العدد : ١٦٨٦٠ - الثلاثاء ٢١ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٦٠ - الثلاثاء ٢١ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

من يحقق التنمية الاقتصادية المستدامة؟ الاقتصاد الرقمي أم الافتراضي أم الحقيقي؟ (2)

بقلم: د. أسعد حمود السعدون

الأحد ٠٥ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

يعد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الرقمي‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬أوسع‭ ‬هي‭ ‬الرقمنة‭ ‬أو‭ ‬التحول‭ ‬الرقمي‭ ‬والذي‭ ‬يعرف‭ ‬بأنه‭ ‬استخدام‭ ‬التقنيات‭ ‬الرقمية‭ ‬الجديدة،‭ ‬مثل‭ ‬الهاتف‭ ‬المحمول،‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬والحوسبة‭ ‬السحابية،‭ ‬وسلسلة‭ ‬الكتل،‭ ‬وإنترنت‭ ‬الأشياء،‭ ‬وشبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والواقع‭ ‬المعزز‭ ‬والروبوتات‭ ‬وتحليل‭ ‬البيانات‭ ‬الكبيرة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬التقنيات‭ ‬المعاصرة‭ ‬لإحداث‭ ‬تطوير‭ ‬نوعي‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬التجارية،‭ ‬وفي‭ ‬الادارة‭ ‬والتخطيط‭ ‬المجتمعي‭ ‬ولتحسين‭ ‬تجربة‭ ‬العملاء‭. ‬

كما‭ ‬عرف‭ ‬بأنه‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬وتغيير‭ ‬السلوك‭ ‬لإحداث‭ ‬تحول‭ ‬جذري‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬عمل‭ ‬قطاعات‭ ‬المجتمع،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجي‭ ‬لخدمة‭ ‬المستفيدين‭ ‬بشكل‭ ‬أسرع‭ ‬وأفضل،‭ ‬ويوفر‭ ‬التحول‭ ‬الرقمي‭ ‬قاعدة‭ ‬علمية‭ ‬ومعلوماتية‭ ‬واسعة‭ ‬لبناء‭ ‬مجتمعات‭ ‬فعالة،‭ ‬وتنافسية‭ ‬ومستدامة،‭ ‬عبر‭ ‬تحقيق‭ ‬تغيير‭ ‬جذري‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬ونوع‭ ‬الخدمات‭ ‬التي‭ ‬تعرضها‭ ‬مختلف‭ ‬الأطراف‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬مستهلكين‭ ‬وموظفين‭ ‬ومستفيدين،‭ ‬مع‭ ‬تحسين‭ ‬تجاربهم‭ ‬وإنتاجيتهم‭ ‬عبر‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬المتناسبة،‭ ‬والمترافقة‭ ‬مع‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬الإجراءات‭ ‬وإعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬القواعد‭ ‬اللازمة‭ ‬للتفعيل‭ ‬والتنفيذ‭. ‬ويتطلب‭ ‬التحول‭ ‬الرقمي‭ ‬تمكين‭ ‬وإطلاق‭ ‬ثقافة‭ ‬الإبداع‭ ‬والابتكار‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬العمل،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تغيير‭ ‬هيكل‭ ‬العمل،‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬ونماذج‭ ‬التشغيل،‭ ‬وانتهاء‭ ‬بتسويق‭ ‬الخدمات‭ ‬والمنتجات،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تأثير‭ ‬واسع‭ ‬ومتعدد‭ ‬الأوجه‭ ‬للتحول‭ ‬الرقمي‭ ‬على‭ ‬استراتيجيات‭ ‬الأعمال‭ ‬لاسيما‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬إعدادها‭ ‬للعقود‭ ‬القادمة‭ ‬ولمختلف‭ ‬القطاعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬التحول‭ ‬الرقمي‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬مختلف‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬ويحدث‭ ‬فيها‭ ‬تطورات‭ ‬جوهرية،‭ ‬ويسهم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة‭ ‬فيها‭ ‬مثل‭ ‬قطاعات‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬والزراعة‭ ‬والصناعة‭ ‬التحويلية‭ ‬والخدمات‭ ‬المالية‭ ‬والاتصالات‭ ‬والمواصلات‭ ‬والخدمات‭ ‬اللوجستية‭ ‬وريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬والمدفوعات‭ ‬والنشاطات‭ ‬المالية‭ ‬والمصرفية‭ ‬الإلكترونية‭ ‬وجذب‭ ‬الاستثمار‭ ‬والتعليم‭ ‬والتدريب‭ ‬والقطاع‭ ‬الصحي‭ ‬والسياحة‭ ‬والثقافة‭ ‬والترفيه‭ ‬والخدمات‭ ‬الإسكانية‭ ‬والعقارية‭ ‬وأعمال‭ ‬الأمن‭ ‬وحفظ‭ ‬النظام‭ ‬وذلك‭ ‬باعتباره‭ ‬خدمات‭ ‬معززة‭ ‬ومكملة‭ ‬وموفرة‭ ‬لسلسلة‭ ‬القيمة‭ ‬فيها‭.‬

ويشير‭ ‬تقرير‭ ‬صدر‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬وحمل‭ ‬عنوان‭ ‬الرقمنة‭ ‬السعودية‭ ‬2023‭ ‬إلى‭ ‬مؤشرات‭ ‬عالمية‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الأهمية‭ ‬تفصح‭ ‬عن‭ ‬الحجم‭ ‬الراهن‭ ‬للتحول‭ ‬الرقمي‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬فقد‭ ‬بلغ‭ ‬مستخدمو‭ ‬الإنترنت‭ (‬5.16‭) ‬مليارات‭ ‬مستخدم‭ ‬يمثلون‭ ‬نسبة‭ (‬64,4%‭) ‬من‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬العالم‭ ‬البالغ‭ (‬8.01‭) ‬مليارات‭ ‬نسمة،‭ ‬وبلغ‭ ‬عدد‭ ‬مستخدمي‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬النشطين‭ ‬نحو‭ (‬4.76‭) ‬مليارات‭ ‬مستخدم‭ ‬يمثلون‭ ‬نسبة‭ (‬59.4%‭) ‬من‭ ‬سكان‭ ‬العالم،‭ ‬فيما‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬مستخدمي‭ ‬الهواتف‭ ‬المحمولة‭ ( ‬5.44‭) ‬مستخدمين‭.‬

أما‭ ‬الدول‭ ‬الأعلى‭ ‬استخداما‭ ‬للإنترنت‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬فهي‭ ‬أيرلندا،‭ ‬السعودية،‭ ‬الإمارات،‭ ‬النرويج‭ ‬وبنسبة‭ (‬99%‭) ‬لكل‭ ‬منهم،‭ ‬وبلغت‭ ‬نسبة‭ ‬التسوق‭ ‬الإلكتروني‭ ‬لشراء‭ ‬منتج‭ ‬أو‭ ‬خدمة‭ ‬أسبوعيا‭ (‬57,6%‭)‬،‭ ‬فيما‭ ‬بلغت‭ ‬نسبة‭ ‬استخدام‭ ‬خدمة‭ ‬الدفع‭ ‬الآجل‭ (‬18,4%‭)‬،‭ ‬وجاءت‭ ‬تايلاند‭ ‬بالمركز‭ ‬الأول‭ ‬بنسبة‭ (‬66,8%‭) ‬تليها‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬بنسبة‭ (‬65,6%‭) ‬واحتلت‭ ‬تركيا‭ ‬المركز‭ ‬الثالث‭ ‬بنسبة‭ (‬64,6%‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬مجال‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬التجارة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬احتلت‭ ‬الملابس‭ ‬المركز‭ ‬الأول‭ ‬تليها‭ ‬الإلكترونيات،‭ ‬فيما‭ ‬جاءت‭ ‬الألعاب‭ ‬بالمركز‭ ‬الثالث‭ ‬والأثاث‭ ‬بالمركز‭ ‬الرابع‭ ‬وأدوات‭ ‬التجميل‭ ‬بالمركز‭ ‬الخامس‭ ‬والأطعمة‭ ‬بالمركز‭ ‬السادس‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المدفوعات‭ ‬الرقمية‭ ‬فقد‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬المستخدمين‭ ‬نحو‭ (‬4,14‭) ‬مليارات‭ ‬مستخدم،‭ ‬فيما‭ ‬بلغ‭ ‬إجمالي‭ ‬القيمة‭ ‬السنوية‭ ‬لمدفوعات‭ ‬المستهلكين‭ ‬الرقمية‭ ‬نحو‭ (‬8.49‭) ‬مليارات‭ ‬دولار،‭ ‬وتتوزع‭ ‬أنماط‭ ‬المدفوعات‭ ‬الرقمية‭ ‬على‭ ‬المحافظ‭ ‬الرقمية‭ ‬بنسبة‭ ‬45%‭ ‬والبطاقات‭ ‬المصرفية‭ ‬بأنواعها‭ ‬32%‭ ‬والتحويل‭ ‬البنكي‭ ‬بنسبة‭ ‬11%‭ ‬والدفع‭ ‬نقدا‭ ‬عند‭ ‬التوصيل‭ ‬بنسبة‭ ‬4%‭ ‬وأنماط‭ ‬أخرى‭ ‬بنسبة‭ ‬6%‭.‬

وبلغ‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬المحتوى‭ ‬الرقمي‭ ‬عالميا‭ ‬نحو‭ (‬331.8‭) ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وتعد‭ ‬جمهورية‭ ‬الهند‭ ‬أعلى‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬إنفاقا‭ ‬على‭ ‬المحتوى‭ ‬الرقمي‭ ‬بنسبة‭ ‬81,6%،‭ ‬ثم‭ ‬المكسيك‭ ‬بالمركز‭ ‬الثاني‭ ‬وبنسبة‭ ‬78,5%،‭ ‬تليها‭ ‬الصين‭ ‬وفيتنام‭ ‬بنسبة‭ ‬78,2%‭ ‬لكل‭ ‬منهما‭.‬

أما‭ ‬أبرز‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الرقمي‭ ‬فتتمثل‭ ‬بالتهديد‭ ‬السيبراني‭ ‬واختراق‭ ‬أمن‭ ‬المعلومات‭ ‬والبيانات‭ ‬الذي‭ ‬رافق‭ ‬نمو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الرقمي‭ ‬وأضاف‭ ‬كلفا‭ ‬جديدة‭ ‬إليه،‭ ‬والذي‭ ‬يعرف‭ ‬بأنه‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬النظم‭ ‬الرقمية‭ ‬والبنى‭ ‬التحتية‭ ‬والمعلوماتية‭ ‬للمؤسسات‭ ‬الحكومية‭ ‬والشركات‭ ‬الخاصة‭ ‬والأفراد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اختراق‭ ‬وسرقة‭ ‬بيانات‭ ‬الهواتف‭ ‬وأجهزة‭ ‬الحاسوب‭ ‬والألواح‭ ‬الذكية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬التقنيات‭ ‬المعاصرة‭. ‬

الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والكيانات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بها‭ ‬مجموع‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬لمكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬السيبراني‭ ‬وأبرزها‭ ‬استراتيجية‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬السيبراني،‭ ‬فقد‭ ‬اتخذ‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬القرار‭ ‬رقم‭ ‬2341،‭ ‬حيث‭ ‬دعا‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬إنشاء‭ ‬أو‭ ‬تعزيز‭ ‬الشراكات‭ ‬الوطنية‭ ‬والإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬مع‭ ‬الجهات‭ ‬صاحبة‭ ‬المصلحة‭ ‬من‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص،‭ ‬بحسب‭ ‬الاقتضاء،‭ ‬لتبادل‭ ‬المعلومات‭ ‬والخبرات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬منع‭ ‬الهجمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬على‭ ‬الهياكل‭ ‬الأساسية‭ ‬الحيوية‭ ‬والحماية‭ ‬منها‭ ‬والتخفيف‭ ‬من‭ ‬آثارها‭ ‬والتحقيق‭ ‬فيها‭ ‬ومواجهتها‭ ‬والتعافي‭ ‬من‭ ‬أضرارها،‭ ‬وذلك‭ ‬بوسائل‭ ‬منها‭ ‬التدريب‭ ‬المشترك‭ ‬واستخدام‭ ‬أو‭ ‬إنشاء‭ ‬شبكات‭ ‬ملائمة‭ ‬للاتصال‭ ‬والإنذار‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الطوارئ‮»‬‭. ‬وللموضوع‭ ‬بقية‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬قادم‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭.‬

{ أكاديمي‭ ‬وخبير‭ ‬اقتصادي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا