يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
الغرب في مواجهة العالم
تحدثت في مقال سابق عن التقرير الذي نشرته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية بمناسبة مرور 20 عاما على غزو واحتلال العراق، والذي يستغرب كيف ان الغرب رغم مرور كل هذه السنين لم يتغير وما يزال يلجأ الى اساليب البطش واستخدام القوة الغاشمة في تعامله مع دول العالم. وقد شرحت كيف ان الأمر ليس مستغربا ابدا وبينت أسباب ذلك.
القضية ليست فقط ان الغرب لم يتغير في استخدامه أساليب البطش والاملاء والقوة والعنف في التعامل مع دول العالم، لكن ان الغرب سوف يزداد توحشا في استخدام هذه الأساليب في السنوات القادمة واسباب ذلك كثيرة.
بداية ينبغي ألا يغيب عن البال ان الهدف الاستراتيجي الأكبر للغرب اليوم هو الحفاظ على هيمنته على النظام العالمي التي ترسخت منذ نهاية الحرب الباردة، والحيلولة دون قيام نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يزيح هذه الهيمنة وتصعد في اطاره قوى عالمية جديدة الى مواقع النفوذ في العالم.
والغرب يعتبر ان الأساليب التي يتبعها طوال ما بعد انتهاء الحرب الباردة، أي أساليب تدمير الدول واستخدام القوة والعنف والاملاء، ما زالت اساليب ناجحة لتحقيق هدفه الاستراتيجي الذي اشرنا اليه.
الغرب يعتبر مثلا انه بغزو واحتلال العراق وتدميره وما ترتب على ذلك من آثار كارثية في المنطقة كلها حقق أهدافه بالكامل اذ نجح في اضعاف الدول العربية واغراقها في الصراعات الطائفية وغير الطائفية وحال دون بروز قوة عربية يمكن ان تتحداه.
وكما ذكرت، الغرب سيزداد توحشا في اللجوء الى هذه الأساليب في السنوات القادمة بسبب التحولات التي يشهدها العالم.
الغرب يشعر اليوم ان هيمنته العالمية مهددة بشكل جدي، وذلك بسبب تطورات كثيرة في مقدمتها :
1 – ان التحدي الروسي الصيني للهيمنة الغربية اصبح كبيرا جدا، ولم يعد مجرد احتمال او توقع.
روسيا بحرب أوكرانيا فرضت واقعا جديدا يتحدى الغرب وأظهرت بوضوح عزمها الدفاع عن مصالحها وعن نفوذها العالمي.
والصين بدورها أصبحت تلعب دورا عالميا محوريا بالإضافة الى تقدمها الاقتصادي الهائل.
وروسيا والصين معا في مقدمة دول العالم التي تدعو علنا الى حتمية قيام نظام عالمي جديد ينهي الهيمنة الغربية.
2 - ان عددا كبيرا من دول العالم، بما في ذلك دول تعتبر تلقيديا من اقرب حلفاء أمريكا، كدول الخليج العربية مثلا، أصبحت تتحدى سياسات غربية بشكل صريح وعملي. يتضح هذا مثلا في موقفها من حرب اوكرانيا ومن العلاقات مع الصين وروسيا وموقفها من قضايا عالمية كثيرة أخرى.
3 - ان الغالبية الساحقة من دول العالم لم تعد تتردد في الإعلان عن ضرورة قيام نظام عالمي جديد اكثر توازنا وعدلا وانصافا.
هذه التطورات الثلاثة جعلت الغرب يدرك أن هيمنته العالمية في خطر حقيقي وانه يخوض اليوم معركة وجودية بمعنى الكلمة دفاعا عن هذه الهيمنة. ولهذا لنا ان نتوقع ان محاولاته لفرض ارادته واللجوء الى اساليب البطش والقوة سوف تزداد في السنوات القادمة.
الأمر الغريب ان الغرب لا يدرك انه اصبح في مواجهة العالم كله، ولا يدرك ان مثل هذه الأساليب التي يتبعها لإبقاء هيمنته أصبحت مرفوضة من العالم ويقاومها فعلا ولن يسمح للدول الغربية بمواصلة اللجوء اليها.
الغرب عاجز عن ان يدرك ان المستقبل ليس في صالحه، وان الإصرار على اساليبه هذه ليس من شأنه سوى تكريس الكراهية العالمية له والإصرار على انهاء هيمنته.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك