العدد : ١٦٨٥١ - الأحد ١٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٤ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥١ - الأحد ١٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٤ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

الأبعاد الاجتماعية والصحية والاقتصادية للصيام (2)

بقلم: د. أسعد حمود السعدون

الاثنين ٠٣ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

أبرز‭ ‬الكتاب‭ ‬الموسوم‭ ‬‮«‬من‭ ‬أسرار‭ ‬الصيام‭ ‬وحكمه‮»‬‭ ‬لمؤلفه‭ ‬فضيلة‭ ‬الأستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالكريم‭ ‬العمري‭ ‬أن‭ ‬الصيام‭ ‬ليس‭ ‬فريضة‭ ‬دينية‭ ‬فحسب,‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬أيضا‭ ‬مدرسة‭ ‬تربوية‭ ‬وقيمة‭ ‬اجتماعية‭ ‬عليا،‭ ‬وأسلوب‭ ‬وقائي‭ ‬وعلاجي‭ ‬للروح‭ ‬والنفس‭ ‬والبدن،‭ ‬وآلية‭ ‬ديناميكية‭ ‬لتفعيل‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأفراد‭ ‬والدولة‭.  ‬وهو‭ ‬رحمة‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬جل‭ ‬في‭ ‬علاه‭ ‬للأمة‭ ‬الإسلامية‭. ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬مقدمة‭ ‬وأربعة‭ ‬عشر‭ ‬فصلا،‭ ‬وقد‭ ‬عرضنا‭ ‬بإيجاز‭ ‬شديد‭ ‬للمقدمة‭ ‬والفصلين‭ ‬الأول‭ ‬والثاني‭ ‬في‭ ‬مقالنا‭ ‬السابق‭ ‬في‭ ‬صحيفتنا‭ ‬الغراء‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬المقالة‭ ‬نعرض‭ ‬لأربعة‭ ‬فصول‭ ‬أخرى‭ ‬منه‭. ‬فقد‭ ‬حمل‭ ‬الفصل‭ ‬الثالث‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬الصيام‭ ‬والتقوى‮»‬‭ ‬يبدأ‭ ‬بالتذكير‭ ‬بقوله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬البقرة‭ (‬يا‭ ‬أيها‭ ‬الذين‭ ‬امنوا‭ ‬كتب‭ ‬عليكم‭ ‬الصيام‭ ‬كما‭ ‬كتب‭ ‬على‭ ‬الذين‭ ‬من‭ ‬قبلكم‭ ‬لعلكم‭ ‬تتقون‭) (‬آية‭ :‬183‭). ‬حيث‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬فريضة‭ ‬الصيام،‭ ‬والهدف‭ ‬من‭ ‬الصيام‭ ‬متمثلا‭ ‬في‭ ‬التقوى،‭ ‬والتقوى‭ ‬من‭ ‬أسمى‭ ‬مراتب‭ ‬عبادة‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬اذ‭ ‬يجعل‭ ‬الإنسان‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬غضب‭ ‬وسخط‭ ‬وعذاب‭ ‬ربه‭ ‬وقاية،‭  ‬فالصيام‭ ‬الصحيح‭ ‬يقي‭ ‬الإنسان‭ ‬مما‭ ‬يوجب‭ ‬عذاب‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬معاص‭ ‬وسيئات‭ ‬وتغليب‭ ‬للشهوات،‭ ‬وجاءت‭ ‬كلمة‭ ‬لعلكم‭ ‬بمعنى‭ ‬رجاء‭ ‬الإنسان‭ ‬ربه‭ ‬بأن‭ ‬يغفر‭ ‬له‭ ‬خطاياه‭ ‬ويمنعه‭ ‬من‭ ‬تكرارها،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬توفره‭ ‬فريضة‭ ‬الصيام‭ ‬من‭ ‬حواجز‭ ‬تقي‭ ‬وتزكي‭ ‬البدن‭ ‬وتضيق‭ ‬مسالك‭ ‬الشيطان‭ . ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬التقوى‭ ‬هي‭ ‬أول‭ ‬القيم‭ ‬التربوية‭ ‬للصيام،‭ ‬فكلما‭ ‬جاء‭ ‬رمضان‭ ‬جدد‭ ‬التقوى‭ ‬وعززها‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المؤمن،‭ ‬طاعة‭ ‬لله‭ ‬وطمعا‭ ‬في‭ ‬رضوانه‭ ‬وجزائه،‭ ‬وهو‭ ‬القائل‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬القدسي‭: ‬‮«‬كل‭ ‬عمل‭ ‬ابن‭ ‬آدم‭ ‬له،‭ ‬إلا‭ ‬الصيام،‭ ‬فإنه‭ ‬لي،‭ ‬وأنا‭ ‬أجزي‭ ‬به‮»‬،‭ ‬فما‭ ‬أروعه‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬وما‭ ‬أعظمه‭ ‬من‭ ‬جزاء‭. ‬

وجاء‭ ‬الفصل‭ ‬الرابع‭ ‬بعنوان‭: ‬‮«‬بركة‭ ‬السحور‮»‬،‭ ‬والسحور‭ ‬خاصية‭ ‬مميزة‭ ‬للأمة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬فقد‭ ‬قال‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬فصل‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬صيامنا،‭ ‬وصيام‭ ‬أهل‭ ‬الكتاب،‭ ‬أكلة‭ ‬السحور‮»‬‭. ‬وأكد‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬أحاديث‭ ‬أخرى‭ ‬عليه‭ ‬أفضل‭ ‬الصلاة‭ ‬وأتم‭ ‬التسليم‭ ‬بالقول‭: ‬‮«‬تسحروا‭ ‬فإن‭ ‬السحور‭ ‬بركة‮»‬،‭ ‬‮«‬لاتزال‭ ‬أمتي‭ ‬بخير‭ ‬ما‭ ‬أخروا‭ ‬السحور‮»‬،‭ ‬وإن‭ ‬الحكمة‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬هي‭ ‬تقليل‭ ‬فترة‭ ‬الإمساك،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تمكين‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬قوته‭ ‬ونشاطه‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬أعماله‭ ‬اليومية‭ ‬ولا‭ ‬يركن‭ ‬إلى‭ ‬النوم‭ ‬والكسل‭ ‬بحجة‭ ‬الصيام،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬فإن‭ ‬الصيام‭ ‬لن‭ ‬يخفض‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للأفراد،‭ ‬بل‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يزيده‭ ‬مدفوعا‭ ‬بقوة‭ ‬الإيمان،‭ ‬وتقوى‭ ‬الله‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬التقصير‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬الأعمال‭ ‬وهضم‭ ‬حقوق‭ ‬الآخرين‭ ‬الذين‭ ‬ينتظرون‭ ‬إنجاز‭ ‬معاملاتهم‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬له‭ ‬آثارا‭ ‬صحية‭ ‬في‭ ‬تنشيط‭ ‬الأمعاء‭ ‬وتعزيز‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭.‬

وتناول‭ ‬الفصل‭ ‬الخامس‭ ‬الموسوم‭ ‬بـ«الصيام‭ ‬والتوازن‭ ‬والاعتدال‮»‬‭ ‬مسألة‭ ‬مهمة‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬التوازن‭ ‬والاعتدال‭ ‬والوسطية‭ ‬سمة‭ ‬رئيسية‭ ‬للشريعة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬فلا‭ ‬إفراط‭ ‬ولا‭ ‬تفريط،‭ ‬ولا‭ ‬غلو‭ ‬ولا‭ ‬تقصير‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأوامر‭ ‬والتشريعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬والشراب‭ ‬ومرورا‭ ‬بالعمل‭ ‬والمعاملات‭ ‬ووصولا‭ ‬إلى‭ ‬العبادة‭ ‬وغيرها‭ ‬الكثير‭. ‬وفي‭ ‬مجال‭ ‬علاقة‭ ‬ذلك‭ ‬بالصيام،‭ ‬ينبغي‭ ‬تأكيد‭ ‬ضرورة‭ ‬ألا‭ ‬يتحول‭ ‬الصيام‭ ‬إلى‭ ‬موسم‭ ‬للتوسع‭ ‬المبالغ‭ ‬فيه‭ ‬لشراء‭ ‬المأكولات‭ ‬والطلب‭ ‬على‭ ‬المنتجات‭ ‬الغذائية‭ ‬المختلفة،‭ ‬والتباهي‭ ‬في‭ ‬الموائد‭ ‬الرمضانية،‭ ‬بحيث‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار،‭ ‬ويحرم‭ ‬ذوو‭ ‬الدخل‭ ‬المحدود‭ ‬من‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬أسرهم‭ ‬منها‭. ‬كما‭ ‬ينبغي‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬إفطار‭ ‬الصائم‭ ‬مدعاة‭ ‬للمزيد‭ ‬من‭ ‬الإفراط‭ ‬في‭ ‬الأكل‭ ‬والشراب‭ ‬وأن‭ ‬تتحول‭ ‬أمسيات‭ ‬رمضان‭ ‬إلى‭ ‬موائد‭ ‬مفتوحة‭ ‬وأكل‭ ‬متواصل‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬اعتاد‭ ‬عليه‭ ‬الصائم‭ ‬قبل‭ ‬رمضان،‭ ‬وما‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬أضرار‭ ‬صحية‭ ‬عديدة‭. ‬ومظاهر‭ ‬غير‭ ‬مستساغة‭ ‬اجتماعيا‭ ‬كظاهرة‭ ‬التجشؤ‭ ‬نتيجة‭ ‬الشبع‭ ‬الزائد،‭ ‬وقد‭ ‬ورد‭ ‬عن‭ ‬رسولنا‭ ‬الكريم‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أن‭ ‬عاتب‭ ‬أحد‭ ‬الأشخاص‭ ‬تجشأ‭ ‬عنده‭ ‬بالقول‭: ‬‮«‬كف‭ ‬عنا‭ ‬جشاءك،‭ ‬فإن‭ ‬أكثرهم‭ ‬شبعا‭ ‬في‭ ‬الدنيا،‭ ‬أطولهم‭ ‬جوعا‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‮»‬‭. ‬فيا‭ ‬من‭ ‬لديكم‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬وتبسطون‭ ‬الموائد‭ ‬العامرة‭ ‬بما‭ ‬طاب‭ ‬ولذ،‭ ‬ادخروا‭ ‬جزءا‭ ‬منه‭ ‬لآخرتكم‭ ‬بتوزيعه‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬طعاما‭ ‬يكفي‭ ‬أسرته‭. ‬

وفي‭ ‬الفصل‭ ‬السادس‭ ‬الموسوم‭ ‬‮«‬السر‭ ‬في‭ ‬تعجيل‭ ‬الإفطار‮»‬‭ ‬أوضح‭ ‬مؤلف‭ ‬الكتاب‭ ‬جزاه‭ ‬الله‭ ‬خيرا،‭ ‬الحكمة‭ ‬الكامنة‭ ‬في‭ ‬تعجيل‭ ‬الإفطار‭ ‬منطلقا‭ ‬من‭ ‬أمرين‭ ‬الأول‭ ‬الاستجابة‭ ‬إلى‭ ‬أوامر‭ ‬الله‭ ‬جل‭ ‬في‭ ‬علاه،‭ ‬وتوجيهات‭ ‬نبينا‭ ‬الكريم‭ ‬محمد‭ ‬عليه‭ ‬أفضل‭ ‬الصلاة‭ ‬وأتم‭ ‬التسليم‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬موعد‭ ‬الإفطار‭ ‬عند‭ ‬غروب‭ ‬الشمس‭ ‬ودخول‭ ‬الليل،‭ ‬والثاني‭ ‬رأفة‭ ‬الله‭ ‬بعباده‭ ‬ومحبته‭ ‬لهم‭ ‬والتخفيف‭ ‬عنهم‭ ‬والتيسير‭ ‬عليهم،‭ ‬ومكافأتهم‭ ‬بعد‭ ‬تنفيذ‭ ‬أمره‭ ‬في‭ ‬الصيام،‭ ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬عن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أنه‭ ‬قال‭: ‬قال‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬‮«‬إن‭ ‬أحب‭ ‬عبادي‭ ‬إلي‭ ‬أعجلهم‭ ‬فطرا‮»‬‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المبادرة‭ ‬في‭ ‬الإفطار‭ ‬مبكرا‭ ‬عند‭ ‬غروب‭ ‬الشمس‭ ‬مخالفة‭ ‬وتمييزا‭ ‬عن‭ ‬اليهود‭ ‬والنصارى‭ ‬الذين‭ ‬يؤخرون‭ ‬الإفطار‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬النجوم‭ ‬في‭ ‬السماء,‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬قال‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬ما‭ ‬يزال‭ ‬الدين‭ ‬ظاهرا،‭ ‬ما‭ ‬عجل‭ ‬الناس‭ ‬الفطر،‭ ‬إن‭ ‬اليهود‭ ‬والنصارى‭ ‬يؤخرون‮»‬‭. ‬

كما‭ ‬يرى‭ ‬بعض‭ ‬العلماء‭ ‬أن‭ ‬الحكمة‭ ‬من‭ ‬تعجيل‭ ‬الفطور‭ ‬ألا‭ ‬يزاد‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬النهار‭ ‬من‭ ‬الليل‭ ‬والله‭ ‬أعلم‭. ‬

{ أكاديمي‭ ‬وخبير‭ ‬اقتصادي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا