جَاءَني فِي المَنَامْ،
خَيَالُ امْرَأةٍ فِي البَـيَاضْ !
تَكَلَّـلَ وَرْداً، وَأسْدَلَ مِنْ جَانِبَيهِ غَمَامْ ..
خَيَالُ امْرَأةٍ فِي البَيَاضِ؟!
كَأَنّي التَقيْتُ بِها مَرَّةً في قَديـمِ الزّحَامْ ..
خَيَالُ امْرَأةٍ في البَيَاضْ؟!
بَانَ بَيْنَ يَديْهَا إنَاءٌ، أشَارَتْ إليَّ: تَعَالْ،
خُذ الكَأْسَ، هَذا حَليبٌ مُصَـفّى،
أتيْتُ بهِ منْ ضُرُوعِ الغَزَالْ
وَجِئْتُ إليكَ بِخُبْزٍ سَخِينٍ
وتَمْرٍ عَزيزٍ، تَجُودُ بهِ طَيّباتُ النَّخِيلْ .
{ { {
قُلتُ: مَنْ أنْتِ؟!
قَالَتْ: ضَـنِينٌ هُوَ الوَقـتُ، لا وَقْتَ عنْدي،
أنا مِنْ تُرابِكَ.. مِنْ نَارِ أهْـلِـكَ ..
مِنْ سَوْرَةِ المَدِّ وَمِلْحِ الأُجَاجْ ..
وَمِنْ نَسْمَةٍ حُرّةٍ في البُكورْ،
مَدَدْتُ يَدي نَحْوَها مُسْتَريْباً ..
ـ أخُبْزٌ.. حَليبٌ.. وَتَمْر !!
لمَاذا أتيْتِ إليَّ بهَـذا الطَّعَامْ..؟!
{ { {
ـ خُذ الأكْلَ منِّي، وَجَرّبْ طَعَاماً
قَرَأتُ عَلَيْهِ.. رَشَـشْـتُ عليهِ بمَاءٍ تَحَدّرَ
مِنْ مُزْنةٍ، لمْ تَلِدْها الدّهـُورْ
وَهَذا الخُبزُ خُبْزي ..
عَجَنْتُ بهِ أمْنِياتِ الـشِّـرَاعِ، وَحُلْمِ الثغُـورْ
وَطَيَّـبْـتُهُ بالّذِي كانَ في البَالِ دَوْماً يَدُورْ.
{ { {
أَكَلْتُ الطّعامَ الذي لَمْ أذُقْ مِثْـلهُ..
شَرِبْتُ، وَأسْكَرَني ما لَدَيْها، فَصِرتُ ألُفُّ.. أدُورْ ..
وَأشْعُـرُ أنّ المَدَى كُلُّهُ يَقْـتَربْ..
وَأنّ الهَواءَ تَلَوّنَ لَوْنَ الزُّهـُورْ،
وَصرْتُ كَمَنْ مَسَّهُ السُّكْرُ ..
وَرَاحَتْ بهِ نَشْوةٌ عَبْرَ فُـلْـكٍ
تَجَاوَزَ بَحـْرَ العُـبُورْ
وَأشْعُـرُ أنِّي شَفِـيْـفا.. خَـفِيـفاً ..
أراقِـصُ ألْـسِنَةً مِنْ لَهَبْ
وَأَتْبَعُ سِرْبَ فَـراشٍ.. أشُمُّ البَراعِمَ ..
أحْنُو.. وأكتُبُ شِعْراً يُغَنَّى
وَأعْزِفُ لَحْناً لِنَجْم الثُّرَيّا.. وَأنقُرُ دُفّاً مُحَمّى
تلينُ لَهُ فِي العَشِيّاتِ لُدْنُ الخُصُورْ
وَأهْمُسُ بالحُبِّ، حَتَّى انْـكِسَارِ المَرايا
وَحَتّى ابْـتِداعِ الضُّرُوبْ.. وإشْعَالِ نَارِ القـُلُوبْ .
{ { {
وَمِمَّا اعْـتَراني..
أُحِسُّ بأَنّي أرِقُّ، وَأصْـفُو، وَأغْدُو شُعَاعاً
يَمُرّ مُخْتَرقاً ظُلمَةً في الدُّروبْ
ويَتْركُ منِّي عَلى دَرْبِ دَرْبي حُرُوفْ
وَيَأخُذُني الوَجْدُ وَجْداً، يُوَزّعُـنِي
نَبْضَةً.. نَبْضَةً.. في زِحَام الضُّيُوفْ
فَأبْكِي لأنّيَ ما كُـنْتُ أكْـفي..
أُنَادي.. أَصِيحْ:
أيَا امْرَأةً في البَيَاضِ تَعاليْ: أُرِيـدُ المَزيدْ.
ثُـمَّ أحْسَـسْـتُ أَنِّيَ شَيْءٌ.. تَلاشَى ..
وَأحْسَـسْتُ أنِّيَ شَيْئاً.. فَـشَـيْئاً أذوب ..
وَأَحْيا.. أمُوتْ.
akhalifa44@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك