برحيل الوجيه خالد بن محمد كانو، فقدت البحرين واحداً من أعمدتها الاقتصادية والاجتماعية، ورمزاً من رموزها الوطنية الذين ارتبط اسمهم بالعمل الجاد، والفكر المستنير، والالتزام العميق بخدمة الوطن. لم يكن الراحل مجرد رجل أعمال كبير، بل كان مدرسة متكاملة في القيادة والريادة، وواحداً من الشخصيات التي أسهمت بصدق وإخلاص في بناء الاقتصاد البحريني الحديث، وترسيخ قيم المسؤولية الاجتماعية والإنسانية.
تعرفت على الراحل «ابو نبيل» منذ سنوات طويله وزاملته عندما كان كلانا عضوين في مجلس إدارة بورصة البحرين برئاسة الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة الذي كان محافظا للبنك المركزي آنذاك، حيث كان من الأوائل الذين شجعوا الشركات العائلية على التحول إلى شركات مساهمة مدرجة في البورصة وذلك للحفاظ على ديمومة هذه الشركات.
عرف عنه أنه قاد مجموعة يوسف بن أحمد كانو في فترة مفصلية، حيث عمل على تنويع أنشطتها وتوسيع استثماراتها بما يتناسب مع التحولات الاقتصادية العالمية، مع الحفاظ على روحها العائلية وقيمها الأصيلة. كان يؤمن بأن نجاح الشركة العائلية لا يُقاس فقط بربحيتها، بل بقدرتها على الاستمرار عبر الأجيال وتكيّفها مع متغيرات العصر.
لم يحصر خالد بن محمد كانو جهوده داخل إطار الأعمال الخاصة، بل قدّم للوطن الكثير من خبراته وطاقاته. فقد تولى منصب رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين، حيث عمل على تعزيز مكانة الغرفة كبيت للقطاع الخاص وركيزة أساسية في صياغة السياسات الاقتصادية.
كما كان عضواً في مجلس التنمية الاقتصادية ومصرف البحرين المركزي (مؤسسة نقد البحرين سابقا)، مشاركاً في مناقشات استراتيجية أسهمت في رسم مسار التنويع الاقتصادي للمملكة. عرف عنه الحرص على الاستماع لرجال الأعمال الصغار كما للكبار، والتشديد على أن ازدهار الاقتصاد الوطني يتحقق بشراكة متكاملة بين الدولة والقطاع الخاص.
من أبرز بصماته الفكرية والتنظيمية تأسيسه الجمعية البحرينية للشركات العائلية، إلى جانب مشاركته في مبادرات خليجية وإقليمية تهدف إلى تمكين الشركات العائلية من مواجهة تحديات الحوكمة والاستدامة. كان يؤمن بأن هذه الشركات تمثل عماد الاقتصاد الخليجي، وبأن نجاحها في الانتقال بين الأجيال يضمن استقراراً اقتصادياً واجتماعياً طويل الأمد. وقد ألف كتابا ضمنه وجهة نظره من مختلف القضايا والتحديات التي تواجه الشركات العائلية لكي تستفيد منه الأجيال الراهنة والقادمة.
لم تكن إنجازاته محصورة في الاقتصاد، فقد كان للراحل دور بارز في المجال الاجتماعي والإنساني. وترأس مجلس إدارة مركز الخليج التخصصي للسكر، مساهماً في دعم القطاع الصحي والتخفيف من معاناة المرضى. كما ارتبط اسمه بـجائزة يوسف بن أحمد كانو للإبداع، التي تحتفي بالأدب والبحث العلمي والفن، في تعبير واضح عن إيمانه بأن التنمية لا تكتمل من دون ثقافة ومعرفة وإبداع.
عرف عنه سخاؤه في دعم المبادرات التعليمية والخيرية، وحرصه الدائم على المشاركة في المبادرات الوطنية التطوعية. كان قريباً من الناس، يحمل قلباً كبيراً، ويؤمن بأن رجل الأعمال الناجح هو من يترجم نجاحه في خدمة مجتمعه. والأهم من ذلك عرف عنه حبه للناس ومتابعة أحوال كل من حوله، يهتم بهم، ويواظب على التواصل معهم والزيارات المتبادلة معهم. لقد كان إنسانا اجتماعيا يواصل أصدقاءه بالرغم من مشاغله الكثيرة كرجل أعمال يترأس أكبر شركة عائلية في البحرين.
رحيل خالد بن محمد كانو لا يمثل فقدان رجل أعمال بارز فحسب، بل فقدان «مدرسة» كاملة في التفكير الاستراتيجي، والإدارة الرشيدة، والعمل الوطني. ترك وراءه إرثاً من الإنجازات الاقتصادية، ومبادرات اجتماعية وثقافية، ورؤية فكرية ستظل مرجعاً للأجيال القادمة.
رحمك الله يا أبا نبيل رحمة الصديقين والأبرار.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك