصالح وطني، وفخورة اليوم بأنني أنافس العنصر الرجالي الذي يرى البعض أنه الأنسب لهذه الرياضة لما تتطلبه من بنية جسمانية أقوى، ولله الحمد أصبحت من المبدعين في مجالي من خلال التعلم المستمر.
هل واجهت أي انتقادات؟
لا شك أنني واجهت ومازلت أواجه بعض الانتقادات سواء من داخل الوسط الرياضي او خارجه، وخاصة أن المجتمع لا يرحب بالفتاة في هذا المجال، ولكن المرأة بذكائها وهدوئها تستطيع أن تتحدى أي محبطات أو عثرات، بالتجاهل ليس إلا؛ فهو أسلم حل طالما أنها تؤدي عملها بكل أمانة وشرف، مع تأكيد أن كل تصرفاتها محسوبة عليها، لذلك يجب أن تكون قدوة لغيرها.
أول إنجاز رياضي مهم؟
منذ عامين تقريبا تفرغت تماما للرياضة بشكل احترافي، وبتحويل شغفي إلى تمثيل وتشريف لوطني، وأخطط حاليا لأن يكون هناك «بيزنس» خاص بي في هذا المجال، وقد هيأت نفسي بالفعل لذلك بالتحاقي ببرنامج الأمم المتحدة لريادة الاعمال لتحقيق هذا الطموح، وخاصة أن عدد النساء في هذا المجال لا يزال قليلا ، ويجب أن أؤكد هنا دعم رئيس قسم التجديف باتحاد الرياضات البحريني وعضو الاتحاد العربي والآسيوي للتجديف عيسي الفاوي، فهو الذي ساعدني ودعمني بعد مشاركتي في البطولة الوطنية البحرية التي حققت فيها المركز الثاني، وبعدها انضممت إلى الاتحاد، ثم مثلت البحرين في الشارقة في بطولة بحرية على مستوى الخليج وأحرزنا المركز الثالث على مستوى الخليج والخامس على المستوى العربي.
وماذا عن بطولة آسيا؟
بعد هذا ذلك الانجاز عدنا إلى البحرين، واستعددنا لبطولة آسيا التي كان من المفترض أن تقام في هونج كونج، ولكنها تمت بصورة افتراضية بسبب ظروف كورونا، وتأهلت فيها للمشاركة في بطولة العالم، حيث حصلت على المركز الثالث، ثم حصلت على المركز الـ14 في بطولة العالم في هامبورج بألمانيا التي أقيمت افتراضيا أيضا، وكنت أول بحرينية بطلة تجديف تمثل المملكة في بطولة العالم للتجديف بعد تأهلها لبطولة آسيا، وشعرت بفخر شديد تجاه ذلك، وحاليا نركز على الاستعداد للبطولات العالمية البحرية القادمة أهمها الالعاب الأولمبية في باريس عام 2024 سواء كلاعبة أو مدربة.
مَن وراء نجاحك؟
أنا لا أترك فرصة لأي شيء أو أحد أن يثنيني عن هدفي أو تحقيق طموحي، ولدي قناعة بأن المرأة عموما لا تحتاج إلى ظهر أو سند كي تنجح في الحياة، فهي التي تتحكم في كل ما يخصها، والمسؤول الأول عن نجاحها أو فشلها.
أصعب مرحلة في مشوراك؟
أعترف بأن الرياضة سيطرت على كل حياتي، ولكن بملء إرادتي، وباختياري، ولست نادمة على ذلك، ولعل أصعب مرحلة كانت البداية، وتحديدا خلال أول بطولة شاركت بها والتي حققت فيها المركز الثاني، هنا شعرت بأنني فشلت، وعشت شهورا طويلة في هذا الاحساس المؤلم، حيث كان النجاح بالنسبة إلي في ذلك الوقت هو تحقيق المركز الاول ليس إلا، وخاصة أن الجميع توقع لي هذه المرتبة وراهنوا على ذلك، ولكن بسبب الخوف والتوتر وعدم الإعداد الذهني المطلوب لم أتمكن من احتلال المركز الذي توقعته.
ما هي أهمية الإعداد الذهني للاعب؟
الإعداد الذهني لأى لاعب أمر في غاية الأهمية، وقد تعلمت ذلك منذ التجربة الأولى المشار إليها سابقا، وتكمن أهميته في التدريب على عدم الشعور بالخوف أو التوتر، وقد بحثت كثيرا حول هذا الاعداد، واستعنت في ذلك بمساعدة من الأكاديمية الاولمبية متمثلة في شخص د. نبيل طه، فهو الذي لفت نظري إلى مسالة التهيئة النفسية للاعب، وبالفعل أدركت قيمة هذا الشيء الذي نفتقد الوعي به بالدرجة المطلوبة، فمن الضروري أن يستقل اللاعب ذهنيا ويكون متأهبا لأي تصرف وقت البطولة، ولا بد من تمتعه بالتركيز والثبات على الهدف، وعدم تشتيت طاقته في أمور أخرى قد تؤثر على أدائه، وعموما دائما تكون البدايات صعبة، أما الشيء الأصعب فهو الحفاظ على ما تحقق، وهنا يكون التحدي بيني وبين نفسي، ولولا الفشل ما بلغت النجاح، وقد تعلمت التركيز على نقاط الضعف وعدم تكرارها وإعداد نفسي ذهنيا قبل وبعد أي بطولة.
أهم تحد؟
لقد بدأت التدريب بعد تأهلي لبطولة آسيا مؤخرا، وأقوم به لمختلف الأعمار، وأتمنى أن يكون هناك ناد او مقر دائم للتجديف، يملك الاجهزة والادوات الخاصة به، وهو أمر غير متوافر حاليا، لأننا نقوم بالتدريب في معسكرات بأماكن بحرية مختلفة، وهذا يمثل أهم تحد أمامنا، لأننا بحاجة إلى صناعة مواهب المستقبل، الأمر الذي يتطلب رصد ميزانية مناسبة لذلك لأننا تأخرنا في ذلك مقارنة بدول أخرى، فضلا عن الحاجة إلى معسكرات طوال العام، والتدريب على كل أنواع الموج، وغيرها من الأمور المهمة التي تمكننا من المنافسة في هذه الرياضة.
النقطة الفارقة في مشوارك؟
النقطة الفارقة في مشواري كانت أول بطولة شاركت فيها حين حققت المركز الثاني، فقد مثلت بالنسبة إلي صفعة جهزتني لباقي البطولات اللاحقة، وهنا تعلمت أنه كلما فشل أي رياضي أكثر ازدادت أمامه فرص النجاح، لأنه مع كل فشل يدرك أين الخلل، ويبذل كل جهده لتذليله والانتصار عليه.
إلى أي مدى يعلم اللاعب حقوقه؟
لا خوف على أي لاعب اليوم، فهو يدرك حقوقه جيدا، وهي محفوظة، كما أن هناك حماية تامة له، ففي عالم الرياضة هناك جهات تتسم بالشفافية تتابع من كثب ما يحدث على الساحة في أي مجتمع، مثل المنظمة العالمية للتجديف، التي حصلت على شهادة منها كأول بحرينية تشارك في بطولة العالم للتجديف في ألمانيا، وعلى شهادة أخرى وميدالية نظير مشاركتي في بطولة آسيا في هونج كونج.
كيف ترين الرياضة النسائية اليوم؟
لا شك أن الرياضة النسائية البحرينية تشارك وتنافس اليوم بشكل احترافي، لما تحظى به من اهتمام ودعم على أعلى المستويات، ولكن مازالت هناك حاجة إلى مزيد من الدعم، وإلى مدربين أكفاء، وإلى مناهج تدرس، وإلى تبادل الخبرات، كما أننا بحاجة إلى مدربات نساء لتوفير الأريحية للمتدربات، وإلى زيادة الأعداد النسائية بشكل عام في كل الرياضات، وكم أنا فخورة بأنني الفتاة الوحيدة في فريق النخبة من بين ستة أعضاء، ومع ذلك أتمنى مشاركة أوسع من قبل العنصر النسائي في هذا الفريق.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك