العدد : ١٦٨٣٥ - الجمعة ٢٦ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٧ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٣٥ - الجمعة ٢٦ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٧ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

كلمتي أمام مجلس السفراء العرب في لندن

بقلم: السفير د. عمر الحسن

الثلاثاء ٢٨ فبراير ٢٠٢٣ - 02:00

بدعوة كريمة من مجلس السفراء العرب في لندن، وبحضور كل السفراء وعددهم 22 سفيرًا، بالإضافة إلى سفير الجامعة العربية؛ تحدثت عن تجربة عمل مجلس السفراء العرب، في الفترة التي كنت فيها سفيرًا لجامعة الدول العربية في لندن، ودبلن، خلال الفترة من عام 1979 حتى 1983.. هذه الدعوة أعادتني إلى الزمن الجميل الذي كانت الأمة تعيشه برغم ما كان بها من حسرات وآلام، كما ذكرتني أيضًا بزملاء كانوا مدرسة في العمل السياسي والدبلوماسي والانتماء العربي، عملت معهم وبتوجيهاتهم، التي كان لها دور في نجاح وتعزيز العمل العربي المشترك، وخدمة المصالح العربية على هذه الساحة المهمة من العالم (بريطانيا)، التي كان لنا معها علاقات تاريخية ممتدة بحلوها ومرها.

بدأت كلمتي بالإشارة إلى أن ظروف عمل ومهام مجلس السفراء العرب، في ذلك الوقت كانت تتسم بالصعوبة البالغة، بعد تجميد عضوية مصر في الجامعة العربية، ونقل مقرها إلى تونس عام 1979، حيث كان ذلك من أهم العلامات الفاصلة في تاريخ العمل العربي المشترك، منذ إنشاء الجامعة عام 1945، باعتبار أن مصر عضو مهم له علاقات واتصالات دولية يصعب لأية دولة عربية أخرى ملء الفراغ الذي تركته.. ومع ذلك فقد تم التغلب على كثير من المعوقات والعقبات، وتحققت العديد من النجاحات والإنجازات من خلال تعاون وتكاتف الجميع، ممن كانوا يؤمنون بأهداف العمل العربي المشترك. وقبل حديثي عن الأدوار التي قام بها المجلس، أشرت إلى هيكله التنظيمي.. فكما هو معمول به في كل العواصم الأوروبية والأمريكية وغيرها، كان المجلس يتكون من العميد، باعتباره السفير الأقدم المعتمد في السلك الدبلوماسي في لندن، إضافة إلى أربع لجان؛ إعلامية وسياسية واقتصادية ومالية، يرأس كل لجنة سفير بالتزكية، وثلاثة أعضاء من السفراء. ومن واقع تجربتي، بينت أن لشخصية العميد ومؤهله العلمي وخبرته الدبلوماسية والسياسية دورا أساسيا في إنجاز المهمات المنوطة بمجلس السفراء، وأن المجلس كان يعمل كمؤسسة، لكل عضو فيها دور يؤديه ورسالة قومية يمارسها، وفق خطط ودراسات وبحوث أعدها، وعلى أساسها كان يقوم بأنشطته، بعيدًا عن العشوائية أو الارتجالية أو ردود الأفعال، ولهذا أصبح نموذجًا يقتدى به على الساحة الدولية، وفق قرار لمجلس وزراء الإعلام العرب عام 1981 الذي توجه بالشكر إلى المجلس وإلى سفير الجامعة. وتابعت بالقول إن اختصاص اللجنة الإعلامية، كان هو إعداد مشروع خطة إعلامية سنوية، تتضمن الدول والجهات التي سيدعو المجلس، الصحفيين ونواب مجلسي العموم واللوردات، إلى زيارتها خاصة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وسوريا، وتونس باعتبارها مقر الأمانة العامة للجامعة العربية، والعراق بسبب الحرب العراقية الإيرانية، ودول الخليج. فضلا عن اللقاءات المقترحة مع مجالس الأحزاب لشؤون الشرق الأوسط (العمال، المحافظين، الأحرار الديمقراطي)، ومع رؤساء تحرير الصحف، ومديري هيئتي التليفزيون (BBC)، و(ITV)، أو شخصيات حكومية وبرلمانية، مثل وزير الخارجية أو رئيس الوزراء، وكذلك زعيمي حزب العمال والأحرار الديمقراطي، وبعض وزراء حكومة الظل، مثل دينيس هيلي، أو مسؤولين بارزين سابقين، مثل إدوارد هيث، رئيس الوزراء الأسبق، وديفيد أوين وزير الخارجية الأسبق، وعليه، تقدم الخطة، إلى مجلس السفراء في اجتماع يحضره جميع الأعضاء؛ لمناقشتها، واعتماد ما يرونه مناسبًا منها، بما في ذلك توفير واعتماد الموازنة المطلوبة بعد دراستها من قبل اللجنة المالية. وبينت أن اللجنة السياسية، تقوم بترجمة الخطة الإعلامية إلى واقع عملي من خلال وضع برنامج لزيارات النواب والصحفيين إلى الدول والجهات المقترحة، وتحديد المواعيد والتواريخ، التي سيتم اللقاء بها سنويًا، مثل المجالس البرلمانية، لكل من حزب المحافظين والعمال، والأحرار الديمقراطي، لشؤون الشرق الأوسط، ومجلس تعزيز التفاهم العربي البريطاني (CABO)، والجمعية البرلمانية الأوروبية العربية، وجمعية (أراب نان اراب فاونديشن Arab non Arab Foundation) المعنية بالعلاقات العربية الأوروبية. ثم أوضحت أن لقاءات المجلس، مع مجالس الأحزاب، كانت من أهم أنشطته، باعتبارها حلقة الاتصال بينه وبين رؤساء وأعضاء تلك الأحزاب، حيث كانت صوتا داعما، يقف إلى جانب القضايا العربية في حال مناقشتها في مجلس العموم، أو في الندوات التي كانت تعقد في مبناه، كما كانت تقوم بترتيب اللقاءات مع وزير الخارجية -آنذاك- اللورد كارينغتون، ومن بعده اللورد جلمور، ثم اللورد دوجلاس هيرد، ومع رؤساء الأحزاب، وتنشط أثناء مؤتمرات الأحزاب السنوية، كما كانت تقوم أيضا بتنسيب أسماء أعضاء النواب المقترح زيارتهم إلى الدول العربية. وكان هذا التوجه واضحًا من الدور الكبير الذي قام به مجلس حزب المحافظين لشؤون الشرق الأوسط -الذي كان عدد أعضائه يقارب 60 نائبا- في إنجاح مهمة الوفد العربي الذي شُكل بقرار من قمة فاس عام 1983، إلى قادة الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن؛ لشرح المبادرة العربية التي أطلقها المرحوم الملك فهد بن عبد العزيز، العاهل السعودي، لإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي. ورأس الوفد إلى لندن، العاهل المغربي المرحوم الملك الحسن الثاني، وكان من ضمن أعضائه السيد فاروق القدومي، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حيث اعترضت رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر، على مشاركته؛ وبالتعاون والتنسيق بين مجلس حزب المحافظين لشؤون الشرق الأوسط، وعميد السلك الدبلوماسي العربي الشيخ ناصر المنقور، ممثلاً لمجلس السفراء العرب، مع مكتب رئيسة الوزراء، ووزارة الخارجية، تم استبداله كحل مقبول بشخصية فلسطينية مرموقة أخرى هي د. وليد الخالدي، الأكاديمي المعروف. وتابعت قائلاً: كذلك، كان لهذه المجالس دور في إنجاح مهمة وفد مجلس جامعة الدول العربية، إلى لندن، برئاسة سمو الشيخ محمد بن مبارك، وزير خارجية البحرين –آنذاك- المشكل وفق قرار مجلس الجامعة عام 1982، بإرسال وفود إلى الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن للمساعدة في إخراج قادة وأعضاء منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت سالمين، والتي كانت محاصرة من قبل القوات الإسرائيلية؛ وضم الوفد وزير خارجية تونس المرحوم الباجي قايد السبسي، وفاروق القدومي، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وعمر الحسن سفير جامعة الدول العربية في لندن، وقد اعترضت رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر، على مشاركة القدومي، ولكن وبعد مفاوضات واتصالات أدارها سمو الشيخ محمد بن مبارك، بالتشاور والتنسيق مع مجلس حزب المحافظين لشؤون الشرق الأوسط، مع عميد مجلس السفراء ناصر المنقور؛ تم الاتفاق على أن يلتقي الوفد وزير الدولة للشؤون الخارجية دوجلاس هيرد، آنذاك، بكامل أعضائه، ثم رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر، من دون مشاركة القدومي، مقابل رفع مستوى الاتصال بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة البريطانية إلى رتبة وزير دولة فيما بعد. وأشرت إلى علاقة مجلس السفراء، وبعثة جامعة الدول العربية، مع وزارة الخارجية، والتي كانت جيدة، ففي مشهد يعكس متانة هذه العلاقات، جاءت تلبية الأمين العام للجامعة العربية الشاذلي القليبي، دعوة وزير الخارجية البريطاني الأسبق اللورد كارينغتون لزيارة لندن، والتي التقى خلالها رئيسة الوزراء، ورؤساء الأحزاب الثلاثة والجالية العربية. وبالمقابل دعا الأمين العام للجامعة العربية، دوجلاس هيرد، وزير الدولة للشؤون الخارجية –آنذاك- لزيارة الأمانة العامة للجامعة العربية في تونس. وبهذا المعنى أيضا، كان حضور وزير الخارجية البريطاني، اللورد كارينغتون عام 1980، حفل تأسيس النادي العربي في لندن، بحضور أكثر من 600 شخصية عربية وبريطانية، بدعوة من عميد مجلس السفراء، ما يدل على عمق هذه الروابط والعلاقات. وأوضحت أن الخارجية البريطانية، كانت تتشاور دائمًا مع مجلس السفراء في القضايا ذات الاهتمام المشترك وتتعاون معه. وبهذه المناسبة ذكرت حادثتين على سبيل المثال وكدليل على ما أقوله: الأولى، في عام 1981، حينما قام عدد من الأشخاص يحملون الجنسية العراقية باقتحام مبنى السفارة الإيرانية في لندن، واحتجاز عدد من موظفي السفارة كرهائن، وبعد أن استمر احتجازهم ثلاثة أيام متتالية دون أن تتمكن الحكومة البريطانية من إيجاد مخرج لهم، طلبت وزارة الخارجية، من مجلس السفراء المساعدة في إقناع المحتجزين بإنهاء عمليتهم سلميًا، وعليه، وافق المجلس على الطلب، وقرر تكليف رئيس بعثة الجامعة العربية عمر الحسن، للقيام بمهمة التفاوض، غير أنه قبل الشروع في ذلك، هاجمت القوات الخاصة البريطانية، مبنى السفارة، وحررت الرهائن واعتقلت المهاجمين. أما الثانية فقد كانت عام 1982، حينما اجتمع مجلس السفراء، واتخذ قرارًا بدعوة رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر، على غداء عمل، والتي رحبت بها من دون تردد، وبعد أن تم تحديد موعدها ومكانها، طلب مكتبها قائمة بالحضور، وكان من ضمنها ممثل منظمة التحرير الفلسطينية، فاعترضت على مشاركته، لكن المجلس أصر على حضوره، وهنا تقدمت وزارة الخارجية باقتراح بأن يسافر ممثل المنظمة في ذلك اليوم، لكن مجلس السفراء اعتبر الموافقة خروج عن الثوابت ولهذا ألغى الدعوة. وتابعت كلمتي حول أن اهتمام مجلس السفراء العرب، امتد ليشمل الجالية العربية وجمعياتها والتي كان عددها يتجاوز ثلاثة ملايين نسمة، والصحافة العربية الصادرة في لندن، فقد أجرت بعثة جامعة الدول العربية مسحًا كاملاً، تضمن قائمة بأسماء أعضاء الجالية العربية العاملة في المملكة المتحدة، في مختلف القطاعات: التعليمية والإعلامية والاقتصادية والطبية والحقوقية والبنكية، معظمهم حصل على الجنسية البريطانية، وأصبح لهم الحق في انتخابات المجالس المحلية والتشريعية انتخابًا وترشحًا، حيث قام المجلس ببناء علاقات قوية معها، واستثمار إمكانياتها بكل فئاتها وجنسياتها في خدمة العمل العربي المشترك على الساحة البريطانية. هذا العمل الذي كان يقوم به مجلس السفراء، ومكتب الجامعة، في لندن وتشعبه وتنوعه في خدمة القضايا العربية كان يحتاج إلى اعتمادات مالية؛ وهنا أشرت إلى أن غرفة التجارة العربية – البريطانية، وافقت بناء على طلب مجلس السفراء على تخصيص جزء من الرسوم التي كانت تتقاضاها نظير تصديقها على شهادات المنشأ للسلع البريطانية المصدرة إلى العالم العربي، لصالح العمل العربي المشترك؛ فأصبحت الغرفة نموذجا اقتدت به الغرف العربية المشتركة في العواصم الأوروبية والأمريكية، بناء على قرار صدر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لجامعة الدول العربية. وإلى جانب غرفة التجارة البريطانية العربية، أشرت إلى الدور الرائد الذي قامت به دول مجلس التعاون الخليجي، من خلال الدعم السياسي وتوفير الموارد المالية اللازمة لنشاط المجلس على الساحة الدولية، وعلى رأسها السعودية، والإمارات، وقطر، والكويت، والبحرين، حيث كان لهذا الدعم، شواهده ومظاهره العديدة على الساحة البريطانية. أما عن الجهات المستفيدة من التمويل، فكانت إلى جانب مجالس الأحزاب – أنفة الذكر - كانت هناك جمعيات أخرى، مثل مركز تعزيز التفاهم العربي البريطاني (CABO)، ورابطة المرأة العربية، وجمعية أصدقاء فلسطين في البرلمان البريطاني، واتحاد طلبة فلسطين، وبعض مراكز الدراسات والبحوث في الجامعات، التي لديها أقسام تهتم بقضايا المنطقة، مثل (اكستر، دارام، اكسفورد، كامبريدج، سواس)، وغيرها، فضلا عن تغطية نفقات زيارات النواب والصحفيين للمنطقة، وحفلات الغداء التي كان يقيمها المجلس على شرف رؤساء وأعضاء الصحف البريطانية، ومديري هيئتي التليفزيون البريطاني BBCوITV وغيرها. وفي كلمتي كان لابد لي من أن أشير إلى جمعية صداقة عربية -أوروبية مسجلة في جنيف، وهي جمعية (أناف)، كان لها دور مهم وفاعل في تعزيز العمل العربي المشترك على الساحة الأوروبية، حيث كانت تشرف على تمويل أنشطة 65 جمعية صداقة عربية –أوروبية، وفق خطة عمل سنوية تتقدم بها كل جمعية في شهر ديسمبر من كل عام إلى مجلس إدارة أناف، الذي كان يعقد جلساته برئاسة اللورد كريستوفر ماهيو، وزير بريطاني سابق، وعضوية السير دينيس وولترز رئيس مجلس حزب المحافظين لشؤون الشرق الأوسط، والسيد هارولد بيلي سفير بريطانيا الأسبق في القاهرة، وروبرت سوان الأمين العام للمجموعة البرلمانية العربية الأوروبية ومقرها بروكسل، ونديم دمشقية سفير لبنان الأسبق في لندن، وعيسى الكواري وزير الإعلام رئيس الديوان الأميري في قطر، وعمر الحسن سفير الجامعة العربية وممثل لمجلس السفراء في لندن. كان تمويل هذه الجمعية سنويًّا يأتي من الدول الخليجية وهي دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر بنصف مليون دولار من كل واحدة منهما، و25 ألف دينار من دولة الكويت. واختتمت كلمتي بتوجيه الشكر إلى دول مجلس التعاون وترحمت على قادته الذين كانوا في ذلك الوقت عماد العمل العربي المشترك وبهم وبدعمهم نجح مجلس السفراء العرب، في لندن، الذي كان منبراً عربيا فاعلاً، في تحقيق إنجازات ملموسة ما زالت أصداؤها باقية إلى الآن، بشهادة جميع الذين عاصروا تلك الفترة الصعبة.

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا