تُعد الصناديق السيادية البحرينية، وعلى رأسها «ممتلكات»، من أهم الأدوات المالية التي يمكن توظيفها لدعم النمو الاقتصادي وضمان الاستدامة المالية للأجيال القادمة. غير أن البيئة الاستثمارية العالمية تشهد تحولات متسارعة، من صعود قطاعات جديدة إلى تغير معايير التمويل الأخضر والرقمي، وهو ما يجعل الحاجة ملحة إلى تبني استراتيجيات مبتكرة تعزز من عوائد هذه الصناديق وتضع البحرين في موقع متقدم على الخريطة الاستثمارية العالمية.
أحد أهم المسارات يتمثل في إعادة صياغة المحفظة الاستثمارية وفق نهج ديناميكي، يوازن بين الأصول التقليدية كالأسهم والسندات، والأصول البديلة كالملكية الخاصة، البنية التحتية، ورأس المال الجريء. هذا النهج لا يحمي فقط من تقلبات الأسواق، بل يفتح الباب أمام فرص استثنائية في مجالات النمو السريع.
وفي سياق موازٍ، يمكن للبحرين أن تركز على القطاعات المتخصصة التي يتردد فيها الآخرون. فعلى سبيل المثال، الاستثمار في مراكز البيانات، تكنولوجيا الرقائق المتقدمة، والاقتصاد الدائري يُعد فرصة نوعية، خاصة إذا تم ربط هذه الاستثمارات العالمية بمراكز أبحاث وتطوير محلية تُنشأ داخل المملكة. وبهذا يتحول الاستثمار الخارجي إلى رافعة اقتصادية داخلية توفر وظائف عالية القيمة وتبني منظومة ابتكار محلية.
كما يُمكن للصناديق السيادية البحرينية أن تلعب دور المحفز الرأسمالي عبر إطلاق آليات تمويل مبتكرة تجذب استثمارات مضاعفة من القطاع الخاص والمستثمرين الدوليين. على سبيل المثال، توظيف نموذج التمويل الممزوج (Blended Finance) الذي يجمع بين رأس المال السيادي والاستثمارات الخاصة يتيح مضاعفة كل دولار مستثمر إلى ثلاثة أو خمسة أضعاف، مما يضاعف التأثير الاقتصادي ويزيد من عوائد الدولة.
إلى جانب ذلك، فإن تعزيز الشراكات الإقليمية والعالمية مع الصناديق السيادية الكبرى يتيح الدخول في استثمارات ضخمة لا يمكن تحقيقها بشكل منفرد، سواء في مشاريع البنية التحتية العابرة للحدود أو الاستثمارات الضخمة في الطاقة الجديدة. ولكن التميز البحريني يكمن في المرونة وسرعة اتخاذ القرار، ما يمنح المملكة ميزة نسبية على الصناديق الأكبر والأبطأ حركة.
ولا يقل أهمية عن ذلك تطوير أدوات استثمار مستدامة مثل الصكوك الخضراء والصناديق المرتبطة بالتنمية، والتي تتماشى مع التوجه العالمي وتوفر مسارات استثمارية تجذب المستثمرين الدوليين. إدماج هذه الأدوات يعزز من سمعة البحرين كمركز مالي يتبنى الاستدامة والشفافية.
على المستوى المحلي، يمكن للصناديق السيادية أن تضطلع بدور رائد في إعادة هندسة الاقتصاد الوطني من خلال دعم مشاريع البنية التحتية المتطورة، تعزيز السياحة النوعية، وتمويل الصناعات الإبداعية والتكنولوجية. هذا الدور لا يخلق فقط عوائد مالية، بل يرسخ بيئة اقتصادية متكاملة تعتمد على التنوع والابتكار.
إن تعزيز عوائد الصناديق السيادية البحرينية لا يعني مجرد زيادة الأرباح، بل هو رؤية لبناء اقتصاد متجدد، قادر على مواكبة التغيرات العالمية وصناعة فرص جديدة للأجيال القادمة. وبرؤية القيادة الرشيدة، فإن البحرين مؤهلة لأن تصبح نموذجًا رائدًا في كيفية توظيف رأس المال السيادي كأداة للتنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة.
ماجستير تنفيذي بالإدارة من المملكة المتحدة (EMBA)
عضو بمعهد المهندسين والتكنولوجيا البريطانية العالمية (MIET)
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك