العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

لغز له تفسير

قبل‭ ‬أيام‭ ‬نشرنا‭ ‬في‭ ‬‮«‬أخبار‭ ‬الخليج‮»‬‭ ‬تقريرا‭ ‬لصحيفة‭ ‬‮«‬فاينانشيال‭ ‬تايمز‮»‬‭ ‬البريطانية‭ ‬بمناسبة‭ ‬مرور‭ ‬20‭ ‬عاما‭ ‬على‭ ‬غزو‭ ‬واحتلال‭ ‬العراق‭. ‬ما‭ ‬يطرحه‭ ‬التقرير‭ ‬يتلخص‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬20‭ ‬عاما‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬الدمار‭ ‬الذي‭ ‬حل‭ ‬بالعراق‭ ‬والمنطقة‭ ‬وصعود‭ ‬داعش‭ ‬والجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬وتفجر‭ ‬الصراعات‭ ‬الطائفية،‭ ‬فإن‭ ‬الغرب‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭. ‬كل‭ ‬القادة‭ ‬الذين‭ ‬نفذوا‭ ‬الغزو‭ ‬بقوا‭ ‬في‭ ‬مواقعهم‭ ‬دون‭ ‬محاسبة،‭ ‬ومازالت‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬تتبع‭ ‬نفس‭ ‬النهج‭ ‬المدمر‭ ‬باستخدام‭ ‬البطش‭ ‬والقوة‭ ‬الغاشمة‭ ‬في‭ ‬العالم‭.. ‬وهكذا‭.‬

التقرير‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬أمر‭ ‬غريب‭ ‬ولغز‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬الافتراض‭ ‬بأنه‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬يتعلم‭ ‬الغرب‭ ‬دروس‭ ‬غزو‭ ‬واحتلال‭ ‬العراق‭ ‬والمصائب‭ ‬التي‭ ‬ترتبت‭ ‬عليه‭ ‬وأن‭ ‬يعيد‭ ‬بالتالي‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬نهجه‭ ‬وفي‭ ‬حساباته‭ ‬وفي‭ ‬سياساته‭ ‬وممارساته‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬لغز‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭. ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬البعض‭ ‬يعتبر‭ ‬ما‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬التقرير‭ ‬لغزا‭ ‬فتفسيره‭ ‬واضح‭ ‬جدا‭.‬

أصلا‭ ‬الافتراض‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬عليه‭ ‬التقرير‭ ‬خاطئ‭. ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬افتراض‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬أخطأ‭ ‬وأساء‭ ‬التقدير‭ ‬بغزو‭ ‬واحتلال‭ ‬العراق،‭ ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬ارتبطت‭ ‬بالغزو‭ ‬وترتبت‭ ‬عليه‭ ‬كانت‭ ‬مفاجئة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬متوقعة،‭ ‬وأنه‭ ‬بالتالي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬يراجع‭ ‬الغرب‭ ‬نفسه‭ ‬ويغير‭ ‬نهجه‭ ‬وسياساته‭ ‬وممارساته،‭ ‬ليس‭ ‬صحيحا‭ ‬بالمرة‭.‬

غزو‭ ‬واحتلال‭ ‬العراق‭ ‬جريمة‭ ‬تاريخية‭ ‬تم‭ ‬ارتكابها‭ ‬عن‭ ‬عمد‭ ‬عن‭ ‬سبق‭ ‬إصرار‭ ‬وتخطيط‭ ‬وبمعرفة‭ ‬كاملة‭ ‬مسبقة‭ ‬بما‭ ‬ستقود‭ ‬إليه‭.‬

الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬الذي‭ ‬حل‭ ‬بالعراق‭ ‬والمنطقة‭ ‬كان‭ ‬بالضبط‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬أراده‭ ‬الغرب‭ ‬وما‭ ‬خطط‭ ‬له‭.‬

بمجرد‭ ‬أن‭ ‬احتلت‭ ‬أمريكا‭ ‬العراق‭ ‬شرعت‭ ‬فورا‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬كل‭ ‬مؤسسات‭ ‬ومقومات‭ ‬وأسس‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية،‭ ‬وشرعت‭ ‬فورا‭ ‬في‭ ‬إرساء‭ ‬النظام‭ ‬الطائفي‭ ‬المجرم‭ ‬وإغراق‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬الطائفي‭ ‬الدموي،‭ ‬وكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬حال‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬خراب‭ ‬وضياع‭. ‬هذا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬الذين‭ ‬قتلوا‭ ‬والأكثر‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬ملايين‭ ‬الذين‭ ‬تشردوا‭ ‬من‭ ‬ديارهم‭.. ‬إلى‭ ‬آخره‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الخطأ‭ ‬أو‭ ‬سوء‭ ‬التقدير‭ ‬بل‭ ‬تنفيذا‭ ‬لمخطط‭ ‬مدروس‭ ‬بعناية‭. ‬وقل‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬الدمار‭ ‬الذي‭ ‬حل‭ ‬بالوطن‭ ‬العربي‭ ‬بعد‭ ‬الغزو‭ ‬والاحتلال‭ ‬من‭ ‬غرق‭ ‬في‭ ‬الإرهاب‭ ‬الذي‭ ‬مارسته‭ ‬جماعات‭ ‬أمريكا‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬شجعتها‭ ‬وقوتها،‭ ‬ومن‭ ‬صراعات‭ ‬طائفية‭.. ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬نعرفه‭.‬

وهذا‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يفسر‭ ‬لماذا‭ ‬أن‭ ‬قادة‭ ‬الغزو‭ ‬والاحتلال‭ ‬وبالأخص‭ ‬جورج‭ ‬بوش‭ ‬وتوني‭ ‬بلير‭ ‬رغم‭ ‬أنهم‭ ‬مجرمو‭ ‬حرب‭ ‬وإبادة‭ ‬وفق‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬ووفق‭ ‬أي‭ ‬معيار‭ ‬إنساني‭ ‬أو‭ ‬أخلاقي‭ ‬أو‭ ‬سياسي‭ ‬لم‭ ‬يتعرضوا‭ ‬لأي‭ ‬محاسبة‭ ‬أو‭ ‬مساءلة‭ ‬أو‭ ‬عقاب‭. ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الغرب‭ ‬ليسوا‭ ‬مجرمين‭ ‬ولم‭ ‬يرتكبوا‭ ‬خطأ،‭ ‬بل‭ ‬أدوا‭ ‬المهمة‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬وجه‭ ‬وبنجاح‭ ‬كبير‭.‬

والتقرير‭ ‬حين‭ ‬يستغرب‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬مازال‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬يلجأ‭ ‬إلى‭ ‬القوة‭ ‬الغاشمة‭ ‬وإلى‭ ‬البطش‭ ‬والعنف‭ ‬والإرهاب‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬يتحدث‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬حدثا‭ ‬عارضا‭ ‬أو‭ ‬استثنائيا‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الغرب‭. ‬التقرير‭ ‬يتناسى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العنف‭ ‬والإرهاب‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬عقيدة‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬العالم‭.‬

وهذا‭ ‬بدوره‭ ‬يفسر‭ ‬ما‭ ‬لاحظه‭ ‬التقرير‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬غزو‭ ‬واحتلال‭ ‬العراق‭ ‬لم‭ ‬يثر‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الدول‭ ‬والمجتمعات‭ ‬الغربية‭ ‬حركة‭ ‬مراجعة‭ ‬أو‭ ‬نقد‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬حرب‭ ‬فيتنام‭ ‬مثلا‭. ‬كما‭ ‬ينبغي‭ ‬ألا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬التفسيرات‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬النظرة‭ ‬العنصرية‭ ‬المتأصلة‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬تجاه‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬العربية‭. ‬هم‭ ‬لسان‭ ‬حالهم‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الجرائم‭ ‬بحق‭ ‬العرب‭ ‬وما‭ ‬يحل‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬دمار‭ ‬وخراب‭ ‬أمور‭ ‬لا‭ ‬تستحق‭ ‬الاهتمام‭.‬

للحديث‭ ‬بقية‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا