العدد : ١٧٤٢٨ - الأربعاء ١٠ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٩ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٢٨ - الأربعاء ١٠ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٩ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

مقالات

أهمية التحولات الاقتصادية في دول الخليج

بقلم: عدنان يوسف

الاثنين ٠٨ ديسمبر ٢٠٢٥ - 02:00

سبق‭ ‬أن‭ ‬كتبتُ‭ ‬مقالًا‭ ‬حول‭ ‬قرار‭ ‬وكالات‭ ‬التصنيف‭ ‬الائتماني‭ ‬تخفيض‭ ‬تصنيف‭ ‬البحرين،‭ ‬وبيّنت‭ ‬فيه‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬التقييمات‭ ‬لا‭ ‬تعكس‭ ‬بصورة‭ ‬عادلة‭ ‬حقيقة‭ ‬التحولات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬المملكة‭. ‬وأوضحْتُ‭ ‬آنذاك‭ ‬أن‭ ‬تركيز‭ ‬الوكالات‭ ‬على‭ ‬حجم‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬والعجز‭ ‬المالي‭ ‬وحدهما‭ ‬يُنتج‭ ‬قراءة‭ ‬مبتورة،‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬الصورة‭ ‬الكاملة‭ ‬لاقتصاد‭ ‬أصبح‭ ‬أكثر‭ ‬تنوعًا‭ ‬وقدرة‭ ‬على‭ ‬توليد‭ ‬النمو‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬القطاع‭ ‬النفطي،‭ ‬ولا‭ ‬تُقيّم‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬قوة‭ ‬القطاع‭ ‬المالي‭ ‬ولا‭ ‬الإصلاحات‭ ‬المتراكمة‭ ‬ولا‭ ‬السجل‭ ‬الائتماني‭ ‬النظيف‭ ‬للدولة‭.‬

ومؤخرًا،‭ ‬قرأت‭ ‬مقالًا‭ ‬نشرته‭ ‬مجلة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والأعمال‭ ‬حول‭ ‬التصنيف‭ ‬الائتماني‭ ‬للسعودية،‭ ‬ولاحظت‭ ‬أن‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬فيه‭ ‬تتطابق‭ ‬بدرجة‭ ‬كبيرة‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬طرحته‭ ‬في‭ ‬مقالي‭ ‬السابق‭ ‬عن‭ ‬البحرين؛‭ ‬إذ‭ ‬ذهب‭ ‬المقال‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وكالات‭ ‬التصنيف‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تعتمد‭ ‬منهجيات‭ ‬قديمة‭ ‬تعجز‭ ‬عن‭ ‬فهم‭ ‬التحول‭ ‬الهيكلي‭ ‬العميق‭ ‬الذي‭ ‬شهدته‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الخليجية‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الأخير‭. ‬وهي‭ ‬منهجيات‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬والإنفاق‭ ‬بوصفهما‭ ‬محور‭ ‬التقييم،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تغفل‭ ‬التحولات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬قابلة‭ ‬للتجاهل‭. ‬وهذا‭ ‬المنظور‭ ‬الذي‭ ‬تناوله‭ ‬المقال‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬السعودية‭ ‬يمكن‭ ‬إسقاطه‭ ‬على‭ ‬البحرين‭ ‬أيضًا‭.‬

فالتقييمات‭ ‬الدولية‭ ‬مازالت‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬‮«‬اقتصاد‭ ‬ريعي‮»‬،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬تغيّر‭ ‬جذريًا‭. ‬اليوم،‭ ‬يشكّل‭ ‬القطاع‭ ‬غير‭ ‬النفطي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬أخماس‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬البحرين‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬تقدّمًا‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬التنويع‭. ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬رقم،‭ ‬بل‭ ‬يعكس‭ ‬انتقالًا‭ ‬فعليًا‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬حيث‭ ‬باتت‭ ‬قطاعات‭ ‬مثل‭ ‬الخدمات‭ ‬المالية،‭ ‬والسياحة،‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬والخدمات‭ ‬اللوجستية،‭ ‬تلعب‭ ‬دورًا‭ ‬قياديًا‭ ‬في‭ ‬النمو،‭ ‬وتمنح‭ ‬الاقتصاد‭ ‬قدرة‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬امتصاص‭ ‬التقلبات‭ ‬الخارجية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬وكالات‭ ‬التصنيف‭ ‬تعتمد‭ ‬نماذج‭ ‬تفترض‭ ‬أن‭ ‬النفط‭ ‬هو‭ ‬المحدد‭ ‬الأول‭ ‬والأخير‭ ‬للثروة‭ ‬الاقتصادية‭.‬

وما‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬مقال‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والأعمال‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬البحرين‭ ‬أيضا‭: ‬فالتغيرات‭ ‬الهيكلية‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬وزنها‭ ‬المناسب‭ ‬في‭ ‬نماذج‭ ‬التصنيف‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬النماذج‭ ‬صُممت‭ ‬لعصرٍ‭ ‬مختلف،‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الخليجية‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬مصدر‭ ‬واحد‭ ‬للدخل‭. ‬أما‭ ‬اليوم،‭ ‬فالمشهد‭ ‬تغير؛‭ ‬فهناك‭ ‬استثمارات‭ ‬واسعة،‭ ‬وإصلاحات‭ ‬مالية‭ ‬متراكمة،‭ ‬ومشاريع‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬كبرى،‭ ‬وقطاعات‭ ‬إنتاجية‭ ‬جديدة‭ ‬تعيد‭ ‬رسم‭ ‬ملامح‭ ‬الاقتصاد‭. ‬البحرين‭ ‬ليست‭ ‬استثناءً‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التحول،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬أساسي‭ ‬منه‭.‬

ومن‭ ‬الجوانب‭ ‬التي‭ ‬يغفلها‭ ‬التقييم‭ ‬الائتماني‭ ‬أيضًا،‭ ‬قوة‭ ‬القطاع‭ ‬المالي‭ ‬البحريني‭ ‬الذي‭ ‬حافظ‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬دوره‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي،‭ ‬وعلى‭ ‬مستويات‭ ‬ملاءة‭ ‬عالية‭ ‬وقواعد‭ ‬مصرفية‭ ‬راسخة‭. ‬هذا‭ ‬القطاع،‭ ‬الذي‭ ‬لطالما‭ ‬شكل‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬اقتصاد‭ ‬البحرين،‭ ‬يُعتبر‭ ‬عنصرًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬في‭ ‬تقييم‭ ‬المخاطر‭ ‬السيادية،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬تقارير‭ ‬التصنيف‭ ‬إلا‭ ‬بصورة‭ ‬هامشية‭. ‬كذلك،‭ ‬فإن‭ ‬البحرين‭ ‬تتمتع‭ ‬بسجل‭ ‬ائتماني‭ ‬نظيف‭ ‬لم‭ ‬يشهد‭ ‬أي‭ ‬تعثر‭ ‬في‭ ‬السداد،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أصعب‭ ‬المراحل،‭ ‬وهو‭ ‬سجل‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عاملًا‭ ‬قويًا‭ ‬في‭ ‬تقييم‭ ‬الجدارة‭ ‬الائتمانية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬وزنه‭ ‬يبقى‭ ‬محدودًا‭ ‬في‭ ‬حسابات‭ ‬الوكالات‭. ‬إن‭ ‬ما‭ ‬توصل‭ ‬إليه‭ ‬مقال‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والأعمال‭ ‬يعزز‭ ‬القناعة‭ ‬بأن‭ ‬تقييمات‭ ‬وكالات‭ ‬التصنيف‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تحديث‭ ‬جذري‭. ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬السعودية،‭ ‬بحجم‭ ‬اقتصادها‭ ‬ومشاريعها‭ ‬العملاقة،‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬قصور‭ ‬هذه‭ ‬النماذج،‭ ‬فإن‭ ‬البحرين‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬تتأثر‭ ‬أكثر‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬دفعني‭ ‬في‭ ‬مقالي‭ ‬السابق‭ ‬للدعوة‭ ‬إلى‭ ‬قراءة‭ ‬أكثر‭ ‬عدالة‭ ‬لاقتصاد‭ ‬البحرين،‭ ‬قراءة‭ ‬ترى‭ ‬التحول‭ ‬الهيكلي،‭ ‬وتلتفت‭ ‬إلى‭ ‬قوة‭ ‬القطاعات‭ ‬غير‭ ‬النفطية،‭ ‬وتُقيّم‭ ‬السجل‭ ‬الائتماني‭ ‬والقطاع‭ ‬المصرفي‭ ‬والإصلاحات،‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬تُختزل‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬رقمَي‭ ‬الدين‭ ‬والعجز‭. ‬ولذلك‭ ‬أيضا،‭ ‬وكما‭ ‬اقترحت‭ ‬سابقًا،‭ ‬يجب‭ ‬تأسيس‭ ‬وكالة‭ ‬خليجية‭ ‬عالمية‭ ‬تتولى‭ ‬تصنيف‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى‭ ‬وتركز‭ ‬على‭ ‬المعطيات‭ ‬الخاصة‭ ‬بهذه‭ ‬الدول‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا