العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

عن مركز البحرين لآثار الخليج العربي وتراثه الثقافي

بقلم: هالة م. ج. الأنصاري

الاثنين ٢٧ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

خطوة‭ ‬مهمة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للبحرين‭ ‬مركز‭ ‬متخصص‭ ‬لحفظ‭ ‬وتوثيق‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬الذي‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬نص‭ ‬عليه‭ ‬قرار‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬في‭ ‬اجتماعه‭ ‬بتاريخ‭ (‬6‭ ‬مارس‭ ‬2023‭) ‬سيتم‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إنشائه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مذكرة‭ ‬تفاهم‭ ‬ستبرم‭ ‬بين‭ ‬هيئة‭ ‬الثقافة‭ ‬والآثار‭ ‬البحرينية‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ومعهد‭ ‬‮«‬طوكيو‭ ‬الوطني‮»‬‭ ‬وجامعة‭ ‬‮«‬كانازاوا‭ ‬اليابانية‮»‬‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬

المشروع،‭ ‬كما‭ ‬يشير‭ ‬عنوانه‭ ‬العريض،‭ ‬هو‭ ‬مشروع‭ ‬ضخم‭ ‬ومتشعب،‭ ‬أولاً؛‭ ‬لاتساع‭ ‬مظلته‭ ‬الجغرافية‭ ‬لتضم‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬التي‭ ‬وإن‭ ‬تشابهت‭ ‬ألوان‭ ‬الحياة‭ ‬بين‭ ‬دوله‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التنوع‭ ‬الثقافي‭ ‬للمجتمعات‭ ‬الخليجية‭ ‬سيتطلب‭ ‬عملاً‭ ‬دقيقاً‭ ‬وفرقا‭ ‬متخصصة‭ ‬لنقل‭ ‬ذلك‭ ‬التنوع‭ ‬ورصد‭ ‬صوره‭ ‬ومظاهره‭ ‬بكل‭ ‬دقة‭ ‬وأمانة‭ ‬وفهم‭ ‬تاريخي‭ ‬لذلك‭ ‬التراث‭. ‬

أما‭ ‬ثانياً؛‭ ‬فهو‭ ‬لارتباطه‭ ‬بجانب‭ ‬ذي‭ ‬أولوية‭ ‬وأهمية‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬تهتم‭ ‬بحفظ‭ ‬تراثها‭ ‬الثقافي‭ ‬وبتأريخ‭ ‬وتوثيق‭ ‬انتاجها‭ ‬الإنساني‭ ‬وتتبع‭ ‬أثره،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تعتبره‭ ‬تلك‭ ‬المجتمعات‭ ‬بمثابة‭ ‬الجسر‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬الماضي‭ ‬بالحاضر‭ ‬باستحضار‭ ‬الذاكرة‭ ‬الجمعية‭ ‬وإحيائها،‭ ‬لتستمد‭ ‬منها‭ ‬شعوبها‭ ‬ما‭ ‬يشكّل‭ ‬ويبني‭ ‬الثقافة‭ ‬المعاصرة‭ ‬ويثريها‭ ‬معرفياً‭ ‬وفكرياً،‭ ‬ويبرز‭ ‬عناصر‭ ‬تنوعها،‭ ‬ويقوي‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الإبداع‭ ‬وغزارة‭ ‬الإنتاج‭. ‬

ومن‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬البحرينية‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬اهتمام‭ ‬عالمي‭ ‬متزايد‭ ‬بالتراث‭ ‬الإنساني،‭ ‬وهناك‭ ‬أمثلة‭ ‬عديدة‭ ‬لمراكز‭ ‬نوعية‭ ‬تختص‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬متعدد‭ ‬الأركان،‭ ‬بين‭ ‬تراث‭ ‬مادي‭ ‬وغير‭ ‬مادي،‭ ‬وبتفرعاته‭ ‬التي‭ ‬تشمل‭ ‬شواهد‭ ‬الرقي‭ ‬الإنساني‭ ‬والخصوصية‭ ‬الثقافية‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬ومعمار‭ ‬وعادات‭ ‬وتقاليد‭ ‬وفلكلور‭ ‬وفنون‭ ‬وغناء‭ ‬وموسيقى،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬إغفال‭ ‬جانب‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية،‭ ‬هو‭ ‬جانب‭ ‬العلوم‭ ‬والآداب‭ ‬والترجمة‭ ‬واللغة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تتبع‭ ‬حركة‭ ‬التأليف‭ ‬والإنتاج‭ ‬الفكري‭ ‬للحقب‭ ‬التي‭ ‬تهتم‭ ‬بها‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المراكز‭ ‬النوعية‭.‬

الجميل‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التوجه،‭ ‬الذي‭ ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬تنقب‭ ‬فرق‭ ‬عمله‭ ‬عن‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ -‬بمعناه‭ ‬الواسع‭- ‬على‭ ‬كافة‭ ‬مستوياته‭ ‬وبالنزول‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬ميادينه،‭ ‬أنه‭ ‬سينعش‭ ‬صورا‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الذاكرة،‭ ‬‮«‬تلك‭ ‬الذاكرة‭ ‬التي‭ ‬تحجبها‭ ‬حياتنا‭ ‬المعاصرة‭ ‬وسط‭ ‬المدن‭ ‬الحديثة‭ ‬المتنامية‭ ‬بضجيجها‭ ‬الهائل‭ ‬والتي‭ ‬يعاودها‭ ‬الحنين‭ ‬إلى‭ ‬تراثها‭ ‬الجميل‭ ‬العتيق،‭ ‬ولا‭ ‬سبيل‭ ‬لتلك‭ ‬العودة‭ ‬إلا‭ ‬بانتهاج‭ ‬البحث‭ ‬بلغة‭ ‬التاريخ‭ ‬العلمي‭ ‬للتعرف‭ ‬على‭ ‬الخلفية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لتطورنا‭ ‬الحديث‭ ‬ونهضتنا‭ ‬الراهنة،‭ ‬إن‭ ‬نحن‭ ‬أردنا‭ ‬إدراك‭ ‬معاني‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر‭ ‬للتنبؤ‭ ‬بمعالم‭ ‬المستقبل‭ ‬وملامحه‮»‬‭.‬*

إذن،‭ ‬سيحمل‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬الفتي‭ ‬على‭ ‬عاتقه‭ ‬مسؤولية‭ ‬تدوين‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬الخليجي،‭ ‬وعندما‭ ‬تبادر‭ ‬البحرين‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬فأول‭ ‬ما‭ ‬يبادر‭ ‬الذهن‭ ‬حضاراتها‭ ‬القديمة،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬الحضارة‭ ‬الدلمونية‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬السند‭ ‬ببابل‭ ‬وعاصرت‭ ‬الفراعنة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إسهامها‭ ‬الواضح‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬ملامح‭ ‬الحركة‭ ‬الثقافية‭ ‬والأدبية‭ ‬والمعرفية‭ ‬لدول‭ ‬المنطقة؛‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬أعلام‭ ‬تلك‭ ‬الحركة‭ ‬في‭ ‬صدارة‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي،‭ ‬وكان‭ ‬لتفاعلهم‭ ‬مع‭ ‬محيطهم‭ ‬تأثيره‭ ‬الواضح‭ ‬على‭ ‬إقبال‭ ‬مثقفي‭ ‬الخليج‭ ‬وأدبائه‭ ‬وشعرائه‭ ‬وحتى‭ ‬تجاره‭ ‬على‭ ‬البحرين‭ ‬واستقرار‭ ‬بعضهم‭ ‬فيها‭ ‬بحكم‭ ‬ما‭ ‬يتمتع‭ ‬به‭ ‬مناخها‭ ‬من‭ ‬نشاط‭ ‬أدبي‭ ‬وتنظيم‭ ‬اداري‭ ‬وتجاري‭ ‬وانفتاح‭ ‬اجتماعي‭ ‬وفكري‭.‬

ولعلنا‭ ‬نجزم‭ ‬أن‭ ‬المحصلة‭ ‬النهائية‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬المركز‭ ‬الطموح،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ما‭ ‬سيرصده‭ ‬من‭ ‬شواهد‭ ‬ذات‭ ‬قيمة‭ ‬معنوية‭ ‬لشعوب‭ ‬الخليج‭ ‬لعراقة‭ ‬تراثهم‭ ‬وطبيعة‭ ‬عطائهم‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬تاريخهم،‭ ‬ستكون‭ ‬بمثابة‭ ‬المرجع‭ ‬للدارسين‭ ‬والباحثين‭ ‬لتستمر‭ ‬عجلة‭ ‬البحث‭ ‬والتوثيق‭ ‬والتحليل‭ ‬لترسيخ‭ ‬الهوية‭ ‬الخليجية‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬إرثها‭ ‬الحضاري‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬المحاولات‭ ‬التي‭ ‬تنقص‭ ‬من‭ ‬وجاهته‭ ‬وتطمس‭ ‬آثاره‭. ‬ولعلها‭ ‬فرصة‭ ‬كذلك‭ ‬أن‭ ‬يهتم‭ ‬المركز‭ ‬بالدراسات‭ ‬التي‭ ‬تتناول‭ ‬تأثير‭ ‬اكتشاف‭ ‬النفط‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ ‬الثقافي‭ ‬وتوضيح‭ ‬انعكاساته‭ ‬على‭ ‬مظاهر‭ ‬الحياة‭ ‬المختلفة،‭ ‬أي‭ ‬بمعنى‭ ‬هل‭ ‬أثرت‭ ‬صناعة‭ ‬النفط‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المظاهر،‭ ‬‮«‬وهل‭ ‬استطاع‭ ‬الخليج‭ ‬أن‭ ‬يوائم‭ ‬بين‭ ‬عالم‭ ‬النفط‭ ‬وقيم‭ ‬تراثه‭ ‬الثقافي؟‮»‬‭.‬*

والأهم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المركز‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬اكتملت‭ ‬أركانه‭ ‬سيكون،‭ ‬في‭ ‬ظننا،‭ ‬معلماً‭ ‬من‭ ‬معالم‭ ‬الوحدة‭ ‬الخليجية‭ ‬التي‭ ‬ستجسدها‭ ‬مجالات‭ ‬اختصاصه،‭ ‬ونتمنى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬ضمنها‭ ‬تتبع‭ ‬وتوثيق‭ ‬التاريخ‭ ‬الأدبي‭ ‬لأعلام‭ ‬الخليج‭ ‬كـ‮«‬حياة‭ ‬الأديب‭ ‬الشاعر‭ ‬عبدالجليل‭ ‬الطبطبائي،‭ ‬الذي‭ ‬ولد‭ ‬في‭ ‬البصرة،‭ ‬وفي‭ ‬سن‭ ‬الشباب‭ ‬رحل‭ ‬إلى‭ ‬الزبارة‭ ‬حيث‭ ‬ازدهرت‭ ‬إمارة‭ ‬العتوب‭ ‬الناشئة‭ ‬بزعامة‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬وفي‭ ‬الزبارة‭ ‬عاش‭ ‬فترة‭ ‬خصبة‭ ‬من‭ ‬حياته،‭ ‬فكان‭ ‬الشخصية‭ ‬الأدبية‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬الإمارة‭ ‬ومارس‭ ‬بعض‭ ‬المهام‭ ‬السياسية‭ ‬فيها،‭ ‬ثم‭ ‬انتقل‭ ‬من‭ ‬الزبارة‭ ‬إلى‭ ‬المحرق‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬حيث‭ ‬بقي‭ ‬فيها‭ ‬مدة‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬الثلاثين‭ ‬عاماً‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬حكم‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬ليستقر‭ ‬بعدها‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬توفاه‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬أرضها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1853م‮»*‬،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬محطة‭ ‬من‭ ‬محطاته‭ ‬ترك‭ ‬بصمة‭ ‬فكره‭. ‬

وحتى‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭.. ‬نتمنى‭ ‬لجهود‭ ‬المعنيين‭ ‬بهذا‭ ‬المشروع‭ ‬كل‭ ‬التوفيق‭.‬

 

{‭ ‬مقتطفات‭ ‬بتصرف‭ ‬من‭ ‬مؤلفات‭ ‬ودراسات‭ ‬د‭. ‬محمد‭ ‬ج‭. ‬الأنصاري‭ ‬فـي‭ ‬أدب‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬وحركته‭ ‬الثقافية *

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا