العدد : ١٦٨٦٠ - الثلاثاء ٢١ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٦٠ - الثلاثاء ٢١ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

الحج.. وآثاره الاجتماعية!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٠٥ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

الحج‭ ‬هو‭ ‬الركن‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬أركان‭ ‬الإسلام‭ ‬الخمسة،‭ ‬وسلامة‭ ‬هذا‭ ‬الركن‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المسلم،‭ ‬وقوة‭ ‬تماسكه‭ ‬فيما‭ ‬يحدثه‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬اجتماعية‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬المسلمين‭ ‬عمومًا‭. ‬الحج‭ ‬إذًا‭ ‬هو‭ ‬التعبير‭ ‬العظيم‭ ‬لأمة‭ ‬الإسلام‭ ‬التي‭ ‬أشار‭ ‬إليها‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬في‭ ‬قوله‭: (‬إن‭ ‬هذه‭ ‬أمتكم‭ ‬أمة‭ ‬واحدة‭ ‬وأنا‭ ‬ربكم‭ ‬فاعبدون‭) ‬الًأنبياء‭ / ‬92‭.‬

إذًا،‭ ‬فحين‭ ‬تستقيم‭ ‬عقيدة‭ ‬الأمة‭ ‬في‭ ‬الإيمان‭ ‬بخالقها‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬تتحقق‭ ‬وحدتها،‭ ‬ويعلم‭ ‬عدوها‭ ‬سر‭ ‬قوتها،‭ ‬وسبب‭ ‬تماسكها‭ ‬فلا‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬التعرض‭ ‬لها‭ ‬بسوء‭.‬

ومن‭ ‬آثار‭ ‬الحج‭ ‬الاجتماعية‭ ‬تجديد‭ ‬الولاء‭ ‬للخالق‭ ‬تعالى‭ ‬وذلك‭ ‬حين‭ ‬يرددون‭ ‬في‭ ‬يقين‭ ‬وثيق‭: ‬‮«‬لبيك‭ ‬اللهم‭ ‬لبيك،‭ ‬لبيك‭ ‬لا‭ ‬شريك‭ ‬لك‭ ‬لبيك،‭ ‬إن‭ ‬الحمد‭ ‬والنعمة‭ ‬لك‭ ‬والملك‭ ‬لا‭ ‬شريك‭ ‬لك‮»‬‭ ‬هذا‭ ‬النداء‭ ‬العظيم‭ ‬والخالد‭ ‬يشعر‭ ‬الأمة‭ ‬بقوة‭ ‬انتمائها‭ ‬لعقيدة‭ ‬واحدة،‭ ‬وإله‭ ‬واحد‭ ‬لا‭ ‬شريك‭ ‬له‭ ‬سبحانه،‭ ‬ومعلوم‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬شروط‭ ‬هذه‭ ‬الوحدة‭ ‬أنهم‭ ‬يلهجون‭ ‬بالدعاء‭ ‬لإله‭ ‬واحد‭ ‬لا‭ ‬شريك‭ ‬له،‭ ‬وهم‭ ‬كذلك‭ ‬يتجهون‭ ‬في‭ ‬صلاتهم‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬الجهات‭: ‬الأصلية‭ ‬والفرعية،‭ ‬فيحققون‭ ‬بهذا‭ ‬الالتزام‭ ‬الصارم‭ ‬وحدة‭ ‬الأمة،‭ ‬وكمال‭ ‬الرسالة،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (..‬اليوم‭ ‬أكملت‭ ‬لكم‭ ‬دينكم‭ ‬وأتممت‭ ‬عليكم‭ ‬نعمتي‭ ‬ورضيت‭ ‬لكم‭ ‬الإسلام‭ ‬دينًا‭) ‬المائدة‭ / ‬3‭.‬

أيضًا‭ ‬هم‭ ‬يتحدون‭ ‬في‭ ‬لباس‭ ‬واحد‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يتفاضل‭ ‬بعضهم‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬بنفاسة‭ ‬ما‭ ‬يلبسون‭ ‬أو‭ ‬يملكون،‭ ‬وبهذا‭ ‬تحققت‭ ‬وحدة‭ ‬المظهر،‭ ‬فلا‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬غني‭ ‬وفقير،‭ ‬ولا‭ ‬بين‭ ‬واجد‭ ‬ومعدم،‭ ‬وتحقق‭ ‬لهم‭ ‬وحدة‭ ‬الجوهر‭ ‬والاتباع،‭ ‬وهم‭ ‬يناجون‭ ‬ربهم‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬بدعاء‭ ‬اجتمعوا‭ ‬عليه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فرقتهم‭ ‬الغايات‭ ‬الأخرى،‭ ‬والمصالح‭ ‬المختلفة‭.‬

ولأن‭ ‬فريضة‭ ‬الحج‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬الرحلة‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬المسلم،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬بلا‭ ‬عودة،‭ ‬فالحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬يوصي‭ ‬عباده،‭ ‬ومن‭ ‬نوى‭ ‬الحج‭ ‬ويسره‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬له‭ ‬بأن‭ ‬يعد‭ ‬نفسه‭ ‬إعدادًا‭ ‬يليق‭ ‬بعظمة‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬لبيت‭ ‬وضعه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬للناس،‭ ‬ليتوجوا‭ ‬ويختموا‭ ‬حياتهم‭ ‬بهذه‭ ‬الزيارة‭ ‬التي‭ ‬يعلنون‭ ‬فيها‭ ‬انتماءهم‭ ‬لهذه‭ ‬الرسالة،‭ ‬كما‭ ‬يؤكدون‭ ‬بذلك‭ ‬صدق‭ ‬ولائهم‭ ‬لرب‭ ‬هذا‭ ‬البيت‭ ‬الذي‭ ‬أفاض‭ ‬عليهم‭ ‬سبحانه‭ ‬بالنعم‭ ‬الجزيلة،‭ ‬والعطايا‭ ‬الكثيرة،‭ ‬وهداهم‭ ‬إلى‭ ‬سواء‭ ‬السبيل،‭ ‬وصراطه‭ ‬المستقيم،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬الحج‭ ‬أشهر‭ ‬معلومات‭ ‬فمن‭ ‬فرض‭ ‬فيهن‭ ‬الحج‭ ‬فلا‭ ‬رفث‭ ‬ولا‭ ‬فسوق‭ ‬ولا‭ ‬جدال‭ ‬في‭ ‬الحج‭ ‬وما‭ ‬تفعلوا‭ ‬من‭ ‬خير‭ ‬يعلمه‭ ‬الله‭ ‬وتزودوا‭ ‬فإن‭ ‬خير‭ ‬الزاد‭ ‬التقوى‭ ‬واتقون‭ ‬يا‭ ‬أولي‭ ‬الألباب‭) ‬البقرة‭ / ‬197‭.‬

وكأن‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬يأمر‭ ‬عباده‭ ‬المؤمنين‭ ‬الذين‭ ‬اختارهم‭ ‬واصطفاهم‭ ‬لزيارته،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬الزيارة‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬يعلنون‭ ‬فيها‭ ‬الولاء‭ ‬لله‭ ‬تعالى،‭ ‬ويقدمون‭ ‬له‭ ‬فروض‭ ‬الطاعة‭ ‬سبحانه‭ ‬لهذه‭ ‬الزيارة‭ ‬ولما‭ ‬قد‭ ‬ينتج‭ ‬عنها‭ ‬وفيها‭ ‬من‭ ‬رفث‭ ‬وفسوق‭ ‬وجدال،‭ ‬فيأمرهم‭ ‬بأن‭ ‬يدربوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬على‭ ‬كظم‭ ‬الغيظ،‭ ‬والتسامح‭ ‬لما‭ ‬قد‭ ‬ينشأ‭ ‬من‭ ‬ازدحام‭ ‬الحجاج،‭ ‬ما‭ ‬يصدر‭ ‬منهم‭ ‬بسبب‭ ‬اختلاف‭ ‬طبائعهم‭ ‬من‭ ‬الغضب‭ ‬وسوء‭ ‬التصرف،‭ ‬وهنا‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الحاج‭ ‬أن‭ ‬يتمالك‭ ‬نفسه،‭ ‬وأن‭ ‬يدفع‭ ‬نوازع‭ ‬الشر‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تحمله‭ ‬على‭ ‬رد‭ ‬الإساءة‭ ‬بمثلها‭ ‬وربما‭ ‬بأعظم‭ ‬منها،‭ ‬وهذا‭ ‬لن‭ ‬يتحقق‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يدرب‭ ‬المسلم‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬انفعالاته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التدرب‭ ‬على‭ ‬مناسك‭ ‬الحج‭ ‬في‭ ‬بلاده‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬جاء‭ ‬الأراضي‭ ‬المقدسة‭ ‬تجنب‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬الغضب،‭ ‬فيعبدون‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬علم،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬حيث‭ ‬تنظم‭ ‬للراغبين‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬الأماكن‭ ‬المقدسة‭ ‬دورات‭ ‬تدريبية‭ ‬لأداء‭ ‬مناسك‭ ‬الحج‭.‬

ومن‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬تلفت‭ ‬الانتباه‭ ‬ويستشعرها‭ ‬المسلم‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬احترام‭ ‬الشعوب‭ ‬الآسيوية‭ ‬لتعاليم‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬الحج،‭ ‬وهذا‭ ‬كما‭ ‬سبقنا‭ ‬الإشارة‭ ‬إليه‭ ‬بسبب‭ ‬التدريب‭ ‬في‭ ‬بلادهم‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬المناسك‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصلوا‭ ‬إلى‭ ‬الأراضي‭ ‬المقدسة،‭ ‬ويا‭ ‬ليت‭ ‬الشعوب‭ ‬الإسلامية‭ ‬الأخرى‭ ‬تنتهج‭ ‬نهجهم‭ ‬ويهيئوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬لهذه‭ ‬الزيارة‭ ‬العظيمة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬الرحلة‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬المسلم‭ ‬وأن‭ ‬يجعلها‭ ‬مسك‭ ‬الختام‭ ‬لحياته‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا