لم يعد استخدام المنصات الرقمية مجرد خيار ترفيهي للشباب والمراهقين، بل أصبح جزءًا لصيقًا بحياتهم اليومية، وفي مقدمة هذه المنصات يبرز «تيك توك» الذي انتشر كالنار في الهشيم، حتى صار وسيلة للتواصل، وصناعة «الشهرة السريعة»، غير أن الوجه الآخر لهذا الانتشار يحمل تأثيرات سلبية واضحة تمس القيم والأخلاق وتضع المجتمع أمام تحدٍ حقيقي.
فمن يتأمل طبيعة «التحديات» التي تتصدر هذه المنصات سيدرك خطورة الموقف، بعضها يتطلب أفعالًا لا يقبل بها المنطق السليم، وأخرى قد تصل إلى تهديد السلامة الجسدية والنفسية، بينما يقدم عليها مراهقون فقط من أجل زيادة عدد المتابعين أو جمع أكبر قدر من «الإعجابات»، وهنا تكمن المعضلة حين تتحول المقاييس الرقمية إلى بديل عن القيم، ويتراجع الوعي أمام سحر الشاشة الصغيرة.
التأثير لا يقف عند حدود الفرد، بل يتعداه إلى المجتمع ككل، فالممارسات الغريبة تصبح مع الوقت مألوفة، وتطبيع العبث قد يقود إلى انحلال أخلاقي تدريجي بين الشباب والمراهقين، ولماذا أركز على هذه الفئة؟ كونها الأكثر استخدامًا لهذا التطبيق.
وهنا برزت جهود وزارة الداخلية التي تتابع وترصد، وتتصدى قانونيًا لأي تجاوز يمس النظام العام أو القيم المجتمعية، غير أن الأمن مهما كان يقظًا لا يستطيع أن يكون خط الدفاع الوحيد أمام الممارسات الخاطئة التي يقوم بها البعض من خلال هذه المنصة.
المسؤولية الأكبر تقع على الأسرة التي يجب أن تراقب وتوجه من دون أن تتحول الرقابة إلى قمع، وعلى المدرسة التي تزرع قيم التفكير النقدي، وعلى الإعلام الذي من واجبه التنوير لا مجرد نقل الظواهر، كذلك لا بد من إشراك المؤسسات الدينية والاجتماعية في نشر خطاب توعوي يرسخ القيم الأخلاقية في مواجهة تيارات التفاهة التي تغزو الشاشات.
من جانب آخر، يجدر التوقف عند التجارب الدولية، بعض الدول ذهبت إلى الحظر الكامل لهذه التطبيقات بعدما رأت انعكاساتها السلبية على الصحة النفسية والسلوك الاجتماعي مثل الهند والصين وألبانيا، بينما اختارت أخرى مسار التنظيم الصارم مثل الأردن وإندونيسيا وروسيا، هذه التجارب تفتح أمامنا باب النقاش: هل نمنع تمامًا أم نوجه الاستخدام بما يخدم المصلحة العامة؟
الحل - في تقديري - لا يكمن في الحظر وحده، بل في إعادة تعريف العلاقة مع هذه المنصات، فهناك من يستخدم هذه المنصات استخدامًا عاقلًا سليمًا في الإعلانات الهادفة أو نشر محتوى ذي فائدة أو نشر ثقافة توعوية حول موضوع ما، والمقصد هنا، هي ليست شرًّا مطلقًا، بل أدوات يمكن أن تتحول إلى منصات للإبداع والتعلم وريادة الأعمال، إذا ما استثمرها الشباب في إنتاج محتوى هادف يعكس قيمنا وهويتنا.
التحدي الحقيقي إذاً ليس في التطبيق بحد ذاته، بل في وعي المستخدم، وقدرته على التمييز بين ما يبني وما يهدم، إن معركتنا اليوم مع هذه المنصات هي معركة وعي قبل أن تكون معركة قانون، فإذا استطعنا أن نحولها إلى مساحة تعكس أصالتنا وقيمنا، فلن نخشى من التحديات العابرة، لأن المجتمع الواعي يظل أقوى من أي موجة رقمية عابرة!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك