العدد : ١٦٨٢٧ - الخميس ١٨ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٩ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٢٧ - الخميس ١٨ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٩ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

في ذكرى رحيل المناضل غسان كنفاني

بقلم : عاطف أبو سيف

الخميس ٢٣ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬تقديري‭ ‬الشخصي‭ ‬أن‭ ‬تذكر‭ ‬المناضل‭ ‬التاريخي‭  ‬غسان‭  ‬كنفاني‭ ‬استحضار‭ ‬لحياتنا‭ ‬نحن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وهو‭ ‬استحضارٌ‭ ‬واجبٌ‭ ‬لمسيرة‭ ‬حافلة‭ ‬بالعطاء‭ ‬وبالمزاوجة‭ ‬الحقيقية‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬النضال‭.‬

في‭ ‬تذكر‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭ ‬تذكر‭ ‬لفلسطينيتنا،‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬منا‭ ‬فلسطينيين،‭ ‬للألم‭ ‬الذي‭ ‬يعطب‭ ‬قلوبنا‭ ‬كلما‭ ‬تذكرنا‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬سرقها‭ ‬الغزاة‭ ‬منا‭ ‬وظلت‭ ‬لنا،‭ ‬للوجع‭ ‬الذي‭ ‬نحسه‭ ‬ونحن‭ ‬نعيد‭ ‬تركيب‭ ‬حياتنا‭ ‬بعد‭ ‬تيه‭ ‬الشتات‭ ‬القهري،‭ ‬للدمع‭ ‬الذي‭ ‬يسح‭ ‬من‭ ‬العيون‭ ‬ونحن‭ ‬نستذكر‭ ‬أيام‭ ‬الصبا‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬القدس‭ ‬حارسة‭ ‬السماء‭ ‬ويافا‭ ‬عروس‭ ‬البحر‭ ‬وكانت‭ ‬عكا‭ ‬بوابته‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تخافه‭ ‬وبئر‭ ‬السبع‭ ‬خوذة‭ ‬الصحراء‭ ‬التي‭ ‬تقيها‭ ‬سيوف‭ ‬العدا‭. ‬في‭ ‬تذكر‭ ‬غسان‭ ‬تذكر‭ ‬لماضينا‭ ‬ولواقعنا‭ ‬ولما‭ ‬نصبو‭ ‬إليه‭.‬

تمثل‭ ‬حياة‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭ ‬مقطعا‭ ‬مهما‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬شعبنا‭. ‬فغسان‭ ‬الطفل‭ ‬ولد‭ ‬في‭ ‬عكا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬الإضراب‭ ‬الشهير‭ ‬1936‭ ‬وعاش‭ ‬في‭ ‬يافا‭ ‬أرض‭ ‬البرتقال‭ ‬الحزين‭ ‬وحمل‭ ‬معه‭ ‬أحلام‭ ‬البلاد‭ ‬حين‭ ‬هجّرت‭ ‬العصابات‭ ‬الصهيونية‭ ‬أهلها‭ ‬وسرقت‭ ‬حتى‭ ‬ماضيهم‭ ‬وذكرياتهم،‭ ‬وكتب‭ ‬عن‭ ‬حيفا‭ ‬رائعته‭ ‬التي‭ ‬ناقشت‭ ‬سؤال‭ ‬الهوية‭ ‬بشكله‭ ‬الأعمق‭. ‬بذلك‭ ‬جمع‭ ‬غسان‭ ‬بين‭ ‬أهم‭ ‬ثلاث‭ ‬درر‭ ‬في‭ ‬الساحل‭ ‬الفلسطيني‭. ‬بعد‭ ‬النكبة‭ ‬التحق‭ ‬غسان‭ ‬بالثورة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬باحثا‭ ‬عن‭ ‬استرداد‭ ‬أحلامه‭ ‬ومستقبله‭.‬

غسان‭ ‬حكاية‭ ‬فلسطينية‭ ‬بامتياز‭. ‬حكاية‭ ‬الشاب‭ ‬الذي‭ ‬كرّس‭ ‬حياته‭ ‬لفلسطين،‭ ‬كتب‭ ‬لها‭ ‬وكتب‭ ‬عنها‭ ‬وعمم‭ ‬أدبها‭ ‬ونتاجات‭ ‬مبدعيها‭ ‬وقرأ‭ ‬ما‭ ‬يقول‭ ‬خصومها‭ ‬حتى‭ ‬يفهم‭ ‬عقليتهم‭ ‬العنصرية‭ ‬اللاإنسانية‭ ‬بشكل‭ ‬أوضح‭ ‬كما‭ ‬كتب‭ ‬لأطفالها‭.‬

كان‭ ‬غسان‭ ‬موسوعة‭ ‬تنمو‭ ‬مع‭ ‬الوقت،‭ ‬موسوعة‭ ‬تختصر‭ ‬حكايات‭ ‬الجدات‭ ‬وأغانيهن‭ ‬عن‭ ‬ظريف‭ ‬الطول‭ ‬والجفرا‭ ‬والفدائي‭ ‬الأسمر‭ ‬والحبيب‭ ‬الذي‭ ‬طال‭ ‬انتظاره،‭ ‬موسوعة‭ ‬تعرف‭ ‬فلسطين‭ ‬وتريدها‭.  ‬إن‭ ‬في‭ ‬تذكر‭ ‬غسان‭ ‬بحث‭ ‬عن‭ ‬هويتنا‭ ‬ونحن‭ ‬مازلنا‭ ‬نطرق‭ ‬الخزان‭.‬

التفكير‭ ‬الدائم‭ ‬في‭ ‬غسان‭ ‬هو‭ ‬تفكير‭ ‬في‭ ‬هويتنا‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لغسان‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬صونها‭ ‬وتمكينها‭.‬

لقد‭ ‬شكلت‭ ‬كتابات‭ ‬غسان‭ ‬في‭ ‬أجناس‭ ‬الأدب‭ ‬كافة‭ ‬علامة‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬الوعي‭ ‬الوطني‭ ‬تجاه‭ ‬سؤال‭ ‬فلسطين‭ ‬الأهم‭ ‬المتعلق‭ ‬بالإنسان‭ ‬والأرض‭.‬

من‭ ‬المهم‭ ‬لنا‭ ‬نحن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬دائماً‭ ‬هذا‭ ‬القلق‭ ‬الذي‭ ‬سكن‭ ‬غسان‭ ‬وشخوص‭ ‬رواياته‭ ‬من‭ ‬أبي‭ ‬الخيزران‭ ‬وأم‭ ‬سعد‭ ‬وسعيد‭ ‬وصفية،‭ ‬القلق‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬منهم‭ ‬فلسطينيين‭ ‬أصحاب‭ ‬قضية‭.‬

في‭ ‬تذكر‭ ‬غسان‭ ‬احتفال‭ ‬ببحثنا‭ ‬الدؤوب‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬سلبها‭ ‬منا‭ ‬الغزاة‭.‬

إن‭ ‬تذكر‭ ‬غسان‭ ‬هو‭ ‬استعادة‭ ‬حية‭ ‬ومستمرة‭ ‬للدور‭ ‬الحقيقي‭ ‬للثقافة‭ ‬الوطنية‭ ‬ولما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬المثقف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ولدوره‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬قضيته‭. ‬هو‭ ‬تذكر‭ ‬لشخصية‭ ‬تركت‭ ‬أثراً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬وفي‭ ‬وعينا‭.‬

إن‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬سألها‭ ‬غسان‭ ‬هي‭ ‬ذات‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬دماغنا‭ ‬وكلما‭ ‬مر‭ ‬الوقت‭ ‬أكثر‭ ‬شعرنا‭ ‬أكثر‭ ‬بالحاجة‭ ‬إلى‭ ‬طرق‭ ‬الخزان‭ ‬حتى‭ ‬نكسر‭ ‬الجدران‭.‬

إنه‭ ‬المثقف‭ ‬الذي‭ ‬كرس‭ ‬حياته‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬بلاده‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬كتاباته‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬الأدبية‭ ‬من‭ ‬رواية‭ ‬وقصة‭ ‬أو‭ ‬الصحفية‭ ‬أو‭ ‬عمله‭ ‬اليومي‭.‬

غسان‭ ‬كنفاني‭ ‬كان‭ ‬حالة‭ ‬فلسطينية‭ ‬متكاملة‭ ‬قل‭ ‬نظيرها‭ ‬في‭ ‬تاريخنا‭ ‬الحديث‭ ‬والمعاصر‭.‬

هو‭ ‬الفتى‭ ‬الذي‭ ‬أحرقت‭ ‬أحلامه‭ ‬النكبة‭ ‬رفض‭ ‬أن‭ ‬يستسلم‭ ‬لبشاعة‭ ‬اللحظة‭ ‬وراح‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬لحظته‭ ‬الخاصة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يقفز‭ ‬عن‭ ‬سقطات‭ ‬الماضي‭. ‬وعليه‭ ‬يصعب‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬غسان‭ ‬الكاتب‭ ‬وغسان‭ ‬الفدائي‭ ‬وغسان‭ ‬العاشق‭ ‬وغسان‭ ‬الإنسان‭. ‬كان‭ ‬غسان‭ ‬حالة‭ ‬متكاملة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تفكيكها‭. ‬لذلك‭ ‬في‭ ‬تذكر‭ ‬غسان‭ ‬قراءة‭ ‬جديدة‭ ‬لحالة‭ ‬متجددة‭.‬

لسنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬لحظة‭ ‬محددة‭ ‬لنتذكر،‭ ‬ففلسطين‭ ‬التي‭ ‬أبقاها‭ ‬غسان‭ ‬في‭ ‬كتابته‭ ‬مازالت‭ ‬جريحة،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬تبقى‭ ‬لنا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬نقاتل‭ ‬من‭ ‬أجله،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬سبيله‭.‬

إن‭ ‬إحياء‭ ‬ذكرى‭ ‬غسان‭ ‬هو‭ ‬احتفال‭ ‬بهذا‭ ‬الاستذكار‭ ‬الواجب‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نقوم‭ ‬به‭ ‬سيرا‭ ‬على‭ ‬دربه‭ ‬وعملا‭ ‬بوصايا‭ ‬الشهداء‭ ‬الذين‭ ‬حملوا‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬مصاف‭ ‬الخلود‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬فلسطين‭. ‬فغسان‭ ‬مثل‭ ‬كل‭ ‬آباء‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ثبتوا‭ ‬البوصلة‭ ‬على‭ ‬فلسطين‭ ‬ورفضوا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬طريق‭ ‬آخر،‭ ‬وسخروا‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمتلكون‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين‭. ‬ورغم‭ ‬عمره‭ ‬القصير‭ ‬زمنياً‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يعش‭ ‬إلا‭ ‬ستا‭ ‬وثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬فإن‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭ ‬عاش‭ ‬قروناً‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬التاريخ‭ ‬وأعماراً‭ ‬قادمة‭ ‬في‭ ‬حيوات‭ ‬المستقبل،‭ ‬لأنه‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬الصحيحة‭ ‬من‭ ‬نهر‭ ‬التاريخ‭ ‬الخالد‭.‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬لنا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭. ‬لأن‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬غسان‭ ‬ما‭ ‬يغري‭ ‬بالبحث‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬مآلات‭ ‬قضيتنا‭ ‬الوطنية‭ ‬وفي‭ ‬استشراف‭ ‬واقعنا‭ ‬العربي‭.‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬غسان‭ ‬كاتباً‭ ‬يبحر‭ ‬في‭ ‬لجاج‭ ‬الفنتازيا‭ ‬باحثاً‭ ‬عن‭ ‬عالم‭ ‬يصلح‭ ‬للسرد‭ ‬ويصلح‭ ‬لعالم‭ ‬الرواية‭ ‬حيث‭ ‬يصعب‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬الواقع‭ ‬والخيال،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سياسياً‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬عالمه‭ ‬المثالي‭ ‬عبر‭ ‬الشعارات‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تصلح‭ ‬إلا‭ ‬لاستهلاك‭ ‬الجمهور،‭ ‬ولا‭ ‬كان‭ ‬صحفياً‭ ‬يبحث‭ ‬عما‭ ‬يغري‭ ‬متابعيه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تزجية‭ ‬وقتهم‭ ‬المستقطع،‭ ‬ولا‭ ‬كان‭ ‬مثقفاً‭ ‬شغوفاً‭ ‬بإبداعات‭ ‬المثقفين‭ ‬وثرثرتهم‭ ‬تتناثر‭ ‬حول‭ ‬فناجين‭ ‬القهوة‭ ‬في‭ ‬صباحاتهم‭ ‬الطازجة،‭ ‬كان‭ ‬غسان‭ ‬مزيجاً‭ ‬غريباً‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬وكان‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬أي‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬منظار‭ ‬اسمه‭ ‬فلسطين‭. ‬فكان‭ ‬روائياً‭ ‬لا‭ ‬يفكر‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬شعبه‭ ‬ومآلاته‭ ‬بعد‭ ‬حادثة‭ ‬الاجتثاث‭ ‬الرهيبة‭ ‬التي‭ ‬تمت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬سرقة‭ ‬البلاد‭ ‬وكان‭ ‬قاصاً‭ ‬يستعيد‭ ‬أرض‭ ‬البرتقال‭ ‬أو‭ ‬غربة‭ ‬المنفى‭ ‬على‭ ‬أسرة‭ ‬الآخرين،‭ ‬وكان‭ ‬يكتب‭ ‬المقال‭ ‬الصحفي‭ ‬أو‭ ‬الدراسة‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬فلسطين‭ ‬أقرب‭.‬

وإلى‭ ‬جانب‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬سياسياً‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬المقاربات‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬يوتبياه‭ ‬أو‭ ‬فلسطينه‭ ‬أقرب‭.‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬غسان‭ ‬مثقفاً‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬فريد‭. ‬كتب‭ ‬غسان‭ ‬مستخدماً‭ ‬تيار‭ ‬الوعي‭ ‬والتدفق‭ ‬الحر‭ ‬للأفكار‭ ‬مبكراً،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭ ‬قد‭ ‬عرفت‭ ‬هذا‭ ‬التقليد‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬السردية‭ ‬بعد‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬غسان‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬تقاليد‭ ‬عريقة‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬استمدها‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬عربية‭ ‬واسعة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬اطلاعه‭ ‬على‭ ‬الكتابات‭ ‬السردية‭ ‬لجيل‭ ‬رواد‭ ‬الرواية‭ ‬الأمريكية‭ ‬أمثال‭ ‬فولكنر‭ ‬أو‭ ‬البريطانية‭ ‬أمثال‭ ‬فرجينيا‭ ‬وولف‭ ‬قد‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬تقديمه‭ ‬لهذا‭ ‬السرد‭ ‬إضافة‭ ‬نوعية‭ ‬للرواية‭ ‬العربية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬إضاءات‭ ‬غسان‭ ‬على‭ ‬الأدب‭ ‬الصهيوني‭ ‬كانت‭ ‬فاتحة‭ ‬للتعرف‭ ‬على‭ ‬كيف‭ ‬يتم‭ ‬توظيف‭ ‬الكلمة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬القتل‭ ‬وسرقة‭ ‬بلاد‭ ‬الآخرين‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬تقديمه‭ ‬أيضاً‭ ‬لأدب‭ ‬الأرض‭ ‬المحتلة‭ ‬ليضيء‭ ‬عالماً‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬زنزانة‭ ‬النكبة‭ ‬طوال‭ ‬عشرين‭ ‬عاماً‭ ‬لم‭ ‬يسمع‭ ‬به‭ ‬القارئ‭ ‬العربي‭.‬

هذا‭ ‬ليس‭ ‬مناسبة‭ ‬جديدة‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬غسان‭ ‬لأننا‭ ‬لم‭ ‬نتوقف‭ ‬يوماً‭ ‬عن‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬فغسان‭ ‬كنفاني‭ ‬دائم‭ ‬الحضور‭ ‬والاستحضار‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬الثقافية‭ ‬والسياسية‭ ‬والوطنية‭ ‬والقومية،‭ ‬لكننا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬المصباح‭ ‬مضيئاً‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬ربما‭ ‬تعتمت‭ ‬أكثر‭ ‬كلما‭ ‬أوغلنا‭ ‬فيها‭ ‬أو‭ ‬إذا‭ ‬نسينا‭ ‬تفاصيلها‭ ‬فنجهلها‭. ‬من‭ ‬المهم‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬دائماً‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬مهمة‭ ‬نبيلة‭ ‬للكاتب‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬جعلته‭ ‬في‭ ‬مصاف‭ ‬الخالدين‭ ‬وأن‭ ‬ثمة‭ ‬مهمة‭ ‬أكثر‭ ‬نبلاً‭ ‬لهذا‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬كالسياق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬حيث‭ ‬هناك‭ ‬حكاية‭ ‬يريد‭ ‬الغزاة‭ ‬أن‭ ‬يدفنوها‭ ‬في‭ ‬غياهب‭ ‬النسيان‭.‬

‭ ‬جزء‭ ‬أساس‭ ‬من‭ ‬مهمة‭ ‬الأدب‭ ‬أن‭ ‬يتذكر،‭ ‬أن‭ ‬يستعيد،‭ ‬أن‭ ‬يقول،‭ ‬أن‭ ‬يقترح،‭ ‬أن‭ ‬يمسك‭ ‬بجوهر‭ ‬الأشياء‭ ‬حتى‭ ‬حين‭ ‬يلامس‭ ‬قشرة‭ ‬البرتقالة؛‭ ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬يحافظ‭ ‬علينا‭ ‬كبشر‭ ‬نحب‭ ‬ونكره‭ ‬ونغضب‭ ‬ونحقد‭ ‬ونخاف‭ ‬ونحلم‭ ‬ونصاب‭ ‬بالخيبة،‭ ‬كما‭ ‬نشقى‭ ‬بالأمل‭ ‬ونُغرم‭ ‬به‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭.‬

{ وزير‭ ‬الثقافة‭ ‬الفلسطيني

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا