العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

سرقوا ذاكرة لبنان.. عادي جدا!!

الخبر‭ ‬أعلنه‭ ‬زياد‭ ‬المكاري‭ ‬وزير‭ ‬الإعلام‭ ‬اللبناني‭ ‬بنفسه‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭. ‬قال‭: ‬إن‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬تعرضت‭ ‬لسرقة‭ ‬كبرى،‭ ‬إذ‭ ‬أقدم‭ ‬مجهولون‭ ‬على‭ ‬سرقة‭ ‬أرشيف‭ ‬الوكالة‭ ‬الوطنية‭ ‬للإعلام‭ ‬بالكامل،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬سرقة‭ ‬خمسة‭ ‬أجهزة‭ ‬كمبيوتر‭ ‬من‭ ‬غرفة‭ ‬الأرشيف‭. ‬الأرشيف‭ ‬يضم‭ ‬كل‭ ‬المعلومات‭ ‬والصور‭ ‬لكل‭ ‬المناسبات‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1961‭.‬

ليس‭ ‬من‭ ‬المبالغة‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬السرقة‭ ‬هي‭ ‬سرقة‭ ‬لذاكرة‭ ‬لبنان‭ ‬الوطنية،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الذاكرة‭.‬

البعض‭ ‬وصف‭ ‬السرقة‭ ‬بالغريبة‭. ‬والوزير‭ ‬اللبناني‭ ‬وصف‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬يُشكل‭ ‬جريمة‭ ‬بحجم‭ ‬وطن‮»‬‭. ‬وقال‭: ‬‮«‬الأرشيف‭ ‬يحمل‭ ‬تاريخ‭ ‬وتراث‭ ‬وطن‭. ‬من‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬تاريخه‭ ‬كيف‭ ‬يستطيع‭ ‬استشراف‭ ‬مُستقبله؟‮»‬‭. ‬وأضاف‭: ‬‮«‬الأرشيف‭ ‬بمثابة‭ ‬كنز‭ ‬للبنان‭ ‬ولوزارة‭ ‬الإعلام،‭ ‬وقد‭ ‬تضرر‭ ‬بسبب‭ ‬الحرب‭ ‬والفوضى‭ ‬في‭ ‬الفترات‭ ‬السابقة،‭ ‬وفُقدت‭ ‬منه‭ ‬مواد‭.. ‬أعطيت‭ ‬الأرشيف‭ ‬الأولوية‭ ‬مُنذ‭ ‬وصولي‭ ‬إلى‭ ‬الوزارة،‭ ‬وهو‭ ‬إنجاز‭ ‬بمُتناول‭ ‬الدارسين‭ ‬والجامعيين‭ ‬والأكاديميين‭ ‬بعد‭ ‬رقمنته‭ ‬وترتيب‭ ‬وضعه‭ ‬بالشكل‭ ‬العلمي‭ ‬المطلوب‮»‬‭.‬

نستطيع‭ ‬بالطبع‭ ‬أن‭ ‬نفهم‭ ‬هذه‭ ‬الحسرة‭ ‬وهذا‭ ‬الألم‭ ‬الذي‭ ‬يشعر‭ ‬به‭ ‬وزير‭ ‬الإعلام‭ ‬اللبناني‭. ‬الجريمة‭ ‬ليست‭ ‬حادثة‭ ‬سرقة‭ ‬عادية‭ ‬بل‭ ‬جريمة‭ ‬وطنية‭ ‬كبرى‭ ‬بالفعل‭.‬

ومع‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬غريبة‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬مثل‭ ‬لبنان‭.‬

بداية‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬ننتظر‭ ‬نتائج‭ ‬التحقيقات‭ ‬لمعرفة‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬ارتكبوا‭ ‬الجريمة،‭ ‬وما‭ ‬حقيقة‭ ‬دوافع‭ ‬الذين‭ ‬قاموا‭ ‬بالسرقة،‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬مادية‭ ‬فقط‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬دوافع‭ ‬أخرى،‭ ‬ولو‭ ‬أننا‭ ‬تعودنا‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الجرائم‭ ‬الكبرى‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يبقى‭ ‬الفاعل‭ ‬مجهولا‭.‬

في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬يجب‭ ‬النظر‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬زاويتين‭ ‬أساسيتين‭:‬

الأولى‭: ‬الأمر‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الذين‭ ‬أقدموا‭ ‬على‭ ‬ارتكاب‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬وطنيتهم‭ ‬وولاؤهم‭ ‬الوطني‭ ‬محل‭ ‬شك‭.‬

هم‭ ‬يعرفون‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬ليست‭ ‬سرقة‭ ‬عادية،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬جريمة‭ ‬بحق‭ ‬لبنان‭ ‬وتاريخه‭ ‬وذاكرته‭ ‬الوطنية‭.‬

المسألة‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬إنسان‭ ‬لديه‭ ‬ذرة‭ ‬من‭ ‬الوطنية‭ ‬والولاء‭ ‬للوطن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفكر‭ ‬أصلا‭ ‬في‭ ‬ارتكاب‭ ‬جريمة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬أيا‭ ‬كان‭ ‬انتماؤه‭ ‬السياسي‭.‬

والثاني‭: ‬من‭ ‬حق‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬يتساءل‭: ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬جريمة‭ ‬بحق‭ ‬الوطن،‭ ‬فأين‭ ‬هو‭ ‬الوطن‭ ‬أصلا؟‭.. ‬أين‭ ‬هو‭ ‬لبنان‭ ‬الوطن؟

الحادث‭ ‬كما‭ ‬يعلم‭ ‬الكل‭ ‬أن‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬الطائفية‭ ‬الفاسدة‭ ‬التي‭ ‬تمسك‭ ‬بزمام‭ ‬السلطة‭ ‬منذ‭ ‬سنين‭ ‬طويلة‭ ‬صادرت‭ ‬الوطن‭ ‬وقضت‭ ‬عليه‭ ‬لحساب‭ ‬الطائفية‭ ‬والإجرام‭ ‬والفساد‭ ‬ولحساب‭ ‬دول‭ ‬أجنبية‭ ‬مثل‭ ‬إيران‭ ‬أيضا‭.‬

الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬بجرائمها‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعدُّ‭ ‬ولا‭ ‬تُحصى‭ ‬جعلت‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬اللبنانية‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬الاهتمامات،‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬وجود‭ ‬أصلا‭ ‬لحساب‭ ‬المصالح‭ ‬الطائفية‭.‬

الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬جعلت‭ ‬قيما‭ ‬وطنية‭ ‬كبرى‭ ‬مثل‭ ‬الوطنية‭ ‬والولاء‭ ‬للوطن‭ ‬مهتزة‭ ‬وغير‭ ‬مترسخة‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬العام‭.‬

ليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬النظام‭ ‬الطائفي‭ ‬وتحكم‭ ‬هذه‭ ‬الطبقة‭ ‬في‭ ‬المقادير‭ ‬العامة،‭ ‬يصبح‭ ‬قتل‭ ‬الوطنية‭ ‬والروح‭ ‬الوطنية‭ ‬الجامعة‭ ‬أحد‭ ‬متطلبات‭ ‬استمرار‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬وأحد‭ ‬ضمانات‭ ‬حفاظ‭ ‬هذه‭ ‬الطبقة‭ ‬على‭ ‬سلطتها‭ ‬ومصالحها‭.‬

بالطبع‭ ‬لا‭ ‬ينطبق‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الشعب‭ ‬اللبناني،‭ ‬فقد‭ ‬أثبت‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬انتفاضاته‭ ‬الكبرى‭ ‬وطنيته‭ ‬وولاءه‭ ‬للبنان‭ ‬وكان‭ ‬مطلبه‭ ‬الأول‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬إزاحة‭ ‬هذه‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬الطائفية‭ ‬والانتصار‭ ‬للبنان‭ ‬الوطن‭ ‬الحر‭ ‬المستقل‭.‬

لكن‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الوضع‭ ‬الحالي‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الغريب‭ ‬أبدا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬قوى‭ ‬وفئات‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬لها‭ ‬الوطن‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬ولا‭ ‬يهمها‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬أن‭ ‬تضيع‭ ‬ذاكرته‭ ‬وتاريخه‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬سرقة‭ ‬الأرشيف‭ ‬الوطني‭.‬

الأمر‭ ‬باختصار‭ ‬أنه‭ ‬حين‭ ‬تسود‭ ‬الطائفية‭ ‬وتتحكم‭ ‬طبقة‭ ‬طائفية‭ ‬برقاب‭ ‬البلاد‭ ‬والعباد،‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬إلا‭ ‬الدمار‭ ‬والضياع‭ ‬للوطن‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا