يقول خبير التنمية البشرية إبراهيم الفقي: «إن كل كلمة، وكل فكرة، تعد بمثابة طاقة روحية، تقوم بتنشيط قوى الحياة في داخلك، سواء كانت ذات طبيعة سلبية أو إيجابية»!
نعم، وهنا تكمن مقدرة أي شخص على تحويل أي ألم إلى أمل، وأي فشل إلى نجاح، وأي ضعف إلى قوة، وهو ما حدث بالفعل لهذه المرأة المبدعة التي قررت عدم التوقف عند العثرات أو التجارب الصعبة التي مرت بها عبر مسيرتها، واستخدامها كوسيلة لإخراج ما بداخلها من طاقات إيجابية مخزونة، ومن ثم إحداث التغيير في حياتها، حتي تركت لها بصمة خاصة في عالم النساء البحرينيات المتميزات، أهلتها للحصول على جائزة امتياز الشرف لرائدة الأعمال الشابة مؤخرا.
فاطمة إبراهيم الأنصاري، أصغر عضو في منظمة رواد الأعمال العالمية «إي أو»، صاحبة مشروع هندسي يتبنى تقنيات الواقع الافتراضي لتقديم تصاميم هندسية تواكب مبادئ الاستدامة والحفاظ على البيئة، وذلك اعتمادا على الجمال الحسي وليس البصري.
هي شخصية معطاءة إلى أبعد الحدود، تجد سعادتها في إحداث التغيير الإيجابي في حياة الآخرين، مبدأها هو الثقة بالنفس والايمان بما تملك من قدرات، تتمتع بمهارة استخدام الحياة بأسلوب يتسم بالذكاء لجعلها ذات معنى، لا تستنفد وقتا أو جهدا في النظر إلى الخلف، تؤمن بأنه لا شيء يستطيع أن يمد حياتك بالطاقة مثل التركيز المطلق على جملة من الأهداف والغايات.
حول هذه التجربة الملهمة كان الحوار التالي:
متى بدأت رحلتك مع التصميم؟
أعترف بأنني كنت طفلة تتمتع بشخصية خجولة، لا تجيد التعبير عما بداخلها، ومع ذلك كان حلمها الدائم الذي يداعب خيالها أن تصبح شخصية مهمة وشهيرة في المستقبل، وقد بدأت معي هواية فن الرسم عند عمر ثماني سنوات، من خلال رسم الطبيعة، حيث أتمتع بمهارة شديدة في النقل والتقليد، وكانت رسوماتي في البداية باللونين الأبيض والأسود، ثم بالألوان الزيتية، وعند عمر 12 عاما قررت أن أطور من هوايتي لتأخذ صبغة احترافية، وشجعني والدي على ذلك فقد استشف أن لدي هذه الموهبة، فذهب واشترى لي كل الأدوات والمستلزمات لممارسة الفن بشكل أكثر تطورا وعمقا.
باكورة أعمالك الفنية؟
حين رسمت أول لوحة، لم تخرج بالشكل المرجو، بل يمكن القول بأنني فشلت في هذه التجربة، وأذكر أن والدي كان يقف خلفي يرقبني في هذه الأثناء، الأمر الذي اصابني بنوع من التوتر، فقمت بصباغتها كاملة باللون الأسود، ولكني لم أستسلم، وبعدها بيومين ذهبت إلى سطح المنزل، وعشت الأجواء الملهمة، ورسمت ثاني لوحاتي وكانت عبارة عن منظر طبيعي، وقد أبدعت فيها، وانبهر بها والدي، وأهديتها إلى معلمة العلوم بالمدرسة، ومن هنا اكتشف الجميع موهبتي، التي احتضنتها معلمة الرسم.
بداية الاحتراف؟
لقد شجعتني معلمة التربية الفنية ودعمتني وحققت الانطلاقة من وراء ذلك، وشاركت في عدة مسابقات فنية، وفزت بالعديد من الجوائز، ومع ذلك كنت أحلم دوما بأن أصبح طبيبة، وهو طموح يشبع شعوري بأن أكون شخصية مهمة، ولكن والدي كان يرى مستقبلي في التصميم الداخلي، ووجهني إليه إيمانا بموهبتي، وبالفعل أقبلت على دراسة هذا التخصص في جامعة البحرين، ومن أول فصل وجدت نفسي في هذا المجال، وكانت بداية الاحتراف أثناء مرحلة الجامعة.
أول محطة عملية؟
اثناء دراستي بالجامعة قررت ان أبدأ مشواري العملي، فالتحقت بأول وآخر وظيفة في حياتي وكانت في شركة مفروشات، حيث استمررت فيها حوالى شهر فقط، أيقنت خلاله بأن شخصيتي قيادية لا يمكنها تقبل الأوامر من الآخرين، وقررت أن أصبح مديرة نفسي وأن أطور من ذاتي، وخاصة بعد مروري بعدد من المواقف التي سببت لي ألما كبيرا.
أهم المواقف التي أثرت في مسيرتك؟
أذكر أنني في العام الأول من الجامعة عجزت أن أعرض مشروعي على الحضور وذلك بسبب خجلي الشديد، حتى أن الدكتور شك في أن أكون صاحبة التصميم الذي أبهر الجميع، وكان عبارة عن تصميم لفيلا على البحر، الأمر الذي أدى إلى بكائي، وحين شاهدني في هذه الحالة اتهمني بالدلع، موضحا أن مكان الدلع هو البيت وليس الجامعة، وبالطبع سبب لي إحراجا شديدا بل صدمة، وهنا قررت ان أطور من شخصيتي، هذا فضلا عن جملة أخرى قيلت لي في الصف الثاني تأثرت بها بشدة وصنعت مستقبلي.
وما هي؟
بعد أن اعتدت التفوق وحصولي دوما على أعلى الدرجات، فوجئت في العام الثاني من الجامعة بأنني حصلت في مادة التصميم على معدل أقل، فغضبت وحزنت كثيرا، وأرسلت رسالة للدكتورة التي تقوم بتدريسها أسأل فيها عن السبب، فقالت لي بأنني لا أفكر بعمق، وهي نفس الجملة التي كان أبي قد قالها لي في بداية عمري الفني ولم أنساها، وقد ظللت أبكي حوالي أسبوع من شدة ألمي، ولكن هذه الواقعة كانت وراء إحداث نقلة مهمة في شخصيتي، واعتمادي دوما على التحليل والتفكير العميق.
بداية مشروعك الخاص؟
في العام الثالث من الجامعة منحني والدي فرصة تصميم صالة بيتنا، وقمت بذلك بشكل رائع، وحين شاهد ذلك أحد أصحاب المكاتب من المعارف منحني الفرصة لأن أصبح شريكة له في المشاريع، وقد أعجبت كثيرا بثقته بي، وتخلصت هنا من مشاعر الضعف والخوف تماما، وتولد بداخلي حافز قوي لإثبات ذاتي، وقد حدث ذلك بشكل لافت أثناء عرض مشروع لي كان عبارة عن تصميم قاعة في جامعة البوليتكنيك، وبالصدفة كانت نفس القاعة التي فشلت فيها في عرض مشروعي سابقا، وسخر مني الدكتور المشرف، واتهمني بالدلع.
كيف كان رد الفعل؟
لقد جاء مشروعي ليمثل تحفة فنية بشهادة الجميع، وكان ذلك في السنة الرابعة من الجامعة، وكم كنت سعيدة وفخورة حين قيل لي بأن أجمل ما في تصاميمي أنها تعكس نوعا من التحليل والتفكير العميق، وهو عكس ما كان يقال عني سابقا، وهنا أدركت أن الألم يجعلنا نفكر وننتبه ونتطور.
وماذا عن مشروع التخرج؟
مشروع التخرج كان عبارة عن تصميم لكلية الهندسة، وقد حصلت على أعلى درجة، والجميل أنني قمت بعرضه بشكل مختلف ومبهر، وبكل ثقة في النفس، حتى أن الدكتور قال لي: «عادة يتسم طلبة التصميم الداخلي بالحساسية المفرطة، الأمر الذي يجعلهم يبكون في مثل هذا الموقف، ولكن يبدو انك أنت التي سوف تدفعينا إلى البكاء»، وهنا أدركت تماما أنني تغلبت على نقاط ضعفي، وبعد التخرج واصلت عملي مع نفس المكتب كشريك في المشاريع، ثم قررت إنشاء مشروع خاص مع ثلاثة شركاء في مجال التصميم الداخلي والتأثيث والتنفيذ ومعرض للأثاث، ثم بعد عامين انسحبت وبدأت من الصفر من جديد ولثاني مرة، ولم أسقط أو أنكسر، ووقفت على قدمي من جديد وأطلقت مشروعا باسمي.
حدثينا عن المنافسات والحروب؟
لا شك أنني تعرضت لحروب وصدمات عديدة، ولكنها كانت بالنسبة لي مصدرا للقوة؛ لأنها علمتني دروسا مهمة في الحياة، منها أن نسير إلى الأمام، ولا ننظر إلى الوراء، وألا نتوقف عن الأحلام ورسم الأهداف، وأنه ليس هناك مستحيل، المهم ألا نستسلم لأي عثرات أو محبطات، وبالفعل أصبحت لدي قدرة على تحويل أي طاقة سلبية إلى إيجابية، وتركت بصمة خاصة بي في مجالي تعتمد على الجمال الحسي وليس البصري، وجاءت جائزة امتياز الشرف لرائدة الأعمال الشابة تتويجا لمسيرتي ولمشواري الطويل، وكم كنت فخورة بهذا التقدير من قبل وطني ممثلا في المجلس الأعلى للمرأة تحت قيادة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة.
خطأ تعلمتِ منه درسا؟
الخطأ الكبير الذي وقعت فيه هو عدم دقة الاختيار، والثقة الزائدة في أناس ليسوا في محلها، ومع أنني مررت بتجارب أليمة بسبب ذلك إلا أنني لم أتعثر وواصلت ووصلت، وأنا أرى أن المرأة عموما قد تفشل إذا شعرت بأنها ضعيفة، وإذا فقدت الثقة في قدراتها، وهذا ما حدث معي في مرحلة من عمري يمكن وصفها بالأصعب، وكانت هي الفترة التي تواجد فيها أشخاص خطأ في حياتي، ولكنها كانت انطلاقة نحو الأفضل، فقد اعتدت عدم النظر إلى الوراء أو الندم على أي تصرف أو قرار، وأجد سعادتي في العطاء، وفي إحداث التغيير الإيجابي في الآخرين، ومن كثرة الصدمات أصبحت أخشى اليوم من الأخذ، خوفا من تكرار أخطاء الماضي.
رسالة إلى المرأة؟
رسالتي لأي امرأة أن تحرص دائما على حسن الاختيار، وأن تتمسك بأنوثتها، وتثق في نفسها وفي قدراتها مهما واجهها من صعاب أو تحديات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك