العدد : ١٧٤٤٨ - الثلاثاء ٣٠ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٠ رجب ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٤٨ - الثلاثاء ٣٠ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٠ رجب ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

عام مضى.. الإنجاز الذي لا يُرى

بقلم: نبيلة رجب

الثلاثاء ٣٠ ديسمبر ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬ديسمبر،‭ ‬وأنا‭ ‬أقلب‭ ‬صفحات‭ ‬الأجندة‭ ‬التي‭ ‬اعتدت‭ ‬تدوين‭ ‬ملاحظاتي‭ ‬اليومية‭ ‬فيها،‭ ‬لأرتب‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬العام،‭ ‬توقفت‭ ‬عند‭ ‬صفحة‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬الشهر‭. ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يصادف‭ ‬فيها‭ ‬عيد‭ ‬ميلادي‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬كُتب‭ ‬سوى‭ ‬التاريخ،‭ ‬لكنه‭ ‬أعادني‭ ‬تلقائيا‭ ‬إلى‭ ‬مكالمة‭ ‬قصيرة‭ ‬جرت‭ ‬قبل‭ ‬أسابيع‭ ‬مع‭ ‬إحدى‭ ‬القريبات،‭ ‬كانت‭ ‬تتحدث‭ ‬بنبرة‭ ‬فيها‭ ‬حزن‭ ‬مخفي‭ ‬على‭ ‬نفسها،‭ ‬حيث‭ ‬قالت‭ ‬لي‭ ‬بحزن‭: ‬‮«‬العام‭ ‬انتهى‭ ‬وأنا‭ ‬لم‭ ‬أحقق‭ ‬شيئا‭ ‬يُذكر‮»‬،‭ ‬ربما‭ ‬لأنني،‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬القريبة‭ ‬تماما،‭ ‬كنت‭ ‬أفتش‭ ‬في‭ ‬الصفحات‭ ‬عن‭ ‬إنجاز‭ ‬واضح،‭ ‬عن‭ ‬شيء‭ ‬يستحق‭ ‬أن‭ ‬يُذكر‭.‬

في‭ ‬نهاية‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬يظهر‭ ‬ذلك‭ ‬السؤال‭ ‬المعتاد‭ ‬بصيغ‭ ‬مختلفة‭. ‬فتتسلل‭ ‬المقارنات‭ ‬سريعا،‭ ‬وتطفو‭ ‬عناوين‭ ‬جاهزة‭ ‬لما‭ ‬يفترض‭ ‬أنه‭ ‬حدث؛‭ ‬إنجازات‭ ‬واضحة،‭ ‬خطوات‭ ‬قابلة‭ ‬للعرض‭. ‬عندها‭ ‬يختصر‭ ‬العام‭ ‬كله‭ ‬في‭ ‬النتيجة‭ ‬الظاهرة‭ ‬فقط،‭ ‬وكأن‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬خطوة‭ ‬مكتملة‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬أن‭ ‬يحسب،‭ ‬ولا‭ ‬أن‭ ‬يروى‭ ‬بسياقه‭.‬

الزمن‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬يسير‭ ‬بخطوط‭ ‬مستقيمة؛‭ ‬خطط‭ ‬تعاد،‭ ‬أولويات‭ ‬تتبدل،‭ ‬وأحيانا‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬ما‭ ‬نعيشه‭ ‬تقدما‭ ‬أو‭ ‬توقفا،‭ ‬بل‭ ‬محاولة‭ ‬لإعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬الحياة‭ ‬بما‭ ‬يناسب‭ ‬شكلها‭ ‬الجديد‭. ‬لكننا‭ ‬نحاسب‭ ‬أنفسنا‭ ‬كأننا‭ ‬كنا‭ ‬نعمل‭ ‬في‭ ‬مساحة‭ ‬ثابتة،‭ ‬لا‭ ‬وسط‭ ‬حياة‭ ‬أعادت‭ ‬ترتيب‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭.‬

في‭ ‬مجتمع‭ ‬صغير‭ ‬مثل‭ ‬مجتمعنا‭ ‬المتداخل،‭ ‬لا‭ ‬يظل‭ ‬هذا‭ ‬التقييم‭ ‬شأنا‭ ‬داخليا‭ ‬خاصا‭. ‬حيث‭ ‬الأخبار‭ ‬تنتقل‭ ‬بسرعة‭ ‬البرق؛‭ ‬من‭ ‬ترقى،‭ ‬من‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬جديد،‭ ‬من‭ ‬أكملت‭ ‬الماجستير‭. ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يقصد‭ ‬المقارنة،‭ ‬لكنها‭ ‬تحدث‭. ‬تتراكم‭ ‬الصور،‭ ‬وتبدو‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬أكثر‭ ‬اكتمالا‭ ‬مما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬فعليا‭.‬

ثمة‭ ‬مفارقة‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬احتفائنا‭ ‬بالنجاح؛‭ ‬نصفق‭ ‬للنتيجة‭ ‬النهائية،‭ ‬بينما‭ ‬نتجاهل‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬سبقتها‭. ‬الطبيب‭ ‬الذي‭ ‬افتتح‭ ‬عيادته‭ ‬لم‭ ‬يُحتف‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬دراسته‭ ‬المرهقة،‭ ‬والكاتب‭ ‬الذي‭ ‬نشر‭ ‬كتابه‭ ‬لم‭ ‬يذكر‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يكتب‭ ‬فيها‭ ‬ويحذف‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬أحدا‭. ‬لذلك‭ ‬حين‭ ‬نقيم‭ ‬عامنا،‭ ‬ربما‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتذكر؛‭ ‬ليست‭ ‬كل‭ ‬السنوات‭ ‬مصممة‭ ‬لتكون‭ ‬سنة‭ ‬الوصول،‭ ‬بعضها‭ ‬مخصص‭ ‬للصعود‭ ‬فقط‭.‬

وهناك‭ ‬من‭ ‬يحمل‭ ‬ثقلا‭ ‬مضاعفا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التوقعات؛‭ ‬المرأة‭ ‬التي‭ ‬ينتظر‭ ‬منها‭ ‬التفوق‭ ‬في‭ ‬أدوار‭ ‬متعددة‭ ‬في‭ ‬آنٍ‭ ‬واحد،‭ ‬الشاب‭ ‬الذي‭ ‬يقاس‭ ‬نجاحه‭ ‬بمعايير‭ ‬الجيل‭ ‬السابق‭ ‬رغم‭ ‬اختلاف‭ ‬الظروف،‭ ‬من‭ ‬يعيل‭ ‬أسرة‭ ‬ويتوقع‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يبني‭ ‬مسيرته‭ ‬المهنية‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬التعب‭. ‬التوقعات‭ ‬لا‭ ‬تهدأ،‭ ‬ولا‭ ‬تمنح‭ ‬مساحة‭ ‬كافية‭ ‬للتفاوت‭.‬

لهذا‭ ‬السبب،‭ ‬لا‭ ‬تبدو‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحكام‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬منصفة‭. ‬ليست‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬قلة‭ ‬الجهد‭ ‬دائما،‭ ‬إنما‭ ‬في‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬نقيّم‭ ‬بها‭ ‬الأمور‭. ‬هناك‭ ‬أعوام‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اختصارها‭ ‬في‭ ‬إنجاز‭ ‬واحد،‭ ‬ولا‭ ‬شرحها‭ ‬في‭ ‬سطر‭. ‬أعوام‭ ‬كان‭ ‬ثقلها‭ ‬في‭ ‬الاستمرار،‭ ‬وفي‭ ‬التعلّم،‭ ‬وفي‭ ‬التخلّي‭ ‬عن‭ ‬أشياء‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تشبهنا،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يظهر‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬واضحة‭ ‬للآخرين‭.‬

فعندما‭ ‬نقلب‭ ‬آخر‭ ‬صفحات‭ ‬التقويم،‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬حكم‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬أنفسنا‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬معايير‭ ‬الحكم‭ ‬نفسها‭.‬

أن‭ ‬نلتفت‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬المرات‭ ‬التي‭ ‬تكيفنا‭ ‬فيها‭ ‬مع‭ ‬تغييرات‭ ‬لم‭ ‬نخطط‭ ‬لها،‭ ‬وإلى‭ ‬العلاقات‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬صحة،‭ ‬وإلى‭ ‬الحدود‭ ‬التي‭ ‬تعلّمنا‭ ‬رسمها‭ ‬دون‭ ‬ضجيج،‭ ‬وإلى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تركه‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬وعينا‭ ‬وفي‭ ‬قدرتنا‭ ‬على‭ ‬التوقف‭ ‬حين‭ ‬نحتاج،‭ ‬أو‭ ‬الاستمرار‭ ‬حين‭ ‬لا‭ ‬خيار‭ ‬آخر‭.‬

قد‭ ‬يكون‭ ‬الإنجاز‭ ‬الحقيقي‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬ننكسر،‭ ‬وأننا‭ ‬صرنا‭ ‬نعرف‭ ‬متى‭ ‬نتوقف،‭ ‬وأننا‭ ‬ما‭ ‬زلنا‭ ‬هنا‭ ‬نحاول،‭ ‬وهذا،‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬كهذا،‭ ‬ليس‭ ‬بالأمر‭ ‬القليل‭.‬

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا