العدد : ١٧٣٣٠ - الأربعاء ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣٠ - الأربعاء ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

مقالات

تكنو- رأي:
«تيك توك».. حتى لا نغمر رؤوسنا في الحضيض!

علي عبدالخالق

الأحد ٣١ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

لم‭ ‬يعد‭ ‬استخدام‭ ‬المنصات‭ ‬الرقمية‭ ‬مجرد‭ ‬خيار‭ ‬ترفيهي‭ ‬للشباب‭ ‬والمراهقين،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬جزءًا‭ ‬لصيقًا‭ ‬بحياتهم‭ ‬اليومية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمة‭ ‬هذه‭ ‬المنصات‭ ‬يبرز‭ ‬‮«‬تيك‭ ‬توك‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬انتشر‭ ‬كالنار‭ ‬في‭ ‬الهشيم،‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬وسيلة‭ ‬للتواصل،‭ ‬وصناعة‭ ‬‮«‬الشهرة‭ ‬السريعة‮»‬،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الوجه‭ ‬الآخر‭ ‬لهذا‭ ‬الانتشار‭ ‬يحمل‭ ‬تأثيرات‭ ‬سلبية‭ ‬واضحة‭ ‬تمس‭ ‬القيم‭ ‬والأخلاق‭ ‬وتضع‭ ‬المجتمع‭ ‬أمام‭ ‬تحدٍ‭ ‬حقيقي‭.‬

فمن‭ ‬يتأمل‭ ‬طبيعة‭ ‬‮«‬التحديات‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تتصدر‭ ‬هذه‭ ‬المنصات‭ ‬سيدرك‭ ‬خطورة‭ ‬الموقف،‭ ‬بعضها‭ ‬يتطلب‭ ‬أفعالًا‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬بها‭ ‬المنطق‭ ‬السليم،‭ ‬وأخرى‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬تهديد‭ ‬السلامة‭ ‬الجسدية‭ ‬والنفسية،‭ ‬بينما‭ ‬يقدم‭ ‬عليها‭ ‬مراهقون‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬زيادة‭ ‬عدد‭ ‬المتابعين‭ ‬أو‭ ‬جمع‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬‮«‬الإعجابات‮»‬،‭ ‬وهنا‭ ‬تكمن‭ ‬المعضلة‭ ‬حين‭ ‬تتحول‭ ‬المقاييس‭ ‬الرقمية‭ ‬إلى‭ ‬بديل‭ ‬عن‭ ‬القيم،‭ ‬ويتراجع‭ ‬الوعي‭ ‬أمام‭ ‬سحر‭ ‬الشاشة‭ ‬الصغيرة‭.‬

التأثير‭ ‬لا‭ ‬يقف‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬الفرد،‭ ‬بل‭ ‬يتعداه‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬ككل،‭ ‬فالممارسات‭ ‬الغريبة‭ ‬تصبح‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬مألوفة،‭ ‬وتطبيع‭ ‬العبث‭ ‬قد‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬انحلال‭ ‬أخلاقي‭ ‬تدريجي‭ ‬بين‭ ‬الشباب‭ ‬والمراهقين،‭ ‬ولماذا‭ ‬أركز‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الفئة؟‭ ‬كونها‭ ‬الأكثر‭ ‬استخدامًا‭ ‬لهذا‭ ‬التطبيق‭.‬

وهنا‭ ‬برزت‭ ‬جهود‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬التي‭ ‬تتابع‭ ‬وترصد،‭ ‬وتتصدى‭ ‬قانونيًا‭ ‬لأي‭ ‬تجاوز‭ ‬يمس‭ ‬النظام‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬القيم‭ ‬المجتمعية،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الأمن‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬يقظًا‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬خط‭ ‬الدفاع‭ ‬الوحيد‭ ‬أمام‭ ‬الممارسات‭ ‬الخاطئة‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬المنصة‭.‬

المسؤولية‭ ‬الأكبر‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬الأسرة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تراقب‭ ‬وتوجه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬الرقابة‭ ‬إلى‭ ‬قمع،‭ ‬وعلى‭ ‬المدرسة‭ ‬التي‭ ‬تزرع‭ ‬قيم‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي،‭ ‬وعلى‭ ‬الإعلام‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬واجبه‭ ‬التنوير‭ ‬لا‭ ‬مجرد‭ ‬نقل‭ ‬الظواهر،‭ ‬كذلك‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬إشراك‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدينية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬خطاب‭ ‬توعوي‭ ‬يرسخ‭ ‬القيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬تيارات‭ ‬التفاهة‭ ‬التي‭ ‬تغزو‭ ‬الشاشات‭.‬

من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬يجدر‭ ‬التوقف‭ ‬عند‭ ‬التجارب‭ ‬الدولية،‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬الحظر‭ ‬الكامل‭ ‬لهذه‭ ‬التطبيقات‭ ‬بعدما‭ ‬رأت‭ ‬انعكاساتها‭ ‬السلبية‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭ ‬والسلوك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬مثل‭ ‬الهند‭ ‬والصين‭ ‬وألبانيا،‭ ‬بينما‭ ‬اختارت‭ ‬أخرى‭ ‬مسار‭ ‬التنظيم‭ ‬الصارم‭ ‬مثل‭ ‬الأردن‭ ‬وإندونيسيا‭ ‬وروسيا،‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬تفتح‭ ‬أمامنا‭ ‬باب‭ ‬النقاش‭: ‬هل‭ ‬نمنع‭ ‬تمامًا‭ ‬أم‭ ‬نوجه‭ ‬الاستخدام‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة؟

الحل‭ - ‬في‭ ‬تقديري‭ - ‬لا‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬الحظر‭ ‬وحده،‭ ‬بل‭ ‬في‮ ‬إعادة‭ ‬تعريف‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬المنصات،‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬يستخدم‭ ‬هذه‭ ‬المنصات‭ ‬استخدامًا‭ ‬عاقلًا‭ ‬سليمًا‭ ‬في‭ ‬الإعلانات‭ ‬الهادفة‭ ‬أو‭ ‬نشر‭ ‬محتوى‭ ‬ذي‭ ‬فائدة‭ ‬أو‭ ‬نشر‭ ‬ثقافة‭ ‬توعوية‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬ما،‭ ‬والمقصد‭ ‬هنا،‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬شرًّا‭ ‬مطلقًا،‭ ‬بل‭ ‬أدوات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬منصات‭ ‬للإبداع‭ ‬والتعلم‭ ‬وريادة‭ ‬الأعمال،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬استثمرها‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬محتوى‭ ‬هادف‭ ‬يعكس‭ ‬قيمنا‭ ‬وهويتنا‭.‬

التحدي‭ ‬الحقيقي‭ ‬إذاً‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬التطبيق‭ ‬بحد‭ ‬ذاته،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬المستخدم،‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يبني‭ ‬وما‭ ‬يهدم،‭ ‬إن‭ ‬معركتنا‭ ‬اليوم‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬المنصات‭ ‬هي‭ ‬معركة‭ ‬وعي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬معركة‭ ‬قانون،‭ ‬فإذا‭ ‬استطعنا‭ ‬أن‭ ‬نحولها‭ ‬إلى‭ ‬مساحة‭ ‬تعكس‭ ‬أصالتنا‭ ‬وقيمنا،‭ ‬فلن‭ ‬نخشى‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬العابرة،‭ ‬لأن‭ ‬المجتمع‭ ‬الواعي‭ ‬يظل‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬موجة‭ ‬رقمية‭ ‬عابرة‭!‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا