العدد : ١٦٨٠٧ - الجمعة ٢٩ مارس ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ رمضان ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٠٧ - الجمعة ٢٩ مارس ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ رمضان ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

مفارقات الحرب المدمرة في أوكرانيا

بقلم: د. نبيل العسومي

الجمعة ٢٤ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

من‭ ‬الواضح‭ ‬والجلي‭ ‬أن‭ ‬صورة‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬قد‭ ‬بينت‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالا‭ ‬للشك‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تستخدم‭ ‬أرض‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وشعبها‭ ‬ودماء‭ ‬جنودها‭ ‬لمحاربة‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬بغرض‭ ‬الاستنزاف‭ ‬وإلحاق‭ ‬الهزيمة‭ ‬بهذه‭ ‬الدولة‭ ‬العظمى‭ ‬دون‭ ‬جدوى‭. ‬خصوصا‭ ‬وإن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تكمل‭ ‬عامها‭ ‬الأول‭ ‬قد‭ ‬نتنج‭ ‬عنها‭ ‬نتائج‭ ‬كارثية‭ ‬فعدد‭ ‬القتلى‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ربع‭ ‬مليون‭ ‬قتيل‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬مليون‭ ‬من‭ ‬الجرحى‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأغلبهم‭ ‬أن‭ ‬يعودوا‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬المعركة‭ ‬الشرسة‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬السلاف‭ ‬يقتلون‭ ‬السلاف‭ ‬والروس‭ ‬يقتلون‭ ‬الروس‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬الروس‭.‬

وقد‭ ‬عبر‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الأوكراني‭ ‬هو‭ ‬شعب‭ ‬شقيق‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬خطبه‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬يتجنب‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬قتل‭ ‬إخواننا‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬أو‭ ‬تدمير‭ ‬المباني‭ ‬السكنية‭ ‬للمواطنين‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬وهذا‭ ‬سبب‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬بطء‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬لأن‭ ‬روسيا‭ ‬تجنبت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬استخدام‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬التي‭ ‬بإمكانها‭ ‬إنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أسبوع‭ ‬واحد‭ ‬ولكن‭ ‬بنتائج‭ ‬كارثية‭ ‬تشبه‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬هيروشيما‭ ‬ونجازاكي‭ ‬بعد‭ ‬الضربة‭ ‬النووية‭ ‬الأمريكية‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬والتي‭ ‬أبادت‭ ‬المدنيين‭ ‬إبادة‭ ‬كاملة‭.‬

إن‭ ‬الماكينة‭ ‬الحربية‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬أوكرانيا‭ ‬تحصد‭ ‬يوميا‭ ‬المئات‭ ‬بل‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الطرفين‭ ‬وإن‭ ‬الغرب‭ ‬لا‭ ‬يهتم‭ ‬بذلك‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تشريد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬ملايين‭ ‬أوكراني‭ ‬3‭ ‬ملايين‭ ‬منهم‭ ‬لجأوا‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬و7‭ ‬ملايين‭ ‬مبعثرين‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬بولندا‭ ‬وألمانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وغيرها‭ ‬وتدمير‭ ‬قدرة‭ ‬الدولة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬على‭ ‬إدامة‭ ‬الحياة‭ ‬الطبيعة‭ ‬لشعب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مناطق‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬الغنية‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬يقلق‭ ‬الأمريكان‭ ‬ودول‭ ‬الناتو‭ ‬لأن‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬الثمن‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬ودمائه‭ ‬هو‭ ‬الشعب‭ ‬الأوكراني‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الغرب‭ ‬مهتما‭ ‬بذلك‭ ‬لكان‭ ‬قد‭ ‬دعم‭ ‬جهود‭ ‬السلام‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬واضحا‭ ‬أن‭ ‬الأمريكان‭ ‬والإنجليز‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬أوقفوا‭ ‬محادثات‭ ‬السلام‭ ‬التي‭ ‬احتضنتها‭ ‬تركيا‭ ‬ووافق‭ ‬عليها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬لأن‭ ‬هاتين‭ ‬الدولتين‭ ‬أي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وبريطانيا‭ ‬العظمى‭ ‬تعتقدان‭ ‬أن‭ ‬انتصار‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬سواء‭ ‬بالسلام‭ ‬أو‭ ‬المفاوضات‭ ‬سيجعل‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬قوة‭ ‬ضاربة‭ ‬ومؤثرة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وبالتالي‭ ‬استرجاع‭ ‬دور‭ ‬اتحاد‭ ‬الجمهوريات‭ ‬الاشتراكية‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابق‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يخيف‭ ‬دول‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬عامة‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬خاصة‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬واضحا‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬أن‭ ‬مستقبل‭ ‬أوكرانيا‭ ‬واستقلالها‭ ‬ونموها‭ ‬وازدهارها‭ ‬مرتبط‭ ‬بحيادها‭ ‬الكامل‭ ‬وتخليها‭ ‬عن‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬وتعاملها‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬تعاملا‭ ‬سليما‭ ‬وعدم‭ ‬التآمر‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬روسيا‭ ‬والتعامل‭ ‬بشكل‭ ‬عقلاني‭ ‬مع‭ ‬المطالب‭ ‬الشرعية‭ ‬لسكان‭ ‬إقليم‭ ‬الدونباس‭ ‬الذين‭ ‬يتعرضون‭ ‬بشكل‭ ‬ممنهج‭ ‬إلى‭ ‬الاضطهاد‭ ‬وإلى‭ ‬الظلم‭ ‬وإلى‭ ‬الاعتداء‭ ‬العشوائي‭ ‬الدائم‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬وإلى‭ ‬اليوم‭ ‬حيث‭ ‬تستمر‭ ‬القوات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬ضرب‭ ‬مدن‭ ‬إقليم‭ ‬الدونباس‭ ‬من‭ ‬مبان‭ ‬سكنية‭ ‬ومدارس‭ ‬ومستشفيات‭ ‬ورياض‭ ‬أطفال‭ ‬ومجمعات‭ ‬تجارية‭ ‬بالصواريخ‭ ‬الأمريكية‭ ‬الصنع‭ ‬الفتاكة‭ ‬والقضاء‭ ‬بشكل‭ ‬ممنهج‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬الكهرباء‭ ‬والماء‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يتحدثون‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬سكان‭ ‬الدونباس‭ ‬أوكرانيين‭.‬

إن‭ ‬استقلالية‭ ‬الدولة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬وسلميتها‭ ‬هي‭ ‬أساس‭ ‬مستقبلها‭ ‬السلمي‭ ‬فقد‭ ‬نصت‭ ‬وثيقة‭ ‬استقلال‭ ‬أوكرانيا‭ ‬عن‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬على‭ ‬إن‭ ‬أوكرانيا‭ ‬دولة‭ ‬محايدة‭ ‬كما‭ ‬وقعت‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الأوكران‭ ‬شعب‭ ‬شقيق‭ ‬ودولتهم‭ ‬محايدة‭ ‬وثقافتهم‭ ‬واحدة‭ ‬وقيمهم‭ ‬الروحية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬مشتركة‭ ‬وتاريخهم‭ ‬مشترك‭ ‬ولكن‭ ‬للأٍسف‭ ‬نجح‭ ‬الأمريكان‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬معادية‭ ‬لروسيا‭ ‬تمهيدا‭ ‬لاحتلالها‭ ‬والسيطرة‭ ‬عليها‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬قاعدة‭ ‬متقدمة‭ ‬لمحاربة‭ ‬روسيا‭ ‬بل‭ ‬وضمها‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬برئاسة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تمهيدا‭ ‬لإقامة‭ ‬القواعد‭ ‬العسكرية‭ ‬المتقدمة‭ ‬ونصب‭ ‬منصات‭ ‬الصواريخ‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والنووية‭ ‬على‭ ‬حدود‭ ‬روسيا‭ ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وقيادتها‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذه‭ ‬الخطة‭ ‬الجهنمية‭ ‬بعكس‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬والمفاوضات‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬التسعينيات‭ ‬حول‭ ‬عدم‭ ‬تقدم‭ ‬الناتو‭ ‬نحو‭ ‬الحدود‭ ‬الروسية‭ ‬والذي‭ ‬حدث‭ ‬بالفعل‭ ‬هو‭ ‬تقدم‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬لمحاصرة‭ ‬روسيا‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬سوى‭ ‬عدد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬شمال‭ ‬أوروبا‭ ‬وشرقها‭ ‬خارج‭ ‬الناتو‭ ‬مثل‭ ‬السويد‭ ‬وفنلندا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬وكانت‭ ‬القطرة‭ ‬التي‭ ‬أفاضت‭ ‬الكأس‭ ‬وأدت‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الطاحنة‭ ‬تنظيم‭ ‬انقلاب‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬الشرعية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وفرض‭ ‬سلطة‭ ‬جديدة‭ ‬موالية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ومدعومة‭ ‬من‭ ‬النازين‭ ‬الجدد‭ ‬الأوكران‭ ‬الذين‭ ‬شنوا‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬إقليم‭ ‬الدونباس‭ ‬وهددوا‭ ‬روسيا‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬ولم‭ ‬يخفوا‭ ‬خططهم‭ ‬لضرب‭ ‬روسيا‭ ‬خصوصا‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬2014‭ ‬وحتى‭ ‬2022‭.‬

وهكذا‭ ‬فإن‭ ‬الغرب‭ ‬يستخدم‭ ‬دماء‭ ‬الأوكران‭ ‬ومقدراتهم‭ ‬لإدارة‭ ‬حربه‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬نشاهده‭ ‬اليوم‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا