العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

الغرب في مواجهة العالم

تحدثت‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬سابق‭ ‬عن‭ ‬التقرير‭ ‬الذي‭ ‬نشرته‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬فاينانشيال‭ ‬تايمز‮»‬‭ ‬البريطانية‭ ‬بمناسبة‭ ‬مرور‭ ‬20‭ ‬عاما‭ ‬على‭ ‬غزو‭ ‬واحتلال‭ ‬العراق،‭ ‬والذي‭ ‬يستغرب‭ ‬كيف‭ ‬ان‭ ‬الغرب‭ ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬السنين‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭ ‬وما‭ ‬يزال‭ ‬يلجأ‭ ‬الى‭ ‬اساليب‭ ‬البطش‭ ‬واستخدام‭ ‬القوة‭ ‬الغاشمة‭ ‬في‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭. ‬وقد‭ ‬شرحت‭ ‬كيف‭ ‬ان‭ ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬مستغربا‭ ‬ابدا‭ ‬وبينت‭ ‬أسباب‭ ‬ذلك‭.‬

القضية‭ ‬ليست‭  ‬فقط‭ ‬ان‭ ‬الغرب‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭ ‬في‭ ‬استخدامه‭ ‬أساليب‭ ‬البطش‭ ‬والاملاء‭ ‬والقوة‭ ‬والعنف‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬لكن‭ ‬ان‭ ‬الغرب‭ ‬سوف‭ ‬يزداد‭ ‬توحشا‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬هذه‭ ‬الأساليب‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭ ‬واسباب‭ ‬ذلك‭ ‬كثيرة‭.‬

بداية‭ ‬ينبغي‭ ‬ألا‭ ‬يغيب‭ ‬عن‭ ‬البال‭ ‬ان‭ ‬الهدف‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الأكبر‭ ‬للغرب‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬هيمنته‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬التي‭ ‬ترسخت‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬والحيلولة‭ ‬دون‭ ‬قيام‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب‭ ‬يزيح‭ ‬هذه‭ ‬الهيمنة‭ ‬وتصعد‭ ‬في‭ ‬اطاره‭ ‬قوى‭ ‬عالمية‭ ‬جديدة‭ ‬الى‭ ‬مواقع‭ ‬النفوذ‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

والغرب‭ ‬يعتبر‭ ‬ان‭ ‬الأساليب‭ ‬التي‭ ‬يتبعها‭ ‬طوال‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬أي‭ ‬أساليب‭ ‬تدمير‭ ‬الدول‭ ‬واستخدام‭ ‬القوة‭ ‬والعنف‭ ‬والاملاء،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬اساليب‭ ‬ناجحة‭ ‬لتحقيق‭ ‬هدفه‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الذي‭ ‬اشرنا‭ ‬اليه‭.‬

الغرب‭ ‬يعتبر‭ ‬مثلا‭ ‬انه‭ ‬بغزو‭ ‬واحتلال‭ ‬العراق‭ ‬وتدميره‭ ‬وما‭ ‬ترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬كارثية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬كلها‭ ‬حقق‭ ‬أهدافه‭ ‬بالكامل‭ ‬اذ‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬اضعاف‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬واغراقها‭ ‬في‭ ‬الصراعات‭ ‬الطائفية‭ ‬وغير‭ ‬الطائفية‭ ‬وحال‭ ‬دون‭ ‬بروز‭ ‬قوة‭ ‬عربية‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تتحداه‭.‬

وكما‭ ‬ذكرت،‭ ‬الغرب‭ ‬سيزداد‭ ‬توحشا‭ ‬في‭ ‬اللجوء‭ ‬الى‭ ‬هذه‭ ‬الأساليب‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭ ‬بسبب‭ ‬التحولات‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬العالم‭.‬

‭  ‬الغرب‭ ‬يشعر‭ ‬اليوم‭ ‬ان‭ ‬هيمنته‭ ‬العالمية‭ ‬مهددة‭ ‬بشكل‭ ‬جدي،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬تطورات‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ :‬

1‭ ‬‭ ‬ان‭ ‬التحدي‭ ‬الروسي‭ ‬الصيني‭ ‬للهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬اصبح‭ ‬كبيرا‭ ‬جدا،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬مجرد‭ ‬احتمال‭ ‬او‭ ‬توقع‭.‬

روسيا‭ ‬بحرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬فرضت‭ ‬واقعا‭ ‬جديدا‭ ‬يتحدى‭ ‬الغرب‭ ‬وأظهرت‭ ‬بوضوح‭ ‬عزمها‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬مصالحها‭ ‬وعن‭ ‬نفوذها‭ ‬العالمي‭.‬

والصين‭ ‬بدورها‭ ‬أصبحت‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬عالميا‭ ‬محوريا‭ ‬بالإضافة‭ ‬الى‭ ‬تقدمها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الهائل‭.‬

وروسيا‭ ‬والصين‭ ‬معا‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬علنا‭ ‬الى‭ ‬حتمية‭ ‬قيام‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬ينهي‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭.‬

2‭ - ‬ان‭ ‬عددا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬دول‭ ‬تعتبر‭ ‬تلقيديا‭ ‬من‭ ‬اقرب‭ ‬حلفاء‭ ‬أمريكا،‭ ‬كدول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬مثلا،‭ ‬أصبحت‭ ‬تتحدى‭ ‬سياسات‭ ‬غربية‭ ‬بشكل‭ ‬صريح‭ ‬وعملي‭. ‬يتضح‭ ‬هذا‭ ‬مثلا‭ ‬في‭ ‬موقفها‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬اوكرانيا‭ ‬ومن‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬وموقفها‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬عالمية‭ ‬كثيرة‭ ‬أخرى‭.‬

3‭ - ‬ان‭ ‬الغالبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬قيام‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬اكثر‭ ‬توازنا‭ ‬وعدلا‭ ‬وانصافا‭.‬

هذه‭ ‬التطورات‭ ‬الثلاثة‭ ‬جعلت‭ ‬الغرب‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬هيمنته‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬خطر‭ ‬حقيقي‭ ‬وانه‭ ‬يخوض‭ ‬اليوم‭ ‬معركة‭ ‬وجودية‭ ‬بمعنى‭ ‬الكلمة‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الهيمنة‭. ‬ولهذا‭ ‬لنا‭ ‬ان‭ ‬نتوقع‭ ‬ان‭ ‬محاولاته‭ ‬لفرض‭ ‬ارادته‭ ‬واللجوء‭ ‬الى‭ ‬اساليب‭ ‬البطش‭ ‬والقوة‭ ‬سوف‭ ‬تزداد‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭.‬

الأمر‭ ‬الغريب‭ ‬ان‭ ‬الغرب‭ ‬لا‭ ‬يدرك‭ ‬انه‭ ‬اصبح‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬ولا‭ ‬يدرك‭ ‬ان‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأساليب‭ ‬التي‭ ‬يتبعها‭ ‬لإبقاء‭ ‬هيمنته‭ ‬أصبحت‭ ‬مرفوضة‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬ويقاومها‭ ‬فعلا‭ ‬ولن‭ ‬يسمح‭ ‬للدول‭ ‬الغربية‭ ‬بمواصلة‭ ‬اللجوء‭ ‬اليها‭.‬

الغرب‭ ‬عاجز‭ ‬عن‭ ‬ان‭ ‬يدرك‭ ‬ان‭ ‬المستقبل‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬صالحه،‭ ‬وان‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬اساليبه‭ ‬هذه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬سوى‭ ‬تكريس‭ ‬الكراهية‭ ‬العالمية‭ ‬له‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬انهاء‭ ‬هيمنته‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا