يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
سرقوا ذاكرة لبنان.. عادي جدا!!
الخبر أعلنه زياد المكاري وزير الإعلام اللبناني بنفسه قبل أيام. قال: إن وزارة الإعلام تعرضت لسرقة كبرى، إذ أقدم مجهولون على سرقة أرشيف الوكالة الوطنية للإعلام بالكامل، بالإضافة إلى سرقة خمسة أجهزة كمبيوتر من غرفة الأرشيف. الأرشيف يضم كل المعلومات والصور لكل المناسبات في لبنان منذ عام 1961.
ليس من المبالغة القول بأن هذه السرقة هي سرقة لذاكرة لبنان الوطنية، أو على الأقل جزء كبير جدا من هذه الذاكرة.
البعض وصف السرقة بالغريبة. والوزير اللبناني وصف ما حدث بأنه «يُشكل جريمة بحجم وطن». وقال: «الأرشيف يحمل تاريخ وتراث وطن. من لا يعرف تاريخه كيف يستطيع استشراف مُستقبله؟». وأضاف: «الأرشيف بمثابة كنز للبنان ولوزارة الإعلام، وقد تضرر بسبب الحرب والفوضى في الفترات السابقة، وفُقدت منه مواد.. أعطيت الأرشيف الأولوية مُنذ وصولي إلى الوزارة، وهو إنجاز بمُتناول الدارسين والجامعيين والأكاديميين بعد رقمنته وترتيب وضعه بالشكل العلمي المطلوب».
نستطيع بالطبع أن نفهم هذه الحسرة وهذا الألم الذي يشعر به وزير الإعلام اللبناني. الجريمة ليست حادثة سرقة عادية بل جريمة وطنية كبرى بالفعل.
ومع هذا لا يمكن اعتبار هذه الجريمة غريبة في بلد مثل لبنان.
بداية علينا أن ننتظر نتائج التحقيقات لمعرفة من هم الذين ارتكبوا الجريمة، وما حقيقة دوافع الذين قاموا بالسرقة، وما إذا كانت مادية فقط أم أن هناك دوافع أخرى، ولو أننا تعودنا في لبنان أنه في كل الجرائم الكبرى عادة ما يبقى الفاعل مجهولا.
في كل الأحوال هذه الجريمة يجب النظر إليها من زاويتين أساسيتين:
الأولى: الأمر المؤكد أن الذين أقدموا على ارتكاب هذه الجريمة وطنيتهم وولاؤهم الوطني محل شك.
هم يعرفون أن هذه ليست سرقة عادية، وإنما هي جريمة بحق لبنان وتاريخه وذاكرته الوطنية.
المسألة هنا أن أي إنسان لديه ذرة من الوطنية والولاء للوطن لا يمكن أن يفكر أصلا في ارتكاب جريمة مثل هذه أيا كان انتماؤه السياسي.
والثاني: من حق البعض أن يتساءل: إذا كانت هذه جريمة بحق الوطن، فأين هو الوطن أصلا؟.. أين هو لبنان الوطن؟
الحادث كما يعلم الكل أن الطبقة السياسية الطائفية الفاسدة التي تمسك بزمام السلطة منذ سنين طويلة صادرت الوطن وقضت عليه لحساب الطائفية والإجرام والفساد ولحساب دول أجنبية مثل إيران أيضا.
الطبقة السياسية بجرائمها التي لا تعدُّ ولا تُحصى جعلت المصلحة الوطنية اللبنانية في آخر الاهتمامات، إن كان لها وجود أصلا لحساب المصالح الطائفية.
الطبقة السياسية جعلت قيما وطنية كبرى مثل الوطنية والولاء للوطن مهتزة وغير مترسخة في الوعي العام.
ليس هذا فحسب، بل إنه في ظل النظام الطائفي وتحكم هذه الطبقة في المقادير العامة، يصبح قتل الوطنية والروح الوطنية الجامعة أحد متطلبات استمرار هذا الوضع، وأحد ضمانات حفاظ هذه الطبقة على سلطتها ومصالحها.
بالطبع لا ينطبق هذا على كل الشعب اللبناني، فقد أثبت الشعب في انتفاضاته الكبرى وطنيته وولاءه للبنان وكان مطلبه الأول ولا يزال إزاحة هذه الطبقة السياسية والقضاء على الطائفية والانتصار للبنان الوطن الحر المستقل.
لكن في ظل الوضع الحالي ليس من الغريب أبدا أن تكون هناك قوى وفئات لا يعني لها الوطن أي شيء، ولا يهمها في شيء أن تضيع ذاكرته وتاريخه مثلما حدث مع سرقة الأرشيف الوطني.
الأمر باختصار أنه حين تسود الطائفية وتتحكم طبقة طائفية برقاب البلاد والعباد، لا يعني هذا إلا الدمار والضياع للوطن.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك