العدد : ١٧٣٣٠ - الأربعاء ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣٠ - الأربعاء ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

مقالات

استئذان المعلومة

بقلم: عبير محمد دهام

الثلاثاء ٠٢ سبتمبر ٢٠٢٥ - 02:00

هل‭ ‬سألت‭ ‬نفسك‭ ‬يوماً‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تفعله‭ ‬معلومة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬العمل؟‭ ‬قد‭ ‬يبدو‭ ‬السؤال‭ ‬عابراً‭ ‬في‭ ‬ظاهره،‭ ‬لكنه‭ ‬يفتح‭ ‬باباً‭ ‬داخلياً‭ ‬كلما‭ ‬مرّ‭ ‬أمامنا‭ ‬مشهد‭ ‬مهني‭ ‬يستحق‭ ‬التأمل‭. ‬فالمعلومة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬تفصيل‭ ‬عابر،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬قرار‭ ‬أو‭ ‬توجيه،‭ ‬أو‭ ‬إيقاف‭ ‬لمشروع‭ ‬كامل‭.. ‬وما‭ ‬لم‭ ‬تُمحّص‭ ‬وتُراجع،‭ ‬قد‭ ‬تكتسب‭ ‬سلطة‭ ‬لا‭ ‬تستحقها،‭ ‬فتقودنا‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬الرشد‭ ‬إلى‭ ‬قفزة‭ ‬في‭ ‬الظلام‭.‬

نحن‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬نعيش‭ ‬أزمة‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬البيانات،‭ ‬فالأدوات‭ ‬متاحة‭ ‬والقنوات‭ ‬مفتوحة‭ ‬والتفاعل‭ ‬لحظي‭.. ‬التحدي‭ ‬الحقيقي‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬التحقق‭: ‬هل‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬أيدينا‭ ‬معرفة‭ ‬مكتملة‭ ‬أم‭ ‬سياق‭ ‬مبتور؟‭ ‬هل‭ ‬نملك‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬الصورة‭ ‬لفهم‭ ‬التأثير،‭ ‬أم‭ ‬أننا‭ ‬أسرى‭ ‬الانطباع‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬قناعة؟‭ ‬هنا‭ ‬تكمن‭ ‬خطورة‭ ‬المعلومة‭ ‬غير‭ ‬الممحصة،‭ ‬إذ‭ ‬تنتقل‭ ‬من‭ ‬شاشة‭ ‬إلى‭ ‬ذهن‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬إجراء‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تمر‭ ‬بمحطة‭ ‬مراجعة‭.‬

وفي‭ ‬المؤسسات‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬يرد‭ ‬المحتوى‭ ‬في‭ ‬محادثة‭ ‬سريعة‭ ‬أو‭ ‬رسالة‭ ‬إلكترونية‭ ‬عابرة،‭ ‬ثم‭ ‬يُعامل‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬تقريرا‭ ‬رسميا‭ ‬أو‭ ‬مصدرا‭ ‬موثوقا‭ ‬ومن‭ ‬يقرأ‭ ‬أولاً‭ ‬قد‭ ‬يقرر‭ ‬أولاً،‭ ‬لا‭ ‬لأن‭ ‬المعلومة‭ ‬أصدق،‭ ‬بل‭ ‬لأنها‭ ‬سبقت‭. ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬تبتعد‭ ‬عن‭ ‬الحوكمة‭ ‬وتفتح‭ ‬الباب‭ ‬للمخاطرة‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬تظهر‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬سلوك‭ ‬مهني‭ ‬يمكن‭ ‬وصفه‭ ‬‮«‬باستئذان‭ ‬المعلومة‮»‬‭. ‬ليس‭ ‬المقصود‭ ‬به‭ ‬إجراء‭ ‬بيروقراطي‭ ‬يبطئ‭ ‬العمل،‭ ‬بل‭ ‬وقفة‭ ‬داخلية‭ ‬هادئة‭ ‬تسبق‭ ‬أي‭ ‬أثر‭. ‬وقفة‭ ‬نسأل‭ ‬فيها‭: ‬هل‭ ‬المعلومة‭ ‬مكتملة؟‭ ‬هل‭ ‬طابقت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مصدر؟‭ ‬ما‭ ‬كلفة‭ ‬خطئها‭ ‬إن‭ ‬ثبت‭ ‬عدم‭ ‬صحتها؟‭ ‬ومن‭ ‬سيتأثر‭ ‬بها‭ ‬إن‭ ‬مضت‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مراجعة؟‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬هي‭ ‬جوهر‭ ‬الحوكمة‭ ‬المهنية،‭ ‬لأنها‭ ‬تضع‭ ‬حاجزا‭ ‬وقائيا‭ ‬بين‭ ‬الانطباع‭ ‬والقرار‭.‬

تماماً‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يمر‭ ‬منتج‭ ‬في‭ ‬خطوط‭ ‬التصنيع‭ ‬قبل‭ ‬اجتياز‭ ‬اختبارات‭ ‬الجودة،‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تمر‭ ‬معلومة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تحقق‭. ‬المنتج‭ ‬يخضع‭ ‬للفحص‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الشكل‭ ‬والمكونات‭ ‬والمعايير،‭ ‬والمعلومة‭ ‬بدورها‭ ‬تحتاج‭ ‬الى‭ ‬مراجعة‭ ‬خلفيتها‭ ‬وتوقيتها‭ ‬ودلالاتها‭. ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تجتز‭ ‬هذا‭ ‬الفحص،‭ ‬تُعلّق‭ ‬ولا‭ ‬تُفعّل،‭ ‬لأن‭ ‬قراراً‭ ‬قائماً‭ ‬على‭ ‬محتوى‭ ‬هش‭ ‬لا‭ ‬ينتج‭ ‬سوى‭ ‬ارتباك‭ ‬تنظيمي،‭ ‬وتصحيح‭ ‬متأخر‭ ‬يكلف‭ ‬المؤسسة‭ ‬وقتاً‭ ‬وموارد‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُستثمر‭ ‬في‭ ‬المسار‭ ‬الصحيح‭.‬

إن‭ ‬غياب‭ ‬هذه‭ ‬الممارسة‭ ‬يحول‭ ‬التفسيرات‭ ‬الشخصية‭ ‬إلى‭ ‬مواقف،‭ ‬والانطباعات‭ ‬العابرة‭ ‬إلى‭ ‬توجهات،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يقصد‭ ‬أحد‭ ‬ذلك‭. ‬ومع‭ ‬تراكمها‭ ‬تختل‭ ‬الموازين‭ ‬ويضعف‭ ‬الأداء‭ ‬العام‭. ‬أما‭ ‬حين‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تبطئ‭ ‬العمل‭ ‬بل‭ ‬تسرع‭ ‬المسار،‭ ‬وتقلل‭ ‬من‭ ‬توقفات‭ ‬التصحيح‭ ‬وتحافظ‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬في‭ ‬خطها‭ ‬الأصيل‭.‬

‮«‬استئذان‭ ‬المعلومة‮»‬‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬ليس‭ ‬رفاهية‭ ‬ذهنية‭ ‬ولا‭ ‬تعقيدا‭ ‬إداريا‭ ‬انما‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬من‭ ‬ركائز‭ ‬الحوكمة‭. ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يضمن‭ ‬جودة‭ ‬التوجيه،‭ ‬ويحفظ‭ ‬كرامة‭ ‬العاملين،‭ ‬ويمنح‭ ‬القرار‭ ‬قيمة‭ ‬إضافية‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬الدليل‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬حماسة‭ ‬اللحظة‭. ‬والغاية‭ ‬ليست‭ ‬التعقيد‭ ‬وإنما‭ ‬الدقة،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬قرار‭ ‬مساحة‭ ‬استحقاق‭ ‬لا‭ ‬مساحة‭ ‬ارتجال‭.‬

في‭ ‬نهاية‭ ‬كل‭ ‬قرار‭ ‬مؤسسي،‭ ‬يظل‭ ‬سؤال‭ ‬التحقق‭ ‬هو‭ ‬الفيصل‭ ‬بين‭ ‬الحماسة‭ ‬والمهنية‭. ‬فالمعلومة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمر‭ ‬على‭ ‬عقل‭ ‬واعٍ‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تمس‭ ‬واقعا،‭ ‬قد‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬أثر‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تداركه‭ ‬بسهولة‭. ‬القرار‭ ‬الرشيد‭ ‬لا‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬وفرة‭ ‬البيانات،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬المؤسسة‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يُقال‭ ‬وما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يُؤخذ‭ ‬بجدية‭.‬

 

مهتمة‭ ‬بالحوكمة‭ ‬وتطوير‭ ‬الأداء‭ ‬المؤسسي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا